|
محراب البهجة: راية الحبّ البيضاء - رواية تؤسس أدبا كنعانيا (3)
حسن ميّ النوراني
الإمام المؤسِّس لِدعوة المَجْد (المَجْدِيَّة)
الحوار المتمدن-العدد: 8175 - 2024 / 11 / 28 - 18:46
المحور:
الادب والفن
قبّلتُ شفتيّ ماريا ووجنات الأطفال وجبين بهيجة واتجهتُ نحو باب الحجرة بعزم الخروج لإتمام إجراءات استخراج شهادتَي ميلاد هابيلة وهابيل. قف! صاحت بهيجة؛ التفتُّ إليها بينما كانت قدمي اليمني خارج الباب، وقدمي اليسرى لا تزال داخل الحجرة؛ عادت تقول: قف! كانت تنظر من النافذة، وتتلفت يمينا وشِمالا... عدتُ ووقفتُ جانبها، تفحصنا أرض زقاق النافذة؛ قالت: أنظر، هذه أثار أقدام غريبة مرّت من هنا؟! - قريبة جدا من النافذة! - الأمر مريب! كن على حذر! خرجتُ وأنا أحاول تفسير مرور غرباء بقرب نافذة حجرة بهيجة، التي لم تعد مغلقة كما كانت من قبل...كانت آثار الأقدام تشير إلى جلوس أصحابها القرفصاء لصق الجدار تحت النافذة من الخارج! رحّب بي موظف السجل المدني، قدّم لي كرسيا وقال: تفضل، أنا تحت أمرك... - أريد تسجيل طفلين لي واستخراج شهادتَي ميلاد لهما... - أطفالك أنت؟! - أجل! - متى ولدوا؟! - أمس! - أمس؟! لم أعهد من قبل أنك تحب المزاح! - لا أمزح! - حسنا؛ ما اسم الأم؟! - ماريا بنت ماريا... - أنتَ اليوم مصرّ على المزاح! - كلا! - لم يلاحظ أيٌّ من سكان المعسكر، أن ماريا كانت حاملا... ثمّ؛ هل ماريا زوجتك؟! - أجل! - أرني قسيمة زواجكما! - تزوجنا بدون قسيمة رسمية! - وبين ليلة وضحاها، أنجبتْ ماريا منك أيها الشيخ الطاعن في السن، طفلين! ابتسم الموظف وهزّ رأسه وقال باستهزاء: مبارك! وحدّق فِيَّ بنظرات شك واتهام واندفع إلى حجرة مديره وأغلق بابها عليهما وغاب بضع دقائق ثم عاد إليّ وقال بتجهم: لن نتمكن اليوم من انجاز معاملتك! - متى أعود؟! - لا تعُدْ! نهضتُ، وبثقة وعزة نفس وشموخ وتعال وكبرياء، قلت: لا حاجة بي إلى شهادة ممهورة بتوقيع محتلّ عنصري منغلق جائر غاصب؛ ماريا بنت ماريا زوجتي وهابيلة وهابيل ابنانا بشهادة الله والحب الأعظم والحمارة وبهيجة والحق والعدل والسلام! - الحمارة وبهيجة؟! لسانك أدانك! افتعل ضحكة صفراء وأدار لي ظهره وقال بتعجرف: انتهى دوامي! تفلتُ عن يساري ومضيت عائدا إلى ماريا وهابيلة وهابيل وبهيجة؛ وكانت الحمارة معهم، كانت الحمارةً حمارةً لم تتبدل، وكانت آمنة مطمئنة مبتهجة، وتداعب طفليها النائمين بأذنيها، وبلمسات رقيقة، وتنهق نهيقا رقيقا رشيقا ضاحكا كما لو كانت امرأة منتشية عذبة ومهذبة! قبّلتُ الحمارة والطفلين وماريا وبهيجة وجلست بينهم وقصصت عليهم ما جرى معي، فقهقهت المرأتان وأنا معهما والحمارة والأطفال النائمين قهقهوا، وضرطت الحمارة واشتعلت الحجرة الباردة الرطبة بقهقهتنا الصاخبة؛ فاجتمع الجيران وجيران الجيران وتزاحموا في الأزقة حولنا وقهقهوا وضرطت حمير المعسكر كلها وانتقلت حمّى القهقهة الصاخبة إلى كل مكان في المعسكر بما في ذلك مكتب التسجيل المدني ومركز الشرطة والسوق وكل مؤسسات المعسكر وجوانبه! هدأت قهقهة الناس لكن الحمير واصلت النهيق الصاخب المقهقه وواصلت ضراطها؛ فحاصرت الآليات الإسرائيلية المعسكر من كل جهاته واكتظت السماء بالمروحيات العسكرية وتقدمت قوة إسرائيلية نحونا واقتحمت بهمجية عمياء حجرة بهيجة واعتقلتنا أنا وماريا والطفلين وبهيجة والحمارة! وتصدّع النهار بصيحات ترددت في المعسكر كله، تهتف: لبيك يا حب لبيك! وظلت الحمير تقاوم الهجوم الإسرائيلي بالنهيق والضراط حتى انسحبت القوات الغازية من جميع أنحاء المعسكر! بعد اقل من ساعة، قطعت وسائل الإعلام الإسرائيلي المسموعة والمرئية برامجها وبثت ما وصفته بخبر عاجل وخطير، نسبته إلى المتحدث الرسمي باسم جيش الدفاع الإسرائيلي، يقول إنه تم قبل قليل اعتقال خلية خطيرة أعضاؤها مخربون كنعانيون هم يهودية مارقة وحمارة وطفلان وامرأة ورجل طاعنان في السن ومعهم آدميّ مجهول الهوية والعنوان! وقبل بزوغ الفجر كنا نحن الستة، أنا وماريا وبهيجة والحمير الثلاثة، في قفص حديد، نواجه اتهامنا بأننا مشتركون، بتدبير مؤامرة هدفها تدمير دولة إسرائيل، وبناء مملكة راية الحب البيضاء! كان الطفلان، منذ اعتقالنا، قد تحوّلا إلى حمارين صغيرين! وهكذا، أصبحت مملكة راية الحب البيضاء حتى الآن ثلاثة حمير وثلاثة آدميين! كانت لائحة الاتهام الموجهة ضدنا، تدين حمارة وستة آدميين، أحدهم غائب، بالتواطؤ معا، على تأسيس مملكة راية الحب البيضاء في جميع أراضي كنعان الممتدة بين الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وحدود كل من الأردن وسوريا ومصر المجاورة لأرض كنعان... كان المتهم الآدمي السادس، هو الأب البيولوجي الأدمي للطفلين هابيلة وهابيل؛ وهو غائب ومجهول الاسم والعنوان والهوية والصفات، ولا يدري أحد هل هو حيّ أمْ ميت، أو هو حقيقي الوجود أمْ وهميّ الوجود... وسيبقى هذا المتهم غير محدد وغائبا عن الأسماع والأنظار، حتى تقوم مملكة راية الحب البيضاء في جميع ربوع أرض كنعان؛ بلد المعجزات... وفي محكمة الغاصبين، لم ينظر القاضي الإسرائيلي إلى قفصنا، كان يضع نظارة سوداء ثقيلة على عينيه، وكانت مثل قناع يغطي أنفه وفمه ويمتد من الجانبين إلى ما وراء أذنيه الطويلتين، الأطولَ من أذنيّ حمارتنا، وتختلف عنها، أنهما كانتا مرتخيتين متدليتين، بينما كانت آذان حمير مملكة راية الحب البيضاء مشدودة شامخة وتتجه للأعلى؛ ولم يلاحظ القاضي أن الأطفال تحولوا إلى حمير؛ علمتُ فيما بعد، أن القاضي كان أعمى البصر، كما كان أعمى القلب والعقل وأصمّ وأبْكم! كان القاضي فظّ الملامح نحيلا أصلعا أحمر الوجه شاحب اللون تغمره تجاعيد شيخوخة مبكرة منفرة وكان عديم العنق و قصيرا دميما؛ وكان يجلس بدون استقرار أو أمان واطمئنان متجهما ومذعورا ويكشر عن أنياب قميئة ويلهث مثل ذئب يطارده الهلاك المميت وكان فمه الفاغر ينشر رائحة مقززة ويطرد أنفه مخاطا تلوكه شفتاه الغليظتين وكان يلتفت بقلق وفزع يمينا ويسارا وإلى الأمام والوراء، متكورا غائصا خلف منصة ضخمة حالكة السواد، على كرسي بلا ظهر أو مساند يدين، يتوسط مقعدين فارغين؛ وكانت قاعة المحكمة صغيرة منخفضة السقف وبلا نوافذ وذات رائحة بغيضة؛ وأما حاجب المحكمة الصهيونية العنصرية فكان قصيرا مفلطح الرأس عريض المنكبين ضيق العينين كثيف الحاجبين غليظ الكفين والعنق والوجنتين والشفتين والأنياب وكبير الكرش... ولم يحضر المحاكمة مدّع عام، أو محامي دفاع أو رجال إعلام أو جمهور! لكن القاعة كانت مدججة بكاميرات المراقبة، ومحروسة من الخارج بمسلحين وآليات عسكرية! لم نُعِرْ القاضي اهتماما... كان الحماران الصغيران يلاعبان أمهما حينا، ويرضعان منها حينا آخر؛ وكنت أنا أعانق ماريا مرة، وألثم نهديها وبطنها الحبلى مرة أخرى، وكانت بهيجة تدمدم بكلمات أغنية حب للفنانة أم كلثوم وترقص على أنغامها... سمعت رطانة باللغة العبرية بين القاضي والحاجب؛ فاندفع الأخير نحونا وفتح باب القفص الضيق المنخفض، ومدّ ذراعه نحو الحمارة فعضت ذراعه فصرخ من شدة الألم فانشقت قاعة المحكمة عن جنود بخوذاتهم القاتمة وواقيات الصدور السوداء وسلاحهم المصوّب نحونا والمعدّ لإطلاق النار... نهقت الحمير الثلاثة واندفعت من باب القفص هائجة وقفزت فوق المنصة... أصاب الفزع الجنود وارتعد القاضي وحاول الفرار فتعثّر بكرسيه فسقط على قفاه وتكوم فوقه الحاجب المرتعب وهو يحاول النجاة وسقط الجنود فوقهما بعدما ألقوا أسلحتهم وتقهقروا للوراء والتفّت الحمير حولهم واستدبرتهم وأطلقت ضراطا صاخبا متواصلا كريها وركلتهم وراثت عليهم ثم داستهم ونهقت ورقصت وقهقهنا أنا وماريا وبهيجة وتعانقنا نحن الستة ورقصنا وهتفنا: لبيك يا حبّ لبيك؛ وغادرنا قاعة المحكمة... وبزغت الشمس من بين الغيوم الكثيفة، وأشرق نور من نور الحرية المبتهجة بالحب! اتجهنا نحن الستة، إلى عريشتي، دار خلوتي أنا وماريا، بين الكثبان... وتعاهدنا على أن نبذل كل ما نستطيع، لرفع راية الحبّ البيضاء، عالية فوق كل الرايات! وفوق الكثبان، تحولت الحمير الثلاثة إلى آدميين... واقترحت ماريا علينا، أن نقيم مهرجانا جماهيريا، فوق الكثبان، بعنوان: مهرجان بهيجة! صفّقنا، وحضنّا بهيجة، ورفعناها في الهواء، وضحكنا ورقصنا معا... خريطة أرض كنعان كما رسمتها اتفاقية سايكس بيكو عام 1916م بين الدولتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا والتي أسفرت عن تقسيم بلاد الشام (سوريا الكبرى) إلى أربعة أجزاء تحت مسميات فلسطين والأردن وسوريا ولبنان؛ وسمح ذلك بإصدار الحكومة البريطانية لما عرف بوعد بلفور في 2/11/1971م، الذي أعلن دعم بريطانيا لتأسيس وطن قومي ليهود العالم في أرض فلسطين التي كانت منطقة عثمانية ذات أقلية يهودية (3-5% من إجمالي سكان كان أغلبهم عربا كنعانيين)، كخطوة أولى سهلت هجرة اليهود من شتى دول العالم إلى أرض كنعان، بعد خضوعها للانتداب البريطاني، وأدى ذلك إلى إقامة دولة إسرائيل عام 1948م، بعد انسحاب الجيش البريطاني وطرد غالبية مواطنيها العرب منها .
*اطلب الرواية كاملة من المؤلف بالاتصال معه بواسطة واتساب 00972592588525
#حسن_ميّ_النوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محراب البهجة: راية الحبّ البيضاء - رواية تؤسس أدبا كنعانيا (
...
-
محراب البهجة: راية الحبّ البيضاء - رواية تؤسس أدبا كنعانيا (
...
-
المبادرة الكنعانية: بيان الإطلاق - مفتوح للحوار قابل للتعديل
...
-
أَنا هُداكُنَّ أُخَيَّاتيْ فَاتَّبِعْنَنِيْ
-
قرآن القرآن | تفسير (المغضوب عليهم) و(الضالين) في سورة الفات
...
-
كنعان وطن واحد مفتوح لعاشقيه من الناس أجمعين
-
طِبّ الرَّبَّة البَهْجة
-
يعترينا حياء من الفعل الجنسي.. لماذا؟
-
حكاية ابنِ المصلوبةِ أُمِّه
-
رواية هدى والتينة (22)
-
رواية: هدى والتينة (21)
-
رواية: هدى والتينة (20)
-
رواية: هدى والتينة (19)
-
رواية: هدى والتينة (18)
-
رواية: هدى والتينة (17)
-
هدى والتينة (16)
-
رواية: هدى والتينة (15)
-
رواية: هدى والتينة (14)
-
رواية: هدى والتينة (13)
-
رواية: هدى والتينة (12)
المزيد.....
-
تطورات في قضية اتهام المخرج المصري عمر زهران بسرقة مجوهرات
-
RT Arabic توقع مذكرة تعاون مع مركز الاتحاد للأخبار في الإمار
...
-
فيلم رعب لمبابي وإيجابية وحيدة.. كواليس ليلة سقوط ريال مدريد
...
-
حذاء فيلم -ساحر أوز- الشهير يُطرح للبيع بعد 20 عاما من السرق
...
-
تقرير حقوقي: أكثر من 55 فنانا قتلوا منذ بدء الحرب في السودان
...
-
-وتر حساس- يثير جدلا في مصر
-
-قصص من غزة-.. إعادة صياغة السردية في ملتقى مكتبة ليوان بالد
...
-
افتتاح مهرجان -أوراسيا- السينمائي الدولي في كازاخستان
-
“مالهون تنقذ بالا ونهاية كونجا“.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة
...
-
دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا
...
المزيد.....
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
المزيد.....
|