خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8173 - 2024 / 11 / 26 - 11:30
المحور:
الادب والفن
في ضفافِ الظلِّ الطويل
كنتُ أفتِّشُ عني،
عن وجهٍ ضاع بين دفاتر التاريخ،
عن خرائطَ لم تُرسمْ إلا بدمعِ مَن حلموا،
وكسَّروا قيثاراتهم كي يكتبوا بالمِزمارِ نشيدَ الغدِ.
كان الوطنُ مدينةً بلا أفق،
وسقفًا من نجومٍ مستعارة،
كنا ننامُ بين جدرانٍ من مِلح،
ونزرعُ الندى في قلبِ الجفاف،
نُقايضُ أغنياتنا بالخراب،
وحين ضحكنا أخيرًا
ابتلعَ الليلُ صرختَنا.
قلتُ للحبيبِ الذي عبرَني كريحٍ جنوبية
:
"هل تدركُ أن العشاقَ يخسرون دومًا؟
فأجابني بنظرةٍ صامتة،
كالذي يتكئ على مرآةٍ مكسورةٍ
ويصنعُ منها وجهَ السماءِ.
حين تفتَّتت المدنُ تحت أقدامنا
رأيتُ كلَّ شيءٍ بوضوحٍ:
الأفقُ مشنقة،
والأرضُ ساريةُ علمٍ للغزاة،
لكنني رغم الغبارِ،
رأيتُ في عينيكَ كوكبًا لم ينهدم،
وقلبًا يحملُ خرائطَ النجاة.
على حوافِّ الليلِ،
جلسنا نرتقُ أحلامَنا الممزقة،
نغزلُ صبرَ الأمهاتِ خيطًا من شمس،
وندفنُ وجوهَنا في كفِّ الأرضِ،
كأننا نحاولُ أن نستعيدَ صوتَها
من بين رمادِ الحروب.
سألتُ الغيمةَ التي توقفت فوق رأسي:
"هل تعرفين لونَ السماءِ
إن أُفرِغت من الطيور؟"
فأجابتني بندىً يتساقطُ كدموعِ الحقول،
وبهمسةٍ تشبهُ اعتذارَ الخريف.
أيها العالمُ الذي يقيسُ الزمانَ بالموتى،
والمسافةَ بالدموع،
لن أنحني لخرائطك الجريحة،
ولا لحدودٍ رسمها الرماد.
سأقفُ في وجهِ الريحِ
وأصرخُ:
"لستَ أنتَ النهاية."
سأزرعُ بين أنقاضِك
شجرةً لا تعرفُ سوى الفجر،
وأتركُ للغدِ أغنيةً من لوزٍ وأمل،
تغنيها العصافيرُ
على أبوابِ المدنِ المفقودة.
قلتُ للبحرِ الذي يضجُّ بالغرقى:
"امنحني من أسرارك،
علِّي أجدُ شاطئًا آخر."
فأجابني بموجةٍ
تحملُ وجهكِ.
رأيتُ في عينيكِ مدينةً
لا تعرفُ القتال،
وغابةً من زيتونٍ
تتكئُ على الغيمِ.
رأيتُ وطنًا يسكنُ صوتكِ،
وطفلًا يضحكُ في ضوءِ القمر.
حين تتعبُ السماءُ من حملِ النجوم،
وحين تنحني الرياحُ من عبثِ الصحراء،
سنعودُ نحن،
لا كغزاةٍ،
ولا كضحايا،
بل كعشاقٍ يفتحون أبوابَ النهار
ويغسلون وجهَ العالم
بنورٍ لا ينطفئ.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟