أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - توفيق أبو شومر - قصة جاري الحمار!














المزيد.....

قصة جاري الحمار!


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 8180 - 2024 / 12 / 3 - 22:12
المحور: كتابات ساخرة
    


اعتدتُ أن أراقب الحمار الهزيل ذو اللون الرمادي كل صباح، هو مربوط بسلسالٍ حديدي ينتهي بقفل كبير إلى الهيكل الإسمنتي لعمود الكهرباء، كنتُ أُحس بسعادته عندما يُحرره صاحبه من العربة الخشبية الثقيلة عند حلول المساء، كان يصدر نهيقا طويلا وكأنه تخلص من عبء ثقيل، طلبتُ ذات يوم من صاحبه أن يطيل له الحبل حتى يستلقى على الأرض، نظر إليَّ صاحبُه نظرة استغراب ممزوجة بالاستنكار، ولم يرد عليَّ، كانت المسافة بين مكان نومي ومكان ربط الحمار واستراحته في الشارع العام المكتظ بالخيام أقل من ستة أمتار، يفصلني عن مربطه قماشُ الخيمة فقط!
منذ أن قرأت كتاب (حماري الحكيم) في القرن السالف وأنا أحاول أن أفسر لغة الحمير كما فسرها الكاتب والأديب الساخر توفيق الحكيم،
اعتدت أن أركب على عربة جاري الحمار الخشبية كل يوم، وجهُهُ محاطٌ بلجام من الجلد القاسي، وغطاء من الجلد على جوانب عينيه ليلتزم بالمسار المحدد التزاما تاما، لجام جلدي معقود بين فكيه يصل إلى يد صاحبه، انبوبان من الحديد الصدئ يربطان العربة الخشبية بجانبي ظهره، هو أسير سجين، يجر العربة الخشبية وعلى متنها أكثر من عشرة مسافرين وسط شارع مملوء بمياه سوداء آسنة، على الرغم من كل هذه العبودية فأنه يحتمل كرباج قائده التي أدمت مؤخرته، ظهره لوحة مشوهة من القروح والجروح، كنتُ أبعد نظري عن ظهره المشوه، توقفتُ عن توجيه اللوم والتقريع لصاحبة، كنت دائما أُردد: "حرام عليك، كفَّ عن ضربه" لكنني تذكرتُ ردا وقحا من أحد مالكي الحمير عندما قال رجلٍ أحس بالشفقة على حمار أصابه الإعياء لثقل الحمولة فانهار على الأرض، طالب هذا الرجلُ الرحيمُ من صاحب الحمار أن يكف عن ضرب حماره رأفة به، غضب صاحب الحمار المشغول بضرب حماره المنهار على الأرض بعصا غليظة لينهض، قال للرجل الرحيم: "اسكتْ بدلا من أن أربطك مكانه"!
قررتُ أن استكنه شكوى جاري الحمار، وأن أصوغ حوارا بيني وبينه على غرار الحوار الذي دار بين توفيق الحكيم وحماره الحكيم في كتاب، (حماري قال لي) جاري الحمار في خيمة اللجوء قال لي: "أنتم بني البشر ناكرو معروف، تضطهدون من ينفعكم، وتعلون مراتب من تخشونهم ويضرونكم، أنتم تكافئوننا على تضحياتنا من أجلكم بالنكران والجحود، فنحن الحمير الوحيدون الذين يُقايضون العمل الشاق بالأكل فقط، ليس لدينا ملابس فاخرة للحفلات، وسلاسل ذهبية للمناسبات، وليس في جيوبنا أوراق مالية، وليس لدينا مصوغات ذهبية وحسابات بنكية، نتغذى على بقاياكم، وعلى الرغم من ذلك فإننا اليوم نعاني من المجاعة أكثر من معاناتكم، ما أشد ظلمكم لنا أيها المنكوبون بالاحتلال! فأنتم تنفسون فينا ضائقتكم، ألا يكفي أننا أصبحنا بديلا عن سيارات الإسعاف، نحمل مرضاكم وجثث شهدائكم، وننقل متاعكم الثقيل بدون أن نشكو، وها أنتم تركبون ظهورنا صباحا ومساء، نوصلكم إلى مبتغاكم، نحن لا نحتاج إلى شكركم، بل نحتاج فقط إلى أن ترفعوا عن ظهورنا سياطكم، وأن تطعمونا ما يجعلنا نحتمل أوزاركم"
كان جاري الحمار يستغل الفترة القصيرة جدا لاختفاء صوت بوق الطائرة الزنانة الذي يقتحم الآذان ويشوش العقول، لكي يرسل نهيقا طويلا ينتهي دائما بصوت صفيرٍ بكاء حاد، وكأنه صراخ طفلٍ يطلب وجبة إفطارٍ تعينه على شقاء يوم طويل!
كنتُ عندما ألقي له بعض ما يتوفر لديَّ من طعام أحس بأنه يود بحركة قدميه وتحريك أذنيه أن يشكرني، كنت أشعر بألمه وحزنه وبكائه، كنتُ أتجنب أن أنظر إلى ظهره الذي كان أشبه بخريطةٍ جغرافية محفورة بألة حادة!
شكرا للأديب توفيق الحكيم لأنه علمني كيف أستكنه لغة الحمير، فقد أجرى هذا الأديبُ حوارا شيقا بينه وبين حماره، ومما جاء في كتابه على لسان حماره عندما افتخر بسلالته الحميرية قال: "نحن الحمير ليس عندنا زعماء، وقادة، ولا أوثان، ولا أوطان، بل يوجد حميرٌ على أرض الله، شعورُها واحدٌ، وقلبُها واحد، نحنُ الحمير، نُفكِّر جميعُنا تفكيرا واحدا، ليس عندنا حمارٌ (مثالي) وآخرُ (ماديٌ) فمنذ ظهورنا على الأرض، لم يُعرَف أننا سرقْنَا أكثر مما نستحقُّ بعرق الجبين، ولا نَعِمْنا بالترفِ والدلال، كما تنعم الخيول، حتى أنكم، أيها البشر، تنعتون مَن يعمل بِجِدٍّ وتفانٍ من جنسكم تصفونه بفخر قائلين: إنه (حمار شُغل)"
ذات يومٍ اقترح حمار الحكيم أن يستحدث حزبا سياسيا، فصاغ حمار الحكيم مبادئ الحزب قائلا: "نحنُ نشأنا في هذا البلد، نَعِمْنا بخيرهِ وخميره، رعيْنا برسيمَه، ونجيله، كلنا من أصحاب الفكر الراجح، ومِن قادة الرأي الناصح، لذا قررنا أن نساهمَ في الحركة السياسية بنصيبٍ، والعمل لمصلحة الغير، وإنكار المصالح الشخصية، هذا هو المأثور عن جنسنا، جنس الحمير"
علق توفيق الحكيم على مبادئ حزب الحمير قائلا: "إذا أردنا نحن البشر أن تشكل حزبا بشريا، يجب علينا أن تضع قبل المبادئ السابقة كلمة (لا) أي، لا للعمل لمصلحة الغير، ولا لإنكار المصلحة الشخصية"
وفي لقطة ساخرة من الكتاب قال الحمار لصاحبه: "هل نسيتَ أيها الكاتب يومَ أحصيْنا ما نشرتَه من أفكار في الصحف والمجلات، فوجدنا أنَّ كلَّ آرائكَ السياسية الحكيمة والحصيفة خرجتْ من رأسي أنا الحمار، أما آراؤكَ السخيفة خرجت من رأسكَ أنت؟! اضطرب توفيق الحكيم وهمس في أذن حماره وقال: "هِس، حتى لا يسمعك أحدٌ"
أما عن جاري الحمار المنكوب بالجوع والألم فقد استيقظتُ في صباح يومٍ ماطر، كنت قد جمعت بقايا بعض الأطعمة في كيسٍ صغير لأضعها أمامه كإفطارٍ يعوضه عن شح الغذاء الأخضر واليابس، لكنني لم أجد جاري الحمار، كانت سلسلة لجامه الحديدي ما تزال مربوطة بعمود الكهرباء المثبت بالأسمنت المسلح بدون وجود جاري الحمار!
كنت أظنُّ أن صاحبه قد بكَّر في ركوبه إلى مهمة جديدة، غير أنني فوجئتُ بأن صاحبه يجري نحوي باضطراب يسألني: "هل رأيت الحمار؟ هززتُ رأسي نافيا، ابتسمتُ لتحرر الحمار من ربقة القيد، ظل صاحبه يردد وهو يسأل المحيطين عنه: "سُرقت ثروتي ومصدر رزقي ورزق عائلتي، أنا بعده لا أساوي شيئا، ثمن شراء حمار جديد أغلى من ثمن السيارة الحديثة"!



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شمال إسرائيل، أم جنوب لبنان؟
- طاحونة والدي!
- لماذا اختارت الحكومة العميقة ترامب؟
- جنازتان لم أحضرهما!
- لا تحولوا إعلام الكوارث إلى إعلام تسلية!
- كاوبوي البورصات، وأبطال الصناعات!
- مولودة في خيام النازحين!
- هل خسائرنا تكتيكات؟!
- الاغتيالات في إسرائيل!
- دفنوها في حضن قبر أبيها!
- مصادر قوة نتنياهو السرية!
- القبض على مياه المطر!
- استطلاعات الرأي سلاح خطير!
- اصطياد الإنترنت على شواطئ غزة!
- هل أزالت حرب إبادة غزة (ديموقراطية) إسرائيل؟
- قصة أفلاطون في خيمة اللجوء!
- إسرائيل أو أمريكا أيهما القائد؟!
- Baby Sitter من الإيباك لكل عضو كونغرس أمريكي!
- قصة فرن الطين وسط خيام النازحين
- إعلام التضخيم والتقزيم!


المزيد.....




- قدمت آخر أدوارها في رمضان.. وفاة الممثلة التونسية إيناس النج ...
- وفاة الممثلة التونسية إيناس النجار إثر مضاعفات انفجار المرار ...
- فيلم -وولف مان-.. الذئاب تبكي أحيانا
- الفنانة التونسية إيناس النجار تودع الحياة بعد صراع مرير مع ا ...
- وفاة الفنانة إيناس النجار بعد إصابتها بتسمم الدم
- نيكاراغوا.. افتتاح مهرجان الأفلام الحربية الروسية
- سنو وايت، فيلم أشعلت بطلته الجدل، ما القصة؟
- بجودة عالية..استقبال تردد قناة روتانا سينما على النايل سات و ...
- أجمل عبارات تهنئة عيد الفطر مكتوبة 2025 في الوطن العربي “بال ...
- عبارات تهنئة عيد الفطر بالانجليزي مترجمة للعربية 2025 “أرسله ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - توفيق أبو شومر - قصة جاري الحمار!