|
الهيمنة الغربيّة على حوض المحيط الهندي: قراءة تاريخية وتحليل مُستقبَلي.
ازهر عبدالله طوالبه
الحوار المتمدن-العدد: 8171 - 2024 / 11 / 24 - 16:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لطالما شكَّلَت مِنطقةُ حوض المُحيطِ الهنديّ مِحورًا أساسيًا في السياسة الدوليّة، خاصةً، في العُقود الأخيرة، حيثُ ارتكَزت الهيمنَة الغربيّة على هذه المِنطَقة إلى مجموعةٍ من القواعدِ الاستيطانيّة الاستعماريّة، التي استهدَفت السيطرة على مفاصلٍ أساسيّةٍ في العالم. كانت تلك القواعد تتجسَّد في ثلاثةِ كياناتٍ استعماريّة رئيسيّة: نظام جنوب أفريقيا العُنصريّ، نظام أُستراليا الاستيطانيّ، والكيان الإسرائيليّ الَّذي أُسِّسَ في قلبِ العالَم العربيّ. في البداية، كان الغَرب يستخدِم هذه القواعد كأذرُعٍ ميدانيّة تُمثِّل الامتداداتِ الاستعماريّة، الّتي تتحكَّم في مفاتيحِ القُوّةِ الاقتصاديّةِ والعسكريّة في آسيا وأفريقيا.
لكن، مع مُرور الزّمَن، وتفاقُم الأزماتِ البِنيويَّة للنظامِ الرأسماليّ العالميّ، بدأت هذه القواعِد الاستيطانيّة تُظهِر عجزها عن ضمانِ الهيمنة الغربيّة في هذه المِنطَقة الاستراتيجيّة. ففي ظِلّ تنامي القِوى الدوليّة الصاعِدة مثل الصين وروسيا، فضلًا عن تطوُّرِ الحركاتِ التحرُّريّة في إفريقيا وآسيا ؛ فإنَّ أنظِمةَ العُنصريّ والاستيطان لَم تعُد كافِية. ومن هنا، دخَلت الولاياتِ المُتَّحدة وحلفاؤها في مرحلةٍ جديدةٍ من استراتيجياتِ الهيمنةِ المُباشِرة، مُتَّجهينَ نحو فرضِ وجودِهم المُباشر في المِنطقة، ساعينَ إلى احتلال مركِز قوي لا يَقبل التحدّي أو المُنافسة.
التحوُّل الجيوسياسيّ في الشّرقِ الأوسط وآسيا
منذُ بدايَة القرن الحادي والعشرين، شهِدنا تغيُّيراتٍ جوهريّة في فهمِ الولاياتِ المُتَّحِدة لمفهومِ "الشرق الأوسط"، حيثُ توسَّعَ ليشمُل مناطِق كان يُنظَر إليها سابقًا كجُزءٍ من "آسيا الوسطى" أو "الحُدودِ الشرقيّة" للإمبراطوريّة الغربية. فقد اتّسعَ نطاق الاهتمام الأميركي ليشمل " تُركيا وإيران وأفغانستان وباكستان ، وحتى المناطِق الّتي كانَت في السابق خارج نِطاق الاهتمام الأميركي مثل بُلدان "شمال أفريقيا". في هذا السياق، نجد أنَّ الولاياتِ المُتَّحدة قد أطلقَت مشروعًا طموحًا في إعادةِ تشكيل المِنطقة، محاوِلةً استعادة النفوذ الغربيّ على البلاد الواقِعة بين بحرِ قزوين والمُحيط الأطلسيّ.
واستمرَّ هذا المشروع في إشرافِ واشنطُن على النظامِ السياسيّ في البلاد العربيّة، خُصوصًا بعد أحداث "الربيع العربي" في عام 2011، حيثُ سعَت الولاياتِ المُتَّحدة وحلفاؤها إلى استغلالِ الفوضى في هذه البُلدان لترتيبِ أوضاعها بما يتماشى مع مصالِحها الاستراتيجيّة. هذا التوجُّه الأمريكيّ، الّذي تزامَن مع تزايُد التدخُّلاتِ العسكريّة والسياسيّة الغربيٍة، هدف إلى إعادة المِنطقة إلى ما يُشبِه حالة ما بعد الحرب العالمية الأولى، أي فترة الانتداب والسيطرة المُباشِرة على مُقدَّراتِ الشُّعوبِ العربيّة.
إسرائيل كقاعِدة استعماريّة وأداة للهيمَنة
إحدى الركائز الأساسيّة في هذه الاستراتيجيّة كانت تعزيز دور إسرائيل كقاعِدة استعماريٍة مُتقدِّمة، تهدف إلى أن تُصبِح مركزًا لإدارة المِنطقة، وهو ما تجسَّد في فرض ما يُسمى "السلام مُقابل السلام"، الذي كان يعني ببساطة تسليم الدُّول العربيّة بمخطَّطاتِ الولاياتِ المُتَّحدة، دون شروطٍ أو اعتِراض. هذا الأمر يعكس حالة من التواطؤ التي فُرِضَت على الدُّول العربية، والتي تمثَّلت في تبنّي السياسات الأميركيّة في المنطقة، بما في ذلك تطبيع العلاقات مع إسرائيل، رُغمَ استمرارِ الاحتلال الإسرائيليّ للأراضي الفلسطينيّة.
تسعى الولايات المتحدة من خلال هذه الاستراتيجية إلى تفكيك الدُول العربيّة إلى دُويلاتٍ صغيرة ومُقسَّمة، تكون جميعها تحت النفوذ الغربيّ، سواء من خلال تفعيل اتفاقيات "السلام" أو من خلال استخدام "القوّة العسكرية". ورُغم ما يُظهِرهُ الغَرب من قوَّةٍ هائلة في المِنطقة، إلّا أنَّ الواقع التاريخيّ والاقتصاديّ يُشير إلى أنَّ هذه السياسات لم تعُد قابِلة للاستمرار. فالعالَم اليوم أصبحَ أكثر تعدُّديّة، مع تَزايُد القوّة الاقتصاديّة والسياسيّة للدُول غير الغربيّة، مثل الصين وروسيا، ما جعلَ من الاستراتيجيّات الأميركيّة القديمة أمرًا صعبًا.
النهاية غير المحتملة للهيمنةِ الغربيّة
على الرغم من كافة مظاهِر القُوّة الّتي تبدو أنها تحكُم العالم اليوم، لا يُمكننا تجاهًل أن الهيمنَة الغربيّة في هذه المِنطقة تمُر بمرحلةٍ من التآكُل الداخليّ. فالتوسُّع العسكريّ الأميركيّ، الَّذي يعتَمد على الحُروب الاستباقيّة والتدخُّلاتِ المُباشِرة لا يُمكِن أن يستمرَّ إلى الأبد، خاصةً في ظلِّ الأزماتِ الاقتصاديّة والاجتماعيّة، الّتي يُعاني منها الغَرب ذاته. إنَّ حركات المُقاوَمة في المِنطقة، سواء في فلسطين أو في غيرها من البُلدانِ العربيّة، تُظهِر أنَّ هذا النَّوع من الاستعمار، لم يَعُد قادرًا على فرضِ سُلطته دونَ مقاومةٍ شديدة.
إنَّ ما يراهُ البعض "معركَة وجود" بالنٍسبةِ للهيمنةِ الغربيّة في هذه المنطقة، يُمكِن اعتباره، وفقًا للعديدِ من المحللين، معركة غير قابلة للنجاح. فحتى مع استمرار الهيمنةِ العسكرية والاقتصاديّة على المِنطقة، يبقى أنَّ الشُّعوب المُستعمَرة لن تَبقى صامِتة أمامَ هذه المُخطَّطات، بل إنَّ المُقاومة ستستمِر في تطوُّرها، وستخضَع هذه الأنظِمة في نهايةِ المطاف إلى التغيير.
إذًا، من المُرجَّح أن يشهَدَ العقدانِ القادِمان تحوُّلاتٍ جذريّة في خارِطة القِوى العالميّة، قد تؤدِّي إلى تراجُع النفوذِ الأميركيّ والغربيّ بشكلٍ عام في حوضِ المُحيطِ الهنديّ والشّرق الأوسط، لصالحِ قوىً جديدة، ستُعيد تشكيل المِنطقة بما يتوافَق مع مصالح شعوبِها.
وخِتامًا، فإنَّنا نجد أنَ الهيمنة الغربية على حوضِ المُحيط الهنديّ، لا تعدو كونها مرحلة تاريخيّة في سياقٍ طويل من التنافُس العالميّ. ورغم جميع التحدِّيات الّتي تفرضها الدُّول الكُبرى، إلّا أنّ القوى الوطنيّة في المِنطقة، مدعومة بمواقفٍ دوليّة جديدة، ستستمِرّ في محاولاتِ تقويض هذه الهيمنة، بل ورُبما تؤدّي إلى مرحلةٍ جديدة من الاستقلال السياسيٍ والاقتصاديّ الّذي يضع حدًّا لمُخططاتِ الهيمنةِ الغربيّة.
#ازهر_عبدالله_طوالبه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
برغماتيّة ترامب وموالاته للحركة الصهيونيّة.
-
علينا أن نّفكّر بمنطق.
-
ماذا علينا أن نفعل بعد صرخَة -آرون-.
-
لنُراهن على ذاتنا، ولنتوقّف عن تقديس أداة الفُرس.
-
المُقاومة وتصريحات وزراء الخارجيّة العَرب..
-
فرحةٌ للوطَن ومِن ثمّ لنا.
-
معمعة التخبُّط والمتاهات: الكيان الصهيونيّ أنموجًا.
-
خذلناهم، لكنّهم سينتَصرون، وسيعيدون رسم خريطة العالَم.
-
مِن جريمةٍ إلى أُخرى.
-
صراع الذكاء الصناعيّ والغباء البشريّ
-
الشهادات العلميّة للمُجتمع، والعلم لمن أراد.
-
-الفزعات العشائرية والمناطقية داخل الجامعات.-
-
-داء الإنغلاق على الذّات الذي لا دواءَ لهُ -
-
الكوارِث ما بين دناءة وإنسانيّة مُقدّمي المُساعدات
-
النّجاة تكون بالتّوفيق بينَ العلم والدّين..وليسَ بتمديدِ الف
...
-
لنخلَع عباءة الصّراع الدّينيّ التي ألبسنا إيّاها أصحاب المصا
...
-
دور الدّين في السلطة السياسية، وفرضه على الآخر المُخالف.
-
المؤسّسة الدّينيّة في خدمةِ السُلطة السياسيّة
-
هل سنتمكَّن مِن تجاوزِ مُعيقات/أو معوِّقات الإصلاح الإداريّ
...
-
مَن يفشَل في بناء الإنسان حتمًا سيفشَل في بناءِ العِمران.
المزيد.....
-
الشرطة الإسرائيلية تحذر من انهيار مبنى في حيفا أصيب بصاروخ أ
...
-
نتنياهو لسكان غزة: عليكم الاختيار بين الحياة والموت والدمار
...
-
مصر.. مساع متواصلة لضمان انتظام الكهرباء والسيسي يستعرض خطط
...
-
وزير الخارجية المصري لولي عهد الكويت: أمن الخليج جزء لا يتجز
...
-
دمشق.. بيدرسن يؤكد ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان ومنع
...
-
المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: القوات الإسرائيلية تواصل انتها
...
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 360 عسكريا أوكرانيا على أطراف
...
-
في اليوم الـ415.. صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإس
...
-
بوريل: علينا أن نضغط على إسرائيل لوقف الحرب في الشرق الأوسط
...
-
ميقاتي متضامنا مع ميلوني: آمل ألا يؤثر الاعتداء على -اليونيف
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|