أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - حقوق الإنسان: من خطب المهرجانات إلى متاجرة الضمير














المزيد.....

حقوق الإنسان: من خطب المهرجانات إلى متاجرة الضمير


بن سالم الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 8173 - 2024 / 11 / 26 - 07:24
المحور: كتابات ساخرة
    


في عالمنا المعاصر، يبدو أن حقوق الإنسان قد تحولت من قضية إنسانية إلى تجارة رائجة، تعرض في كل مناسبة، وتستعرض في كل مؤتمر، وكأنها سلع تباع بأبخس الأثمان. في الوقت الذي ترفع فيه الشعارات عن العدالة والمساواة، تترك معاناة الناس تتناثر في أركان العالم المظلمة كأنها عرض غير مهم. فها نحن نشاهد القادة السياسيين وهم يلقون خطبا مطولة عن حقوق الإنسان، وكأنهم يتحدثون عن طعام لذيذ يوضع على طاولة فاخرة، بينما في الحقيقة، لا نرى من تلك الخطب سوى كلمات فارغة تزين منصات الإعلام وتملأ صفحات الصحف.

منذ متى أصبحت حقوق الإنسان مجرد موضة تتكرر في كل أزمة، وسرعان ما تنسى عندما تنطفئ الأضواء؟ عندما تعيش في غزة، أو في أي مكان آخر يعاني من الحروب أو الفقر المدقع، تجد أن هذه "الحقوق" تتحول إلى مجرد أرقام في تقارير الأمم المتحدة، وأوراق متراصة على مكاتب السياسيين، أما الأطفال الذين يموتون جوعا أو تحت قصف، فلا يبدو أن لهم مكانا في هذه المعادلة. إن الكلمات الرنانة التي نسمعها تخفي وراءها معاناة لا تحتمل، فيبدو أن الوعود تتناثر في الهواء، بينما المعركة الحقيقية تظل خفية.

ما الذي نفعله عندما تتلى الكلمات الرقيقة عن حقوق الإنسان، بينما يظل الواقع مصرا على تقديم مآسي جديدة في كل يوم؟ أصبحنا جميعا محترفين في سرد القصص، وكلنا نعرف ما يجب أن نقوله، ولكن هل نعرف ماذا نفعل؟ القادة يتسابقون على الشاشات ليتحدثوا عن حقوق المرأة والطفل، لكنهم ينسون أن الإنسانية لا تتحقق بالكلام وحده. فلو كانت الكلمات قادرة على إيقاف الحروب أو إنهاء المجاعات، لكانت الأرض اليوم مكانا أفضل.

إن أكبر خدعة اليوم هي تحويل حقوق الإنسان إلى شعار يرفع في الهواء دون أي ارتباط بالواقع. لقد أصبحنا نرى القادة والسياسيين يتبادلون التصريحات الرنانة حول العدالة والحرية، وفي الوقت ذاته يوقعون صفقات تجارية مع الأنظمة التي تنتهك هذه الحقوق بشكل يومي. وبذلك، تصبح حقوق الإنسان مجرد لعبة ترويجية، تستخدم عندما يحتاج القادة إلى تحسين صورتهم أو الفوز بأصوات الناخبين، ثم تلقى في الزاوية عندما تنقشع الغيوم وتختفي الأضواء.

لقد تحولنا من دعاة الفضيلة إلى محترفي السفسطة، نقول ما يجب أن يقال، لكننا ننسى أن القول دون الفعل هو مجرد لغو. فلتكن أفعالنا هي التي تتحدث، لأن الخطابات لا تجلب طعاما للأطفال الجياع، ولا تداوي جرحى الحروب، ولا تنقذ الأرواح. في النهاية، يظل السؤال الأكبر: هل نحن مستعدون للتحرك بعيدا عن الأضواء والمؤتمرات إلى حيث تظل حقوق الإنسان في خطر دائم؟ أم أننا سنظل ننتظر الكلمة التالية التي تزين غلاف صحيفة؟

إن تحول حقوق الإنسان إلى مجرد شعار إعلامي ليس مقتصرا على السياسة فقط، بل امتد ليشمل المؤسسات الدولية والمنظمات الإنسانية التي تزايدت ميزانياتها في السنوات الأخيرة، بينما تراجع تأثيرها الفعلي على الأرض. في وقت تتفاخر فيه هذه المنظمات بتوزيع ملايين الدولارات على مشاريع "الإغاثة"، نجد أن الوضع في العديد من المناطق المنكوبة يزداد سوءا. لم تعد هذه المؤسسات تقدم حلولا حقيقية، بل تكتفي بتمويل برامج قصيرة المدى غالبا ما تنتهي بتقارير خالية من النتائج الملموسة. ربما لم يكن الهدف في البداية أن تتحول هذه المؤسسات إلى واجهات تجارية تقتات على المعاناة الإنسانية، ولكن مع مرور الوقت، أصبح من السهل استغلال معاناة البشر كفرصة لجمع التبرعات وبيع الوعود. على سبيل المثال، في مناطق النزاع كاليمن أو سوريا، ترى قوافل المساعدات تتراكم دون أن تصل إلى مستحقيها، بينما يبقى كبار المسؤولين في هذه المنظمات يجوبون العواصم العالمية لتقديم تقارير عن "التقدم" الذي تحقق. في النهاية، تصبح معاناة البشر مجرد بند في جدول أعمال اجتماعات، وسطرا في تقارير لا تخرج عن نطاق التصريحات الجافة التي لا تغير شيئا في الواقع.

ومع مرور الوقت، أصبح من الواضح أن حقوق الإنسان لم تعد قضية محورية في الممارسات السياسية الدولية؛ فهي مجرد أداة للضغط أو وسيلة لتحقيق مصالح اقتصادية وجيوسياسية. الدول الكبرى تتبنى قضايا حقوق الإنسان كلما كانت تخدم مصالحها، وعندما لا يكون لذلك تأثير على حساباتها السياسية، يتم التغاضي عنها بكل بساطة. نرى كيف يتم استخدام قضية حقوق الإنسان كوسيلة لتقوية التحالفات السياسية، أو كأداة في الصراع بين الدول الكبرى، فكلما كان هناك نزاع أو أزمة سياسية، ترفع القوى العالمية شعارات حقوق الإنسان، ولكن لا تكاد هذه الشعارات تتحقق على أرض الواقع. ببساطة، الحقوق تظل رهينة التوازنات السياسية التي تخدم أطرافا معينة، بينما يترك ملايين البشر في معاناتهم. إذا كانت الدول التي تتشدق بحقوق الإنسان في العلن، تنتهكها في الخفاء عبر سياساتها الاقتصادية أو العسكرية، فكيف يمكننا أن نصدق جدية هذه الحركات؟ وهل يمكن لحقوق الإنسان أن تكون فعلا قضية عالمية إذا كانت مصالح الدول هي من تحدد مصيرها؟



#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -محمد وأمنية ما بين السخرية والفلسفة: حين يتلاقى حسن الخاتمة ...
- عريضة شعبية تطالب الملك بمحاسبة وزير العدل وهبي وإقالته من م ...
- الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن: أداة سياسية أم عقبة أمام السل ...
- عيد الاستقلال المغربي: بين الفرح والاختلافات الاجتماعية
- -القصاص أم السياسة؟ السعودية تنفذ حكم القتل في خيانة وطنية و ...
- العالم اليوم: قانون الغاب في ثوب جديد
- المهداوي: ضحية النظام أم بطل مسرحية درامية؟
- الدينامية الجديدة في العلاقات المغربية الفرنسية على ضوء قرار ...
- إسرائيل: ضحية نفسها في مسرحية عالمية
- -التغطية الإعلامية للأميرة للا خديجة: بين المظهر والتأثير ال ...
- سيارات الدولة: رموز الفساد الإداري في المغرب وضرورة الإصلاح ...
- -الأعداء: سلاح سياسي أم مجرد وهم درامي؟-
- ماكرون: -خنجر المغاربة- في قلب المقاومة الفلسطينية
- ماكرون في المغرب: طاجين سياسي ومفاوضات على نار هادئة
- إسرائيل وإيران: دراسة في صراع القط والفأر
- عالم بين الدمار والسلام: نحو رؤية مستقبلية جديدة
- -الشيطان يتحدث: تأملات في التشكيلة الحكومية المغربية الجديدة ...
- نهاية إسرائيل على يد نتنياهو: هل هي نبوءة أم مجرد سخرية؟
- عالم الحيوانات: تحليل للتنمر الدولي في إطار غابة حيوانات
- فن الاختلاف: عندما يتحول الكوميدي إلى حاكم فني


المزيد.....




- ما زال الحب مُزهراً
- العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية
- -نون- عنواناً لجلسة شعرية عامرة في اتحاد الأدباء
- مجدي صابر.. رحلة كاتب شكلته الكتب وصقله الشارع
- البحث عن الملاذ في أعمال خمسة فنانين من عمان في بينالي فيني ...
- تادغ هيكي.. كوميدي أيرلندي وظف موهبته لدعم القضية الفلسطينية ...
- الحكم بسجن الفنان الشعبي سعد الصغير 3 سنوات في قضية مخدرات
- فيلم ’ملفات بيبي’ يشعل الشارع الاسرائيلي والإعلام
- صرخات إنسانية ضد الحرب والعنف.. إبداعات الفنان اللبناني رودي ...
- التراث الأندلسي بين درويش ولوركا.. حوار مع المستعرب والأكادي ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - حقوق الإنسان: من خطب المهرجانات إلى متاجرة الضمير