البناء الاجتماعي للواقع- بيتر بيرجر وتوماس لوكمان

طيب إسماعيل
كاتب
(Tayeb Smail)

الحوار المتمدن-العدد: 8173 - 2024 / 11 / 26 - 20:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

The Social Construction of Reality
Peter L. Berger and Thomas Luckmann
يشكل الكتاب في نسخته الفرنسية الواجهة باللون البنفسجي والعنوان بالأسود واضح في وسط الكتاب عن دار armand colin-paris الطبعة الثالثة مزيدة ومنقحة طبعا تم نشرها سنة 2022، قدم للكتاب فرانسوا دي سينجلي بمقدمة مسهبة.
يتسائل بيتر ولوكمان ما هو الشيء الحقيقي؟ هل تختلف عملية معالجة مجموعة من النماذج عن حقيقة اجتماعية قابلة للتنفيذ؟ هل هناك إمكانية في مجتمعات متعددة، أن نجعل عالمنا مشترك؟ هل يحصل الأفراد على قدر متساو من التنشئة الاجتماعية ؟
جاء البناء الاجتماعي للواقع من خلال مصدر لفهم طرق (إعادة) بناء الواقع، المحددة من قبل علماء الاجتماع، إن الأهمية والنجاح يرتبطان دائمًا بالمكان الفريد الذي يحتل في تاريخ النظرية الاجتماعية، عدد كبير من تقاليد المثقفين والتقاء الخطوط، دون أن يحدث العنف بين بعضهم البعض. هذه هي القوة التي تجعل هذا المنتج مبتكرًا دائمًا.
بيتر بيرجر وتوماس لوكمان
تعريف بـ المؤلفين:
بيتر بيرجر (Peter L. Berger):
هو عالم اجتماع وفيلسوف أمريكي، وُلد في 17 مارس 1929 وتوفي في 27 يونيو 2017. يُعتبر أحد أبرز المفكرين في مجال السوسيولوجيا، وهو معروف بعمله المشترك مع توماس لوكمان في كتاب "البناء الاجتماعي للواقع" (The Social Construction of Reality) الذي نُشر عام 1966. يركّز بيرجر في أعماله على كيفية تشكيل المعرفة والواقع الاجتماعي من خلال التفاعلات البشرية والمؤسسات الاجتماعية، مشيرًا إلى أن "الواقع" ليس ثابتًا أو موضوعيًا بل هو نتاج عملية اجتماعية مستمرة، كما ساهم في تطوير مفهوم "الشرعية" و"المؤسسة"، حيث أظهر كيف تُشَكّل القيم والمعايير الاجتماعية وتُرسَخ عبر الأجيال من خلال المؤسسات مثل الأسرة، الدين، والتعليم، بالإضافة إلى هذا الكتاب، كتب بيرجر العديد من الأعمال المهمة حول الدين والمجتمع، وكان له تأثير كبير على علم الاجتماع وفهمنا لكيفية بناء المعنى الاجتماعي.
توماس لوكمان (Thomas Luckmann):
هو عالم اجتماع وفيلسوف ألماني-أمريكي، وُلد في 11 أكتوبر 1927 وتوفي في 10 مايو 2016. يُعتبر أحد الأسماء البارزة في مجال السوسيولوجيا المعاصرة، وخصوصًا في دراسة بناء الواقع الاجتماعي، اشتهر بعمله المشترك مع بيتر بيرجر في كتاب "البناء الاجتماعي للواقع" (The Social Construction of Reality) الذي نُشر عام 1966. في هذا الكتاب، قدم لوكمان فكرة أن المعرفة والواقع الاجتماعي ليسا مجرد انعكاس للواقع المادي، بل هما نتاج تفاعلات اجتماعية مستمرة بين الأفراد والمجتمعات، كما قام بتطوير مفاهيم مثل "الشرعية" و"المؤسسات" بالتعاون مع بيتر بيرجر التي تشرح كيف تتشكل المعايير الاجتماعية وتُرسخ عبر الأجيال، عمل لوكمان أيضًا في مجالات أخرى مثل دراسة الدين، وهو معروف بتطويره مفاهيم حول دور المؤسسات في تشكيل الواقع الاجتماعي وكيف تؤثر على حياة الأفراد. يعتبر إرثه العلمي محوريًا في فهم طبيعة الواقع الاجتماعي وبنيته.
مقدمة:
يستكشف كتاب البناء الاجتماعي للواقع (The Social Construction of Reality) للمؤلفين بيتر بيرجر وتوماس لوكمان كيف يخلق البشر ويحافظون على الفهم المشترك للواقع من خلال التفاعلات الاجتماعية، يعتقد الكاتبان أن الواقع ليس كيانًا موضوعيًا مستقلاً، بل هو شيء يتم بناؤه من خلال العمليات الاجتماعية، ويسلطان الضوء على دور اللغة والتواصل الاجتماعي في تشكيل تصورات الأفراد للعالم.
يقدم الكتاب مفاهيم رئيسية مثل "المؤسسية" - العملية التي يتم من خلالها تأسيس الأفعال والسلوكيات كمعايير داخل المجتمع - و"الشرعية"، والتي تشير إلى الطرق التي يتم بها تبرير الأنظمة الاجتماعية وجعلها تبدو طبيعية. من خلال هذه العمليات، يتم إدامة المعايير والقيم والمعرفة المجتمعية عبر الأجيال.
في جوهره، يؤكد بيرجر ولوكمان أن فهمنا للواقع يتم بناؤه من خلال التفاعلات الاجتماعية المستمرة، وأن المؤسسات تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل كيفية رؤيتنا للعالم وتجربتنا له.
"يعد كتاب البناء الاجتماعي للواقع (The Social Construction of Reality) للمؤلفين بيتر إل. بيرجر وتوماس لوكمان، والذي نُشر لأول مرة عام 1966، نصًا أساسيًا في علم الاجتماع وفلسفة العلوم الاجتماعية. في هذا الكتاب، يستكشف المؤلفان الطرق التي يبني بها البشر الواقع ويختبرونه من خلال التفاعلات الاجتماعية. وتتلخص أطروحتهما المركزية في أن ما نعتبره "واقعًا" ليس موضوعيًا أو مستقلاً، بل يتم إنشاؤه ودعمه من خلال العمليات الاجتماعية.
فيما يلي تفصيل مفصل للأفكار الرئيسية:
1. البناء الاجتماعي للمعرفة
يبدأ بيرجر ولوكمان بالتأكيد على أن المعرفة ليست مجرد انعكاس لواقع موضوعي؛ بل إن المعرفة نفسها هي نتاج اجتماعي. إن ما نعرفه، وكيف نعرفه، وما نعتبره "حقيقيًا" تتشكل جميعها من خلال العمليات الاجتماعية. تحدث هذه العمليات داخل السياقات الاجتماعية - الأسر والمدارس ووسائل الإعلام وما إلى ذلك - وتتأثر بالثقافة واللغة والمؤسسات.
2. التجسيد الخارجي، والموضوعية، والداخلية:
يحدد الكتاب ثلاث عمليات رئيسية يتم من خلالها بناء الواقع الاجتماعي:
التجسيد الخارجي: هذه هي العملية التي ينشئ بها البشر أشكالاً خارجية وموضوعية من تجاربهم الذاتية. فعندما يتفاعل الأفراد مع بعضهم البعض، فإنهم ينتجون أنماطًا من السلوك والمؤسسات والهياكل التي تصبح خارجية بالنسبة لهم. وتشمل هذه الهياكل أشياء مثل اللغة والقوانين والأدوار الاجتماعية وحتى الأشياء المادية.
التجسيد: بمرور الوقت، تصبح المنتجات الخارجية للنشاط البشري حقيقة موضوعية. ويبدأ الناس في رؤية هذه الهياكل - مثل المؤسسات الاجتماعية والمعايير والأدوار - كحقائق موضوعية، مستقلة عن العمل البشري. ويبدو أن هذه الهياكل لها واقع خاص بها، موجود خارج التجارب الفردية.
التجسيد الداخلي: يستوعب الأفراد هذه الحقائق الاجتماعية الموضوعية من خلال التنشئة الاجتماعية. فعندما يتفاعل الناس مع المجتمع، يتعلمون المعايير والقيم والأدوار التي تعتبر "حقيقية"، ثم تشكل هذه الحقائق التي تم إنشاؤها اجتماعيًا كيفية إدراك الناس للعالم وتصرفهم فيه.
3. المؤسسية:
من المفاهيم المهمة في الكتاب المؤسسية. يشير هذا إلى العملية التي يتم من خلالها إنشاء الأفعال أو السلوكيات أو أنماط التفاعل كمعايير أو مؤسسات. وبمجرد أن يصبح السلوك أو الممارسة مؤسسيًا، لم يعد يُنظر إليه على أنه نتاج اختيار فردي أو إبداع، بل كجزء طبيعي ومسلم به من الحياة الاجتماعية، على سبيل المثال، فإن بنية الأسرة، أو نظام التعليم، أو مفهوم الزواج، كلها أنماط مؤسسية تشكل التفاعلات الاجتماعية وتنتقل عبر الأجيال.
4. دور اللغة:
تلعب اللغة دورًا حاسمًا في البناء الاجتماعي للواقع. يزعم بيرجر ولوكمان أن اللغة ليست مجرد أداة للتواصل بل هي أيضًا وسيلة لتشكيل كيفية إدراك الأفراد وفهمهم لعالمهم. من خلال اللغة، ينقل الأفراد فهمهم للواقع إلى الآخرين، كما تعمل اللغة أيضًا على تعزيز البنى الاجتماعية والمعايير التي تشكل هذا الواقع. تعكس اللغة العالم الاجتماعي وتبنيه.
5. الشرعية ودور السلطة:
بمجرد إنشاء المؤسسات الاجتماعية، فإنها تتطلب الشرعية - أي تبرير وجودها وسلطتها، تشير الشرعية إلى عملية جعل هذه البنى الاجتماعية تبدو طبيعية وضرورية ولا مفر منها، تطور المجتمعات طرقًا مختلفة لإضفاء الشرعية على معاييرها ومؤسساتها من خلال الدين والتقاليد والأنظمة القانونية وغيرها من أشكال السلطة، تساعد هذه الأساطير والروايات الشرعية في الحفاظ على النظام الاجتماعي من خلال تقديمه على أنه عقلاني ولا يقبل الشك.
6. دور المؤسسات الاجتماعية:
تعتبر المؤسسات (مثل الدين والتعليم والأسرة والدولة) أساسية لبناء الواقع لأنها تعمل كوسائل يتم من خلالها نقل المعايير الاجتماعية والقيم والأدوار، وهي توفر إطارًا يتعلم من خلاله الأفراد ما يعتبر "حقيقيًا" ومناسبًا في المجتمع. تشكل المؤسسات الطريقة التي يفهم بها الناس أنفسهم وأدوارهم في المجتمع، وتؤثر على كل شيء من الهوية الشخصية إلى السياسة العالمية.
7. الجدلية بين الفرد والمجتمع
يؤكد بيرجر ولوكمان أن عملية البناء الاجتماعي ليست أحادية الاتجاه. في حين تشكل المؤسسات والمجتمع الأفراد، يلعب الأفراد أيضًا دورًا نشطًا في إنشاء هذه الهياكل الاجتماعية وتغييرها. تعني هذه العلاقة الجدلية أن المجتمع والأفراد يشكلون بعضهم بعضًا: يستوعب الأفراد المعايير الاجتماعية، لكنهم يتفاعلون أيضًا مع هذه المعايير ويمكنهم تغييرها بمرور الوقت.
8. نسبية الواقع:
تتمثل إحدى الحجج الأساسية للكتاب في أن ما يُعتبر "حقيقيًا" يختلف عبر الثقافات والفترات التاريخية. الواقع ليس كيانًا ثابتًا وموضوعيًا؛ إن الواقع الاجتماعي ليس مجرد بناء اجتماعي، بل هو بناء اجتماعي يتغير تبعًا للسياق الاجتماعي والثقافي والتاريخي. ويتحدى هذا الرأي المفهوم التقليدي للواقع الموضوعي، ويقترح بدلاً من ذلك وجود طرق متعددة ومتساوية في الصلاحية لفهم العالم، والتي تشكلها سياقات اجتماعية مختلفة.
9. طبيعة "الاستخفاف" بالواقع الاجتماعي:
بمجرد أن يتم تأسيس شيء ما وإضفاء الشرعية عليه، فإنه يصبح أمرًا مفروغًا منه. يتوقف الناس عن التشكيك في حقيقة المعايير الاجتماعية والأدوار والمؤسسات، على الرغم من أنها كانت ذات يوم من خلال العمل البشري. هذا "الاستخفاف" يجعل من الصعب على الناس رؤية الطبيعة المصطنعة لعالمهم الاجتماعي. على سبيل المثال، قد تظهر مفاهيم مثل العرق والأدوار الجنسانية والتسلسلات الهرمية الاجتماعية كحقائق طبيعية أو بيولوجية، على الرغم من أنها مبنية اجتماعيًا.
10. التغيير الاجتماعي وإمكانية ظهور حقائق جديدة:
على الرغم من الطبيعة الراسخة للواقع الاجتماعي، فإن بيرجر ولوكمان يتركان أيضًا مجالًا لإمكانية التغيير الاجتماعي، نظرًا لأن الواقع الاجتماعي ليس ثابتًا، فيمكن بناء حقائق جديدة من خلال العمل البشري الجماعي. من خلال تغيير الممارسات الاجتماعية التي تدعم المؤسسات القائمة، يمكن للأفراد والجماعات خلق فهم جديد للعالم، مما يؤدي إلى التحول الاجتماعي.
الخلاصة:
يعد كتاب البناء الاجتماعي للواقع عملاً رائداً يتحدى فكرة أن الواقع شيء خارجي ومستقل عن الفكر والفعل البشري، وبدلاً من ذلك، يزعم أن الواقع يتم خلقه من خلال العمليات الاجتماعية، وأن المؤسسات والممارسات الاجتماعية تشكل الطريقة التي نختبر بها العالم ونفهمه. ومن خلال التعرف على البناء الاجتماعي للواقع، يمكن للأفراد اكتساب نظرة ثاقبة حول كيفية تأثير المعايير والمؤسسات المجتمعية على حياتهم، واحتمال اكتساب القوة لتغييرها.

#طيب_إسماعيل (هاشتاغ)       Tayeb_Smail#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات