محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8173 - 2024 / 11 / 26 - 18:22
المحور:
الادب والفن
تعودنا الألمَ حتى صار جزءاً مِنّا، كظلٍ يُرافِقُنا أينما ذَهَبنا، لا نَفْلِتُ من قبضته، ولا نجد الرّاحةَ إلا في حُضورهِ. ألفنا العيش معه، وبات الفَراغُ رفيقنا إذا غاب، وكأن السّعادةَ تكمن في مُلازمتهِ، والمتعة في اسْتِيطانهِ أرواحنا. لكنه وحشٌ يترصّدُنا في صمت، يتحوّلُ فجأةً إلى كاسرٍ يُخيفُ حتى من أوجد له مكاناً في قلبهِ، حين تَغِيبُ الشمسُ في كسوفٍ دائم، وتُسدل الظُّلمةُ ستارها الأبدي علينا.
كل شيءٍ أصبح بعيداً، بعيد المَنالِ. ينمو الخوفُ في أعماقنا، يتشبث بنا كطحلبٍ يَلْتَهِمُ الماء، حتى يتحوّلَ إلى كابوسٍ جاثمٍ على الصدر، حين يغطي الظلامُ العالم بردائه، وتصبح السّماءُ كالأرض، بلا تمييزٍ بين العُلُوِّ والانحدار. عندها لا يبقى سوى الوعي الحاضر كوجعٍ لا يهدأ، والأملِ... ذلك الخيط الوحيد الذي نتشبث به في بَحرِ الظلمات. الأمل هو ذلك الضوء البعيدِ، الواحة التي نعدو نحوها بكل ما تبقى من رَمقٍ.
نغوص في أعماق الألمِ، نحفر في الجراح حتى لا يتبقى منا سوى بقايا الحكاياتِ.
أمجادُنا؟ لم يبقَ منها سوى سَرابٍ، أطيافٌ غابرة، ذكرياتٌ أرهقتها الخَيْبَةُ. الحزنُ والأحزانُ... كلماتٌ غرقت في العَدَمِ، بعضها تاه، بعضها مات، والآخر يلفظ أنفاسَهُ الأخيرة بين أيدِينا. وحدها الدّموعُ لا تخوننا، هي الوفية التي تأتي في كل لحظة، في كل صباحٍ ومساءٍ، تشاركنا العمرَ بأسره، تبني أحلامَنا، تسهر معنا اللّيالي، ثم توقظنا على حقيقة أن كل ما حلمنا به قد صار رَماداً.
دموعُنا... هي النبع الوحيد الذي يعيد لنا بقايا الرّاحةِ، والمطر الذي يغسل أرواحنا من غبار الخَيْبَةِ. هي القادرة على تطهيرِنا، رغم قسوتها. وما بين دمعةٍ وأخرى، تنبعث فينا آمالٌ جديدةٌ، تنبض في الصّمتِ، تتجذر في أعماق الانكسارِ، تمدنا بوعيٍ مؤلِمٍ، ليبدو العالم أقل وَحشةً، وإن بقي أطلالاً من انكساراتٍ وهزائم.
حين نُكسر، تصبح الذات كغواصٍ يُنهِكُهُ البحر لكنه لا يكف عن الغَوْصِ، يبحث عن لؤلؤةٍ ضائعةٍ يعيد بها بناء مجدٍ قديمٍ، يعيد بها معنى الحياةِ.
وكما قال الشاعر:
"وإذا المنابرُ زُينتْ في المساءِ
رأيتُ الظلالَ تسيرُ بلا ضياءِ."
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟