|
قراءتي في رواية الثلمي
رحمة يوسف يونس
الحوار المتمدن-العدد: 8172 - 2024 / 11 / 25 - 15:15
المحور:
الادب والفن
الثلمي رواية للشاعر وليد الصراف، تستعرض الرواية حياة الموصليين منذ زمن التسعينيات، قبل احتلال بغداد وحتى تحرير الموصل من سيطرة داعش عام 2017 على لسان سيف حسن بطل الرواية، وهو شاعر ومدرس مادة أحياء في مدرسة، يحب امرأة تدعى ثريا، وهي من عائلة موصلية محافظة جدًا، ويرتبط بها، تجسد علاقته علاقة الرجل الموصلي بالمرأة التي يرتبط بها في زمن التسعينيات بمواقف موجودة حقيقة في بيوت كثير من الموصليين حتى اليوم، مثل منع ابنتهم المخطوبة من الخروج مع خطيبها للنزهة أو بشرط وجود أحد أقاربها معهما، والجهاز والذهب والتزوج في بيت الأهل في حفل بسيط في البيت، نتيجة ظروف الحصار، حيث كان الموظف يحصل على راتب بسيط لا يمكنه به شراء حذاء. عبدالله وسمير وعبد الصمد الأديب أصدقاء سيف حسن يلتقون كل فترة في كازينو الشجرة على نهر دجلة، الجلسات والحوارات فيما بين الأصدقاء هؤلاء تحكي عن اوضاع المدينة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، في زمن الحصار وبعد احتلال بغداد، كذلك تجسد العلاقات بين بعض الأفراد وخلافاتهم بعد الاحتلال ومن محاولة إشاعة ثقافة القرية والمدينة بين أبناء المدينة الواحدة فضلًا عن الانقسامات العرقية والمذهبية. الرواية تستذكر موقف الشباب وقت الاحتلال عام 2003 وانهيار النظام السابق وجيشه، حيث كان الشباب جيشًا بديلًا يتناوبون جماعات لحماية مناطقهم ومدينتهم، ودورهم كذلك في حماية ممتلكات الدولة من السراق وإعادة المسروقات إلى الدوائر الحكومية. الرواية تسلط الضوء في كثير من فصولها على المتسلقين للسلطة والمتملقين والمتلونين، وتأثير تخبطهم ذاك في كثير من الجوانب الحياتية، من تأثيرهم على الوضع السياسي الذي أدى الى زعزعة الأمن، والثقافي حيث رُفع أناس لا ينتمون الى الثقافة ووُضع المثقفون الحقيقون دون مستواهم الذي يستحقون، ومن فوضى في النشر في الجرائد وأخطاء لغوية، ومحاولة إدخال عادات عن طريق الثقافة لا تمت للموصل واهلها بصلة مسلمين ومسيحيين، كجواز لمس يد أي امرأة عند تحيتها، وهذا يخالف عاداتهم إذ كما ورد بداية الرواية عن طبيعة المجتمع المحافظ في المدينة. الرواية كذلك تستذكر الخرق الأمني المتمثل بالعبوات الناسفة والسيارات المفخخة، وأيضا التهديد بالقتل وخطف الابناء الذي تعرض له الكثير من اهالي الموصل في سنوات ما قبل عام 2014، تجسدت قضية التهديد في قصة تهديد سيف بخطف ابنه حسام إن لم يعطِ مبلغًا من المال لجماعة مسلحة مجهولة يفوق قدرته المادية. واعقب ذاك الخرق احتلال للموصل من قِبل داعش يوم 8 حزيران 2014. هروب سيف مع عائلته من الموصل والعيش طيلة فترة الاحتلال في أربيل شمال العراق يصف حال كثير من الموصليين الأبرياء الذين هربوا لينجوا بأرواحهم من تهم داعش الظالمة التي دونت أسامي الكثير في قائمة الموت، وكانت تهمة سيف أنه شاعر كتب الكثير مما لا ينسجم مع الشرع. يصف سيف فترة داعش التي قضاها في أربيل بالسبات او النوم الطويل الذي استمر ثلاث سنوات وهي مدة حكم داعش للموصل، كونه كان لا يعمل، وبعيدا عن اهله ومدينته. وهذا تشبيه بديع لا أبالغ بأن اقول كل أهل الموصل مروا به الذين بقوا في المدينة أو الذين غادروها، فالثلاث سنوات تلك محيت من أعمارهم كونهم عاشوها بلا هدف ولا غاية، وكانوا بعيدين عن موصلهم الحقيقية في ظل حكم الغرباء لها، ثم يعود إلى الموصل بعد التحرير وتصفعه أخبار قتل أصدقائه ومعارفه وتدمير المنطقة القديمة بما فيها بيت أهله الذي عاش فيه طفولته ومدرسته، فيصحو من سباته مفجوعًا وهو يسير في جنازة مدينته بين الأنقاض. الثلمي العنوان هو مفردة تعني الثلمة وباللهجة الموصلية تلفظ بالياء، وهي الخرق، وهو خرق حصل في سور الموصل القديمة أيام حصار نادر شاه على المدينة عام 1743م وتمكن الموصليون بوحدتهم من ترميمه، والتصدي له. الصرّاف يتساءل في روايته وكأنه يستنتج أن سبب ما حدث للموصل هو التفرقة بين أبناء المدينة الواحدة، الذين وصفهم بأحفاد الأجداد الذين بنوا السور في الماضي والذي يجسد تضامنهم ووحدتهم، وهي معصية كبيرة أكبر من غيرها من الكبائر: (هل كنا نحن الموصليين أشرارًا أكثر من مواطني مدن في الكرة الأرضية تزني وتشرب الخمر وتباح فيها المثلية؟ هل كان عدم توادنا وتراحمنا جريمة أكثر من كل هذه المعاصي..)، وهذه هي الثلمة التي مكنت الأعداء والحاقدين على المدينة من احتلالها والعبث بها وقتل أهلها ومحاولة تدمير تراثها. الرواية موجعة ومؤثرة خاصة لمن عاش أحداثها الحقيقية، أبدع فيها الصراف، أقرؤها وكأني أشاهد فيلمًا، بل كأني عدت الى تلك الأيام وعشتها مرة اخرى. وأكثر فصل أثر بي ووقفت عنده كثيرًا حتى ذرفت عيناي الدمع هي اللحظة التي جاء فيها سيف إلى أنقاض مدرسته الابتدائية والتقى بسيف الطفل، وتحدث معه وسأله ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟ فقال لا اريد ان اكون انت. ولكني يا الصرّاف لو التقيت برحمة الطفلة فبالتأكيد ستتفاجأ بها، وستقول إنها فاقت حلمها، وأن الضربة التي ما قتلتها هي مصدر قوتها، فتحت الجِراح بمشرط جرّاح، ثم تداويها بخاتمة روائي يفتح الستارة عن نافذته فيدخل نسيم لطيف وأشعة الشمس تنير حياته مرة اخرى: (لماذا أخاف، ما دام لي ذاكرة فأنا عشت منذ آدم، وما دام لي حلم فانا لن أموت حتى تصيح الساعة)
#رحمة_يوسف_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حب لا يعتق
-
تابع للمقال السابق/ إسراف وسنة سيئة
-
إسراف وسنة سيئة
-
ذكريات الفيسبوك
-
لا شيء
-
وباء الاستهلاك
-
إنني لغتي
-
سَلَطة وسُلطة
-
قراءتي في رواية فارابا
-
نفي
-
معنى الحياة
-
رحمة
-
بلادة المشاعر والأدب
-
ابن الكون
-
خلايا الروح
-
ذرات غبار
-
مجرد كلمات
-
بر الوالدين بين القرآن والمجتمع
المزيد.....
-
الجزيرة 360 تعرض فيلم -عيون غزة- في مهرجان إدفا
-
من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم
...
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|