أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - غريبان . قصة قصيرة














المزيد.....

غريبان . قصة قصيرة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 8174 - 2024 / 11 / 27 - 19:21
المحور: الادب والفن
    


تجمد في مكانه حين رآها. لم يكن ليتخيل أنها قد تظهر له هكذا ببساطة، واقفة في سوبر ماركت. بدا له أن ظهورها المفاجئ مثل لون انزلق من السماء إلى الأرض، فى غير مكانه أو زمانه. ولم يكن يدرى، قبل أن يراها الآن، فى هذه اللحظة، أن عينيها واسعتان تشعان بالحنان والتوسل الوديع، ولا أنها تتفادى ما حولها بحذر واحتراس مثل رسالة مغلقة لا ينبغى أن تصل لأحد. هي. نعم هي، التي طالما فتش عنها، كأن حياته كلها كانت سيرا بدون وعى إليها، يمشى نحوها ولا يدرى من تكون. كان يقول لنفسه إنه سيعرف ما يفتش عنه حين يراه أمامه. تأملها. حدق بها. واقفة تتطلع إلى زجاجات عطر، فى فستان صيفي يهفهف مثل كبرياء رقيقة، وقد أحاطت صدرها بساعدين مضمومين. ربتت بمنديل على زاوية فمها، ثم استدارت بجنبها وهبطت بيديها إلى عربة التسوق الصغيرة ومضت للأمام. مشى خلفها وحافظ على مسافة بينهما. كانت تسير وهى تحمى عالمها الخاص من الظهور. راحت تتنقل بين أقسام سوبر ماركت كأنها تدق بقدميها نغمة على الأرض. تلكأ بالقرب منها فى ركن العصائر. تناول زجاجة جوافة متظاهرا بأنه يفحص تاريخ صلاحيتها. وضعها بين مشترياته. راح يتملى وجهها المنحوت بدقة، ويتوه فيه. هي. نعم هي. وقد ظهرت له الآن ولن تلوح له بعد ذلك أبدا.
هي أيضا أحست وجوده المتوقد كما يشعر الغصن بدفء الجو. أحست بخطواته التي تتبعها، بتنهده المكتوم، بنظرته التي نفذت إليها فاخترقتها وارتفعت بها وهوت ترج كل ما فيها. انعطفت إلى قسم الحلويات لتهرب من حضوره المفاجئ فى شعورها. دار فستانها حول ساقيها دورة، وصارت تطلق أنفاسها بحساب وتمد يدها إلى الأرفف محاذرة أن ينثنى عودها فيبرز منها شئ، ثم تساءلت: " لماذا أتجنبه؟ أم لعلني بحاجة إلى وقت لكى أعتاد حضوره". أبطأت خطواتها شاردة أمام صناديق الفاكهة، وتوقف بالقرب منها. ولم يكن من أحد سواهما الآن في مساحة صغيرة، يفصل بينهما متران لا أكثر. راقبها وهى تنحنى لتجذب ربطة برتقال، وارتبكت، وكادت الربطة أن تفلت من بين أصابعها. قال لنفسه بأمل: "هل تلتفت إليه وتمنحه النظرة التي فتش عنها فى مئات العيون ليعرف كيف تكون؟". أحست به الآن بقوة، فلم تستطع أن تكبح نفسها أكثر مما فعلت، فالتفتت إليه خطفا، ووجدت فى عينيه النظرة التى لم ترها فى آلاف النظرات المنفلتة من كيمياء الروح والعقل. وطرأ لهما بكلمات مختلفة أن تلك اللحظة تشبه الأبد، تشبه ما قبل ذلك، وما بعد ذلك. مضت نحو خزانة الحساب بعربة التسوق. وقف خلفها. رفعت بكلتا يديها شعرها المسدول إلى الخلف ترتبه. أخرجت النقود من حقيبة يدها. سبح ما بينهما شعور يهشمه ارتباك. وبدا لهما فى اللحظة ذاتها أن عاطفة في الجو تهيمن على عاطفة، تنزلق إليها، تنسل منها، وتعود فتسيطر على كل شئ. استدارت نحوه. أمعنت النظر إليه مأخوذا بوجهها الذى تجلى، وبالعينين المشعتين بالحنان والتوسل الوديع، بينما استقرت عيناها عند رجفة شفتيه التي سرت إلى عنقها وجلدها تجتاح كل شئ. لحظة واحدة ثبت كل منهما بصره فى الآخر، وأحسا بحرارة الحريق الذى نادرا ما يندلع.
عادت ببصرها إلى المحاسب تتسلم منه بقية النقود. جمعت ما تسوقته فى كيس وقبضت عليه بيدها اليسرى. تحركت صوب باب المحل. هبطت الدرجات الثلاث التى تفصل عتبة المحل عن الرصيف. هبطت ببطء وهى تحصن نفسها بصورة المرأة القوية التى لم يرهقها حنين. فتحت باب السيارة. دخلت وجلست أمام المقود. رفعت بصرها إلى عتبة المحل. رأته مازال واقفا هناك عند أعلى درجة يرمقها بعين تتشبث بالأمل. غطت وجهها بكفيها. شعرت بأنفاسها تتردد دافئة ما بين كفيها وعينيها. تساءلت:" ألم يعتصرنا الحب حتى النهاية؟ فلماذا نقف متباعدين كأننا غريبان؟". وارتجت في جلستها ثم أجهشت بالبكاء.

***
أحمد الخميسي. قاص وكاتب مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رأس الـحـكــمـة وجـبـل الـجـلــيــد
- الأغنية تدخل إلى الشماتة والعبودية
- محمود قرني .. قصيدة الوداع
- تغريبة القافر
- ما الذي أغضب ابنة نجيب محفوظ مني ؟
- نافذة - قصة قصيرة
- مجمع اللغة العربية .. معجم جديد
- زيــارة إلــى بــلــزاك
- تـعــب فــي الــركــبـــة . قصة قصيرة
- الــســودان .. يــا أخـــت بــلادي
- مرحبا بالكسل الجميل
- حـكـايـات مـراسـل إذاعـــة
- محمد عبد الوهأب .. ميلاد الأغنية العربية
- في ذكرى والدي
- أول العشق - قصة قصيرة
- سيد حجأب .. عيون إيفلين
- حادثة 4 فبراير .. البكأء على المأضي
- لماذا ينتحر الأدباء ؟
- قــصـة انـقـضـى عـلــيــهــا مــئــة عـــام
- ولــمــاذا نــكــتـــب إذن ؟


المزيد.....




- دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا ...
- الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم ...
- “عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا ...
- وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
- ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
- -بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز ...
- كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل ...
- هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟
- -بوشكين-.. كلمة العام 2024
- ممثلة سورية تروي قصة اعتداء عليها في مطار بيروت (فيديو)


المزيد.....

- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - غريبان . قصة قصيرة