أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام موسي - لغة الوجوه والعينين: نافذة الروح في فن التمثيل















المزيد.....

لغة الوجوه والعينين: نافذة الروح في فن التمثيل


حسام موسي
كاتب وباحث وناقد ومؤلف مسرحي مصري


الحوار المتمدن-العدد: 8171 - 2024 / 11 / 24 - 20:47
المحور: الادب والفن
    


يُعتبر التمثيل أحد أرقى الفنون التي تتطلب مهارات متعددة تتراوح بين الجسد والكلام، ولكن ما يجعل الممثل ممتازاً حقًا هو قدرته على قراءة مشاعر الشخصيات من خلال إشارات غير لفظية، وخاصة عبر الوجه والعينين. فالوجوه تعكس مكنونات النفس، والعينان تعتبران مرآة الروح. إن قدرة الممثل على قراءة هذه الإشارات بدقة تلعب دوراً أساسياً في جعل أداءه أكثر إقناعاً وحياة.
ومن رواد مدربي الورش المسرحية في مصر الفنان محمد عبد الهادي الذي يمتلك مقولة شهيرة وهي "الممثل الجيد يحسن قراءة ما تقوله الوجوه والعيون" وتدريس لغة العيون مادة أصيلة في ورشته التي تخرج منها فنانين أثروا وما زالوا يثرون الحياة الفنية.

أهمية قراءة الوجوه والعينين في التمثيل
إن الوجوه تُعد من أكثر الأجزاء تعبيراً في جسم الإنسان. ففيها يتمكن الشخص من إظهار مشاعر متنوعة مثل الحزن، الفرح، الغضب، والدهشة، وغيرها من الحالات النفسية. فالتواصل بين البشر يتم عبر لغة الجسد، وهو ما يشمل تعبيرات الوجه وحركات العينين. لذلك، على الممثل أن يكون قادراً على قراءة هذه التعبيرات بدقة ليستطيع تقديم أداء متقن يعكس تلك المشاعر. الوجه إذاً هو المرآة التي تعكس مكنونات النفس البشرية، بينما تُعتبر العينان نافذة الروح التي يمكن من خلالها قراءة أعمق المشاعر.
على سبيل المثال، تمكن "أحمد ذكي" في أفلامه من التعبير عن مشاعر التوتر، الأمل، واليأس من خلال تعبيرات وجهه فقط. من خلال عينيه كما في أفلام أبناء الصمت، البرئ، استاكوزا، مستر كاراتيه، السادات، ناصر ٥٦ الذي قدم فيه أداءً استثنائيا ً.... إلي أخره.
في فيلم "زوجة رجل مهم" وقيامه بدور ضابط البوليس الذي فقد وظيفته أثناء مواقفه مع زوجته ميرفت أمين، يمكن للمشاهد أن يشعر بثقل الألم الذي يعانيه بطل القصة، رغم أنه لا يتحدث عن مشاعره في كثير من الأحيان. هذه القدرة على نقل مشاعر داخلية عبر لغة الجسد، خصوصاً الوجه والعينين، هي ما جعل أدائه يُعتبر أداءً استثنائيا ً.
الفنان "عزت العلايلي" في فيلم المواطن مصري قدم أداءً مؤثرًا في مشهد التعرف على جثمان ابنه العائد من الحرب، حيث قاتل دفاعًا عن الوطن تحت اسم ابن العمدة. استطاع العلايلي
بمهارة فائقة التعبير عن مشاعر الألم المتضاربة التي اجتمعت في نظرات عينيه، لتقول لنا المعنيين المتناقضين: "إنه ابنه"، و "إنه ليس ابنه". تلك المشاعر كانت وليدة الخوف من سطوة العمدة، ورغم ثقل الموقف لم ينطق العلايلي بكلمة واحدة، مكتفيًا بلغة الصمت التي أوصلت إحساسه بأقوى صورة ممكنة.
مثال آخر هو الفنان" محمود حميدة" في فيلم "اسكندرية نيويورك" في أخر الفيلم وهو يمشي وحيداً وسط جموع الناس الذي يكتظ الشارع بهم وهو لا يشعر بوجودهم علي صوت "علي
الحجار" وهو يشدو أغنية "نيويورك" عبر بصدق وبعبقرية عن طريق وجهه وعينيه الثابتتين عن شعور الاغتراب والندم والعمر الذي أضاعه هباء بعد إنكار ابنه له.
كذلك هناك فنانين كُثر اهتموا بلغة الأعين مثل ذكي رستم، يحي شاهين، نبيل الحلفاوي وسهير المرشدي .. الخ.

الممثل الجيد: القدرة على التفاعل مع الوجوه والعينين
لكن الممثل الجيد لا يقتصر على قراءة الوجوه فقط، بل يجب أن يكون قادراً على التفاعل مع تلك الإشارات بطريقة تساهم في تنمية الحوار الدرامي. من خلال الانتباه لتغيرات الوجه وحركات العينين للآخرين في المشهد، يستطيع الممثل أن يبني تفاعلاً حقيقياً مع زملائه في التمثيل، مما يضيف طبقة إضافية من الواقعية لأدائه.
في هذا السياق، نجد أن الممثلين الذين يتمتعون بقدرة عالية على قراءة هذه الإشارات غير اللفظية قادرون على خلق مشاهد أكثر عمقاً وتشويقاً. على سبيل المثال، في فيلم "حدوتة مصرية" نجد أن سهير المرشدي في انتظار حبيبها "علي" الغائب من سنوات، تعبّر عن الحزن والخوف والحذر والشبق والانتظار واليأس والمواجهة من خلال تعبيرات وجهها وعينيها، مما يجعل أدائها يفيض بالقوة.

نماذج من فناني التمثيل: محمود المليجي ومحسنة توفيق
من أبرز النماذج في تاريخ الفن العربي اللذَين أتقنا استخدام لغة العيون والوجوه هما محمود المليجي ومحسنة توفيق. كلاهما استطاع أن يحول هذه الأدوات إلى مفاتيح أساسية لتقديم شخصيات درامية مؤثرة أثرت في وجدان المشاهد العربي.
محمود المليجي هو أحد أبرز الممثلين في تاريخ السينما والمسرح العربي، وقد اشتهر بقدرته الفائقة على التعبير عن مشاعر وأحاسيس معقدة من خلال أداءه المميز، خاصة في كيفية استخدامه لغة العيون في تمثيله فاستطاع نقل المشاعر بدون الحاجة للكلمات، وهو ما يجسد مدى براعة "المليجي" في هذا المجال. محسنة توفيق، واحدة من أبرز الفنانات في تاريخ السينما والمسرح العربي، التي تركت بصمة واضحة في مجالات التمثيل الدرامي والمسرحي بفضل موهبتها الفائقة وقدرتها على تجسيد الشخصيات العميقة والمعقدة. كانت لغة العيون جزءاً أساسياً من أسلوبها الفريد في التمثيل، حيث استطاعت توظيف العيون كأداة قوية لنقل المشاعر والأحاسيس، سواء كانت مشاعر فرح أو حزن، أو توتر أو قلق. الأمر الذي جعل المخرج الراحل يوسف شاهين يستعين بها في معظم أفلامه.

أبرز السمات في استخدام المليجي للعيون:
من أبرز السمات التي تميز بها أداء محمود المليجي قدرته الفريدة على التعبير من خلال عينيه، حيث كانت تشكل نافذة صادقة تعكس مشاعر شخصياته وأعماقها النفسية. فعندما جسّد أدوارًا تتناول الحزن والتوجع، كما في فيلم "الأرض"، فقد جسّد المليجي دور الفلاح الذي يرمز للنضال والكرامة المهدورة.. فعندما تم خروجه من السجن وقد تم اقتصاص شاربه الذي كان يعبر عن الشرف في هذا المجتمع فقد استطاع إظهار حالة الألم والانكسار من خلال عينيه. وكذلك في المشهد الأخير من الفيلم وهو يري أرضه تغتصب منه وقيام الجندي بصفعه علي وجهه بالبندقية مع أغنية "الأرض لو عطشان نسقيها بدمانا" عبر بوجهه وعينيه عن الحُرقة والحزن والتوجع وانتهاء كل شئ دون أن يلفظ بكلمة. وفي المقابل، استطاع بعينيه الحادتين أن يعكس التوتر والغضب في أدواره الأكثر حدة، مثل شخصية الرجل المضغوط نفسيًا في فيلم "حدوتة مصرية"، حيث أظهرت عيناه نظرات ملتهبة تعكس قرارات مصيرية كحمل السلاح والانتقام. ففي نهاية الفيلم يحمل البندقية ويقوم بقتل ما يقابله في وجهه، متخذا قرارا قد تأخر عليه كثيراً. ولم تكن عيني المليجي تقتصر على التعبيرات الحادة أو الحزينة، بل أبدع أيضًا في نقل مشاعر الحنان والود، كما في فيلمه "لا يا من كنت حبيبي" وكثير من أعماله الانسانية، حيث كانت عينه تتحدث بلغة العاطفة الصادقة.
لقد أدرك المليجي أهمية التعبيرات غير اللفظية، وخصوصًا لغة العيون، في إحياء الشخصيات الدرامية، فكانت عيناه قادرة على ترجمة المشاعر بدقة فطرية ومدروسة، مما جعله أحد أعمدة الأداء التمثيلي العاطفي العميق، حيث أصبحت نظراته تحمل أبعادًا درامية أغنت مشاهده وتركت أثرًا لا يُنسى في ذاكرة الجمهور.

أبرز سمات لغة العيون عند محسنة توفيق:
تميزت محسنة توفيق بقدرتها الاستثنائية على التعبير بلغة العيون، حيث كانت عينها نافذة صادقة تنقل أعماق المشاعر وتفاصيلها بدقة وإبداع. ففي التعبير عن الحزن والألم، استخدمت محسنة توفيق عينيها لنقل مشاعر الشخصيات بواقعية وصدق، كما في أعمالها مثل "إسكندرية ليه" و"البؤساء". وفي فيلم "الزمار"، استطاعت عيناها وحدهما أن تجسدا المعاناة الداخلية دون الحاجة إلى كلمات، مما جعل الجمهور يشعر بتناقضات الشخصية. أما في مشاهد الدهشة والمفاجأة، فقد أبدعت في استخدام حركة عينيها، من الاتساع إلى الضيق، لتعكس الصدمة بأسلوب لافت، كما في دورها في فيلم "الحب قبل الخبز أحيانًا". وعندما قدمت أدوارًا تعكس العطف والرحمة، مثل شخصيات الأم الرؤوفة في مسلسل "ليالي الحلمية" ودورها في "المرسي والبحار" كانت عيونها تنقل مشاعر الحنان والتعاطف، مما عمّق العلاقة بين شخصياتها والمشاهد. ولم تقتصر مهاراتها على التعبيرات العاطفية فقط؛ بل أظهرت الذكاء والدهاء في أدوار الشخصيات القوية والواعية، كما في فيلم "لزمار"، حيث كانت نظراتها تعكس التحدي والوعي التام بما يدور حولها. وأخيرًا، أظهرت التصميم والقوة في أدوارها الوطنية، كما في مشهدها الشهير في نهاية فيلم "العصفور", وهي تهتف بقوة وعزم "هنحارب، هنحارب"، مستخدمة عينيها وصوتها لتقديم أداء مؤثر ومُلهم..

تأثير عيون محسنة توفيق في أداءها:
يعد استخدام محسنة توفيق للعيون أحد أسرار قدرتها على خلق تأثير عاطفي عميق في المشاهدين. يمكن القول إن قدرتها على تحريك مشاعر الجمهور كانت تعتمد في المقام الأول على ما كانت تعكسه عيونها في كل موقف. فالأداء التمثيلي الجيد ليس مجرد كلام أو حركات جسدية، بل يشمل التفاعل العاطفي الذي يظهر من خلال العينين. هذا التفاعل يجعل الممثلين مثل محسنة توفيق قادرين على إيصال مشاعر معقدة بطريقة عفوية ومؤثرة.

الفن الذي يقرأ الروح
إن الممثل الجيد هو الذي يمتلك قدرة فطرية أو مكتسبة على قراءة ما تقوله الوجوه والعينين. فإتقان هذا الفن يضيف لأدائه بعداً إنسانياً عميقاً، ويعزز قدرة المتفرج على التواصل العاطفي مع الشخصيات على الشاشة. إن دراسة هذه الحركات البسيطة والدقيقة تُعد خطوة أساسية لكل من يسعى لتقديم تمثيل أصيل وصادق.
فن التمثيل ليس مجرد كلمات أو حركات جسدية؛ إنه القدرة على استحضار المشاعر الإنسانية وتجسيدها بحرفية تجعل الجمهور يتماهى مع الشخصيات. محمود المليجي ومحسنة توفيق نموذجان حيّان لهذه العبقرية، حيث أظهر كلاهما كيف يمكن للوجوه والعينين أن تكونا أدوات أقوى من أي حوار. إن دراسة هذا الفن وتطويره هو المفتاح لبناء جيل جديد من الممثلين الذين يتقنون "قراءة ما تقوله الوجوه والعيون"، ليظل التمثيل فنًا يلامس الروح.



#حسام_موسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفعل التمثيلي بين المراقبة والتفسير: دراسة فلسفية وثقافية
- القوالب الفنية في أوبريت العشرة الطيبة لسيد درويش
- تحديات مسرح الشارع في الفضاء العام: بين الصناعة والتلقي
- مساعدو الإخراج في المسرح: أدوار محورية في الظل
- فن الصمت في التمثيل: قوته، تأثيره، ودور المخرج في توجيهه
- الكوميديا الهزلية (الفارس): دراسة معمقة حول أحد أقدم أشكال ا ...
- الأنانية لدي الممثل: بين تحديات الفردية والتزام الجماعة
- التطوع في المهرجانات الفنية
- استلهام التراث في المسرح: بين التجديد والحفاظ على الهوية
- سمات ممثل مسرح الشارع: الفن في قلب الأماكن العامة
- جريمة بيضاء : استكشاف الصراع بين الظاهر والباطن علي خشبة الم ...
- -مرايا إليكترا: عرض مسرحي يتجاوز التوقعات-
- بين الصرامة والحب: رحلة تحول الأب في - العيال فهمت -
- الحياة حلم) بين انتقادات الكلاسيكية الجديدة و الواقعية و احت ...
- -النقطة العميا- دعوة لتأمل الذات ومراجعة الضمير
- - النقطة العميا- دعوة لمعرفة الذات
- دنيس ديدرو والابن الطببعي
- كالديرون دي لاباركا والمسرح الباروكي


المزيد.....




- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام موسي - لغة الوجوه والعينين: نافذة الروح في فن التمثيل