أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - سياحة ذهنية في عرض النص .. دراسة نقدية لرواية ( رياح خائنة ) للناقدة إيثار محسن















المزيد.....

سياحة ذهنية في عرض النص .. دراسة نقدية لرواية ( رياح خائنة ) للناقدة إيثار محسن


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 8171 - 2024 / 11 / 24 - 11:45
المحور: الادب والفن
    


تُعد عملية تبّني الأطفال في أمريكا والعالم الغربي ظاهرة واضحة ومعروفة, وهناك قوانين تنظم هذا الأمر. ليست كل عمليات التبّني مشروعة, فهناك منظمات تتاجر بالبشر تحت مسميات مختلفة. هذا الموضوع الانساني الحسّاس هو المحطة التي تنطلق منها رواية "رياح خائنة" للمؤلفة فوز حمزة, حيث تسلط الكاتبة الضوء على هذه القضية الجوهرية من زوايا مختلفة, زاوية "الواهب" وعدسة " المتلقي", وعائلة مختلطة وسيطة, فضلاً عن "المحامي" الذي يعمل على جعل عملية التبّني قانونية بكل تفاصيلها.
تقع الرواية في 210 صفحة , ومن إصدار دار الصحيفة العربية لسنة 2024.
إن العنوان مبهر رغم غموضه, فقد أعطت المؤلفة للرياح دوراً مهماً, ربما أرادت من مفردة "الخيانة" تشبيه الرياح بالانسان, وجعلت منه "طُعماً" يلفت انتباه القارئ, وهذا دليل على إدراك الكاتبة لأهمية العنوان وتأثيره.
إلى جانب موضوع "التبّني", تظهر قضية الهجرة العراقية إلى الخارج, حيث البيئة الداخلية الطاردة بسبب القمع والديكتاتورية, ونتيجة لهذه الهجرة تحدث تغيرات اجتماعية ونفسية واقتصادية تؤدي إلى طرق محفوفة بالمخاطر. أيضا, هناك حضور لاختلاف الثقافات من خلال ثلاث عائلات من جنسيات وثقافات مختلفة.
رجل عراقي وزوجه (غسّان وعائدة) يغادران العراق عام 1979بعد حل الجبهة الوطنية واعتقال الشيوعيين, وفي هذا إشارة إلى أن عائلة يسارية تغادر البلد نتيجة قمع الحريات وقطع الأرزاق والأعناق..... السبب نفسه دفع عدداً كبيراً من العراقيين إلى الهجرة, وخوض تجارب حياتية مختلفة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً ونفسياً, ففي الشتات, هناك من ينجح في الحفاظ على هويته وتماسك أفراد أسرته, وهناك من يسقط في فخ الحرية المطلقة, ويتجه لتغيير هويته الثقافية والجنسية والدينية, وغيرها.

لم تختر الكاتبة الطريقة التقليدية في كتابة هذه الرواية, أي التي تعتمد على بداية ووسط وذروة ,وصولاً إلى الحل, بل, استخدمت مساراً أفقياً تسرد من خلاله الأحداث وتكشف العواطف والمتغيرات, سواء عن طريق المباشرة, أو الاسترجاع ( فلاش باك). استخدمت هذا الأسلوب الكاتبة الأمريكية توني موريسون ( حاصلة على جائزة نوبل) في رواية "جاز" حيث اعتمدت على الفلاش باك بشكل كبير, لكن الفرق أن "جاز" كانت من جنس الخيال التاريخي, في حين "رياح خائنة" من أجناس متنوعة.
يمتد زمن رواية " رياح خائنة" من سبعينيات القرن الماضي إلى وقتنا الحاضر, وتدور أحداثها في ثلاث قارات, آسيا, وأوروبا, وأمريكا, تحديداً في العراق, وبلغاريا, وبلاد "العم سام",الولايات المتحدة الأمريكية. هذه الأماكن وحدها تحكي اختلاف العادات والتقاليد والديانات والثقافات.
الحكاية الرئيسة تبدأ من فكرة تعشعش في رأس (عائدة) المرأة العراقية , أم الطفل ياسين, حيث تحلم بإرساله إلى أحدى الجامعات الأمريكية لدراسة الطب, لكن هذا الأمر يفوق قدراتها المادية.
تلعب المصادفة دوراً حيوياً في إحياء الفكرة الغافية في عقل عائدة حين تلتقي عائلة أمريكية في العاصمة البلغارية, صوفيا, عن طريق المحامي وائل, أحد معارفها. ينحدر نسل وائل من أم بلغارية وأب عراقي . إن هذا اللقاء أخذ بُعداً جديداً حين عرفت السيدة عائدة أن الأسرة الأمريكية المكونة من السيد إيمانويل الرجل الثري وزوجته ذات الأصول الأفريقية ,السيدة أناليز, تسعى لتبني طفل, فتكبر أحلامها, وتشعر بأن السعادة تبتسم لها.
"عيون عائدة في تلك اللحظة كانت تشع منها نظرات نشوة غريبة وكأنها عثرت على كنز لم تكن تحلم به، كانت تفكر بأمر ما" (ص56).
وصفت الكاتبة هذا اللقاء بكنز لأنه يلبي طموحات عائدة, أم الطفل ياسين, وفي الوقت نفسه يحقق آمال العائلة الأمريكية التي تبحث عن طفل تتبناه يضيف شيئاً ما إلى حياة أفرادها. لم تنس الكاتبة أن تصف سحر المكان في صوفيا, المكان الذي تقيم فيه.
تبنت العائلة الأمريكية الطفل العراقي "ياسين" وغيرّت اسمه إلى "آدم" , الذي بدوره أصبح مثلي الجنس, ربما وقع هذا تحت تأثير الدعاية الكبيرة التي تقوم بها منظمة المثليين في أمريكا, خاصة على المراهقين, أو لسبب آخر.
الحكايات الثانوية كانت تروي العوامل التي ساعدت في تنشئة شخوص الرواية, والأبعاد النفسية التي أسهمت في اتخاذ القرارات, وبينّت طبيعة العلاقات بين أطراف العائلة الواحدة ، فعلاقة امانويل وآناليز كانت مفعمة بالحب, ودامت حتى آخر يوم في حياة آمانويل، بينما العلاقة بين المحامي وائل وزوجته يسودها التوتر والتصادم في كثير من الأحيان, فيما نسج حب المال علاقة عائدة وغسان, دون الاكتراث بالقيم التي تربيا عليها, ومن المفترض أن ينقلاها لابنهما, ابتداء من اسمه الذي اطلقاه عليه, إلى دينه الذي من المحتمل أن يتم تغييره.
" وماذا لو غيروا اسمه ؟.. ليفعلوا أي شيء! في النهاية سيعود إلينا بعد أن يرثهم".
هنا يتضح أن هذه العائلة العراقية مستعدة لقبول أي تغيير مهما كانت درجته من أجل المال.
تقدم الرواية نماذج متعددة للأم, فعائدة أسوأ نموذج للأم, حيث "باعت" ابنها لعائلة أجنبية غير مدركة للمصير الذي يلقاه في بلاد بعيدة ، فيما تُقدّم "نبراس" زوجة وائل صورة للأم المثالية التي لا تتخلى عن أبنائها , وكان لها رأي معارض في صفقة التنبي والتي وصفتها بالقذرة.
" أية صفقة قذرة ستشارك في اتمامها أيها المحامي البارع؟ "(صفحة ٩٨).
يدل استنكار نبراس على أنها تفهم معنى الأمومة, وهذا المبدأ لا يتغير عندها مهما كانت الظروف.
من جهة أخرى, بدت آناليز, الأم الأمريكية للطفل العراقي المتبنى ( ياسين- آدم) تتمتع بالحكمة التي استلهمتها من جدتها( اليدا), لكن الأحداث تظهر الوجه الآخر لها, فقد عوضت نقصها بمشاعر الأمومة لتكتمل صورتها المثالية كسيدة مجتمع راقٍ.
الاستنتاج:
رواية رياح خائنة تحمل رسائل متعددة, منها إشارات سياسية, كما حدث للشيوعيين في العراق بعد حل الجبهة الوطنية في سبعينيات القرن الماضي, ودلالات تخص الهوية في الشتات, وكذلك الطمع وتأثيره على هيبة الأم, كما حدث مع عائدة التي تخّلت عن ابنها من أجل المال. الطفل ياسين الذي كان يحمل قيماً عراقية وهوية عراقية, صار مثلياً في أمريكا, لكنه ظل داعماً لأفراد أسرته العراقية, وهذا موضوع يخضع لتفسيرات متعددة, حيث يمكن لكل قارئ أن يحلله بعدسته الخاصة, فمن جهة أولى أن تحوله الجنسي مرفوض في الشرائع العراقية المجتمعية والرسمية, لكنه من الجهة الأخرى ظل حريصا ًعلى دعم أسرته الحقيقية بعد وفاة والده الأمريكي "بالتبني".
في الختام, رواية "رياح خائنة" تستحق القراءة والتأمل والتحليل, فقد بذلت المؤلفة فوز حمزة جهوداً كبيرة من أجل إخراج هذا المولود الأدبي إلى النور, وقدّمت خبراتها في الأدب والحياة من خلال هذا النص الحيوي الذي يعرض صوراً وأفكاراً مختلفة ومتجاورة, تاركة للقراء حرية القبول والرفض, وحرية تفسير الأحداث والمتغيرات والمصادفات التي حدثت طوال السرد.
"رياح خائنة" تصطحب القراء في سياحة ذهنية في عرض النص, وتعيدهم إلى ساحل الأفكار بقارب من تفسيرات متعايشة, أي يمكن أن يفسروا كل حدث من زوايا عدة, وبعدسات مختلفة.



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انطولوجيا الجسد في مجموعة أمي وذلك العشيق أشواق النعيمي
- هل تصدقين ؟
- قراءة في المجموعة القصصية ( أمّي .. وذلك العشيق ) للقاصّة فو ...
- ثغرها والحياة
- أربعة في الظلام
- من يوميات أبو تكتك
- هي وذلك الفستان
- نافذة من رأسي
- مكالمة بعد منتصف الليل
- مفاجأة غير متوقعة
- لوحة عائلية
- قبل المحو
- قبل البداية
- لعبة ورق
- برنامج أرواق ثقافية
- كبرتُ .. حقًا كبرتُ
- زوجة لساعة من نهار
- ركن في ساعة
- رسالة قلب عاطل عن الحياة
- حلم أخضر .. حلم أزرق


المزيد.....




- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - سياحة ذهنية في عرض النص .. دراسة نقدية لرواية ( رياح خائنة ) للناقدة إيثار محسن