|
الراسمال الرمزي وتسويق الوهم
غالب المسعودي
(Galb Masudi)
الحوار المتمدن-العدد: 8175 - 2024 / 11 / 28 - 00:13
المحور:
قضايا ثقافية
تسويق الوهم يشير إلى تقديم وعود أو تصورات غير واقعية لجذب الناس أو تحقيق مكاسب، يكون هذا واضحا في مجالات السياسة،الاقتصاد والعلاقات الشخصية.يؤدي تسويق الوهم إلى خيبة أمل و انعدام الثقة وله تأثيرات سلبية على المجتمع ككل، حيث يجعل الافراد يعتمدون على توقعات طوباوية. يرتبط الرأسمال الرمزي ارتباطا وثيقا بتسويق الوهم من خلال الطريقة التي يتم بها بث الأفكار كمنتجات ذات موثوقية عالية لجذب الناس وتحويل الاوهام الى وعود قابلة للتحقق ،والذي يؤدي إلى تأثيرات سلبية على المصداقية والثقة في المؤسسات،بعض الاليات المؤثرة التي يستخدمها الراسمال الرمزي هي تسويق حب الموت والفقر كاستراتيجية وأداة لتعميق استغلال الفئات البسيطة والمهمشة في المجتمع. يتم تصوير الفقر على أنه جزء طبيعي من الحياة أو اختبار إلهي، مما يقلل من دافع الأفراد للسعي لتحسين ظروفهم، تقديم الموت كالية للتحرر من المعاناة ا يثني الأفراد من السعي الى التغيير، حيث يُنظر إليه كخلاص بدلاً من تحدي للظروف وبالتالي تكوين هوية جماعية رضائية حول الفقر أو الموت، مما يعزز من مشاعر الانتماء ولكن في الوقت نفسه يرسخ الاستغلال،الأفراد عندما يرون ان الفقر والموت كجزء من هويتهم، يصبحون أقل قدرة على مقاومة الاستغلال . ان تقديم وعود وهمية أو حلول غير واقعية تتعلق بالخلاص بعد الموت، يمنع الأفراد من اتخاذ خطوات عملية لتحسين حياتهم.كذلك استخدام مشاعر الذنب والخوف لتبرير الاستغلال يُعزز الشعور بأن الفقر أو المعاناة هي نتيجة لقصور شخصي، يساهم هذا النوع من التسويق في تقليل الوعي بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية، ويسهل من استمرار الاستغلال و الانقسامات داخل المجتمع، حيث يُنظر إلى الفقراء كفئة منفصلة أو محكوم عليها، مما يقلل من فرص التضامن. هناك العديد من الأمثلة التاريخية التي تبين كيف تم استخدام تسويق حب الموت والفقر كاستراتيجية لتعميق استغلال الفئات البسيطة. خلال العصور الوسطى، استخدمت الكنيسة فكرة الفقر كوسيلة للتقرب إلى الله. تم تصوير الفقراء كأشخاص مباركين، مما جعل الفقر مقبولًا ومُقدسًا. كانت هذه الرسائل تُستخدم لتبرير استغلال الفقراء من قبل الأغنياء، حيث كان يُنظر إليهم على أنهم في حالة نعمة إنسانية. استخدم المستعمرون فكرة "التحضر" والتوجه نحو الموت لتبرير استغلال الشعوب الأصلية. تم تصويرهم بشكل سلبي، مما ساعد في تبرير العنف والاستغلال الذي تعرضوا له. في فترات الأزمات الاقتصادية، غالبًا ما تُستخدم استراتيجيات تقشفية تُعزز من فكرة أن الفقر هو نتيجة طبيعية للتغيرات الاقتصادية. تُعزز هذه السياسات من قبول الفقر كجزء من الحياة، مما يسهل السيطرة على الفئات المهمشة. هذه الأمثلة تُظهر كيف يمكن للراسمال الرمزي من استخدام التسويق للموت والفقر كاستراتيجية لتعميق استغلال الفئات البسيطة من قبل الراسمال العالمي وذلك من خلال تعزيز مشاعر القبول والرضا عن الظروف الصعبة. من المهم فهم هذه الديناميات التاريخية لتقدير كيفية تأثيرها على المجتمعات الحديثة. لذا ان تسويق حب الموت يمكن أن يُعتبر آلية فعالة لاستمرار الحروب وتعزيز الهيمنة الاستعمارية. يتم تصوير الموت في الحروب كعمل بطولي وشجاع. يُظهر الجنود كأبطال يُضحّون بأنفسهم من أجل الوطن، مما يعزز الروح القتالية ويشجع الناس على الانخراط في الصراعات العسكرية. تشكل الرموز الثقافية والدينية اداة لتعزيز فكرة أن الموت في سبيل الوطن أو المعتقد هو شيء مُشرف، مما يعزز من قبول الأفراد للمشاركة في الحروب.و يمكن استخدام فكرة الموت كوسيلة لتخويف الأعداء أو لتبرير الأفعال العنيفة خلال الحروب. عندما يُكون الأعداء تهديدا وجوديا، يُعزز ذلك من دعم الجمهور للحرب. يتم تحفيز المجتمعات على الشعور بأن لديهم واجبًا للدفاع عن أنفسهم أو عن قضاياهم، مما يزيد من استعدادهم للمشاركة في الحروب. غالبًا ما تُستغل الفئات الفقيرة أو المهمشة في الحروب، حيث يُنظر إليهم كجنود رخيصين. يتم تصوير الموت لهم كخلاص من الفقر، مما يُجذبهم للانخراط في الصراعات. كذلك يتم استخدام الحروب كوسيلة للتخلص من الأزمات، مما يعزز من فكرة أن الموت في الحرب هو خيار أفضل من البقاء في ظروف معيشية قاسية. يتم توظيف وسائل الإعلام والفنون لتسويق روايات معينة حول الحروب، تساهم في تشكيل الرأي العام ودعم الحروب، يصَورالموت كجزء من الصراع من أجل الحرية أو العدالة.تعتبر الحروب وسيلة ذات فعالية كبيرة في ترويج إيديولوجيات معينة، مثل القومية أو الأصولية، حيث يتم تصوير الموت كوسيلة لتحقيق الأهداف الكبرى. تسويق حب الموت من قبل الراسمال الرمزي يمكن أن يؤدي إلى استمرار دورة العنف والصراعات، حيث تُستمر الحروب تحت شعار الشرف والتضحية. تسويق حب الموت كآلية لاستمرار الحروب يعكس كيف استخدام المشاعر الإنسانية العميقة لتعزيز الهيمنة والاستغلال. ان التحليل النقدي لهذه الديناميات لفهم تأثيرها على المجتمعات والأفراد يمكن ان يوصلنا الى استنتاج أن الرأسمال الرمزي يعمل كاستعمار روحي داخلي، خاصة في السياقات التي تواجه فيها الشعوب الفقيرة تحديات اقتصادية واجتماعية. يقوم الرأسمال الرمزي على تشكيل هويات اجتماعية وثقافية تُعزز من التبعية، عندما تُستخدم الرموز الثقافية والدينية لتبرير الظروف الراهنة، يصبح الأفراد أقل قدرة على تحدي الوضع القائم. من خلال تعزيز فكرة أن الفقر هو جزء من الهوية، يجعل الأفراد يتقبلوا مستويات حياتية منخفضة بدلاً من السعي لتحسينها. يُستخدم الرأسمال الرمزي لتقديم وعود زائفة حول الخلاص أو النجاح من خلال التماثل مع قيم معينة عفا عليها الزمن، مما يساهم في تعزيز الإيمان بمعتقدات لا تؤدي إلى تحسين حقيقي في الظروف المعيشية. بعض الأفراد قد يجدون في الرؤى الروحية أو الدينية مخرجًا من معاناتهم، مما يؤدي إلى تقليل الجهود لتحسين الظروف الاقتصادية. تُستخدم الأيديولوجيات السياسية والدينية لتبرير الاستغلال، حيث يتم تصوير الأثرياء أو القوى السياسية كأشخاص ذوي صلاحيات إلهية أو تاريخية وان هذا يؤدي إلى تقوية الروابط بين السلطة والمجتمع و يتم استخدام الرأسمال الرمزي لتعزيز مشاعر الفخر القومي أو الديني، مما يُعطي الأفراد شعورًا زائفًا بالقدرة على التغيير بينما يتجاهل التحديات الحقيقية. يمكن اعتبار الرأسمال الرمزي شكل من اشكال الاستعمار الروحي الداخلي متفشي بين الشعوب الفقيرة، حيث يُستخدم لتعزيز التبعية والقبول بالواقع المرير. لكن مع تفشي هذه الديناميات بشكل واسع يتوجب العمل على تعزيز الوعي النقدي والتمكين الاجتماعي لمواجهتها وذلك باعتبار الرأسمال الرمزي آلية داخلية مموهة لامتدادات الهيمنة الرأسمالية. اذ يقوم الرأسمال الرمزي بتعزيز القيم التي تتماشى مع النظام الرأسمالي، مثل النجاح الفردي، الاستهلاك، والمنافسة، ويساهم في تكريس فكرة أن النجاح المالي هو مقياس للقيمة الإنسانية. مما يجعل الأفراد يشعرون بأنهم مرتبطين بنجاح معين أو بأسلوب حياة معين و يتم استخدام الرأسمال الرمزي لتجميل الفقر أو الظروف الاقتصادية الصعبة من خلال تقديمها كجزء من ثقافة أو هوية جماعية، مما يقلل الضغط والمطالبة بالتغيير، يُستخدم الرأسمال الرمزي ايضا لتقديم وعود بتحقيق النجاح من خلال العمل الجاد، مما يُخفي التحديات الهيكلية التي تعيق الفئات المهمشة و يُستخدم لتسويق المنتجات والخدمات التي تُعزز من صورة معينة أو هوية اجتماعية محددة ومنمطة تعزز من ثقافة الاستهلاك كوسيلة لتحقيق الذات و يصبح الاستهلاك وسيلة لتأكيد الهوية الاجتماعية، حيث يُعزز الرأسمال الرمزي من قيم الرفاهية المظهرية و يُعمق من الاعتماد على الاقتصاد الرأسمالي. الرأسمال الرمزي يعزز الخوف من فقدان المكانة الاجتماعية، مما يدفع الأفراد إلى التمسك بالقيم الرأسمالية حتى لو كانت غير متوافقة مع مصالحهم الحقيقية و يُستخدم لتوجيه سلوك الأفراد نحو القبول بالظروف الاقتصادية والامتثال للنظام و يُعزز الهيمنة. يُساهم الرأسمال الرمزي في تعميق الفجوات بين الطبقات الاجتماعية، حيث يتم تصوير النجاح كشيء يمكن تحقيقه من خلال الاستهلاك، مما يزيد من الإحساس بالانفصال بين الطبقات و يعوق تطوير وعي نقدي حول النظام الرأسمالي،و يجعل من الصعب على الأفراد تنظيم أنفسهم لمواجهة الظلم. ويخفي التفاوتات الاقتصادية. ان من المهم تعزيز الوعي النقدي والمناقشات حول هذه الديناميات لفهم تأثيرها على المجتمعات. وتامل تأثير العولمة على الهيمنة الرمزية وهو موضوع معقد ومتشابك، حيث تشمل العولمة التفاعلات الاقتصادية، الثقافية، والاجتماعية على مستوى عالمي.
#غالب_المسعودي (هاشتاغ)
Galb__Masudi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل الموتى يتعلمون
-
التداوي بالفلسفة ام بالاعشاب
-
الراسمال الرمزي ودوره في ترسيخ الاستلاب في الشرق الأوسط
-
هل الغباء جريمة يعاقب عليها القانون
-
عولمة التفاهة والشخصية المسخ
-
الكفالة والعبودية
-
استخدام التفكير النقدي لانتاج كتابة ابداعية بواسطة الذكاء ال
...
-
الانسان الروبوت ومأسسة الجهل
-
النقد الوجودي للميتافيزيقيا
-
العقل البدائي والاحلام
-
الدهشة والتفاهة
-
ضرورة الدولة فلسفيا
-
أساطير و بدايات
-
تاريخ الكذب لدى الانسان
-
ذهنية التغافل
-
السماح بالتعليق والتصويت في الحوار
-
روايات بلا احداث نقد وتحليل
-
كرسي كرونوس وثقافة الزمن
-
بناءالشخصية النمطية في المجتمعات المتخلفة
-
النزعات البدائية في الثقافات المعاصرة
المزيد.....
-
-أنا-.. فيفي عبده تتصدر غلاف أغنية ويجز الجديدة
-
محمود عباس يصدر إعلانا دستوريا بشأن من يتولى السلطة الفلسطين
...
-
مأساة غزة: قصف مدرسة يلجأ إليها النازحون في حي الزيتون
-
الولايات المتحدة تستعيد ثلاثة مواطنين محتجزين في الصين
-
إنقاذ 5 أشخاص بعد غرق اليخت السياحي في البحر الأحمر المصري
-
بعد أنباء عن وصول وفد مصري لبحث الصفقة.. مصدر سياسي إسرائيلي
...
-
الجزائر: النيابة العامة تستجوب بوعلام صنصال واتهامات له بالع
...
-
الجزائر: نواب أوروبيون يدعون للإفراج فورا عن بوعلام صنصال
-
وزراء خارجية مجموعة السبع يدينون -الأنشطة الخبيثة- لروسيا في
...
-
التصعيد الروسي الأوكراني: ما مواقف الدول المغاربية من احتمال
...
المزيد.....
|