|
القطة و الفأرة في منزل واحد
رامي الابراهيم
كاتب، صحفي، مترجم، لغوي، سينمائي
(Rami Ibrahim)
الحوار المتمدن-العدد: 8172 - 2024 / 11 / 25 - 04:48
المحور:
الادب والفن
( حكاية من حكايات الأخوين غريم ترجمها عن النسخة الانكليزية رامي الابراهيم)
حَدث في أحد الأيام أن تمَّ التّعارف بين قطةٍ و فأرة، وبذلت القطَّة جُهداً كبيراً وهي تحاول إقناع الفأرة بالعيش المشترك في بيتٍ تقتنيانه معاً. وافقت الفأرة أخيراً لكثرةِ ما تكلّمت القطَّة عن مشاعر الحب والصداقة العظيمة التي تُكنُّها لها. بعد موافقة الفأرة على السكن في بيتٍ واحد اقترحت القطَّة عليها أن تقتنيا شيئاً كَمئونةٍ للشتاء" وإلا فإننا سنتضوّرُ جوعاً " قالت القطّة. و أَضافت: " لا يمكنك يا عزيزتي الصغيرة أن تغامري دائماً بالبحث عن الطّعام وإلا فإنك ستقعين يوماً ما في أَحد المصائد المنصوبة هنا و هناك". اتَّبعت الفأرةُ نصيحةَ القطّة و بناءً على ذلك قامتا بشراء إناءٍ من السّمن لكنَّ المُشكلة كانت في اختيار المكان المناسب لتخزين الإناء و حِفظه بعيداً عن العيون. بعد كثيرٍ من التّفكير قالت القطّة: " لا أجدُ مكاناً أنسبَ من الكنيسة لحفظ الإناء، حيثُ لا يجرؤُ أحدٌ أن يأخذ أيَّ شيءٍ من هناك. سنضعهُ تحتَ المذبح و لا نمدُّ يداً إليه حتى يحين مَوعدُ ذلك و نُصبح في حاجةٍ ماسَّةٍ له". وهذا فعلاً ما حصل لكنَّهُ سرعانَ ما شعرت القطَّة بنداءٍ قويٍّ يجذبها إلى هُناك حيث قالت للفأرة:" أَرغب في أن أُخبرك بشيءٍ يا عزيزتي.. فقد وضعت ابنةُ عمِّي مولوداً جديداً وطَلبت منّي أن أكون إشبينته. إنَّه ولدٌ جميل أبيض اللون مع بقعٍ بُنيّة و يَتوجبُ عليَّ أن أقوم بحملهِ أثناء التعميد. هلْ بالإمكان أن تقومي أنتِ بتدبُّر شُؤُون المنزل بينما أذهب اليوم إلى هناك". " طبعاً, طبعاً.. فلتذهبي، مع ألف سلامة و إذا وقعت على شيءٍ ما طيِّب فكري بي. فسوف لن أعارض إذا حصلت على جرعةٍ من نبيذ المعمودية الأحمر اللذيذ". أجابت الفأرة. على كل حال فإن أياً من ذلك لم يكن صَحيحاً ولم يكن للقطّة أيّةُ ابنة عم ولم يُطلب منها أن تكن إشبينةً أبداً؛ و إنما ذهبت مباشرةً إلى حيث يُوجد إناءُ السّمن، تَسلّلت إلى هُناك و أَخذت تلعقُ مِن السَّمن حتى أتَت على القسم العُلوي كاملاً. راحت القطّة بعدها تقفز فوق سُطوح المنازل متيقظةً لاقتناصِ الفُرص في حال سَنحت لها واحدة ثمَّ توقفت لبرهةٍ تمطِّط جسدها في أشِّعة الشَّمس و تلعق شِفاهها في كلِّ مرةٍ تذكَّرت فيها إِناء السَّمن ولم تعد إلى البيت حتَّى حلَّ المساء. " ها أنت هنا ثانيةً " قالت الفأرة. " لا بدَّ وأنّك قضيتِ يوماً مُمتعاً ". أَضافت الفأرة. " نعم، فقد مرَّ كلُّ شيءٍ بشكلٍ جيد و من دونِ كَدر" أجابت القطّة. " و ماذا أطلقتم على المولود؟ " " أعلى انتهى" أَجابت القطَّة ببرود. " أعلى انتهى؟! إنّه اسمٌ غريبٌ تماماً و غيرُ شائعٍ أبداً! هل هو كذلك في عائلتك ؟ " صاحت الفأرة باستغراب. " و ما الأمرُ في ذلك؟ إنَّه ليس بأسوأ من سارق الفُتات كما يُدعى الكثير من أَبناؤكِ في المعمودية" قالت القطّة. لم يمضِ وقتٌ طويل حتَّى انتابت القطَّة نوبةٌ أُخرى من الشُّعور بالانجذاب اللامحدود تِجاه الإناء وقالت للفأرة ثانيةً: " هلا صنعت لي هذا المعروف ثانيةً و قمت بالاعتناء بالمنزل لوحدك ريثما أعود؛ فقد تمَّ استدعائي ثانيةً لأقوم بدور الإشبينة، وأنا لا أستطيع رفض ذلك سيّما وأنَّ الولد يملك طَوقاً أبيضاً حول عُنقه". وافقت الفأرة الطيبة على ذلك لكن القطّة ذهبت متسللةً خلف جدران المدينة حتّى وصلت إلى الكنيسة و التهمت من السمن حتَّى لم يبقَ سوى نصفهُ. " ليس هُناك ما هو أفضل مما تدّخره لنفسك" قالت القطّة محدِّثةً نفسها بذلك وهي تشعر بالرضا عمّا أنجزَتْهُ في ذلك اليوم. عندما عادت إلى البيت لاقتها الفأرةُ بالسُّؤال: " وما ذا أَطلقتم على هذا أيضاً؟ " " نِصفُه تم " أجابت القطّة. " ماذا تقولين..نصفه تم؟! أنا لم أسمع في حياتي كلها باسمٍ كهذا!أراهن أنه غيرُ موجودٍ حتى في السِّجلات". سُرعان ما عاد لُعاب القطّة يسيل مُجدداً للعق السّمن حيثُ قالت للفأرة: " إنَّ الأشياء الجيدة كلها تحدث ثلاثاً وأنا مدعوةٌ مرة أخرى لأكون إشبينة. إنّ هذا الولد أسودٌ تماماً و ليس هناك من شعرة بيضاء واحدة على جسمه كله و ما من شيءٍ أبيض فيه سوا مخلباه. إنّ هذا لأمرٌ نادر ولا يحدثُ سوى مرةً كُلَّ عِدّة سنوات. سوف تدعينني أذهب..أليس كذلك؟ " " أعلى انتهى، نصفه تم، إنها لأسماءٌ غريبةٌ حقاً وهي تقودني إلى كثيرٍ من التفكير بأمرها" أجابت الفأرة. " أنتِ تجلُسين هنا مُتدثرةً بمعطفك الفروي ذو اللون الرّمادي الباهت و تُرسلين ذيلك الطّويل هناك ثمَّ تُطلقين لأخيلتك العنان. كُلُّ ذلك لأنّك لا تخرجين خلال النّهار " قالت القطّة. قامت الفأرة خلال فترة غياب القطّة بتنظيف المنزل و ترتيبه. لكن القطة الشرهة أكلت من إناء السمن حتى أفرغته تماماً. "عِندما يُؤكلُ كلُّ شيء يشعرُ المرء بالراحة " حدّثت القِطّةُ نفسها بذلك. شعرت القطّةُ بالامتلاء و التُّخمة ولم تُقفل أَدراجها عائدةً إلى المنزل حتَّى حَلَّ المساء. سألت الفأرةُ في الحال عن اسم المولودِ الثالث. " سوف لن يَسُرّك الاسم حاله حال الاسمين السابقين " أجابت القطّة. " كُلّه مضى، هو الاسم! " تابعت القطّة. " كُلّه مضى؟! " صاحت الفأرة باستغراب " إنّه أكثرُ الأسماء الثلاثة إثارةً للريبة و أنا لم يسبق أن قرأته في مطبوعةٍ ما. كُلُّه مضى! ماذا يمكن لذلك أن يعني؟ " هزّت الفأرةُ رأسها و استلقت مادّةً ذراعَيها و قدميها قريبةً إلى جَسدِها لتنام. و مُنذُ ذلك الوقت لم يتمَّ استدعاءُ القطّة لتقوم بدور الاشبينة أبداً، و عندما حلّ الشتاء و لم يعد الطعام متوفراً في الخارج كما كان بل و صارَ العثورُ عليه أَمراً عسيراً صارت الفأرة تفكر في المؤونة التي خزنتاها منذ زمن حيث قالت: " تعالي لنذهب أيتها القِطّة إلى حيث خبأنا إناء السَّمن، سوف نَستمتِعُ به كثيراً". " نعم، ستستمتِعينَ بذلك بِقدْرِ ما تستمتِعين حينَ تُخرِجين لِسانكِ الدَّقيق من النّافذة " أجابت القطّة. ثمَّ انطلقوا في طريقهم إلى هناك ووجدوا إناءَ السّمن في مكانه تماماً لكنّه خاوٍ من أي شيء. قالت الفأرة: " يا إلهي! اللآن اتّضحَ كلُّ شيء.. الآن أستطيع أن أتصوّرَ ما الذي حدث. يالكِ من صَديقةٍ صَدوقةٍ أيتها القطّة. لقد التهمت كلَّ شيء بينما كنت تقومين بدور الإشبينة. في البداية أعلى انتهى، ثمّ نصفه تم، والآن..." " هلا بلعتِ لسانك أيتها الفأرة؟ كلمة واحدة زيادة و سوف ألتهمكِ أنتِ أَيضاً " صَرخت القطّة. كانت كلمةُ " كلُّه مضى " على لسان الفأرة المسكينة و ما كادت أن تنطق بالكلمتين حتى انقضّت القطّةُ عليها، وَما هي إِلا ثَوانٍ قليلة حتّى ابتلعتها.
في الحقيقة، هذه هي طبيعةُ الكَون و هكذا هيَ الدُّنيا تسير.
#رامي_الابراهيم (هاشتاغ)
Rami_Ibrahim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الضوء الأزرق
-
الإوزة الذهبية
-
لعبة المكان و الزمن
-
دقيقةٌ من وقت الزّمان ووقفةٌ في ذهول
-
غبار الطّلع
-
قلا تجي
-
أحلام اللحظة..و الشوق طليقٌ.. و الماضي توثب!
-
انتماء
-
فستان شعبي جداً
-
هيكل لإله الحروف
-
أحلام غرابة اللون..و العري
-
يا عجاج الدير رفقا
-
صباح الخير نوشاتل
-
أحب أحب نوشاتل
-
رحلة الروح الواعية
-
توبة عاشق
-
الرقص في دورة زمجر
-
جمع الجذور و الحكايات ( قصيدة في رثاء ساحرات أوربا)
-
أجمل الأشياء تغنى..تقال
-
أحب الحياة..أحب الحياة
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|