|
محراب البهجة: راية الحبّ البيضاء - رواية تؤسس أدبا كنعانيا (5)
حسن ميّ النوراني
الإمام المؤسِّس لِدعوة المَجْد (المَجْدِيَّة)
الحوار المتمدن-العدد: 8179 - 2024 / 12 / 2 - 21:49
المحور:
الادب والفن
*اطلب/ي الرواية كاملة من المؤلف بالاتصال على واتساب 972592588528+
ماس يتحرك في أحشاء ماريا... - ماذا تتوقعين؛ هل هو ذكر أمْ أنثى؟! - أودّ أن يكون في رحمي اثنان أو أكثر! - ستُرهقين برضاعتهم والسهر عليهم وتربيتهم! - يهون عليّ كل أمر من أجل أن تعلو راية الحبّ البيضاء فوق كل الرايات! - ربّة الحبّ أنتِ يا ماريا، ومن رحمك الطاهر سينهض نبي كما نهض من اليسوع عيسى من رحم ماريا اليهودية القديسة؛ ومن قلبك سيُبعث ربّ الحبّ وسيصعد ليجلس على الكرسي العالي وينزّل نور الحب على كل قلب ويضئ كل درب فتُنبت الأرض طيبات مشاع لكل من يدبّ عليها وتخلد الحياة ويغيض الجهل والمرض والبؤس والموت! - وأنتَ أبا زرعي حارس حقلي وبهجة حبي وأول الكون بلا بدء وكل كون بلا نهاية من ضلع منك خلقتُ ولك جُعلتُ وخضعتُ ورضيتُ ورثتُ خصالي عن ابي وأمي عن أمها وأبيها ورثاها كما تعلماها من الكتب وترسخت فيهما كما فُرضتْ عليهما وعليّ أيضا... - كلا يا ماريا كلا! - قالت الكتب: وللرجال عليهن درجة! - تقول ربّة الحب المبتهج: وللنساء عليهم درجات؟! - قالت الكتب: الرجال قوامون على النساء! - كتاب الحب يقول: ها قد صدقت الكتب يا ماريا فالرجال حرّاثون بذّارون خدامون في مملكة الحب والنساء تحتهم فوقهم في قلوبهم أمامهم خلفهم على أكتافهم في أحضانهم في نومهم في صحوهم في قربهم في بُعدهم! - وماذا يقول كتاب الحب أيضا؟ - يقول: ويح الرجال يشتهون النساء ويسومونهن صنوف الشقاء! - زد وبشِّر! - شكت أمّ أطفال أيتام جوعى عمرَ لعمر: يتولى أمرنا ويغفل عنا... - حمل عمر من بيت مال المؤمنين وعلى ظهره قوتا وأطعم الصغار بيده! - حاكم عادل وتاريخ مضيئ! - وحاضر مظلم! - لكن عمر ضرب بالدرة أمَة تشبهت بالحرائر من المسلمات! - في كتاب الحب يا ماريا يا بهجة قلبي كل النساء كريمات في النور حرائر يلدن كراما أحرارا... كتاب الحب كتاب نورنا وحريتنا وبهجتنا! - لماذا بات الناس هنا ينفرون مني ومنك؟! جاءت بهيجة ومعها الحمارة والطفلان؛ أعدتُ سؤال ماريا: لماذا بات الناس ينفرون من ماريا ومني؟! قالت بهيجة: ومني أيضا... هزت الحمارة رأسها وذنبها وشردت عيناها ونهقت ورفست في الهواء بأعلى صوت ثم قالت لطفليها: اركباني يا أبناء الجنيّة! خيم الصمت علينا وشردت أذهاننا ثم ابتسم كل منا لرفيقيه ونهضنا ولعبنا الحجّيلة حتى نال منا التعب فتمددنا وكنتُ بين ماريا وبهيجة وعاد الصمت يلفنا حتى قطعته بهيجة: لا يقترب الناس مني علانية ولكنهم يتزاحمون في حجرتي متدافعين تحت جنح الظلام! قالت ماريا: هكذا لن نستطيع إقامة مهرجاننا...! قلت: لن يهزموا رايتنا، وسيرتد الكيد إلى نحور أهله! قالت بهيجة بصخب طفولي مبتهج: هل أعددتِ خطاب المهرجان يا ماريا؟ قلت: دعونا نتمهل حتى نستوضح ما يجري في الخفاء! اضفت: هيا بنا إلى حجرتك يا بهيجة لنسمع منها خطبة الجمعة! حجرة بهيجة تضطرم بعبق عطر أنثوي عتيق شبق طاغ مستبد جَسور، وأعترف أنه شهّاني في صاحبته البالغة مائة عام ولكنها في بهاء الصبايا... ارتقى خطيب الجمعة منبره، وارتقيت أنا منبري! زغردت ماريا، وغابت بهيجة في نشوة استمرت حتى الفجر التالي؛ فتحت عيناها وقالت لماريا: للحياة مذاق لم أخبره قبل ظهيرة الأمس! أنهى خطيب الجمعة خطبته الأولى بتلاوة أية القرآن الكريم التي تقول: اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة! تجاهل أو نسي أن يلقي الخطبة الثانية وأمر بإقامة الصلاة! ثم تزاحم المصلون للخروج من باب المسجد الضيق وتعالى صخب شجار بين اثنين على حذاء كالح تنازعا عليه وكل يقسم بأغلظ الأيمان أنه حذاؤه؛ وارتفعت أصوات تلعن من تجرأ على سرقة أحذيتهم وتتوعدهم بعذاب شديد من الله يوم الحساب، وتلاعن ناس مع باعة وقفوا خارج المسجد وارتفع صوت يقول: عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: من غشنا فليس منّا؛ فرد ثان بسخرية جارحة أليمة: هكذا لن يبقَ في أمة محمد أحد! فعقّب ثالث: الخير فيّ وفي أمتي إلى يوم الدين؛ وقال رابع: إلا القليل القليل! وقال خامس: لا تيأسوا من رحمة الله! وقال سادس: اقتربت الساعة! أضاف سابع: وانشق القمر؛ وقال ثامن: خرج قرن الشيطان! وأضاف تاسع: ويأجوج ومأجوج تكادان تزحفان! وصاح عاشر: اقتربت الجولة الأخرى بين المسلمين واليهود وسنذبح رجالهم ونغنم أموالهم ونسترقّ غلمانهم ونساءهم كما ذبح أعظم الأنبياء محمد علية صلوات الله وتسليمه يهود بني قريظة؛ قال حادي عشر: قتلة الأنبياء، يستحقون ذلك! قال ثاني عشر: أبناء القردة والخنازير! قلت: وكرمنا بني آدم! وقرأ شيخ المسجد: فإذا جاء وعد الآخرة ليسوئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا، وستظهر عن قريب الفئة التي تنبأ الصادق الأمين بظهورها في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ووصفها عليه الصلاة والسلام بأنها طائفة من أمتي لا تزال على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك؛ فقالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس؛ وسيظهر المهدي ويملأ الأرض عدلا... وقال رجل لآخر: هيا بنا، أولادي لن يتركوا لي حصة من الغداء؛ فسأله الآخر: ما غداؤكم؟ أجاب: عدس! قال الآخر: رائحة طبيخ العدس تزكم الأنوف! كنت أسمعهم وأنا أراقبهم من نافذة حجرة بهيجة؛ قلت بصوت جهوري: قضى العدل أن يطبخ كل أهالي المعسكر عدسا؛ فما حاجتنا إلى المهدي يا ماريا؟! قال خطيب الجمعة: اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة! قلت: غداء بهيجة اليوم فتّة بإلية خروف؛ رد الخطيب: أنا ضيف بهيجة الآن؛ ودفعني وقفز من نافذة الحجرة وتربع في وسطها وخلع الجبة والعمامة وألقى بمسبحته ومسد لحيته وقال أُشْهِد اللهَ ونبيه أنك من عتقاء النار ومقامك الجنة وأن ماريا وبهيجة زوجتاك فيها...! كانت بهيجة ثملة متمددة على ظهرها، وشبه عارية؛ ومثلها كانت ماريا! لكن الجوع كان يعض الشيخ فلم يبال بما تشاهده عيناه والتهم ما في القصعة وحمد الله وغادر متخما مترنحا...! قلت بصوت عال ليسمعني: اين سيظهر المهدي ليملأ الأرض عدلا؟! لم يلتفت ولم يبال بسؤالي! كان يسكن في بيت يجاور بيت بهيجة، فسمعته يأمر زوجته أن تأتيه بغدائه! وقبل أن يحل الظلام، ارتفع صوت قارئ القرآن في زقاق الشيخ وتزاحمت مناكب أهل المعسكر، وترحموا عليه؛ وجلسوا القرفصاء واشعلوا لفافات التبغ وتفلوا وصخبوا وذكروا سيئات أعمال الميت! لكن ماريا صاحت: اذكروا حسنات أمواتكم واستغفروا لهم! قلت: وأحيائكم! وعادت ماريا تقول: للمآتم وقارها وآدابها فاصمتوا وتفكروا واسألوا اللهَ في سرائركم الطهارة والسلام لأرواح من مات ومن لم يمت واسألوه بركاته ومجدا للإنسان وكرامة! وأطبق الظلام وحملت النسوة أطباق العدس وأرغفة لا تزال ساخنة ورؤوس البصل وفصوص الثوم وحبات الطماطم وقرون الفلفل الحار وقلل الماء وأباريق الشاي بالنعناع وكؤوسه المعدنية الصدئة وتحلق الرجال والتهموا الطعام والشراب وتناقلوا أخبار النساء وقهقهوا وعضوا شفاههم وداعبوا أسافلهم وسعلوا وعادوا يدخنون ثم انفضوا بعد أن كانوا قد نسوا خطيب مسجدهم ونامت بيوت المعسكر تحت سحابة ثقيلة يتلاطم فيها شخير لا يتخلف عن المشاركة فيه احد من الذكور البالغين الآيسين ولم ينقطع حتى آذان الفجر؛ لكن ماريا همست في أذني أنها تسمع حسيسا أنثويا ملتاعا مجدولا من غنج وتنهد وتأوه وشهيق وزفير وتألم في الأفنية المفتوحة تحت النجوم فتذوب الأصوات الخفية في فوح الحياة العطر وترتقي في المدارج الوضّاءة! سالتُ ماريا: كيف ينجبن إذن؟! قالت: إن الله على كل شيء قدير! قلت: تبارك الله ربي وربك رب المحبين! قالت: رب الأحرار به المبتهجين بحبه الأكرمين! ... ولا تزال بهيجة سكرى وللمرة الأولى بكأس طيب ارتشفته حتى الثمالة! سالتُ ماريا: هل تحمل بهيجة مني! - أجل؛ فالحب بذرة لا محيد لها عن إبداع الحياة في كل حقل! - بلا استثناء؟! - آجل؛ فالحب سرّ الكينونات وربتها وبهجتها السفلى والمتعالية! - ألا تغاري يا ماريا؟! - أتغار من تحب أيها الحب! - اذا حملت بهيجة، فسيستشيط أعداء الحب غضبا، وستشتد حرب الاحتلال العنصري الجاهل المظلم الغاصب المنغلق الظالم على راية الحب البيضاء، وسيفجرون بركانا هائجا علينا! - وسيتحالف معه الجهلاء من قومنا ضدنا! - وفي الجمعة القادمة، سيعيد الخطيب الجديد ما ردده ميت اليوم وسيتفاقم العدوان وبغيُ السلطان! - أمّا الحب فلن يندحر ولن ينهزم! - طبيعة الحب أن لا يندحر ولا ينهزم! - الله نور حبنا المنفتح المتعالي المبتهج! - ستعلن منابر صلاة الجمعة القادمة ظهور المسيخ الدجال! - وستقصف طائرات الاحتلال العمياء راية الحب البيضاء! - ستبقى راية الحب البيضاء خفاقة فوق كل الرايات ولن نهون ولن نخذلها ولن تنحني قامتها ولن يطأطئ رأسها وسترقى من سماء إلى سماء فوقه حتى تعانق عرش الحب الأعظم! عادت الحمارة وطفلاها بعد غياب خلناه دهرا... تعانقنا، وبينما الطفلان في حضني، سالتهما: أين كنتما يا حبيبيّ؟! قالت الحمارة: أخذتهما إلى أخوالهما... - حمير؟! - كلا! - ألستِ حمارة بنت حمارة وحمار؟! - كلا! تركتنا وانصرفت تعدو مرحة وتنهق! وقالت بهيجة: أشعر بالحاجة إلى الخلاء! وفي الخلاء المهيب، قررنا العودة... اتجهنا نحو الشمال مشاة عراة حفاة... وحين وصلنا أول قرية وراء حدود هدنة الـ 1948م التي تفصل أراضي قطاع غزة عن الأراضي الكنعانية المغتصبة التي تقوم فيها الدولة الإسرائيلية، قفز الطفلان بجذل فاعتليا ظهر أمهما... كانت قد سبقتنا إلى هنا... سرنا بين كثبان بلدة هربيا المغتصبة حتى جاوزناها؛ ارتقينا كثيبا عاليا... انظروا؛ تلك مدينة أمي؛ صاحت بهيجة وهي تقفز في الهواء وتصفق! زغردت ماريا وسألت: أأخوالك مجدليون؟! أجل، أخوالي هم من انحازوا إلى قرار تقسيم كنعان بين العرب والإسرائيليين! قلتُ أداعبها بلهجة مجدلاوية: ياريتهم كسَّمُوْ! يمازح الناس أهلَ المجدل ويعيدون على مسامعهم عبارتهم التي لم تُنسَ: يا ليتهم قسموا كنعان بيننا وبين المهاجرين اليهود من شتى بقاع الأرض إلى وطننا... القيادات الكنعانية وبدعم من القيادات العربية رفضوا قرار التقسيم الذي دعت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة إليه بتاريخ 29 نوفمبر عام 1947م... قبلت القيادة الإسرائيلية حينئذ قرار التقسيم، واستندت إليه فأعلنت قيام دولتها على أرض كنعان، عام 148م... أما لدينا، فقد كان القبول بقرار التقسيم خيانة وطنية عظمى؛ لكنه لدى أهل المجدل المعروفين بحنكتهم في تدبير شؤون الحياة، فقد كان حكمة! وحين خرج الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة عن الإجماع العربي الشعبي والرسمي، ودعا خلال زيارته في الثالث من مارس عام 1965م، إلى مدينة أريحا، أخفض الأرض ومن أقدمها حضارة، الواقعة في أغوار كنعان الواقعة حينئذ تحت حكم العرش الملكي الأردني الهاشمي، إلى إحياء قرار التقسيم؛ قالت بهيجة: شجبت منظمة التحرير الفلسطينية دعوة بورقيبة، ودعت الجامعةَ العربية إلى فصل تونس من عضويتها... قالت ماريا: وبصراحة جاوزت الحد المسموح به في تقاليد السياسة، وعلى الهواء، وصف جمالُ عبد الناصر، زعيم القومية العربية يومها، رئيس مصر؛ دعوة بورقيبة بالخيانة العظمى للقضية الفلسطينية ! أردفت بهيجة: ولم يجرؤ عربي واحد على تأييد بورقيبة علنا... واشاع الإعلام العربي القومي أن بورقيبة مخبول! كان بورقيبة حامل لواء راية تطالب بأخذ المتاح والمطالبة لاحقا بالمزيد! قالت الحمارة: كانت القيادة الكنعانية تراهن على الدعم العربي لتحرير أرض كنعان كاملة! - تحفظ ذاكرتي يا صحابي أن جمال عبد الناصر، خاطب وفدا كنعانيا بقيادة حيدر عبد الشافي، زار القاهرة عام 1959م، فقال: أنا لا أملك خطة لتحرير كنعان، وكل الزعماء العرب مثلي؛ فإذا زعم أحد منهم غير ذلك، فهو كذاب! قالت بهيجة: وتحفظ ذاكرتي، أن جمال عبد الناصر، قال عام 1963م، في خطاب جماهيري مذاع، إن الطريق إلى فلسطين ليست مفروشة بالورود! - حضرتُ أنا هذا الخطاب، كان ذلك في مدينة أسيوط، في صعيد مصر! - زدنا يا أبا ماس! - منذئذ، غادرتني سذاجتي واستيقظ وعيي! - كان جمال عبد الناصر منوِّما مغناطيسيا بارعا! - وكنا واهمين مخمورين؛ الوهم دين مقدس يا أهلي الأكرمين! - قال فرويد: عندما يصيب الوهم فردا؛ يصير مريضا نفسيا؛ وعندما يصيب امة، يصير دينا وحياة! كنتُ في الصف الأول من آلاف الحاضرين لمهرجان جماهيري يلقي فيه الزعيم المصري العربي خطابا، وكان يحيط بي شابات وشباب كنعانيون، كنا طلبة جامعيين؛ كنت أرفع علم أرض كنعان؛ اندفع رجال الأمن المصريين نحوى وطالبوني بإنزال العلم؛ رفضت فأعادوا طلبهم فأعدت رفضي فيئسوا وتركوني وشأني... ثم بدأ خطاب الزعيم العربي الكبير... تحدث عن قضيتي الوطنية، كما كان شأنه في كل خطبه، من قبل... كان الإعلام المصري والقومي يزرع في وجداناتنا، أن تحرير أرض كنعان حلم جاهز للتحقيق وينتظر اتحاذ قرار! كانت خطابات عبد الناصر تلي خطابا حماسيا ناريا يلقيه قائد الجيش المصري حينئذ المشير عبد الحكيم عامر، فنسمعه فنعدّ حقائبنا استعدادا للعودة إلى ديارنا التي طردنا منها؛ كنا نكرر ذلك كلما سمعنا خطابا للمشير وبعده خطابا للزعيم الساحر! قالت بهيجة: كانت قضية كنعان سلعة في مزاد القادة العرب! قالت الحمارة: ولا تزال سلعة في سوق المتاجرين المتآمرين المخادعين من الكنعانيين وغيرهم من العرب وحكام العالم الفاسقين المجرمين الظلاميين! قالت أمّ ماس: الرئيس السوري أمين الحافظ أعلن من دمشق أن تحرير أرض كنعان يستغرق أربعة وعشرين ساعة أو أقل! كان بيني وبين جمال عبد الناصر بضعة أمتار... كان وراء المنصة، وكنت أمامه... حدّثت نفسي: منذ الآن، لن أؤمن بك! صَمتّ فحدّقت العيون الطفلية الأربعة البريئة في عينيّ وصاحا معا: أكمل! - كنت ثملا بكأس ظننته حلما فكان خواءا؛ كان ثملي سرابا أو غيابا! - كل وعود الساسة خواء وأكاذيب! - أجل يا حمارة؛ أأنت من لهب ! - ستعرفني في وقت آت؛ أما الآن فأكمل قصتك مع جمال عبد الناصر! - تحدث كعادته عن قصية كنعان، لكنه لم يكن بحماسه المعهود منه... شعرت بخيبة الأمل، أنا زحفت إلى ساحة الاستاد الرياضي في أسيوط، مع عشرات الآلاف من الموطنين، لنتلقى من صوت جمال عبد الناصر شحنة أمل جديدة! كان تركيز المورفين في حقنة هذه المرة منخفضا...! استفز هذا الفتور مشاعري الوطنية المتقدة... هتفت: عائدون عائدون، وإسرائيل لم تكون! ردد اخوتي الكنعانيين الهتاف ورائي، رفعت العلم الكنعاني إلى أقصى ما أطيق؛ اتجه جمال عبد الناصر نحوي بتجهم وقال: الطريق إلى فلسطين ليست مفروشة بالورود! صفقت أيادي عشرات الألوف وهتفت للزعيم...! - أيادي عشرات الألوف ومئات الألوف وملايين الأيادي تصفق لكل زعيم وتهتف له! - أجل يا ماريا أجل! يستمر ذلك حتى يموت الزعيم أو يُسقط بالقوة فيتحطم صنمه، لينتصب صنم جديد! - خطاب جمال عبد الناصر سبق تجديد صنميته عبر انتخابات رئاسية لم ينافسه فيها أحد! - أُعلن بعدها أنه فاز فيها بنسبة خمس تسعات! - ماذا تقصدي يا بهيجة؟! - أقصد القول أن نظام جمال عبد الناصر أعلن فوز المرشح الوحيد لمنصب رئيس الجمهورية العربية المتحدة كما كانت تسمى الدولة المصرية حينذاك، بنسبة مئوية وصلت إلى 99,999% من مجموع الناخبين الذين بلغت نسبتهم 99,999% ايضا، من إجمالي المواطنين أصحاب الحق في الانتخاب! - تفاخر مواطن أمريكي، بتقدم بلادة العلمي، واستشهد على ذلك، بأن نتائج انتخابات رئيس الجمهورية في الولايات المتحدة الأمريكية، تصبح معروفة بعد ساعتين فقط من إجرائها؛ فرد عليه عربي، ليدحض حجته، فقال: نحن متفوقون عليكم علميا، فعندنا، تكون نتيجة انتخاب الرئيس معروفة قبل إجرائها! هاهاهاها... - شر البلية ما يُضحك! - إليكم التالي: علمتُ من مسئول رفيع المستوى، أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر، تلقى، في وقت سابق على خطابه، رسالة من الرئيس الأمريكي حينئذ، جون كينيدي، تقول: لقد حان الوقت يا مستر ناصر على حل مشكلة الشعب الكنعاني! فرد ناصر: لست مخولا بالحديث نيابة عن الشعب الكنعاني! - في العام التالي، وبتدبير من جمال عبد الناصر، وبموافقة من جامعة الدول العربية، تم تكليف أحمد الشقيري بتأسيس منظمة التحرير الكنعانية! - اغتيل جون كينيدي في مدينة دالاس بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد خطاب جمال عبد الناصر، وقبل إعلان قيام منظمة التحرير الكنعانية! - وسيتواصل الفتور العربي تجاه القضية الكنعانية وسيتطور إلى توقيع معاهدة سلام في واشنطن، بين النظام السياسي المصري بزعامة أنور السادات خليفة جمال عبد الناصر، ودولة إسرائيل؛ وستهاجم الدول العربية ومنظمة التحرير الكنعانية اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، وسيتم فصل مصر من الجامعة العربية التي ستنقل إلى تونس؛ وستعترف منظمة التحرير الكنعانية بدولة إسرائيل وبحقها في الوجود في الأراضي التي قامت فيها عام 1948م... ولن تعترف إسرائيل بحق الكنعانيين بإقامة دولة لهم مستقلة وذات سيادة كاملة في مناطق سلطة كنعانية قادمة ضمن حدود الضفة الغربية وقطاع غزة... وسينقسم الكنعانيون على أنفسهم وستسيل دماء لهم بأياديهم وسيتنازعون على كراسي الحكم وستعترف دول عربية كثيرة بإسرائيل... ستتبدل أشياء كثيرة وتسقط شعارات كلها وهمية واصحابها كاذبون... وستزيد قوة إسرائيل وتحصل على اعتراف بيهوديتها وبالقدس الموحدة عاصمة لها... سيعض الكنعانيون أصابع الندم وسيتدحرجون من خسارة إلى أخرى... ما أغباهم؛ سلموا وطنهم لمغتصبه! - هكذا يا حمارة سيكون الاعتراف الكنعاني السلطوي بحق دولة إسرائيل الوجودي مجانيا! - سيقبض سدنة منظمة التحرير الكنعانية رشوة مقابل ذلك! ستتغير المسميات من قائد ثورة إلى فخامة الرئيس، ومن ثائر إلى وزير موال لقيادته ومربوط براتب شهري مهدد بفقدانه إذا أخل بالالتزام بشروط معاهدة التنازل الكنعاني عن وطن هو حق لهم منذ آلاف السنين! - ولمن؟! لمهاجرين من شتى أنحاء الأرض، ولدوا لآباء وأجداد من آباء وأجداد من آباء وأجداد حتى إلى ما قبل ولادة النبي إبراهيم، لم يرتبطوا بعلاقة وطنية مع ثرى وسماء أرض كنعان! - أجل يا ماريا! والنبي إبراهيم وفق قول التوراة وافد إلى أرض كنعان! - كان هنا في زمن غابر يهود وأقاموا لهم دولة في مناطق من أرض كنعان؛ لكن التاريخ أكل دولتهم منذ زمن قديم! - من حق يهود أرض كنعان القدامى أن يقيموا في أرض كنعان، ومع مواطنيها العرب أصحاب الحق الوطني التاريخي فيها! - ومن حق سواهم من اليهود أن يحافظوا على ارتباطهم الروحي بأرض كنعان! - من حق كل يهودي ومسلم ومسيحي في ألأرض أن يحافظ على ارتباطه الروحي بأرض كنعان! - أرض كنعان وطن للروح والحب والعدل والسلام والإنسان الإنسان! - القدس عاصمة وطن الروح والحب والعدل والسلام والإنسان الإنسان! - وإليها، أُسْرِيَ بالنبي محمد من مكة، وصعد منها حتى عرش الله ربه الأعلى! - حينذاك انفتح الإنسان على مطلق الوجود! - حينذاك فرض الله على المسلمين خمسين صلاة في اليوم فاستكثرها نبي اليهود موسى فأشار على محمد أن يراجع ربه مرة بعد مرة حتى نزلت من خمسين إلى خمسة! - موسى ومحمد إخوة في الله! - وعيسى أخوهم أيضا! - فلمَ لا يكون أتباعهم إخوة في الله أيضا! - الله حب! - الحب قلوب وعقول بيضاء وعدل وسلام! - المجد لراية الحب البيضاء! - المجد للحرية في النور! - المجد... المجد... المجد...! - العار لكل عدون! - المجد لكرامة الإنسان! - المجد لكِ يا بهجة السلام! - لبيك يا راية الحب البيضاء... لبيك! - من أنتِ؟! - أنا جوليا؛ أنتم ضيوفي! كنا نسير بدون اختيار، وظلت راية الحب البيضاء تسير خفاقة أمامنا؛ كانت بغير حامل يحملها، وكانت الحمارة وطفلاها على ظهرها تسبقنا، وكنا نقتفي الراية فنتجه لليمن مرة، ولليسار أخرى، وأوغل الليل ولكنه ظل منيرا... ها موج البحر يهدر؛ نحن قريبون منه إذن! صاح الطفلان: للغرب يا أهلنا! قالت بهيجة: ها نحن والليل والبحر والقمر... قالت ماريا: أهل البحر لا ينامون؛ قالت الحمارة بنشوة: وخلائق النور أيضا لا ينامون! - والحمير يا حمارة؟! - لا أعرف؛ أنا لست منهم! قالت جوليا: الناس ينامون أوقاتِهم كلها؛ ردت ماريا: إلا المحبين! قالت بهيجة: أجل؛ المحبون لا تنام قلوبهم؛ قالت جوليا: إذا ابتهجوا بحب الحرية والحياة؛ قفز الطفلان في البحر وصاحا: بهجة الحرية حياة! قالت جوليا: بهجة الحرية دين! غابت جوليا بعض الوقت، وعادت تحمل لنا ماءا وطعاما وفاكهة وقهوة وشايا... - هيا أيها الأكرمون! كنا عطشى وجوعى؛ لبينا دعوة جوليا وشربنا قليلا ثم تحلقنا حول الطعام؛ لكن الحمارة تركتنا وانضمت إلى طفليها اللاهيين مع تلاطم الموج مع رمال الشاطئ! - هيا أيتها الصديقة! - اشكرك يا جوليا؛ أنا لا اشرب ولا آكل! - هيا أيها الطفلان العذبان! - نشكرك يا جوليا؛ اللهو شرابنا وطعامنا! - صدقتما؛ اللهو حياة! أكلنا خضارا ولحما وفاكهة حتى امتلأنا... تمددنا على الثرى الرطب؛ هواء البحر الربيعي منوّم طبيعي ليس له آثار جانبية سلبية!
*اطلب/ي الرواية كاملة من المؤلف بالاتصال على واتساب 972592588528+
#حسن_ميّ_النوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محراب البهجة: راية الحبّ البيضاء - رواية تؤسس أدبا كنعانيا (
...
-
محراب البهجة: راية الحبّ البيضاء - رواية تؤسس أدبا كنعانيا (
...
-
محراب البهجة: راية الحبّ البيضاء - رواية تؤسس أدبا كنعانيا (
...
-
محراب البهجة: راية الحبّ البيضاء - رواية تؤسس أدبا كنعانيا (
...
-
المبادرة الكنعانية: بيان الإطلاق - مفتوح للحوار قابل للتعديل
...
-
أَنا هُداكُنَّ أُخَيَّاتيْ فَاتَّبِعْنَنِيْ
-
قرآن القرآن | تفسير (المغضوب عليهم) و(الضالين) في سورة الفات
...
-
كنعان وطن واحد مفتوح لعاشقيه من الناس أجمعين
-
طِبّ الرَّبَّة البَهْجة
-
يعترينا حياء من الفعل الجنسي.. لماذا؟
-
حكاية ابنِ المصلوبةِ أُمِّه
-
رواية هدى والتينة (22)
-
رواية: هدى والتينة (21)
-
رواية: هدى والتينة (20)
-
رواية: هدى والتينة (19)
-
رواية: هدى والتينة (18)
-
رواية: هدى والتينة (17)
-
هدى والتينة (16)
-
رواية: هدى والتينة (15)
-
رواية: هدى والتينة (14)
المزيد.....
-
بعد الحادثة المروعة في مباراة غينيا ومقتل 135 شخصا.. جماعات
...
-
-عاوزه.. خلوه يتواصل معي-.. آل الشيخ يعلن عزمه دعم موهبة مصر
...
-
هل تعلمين كم مرة استعارَت أمي كتبي دون علمي؟!
-
رئيس الهيئة العامة للترفيه في السعودية تركي آل الشيخ يبحث عن
...
-
رحيل الفنان المغربي مصطفى الزعري
-
على طريقة الأفلام.. فرار 8 أشخاص ينحدرون من الجزائر وليبيا و
...
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|