|
جول جمّال هازم الإستعمار
خليل الشيخة
كاتب وقاص
(Kalil Chikha)
الحوار المتمدن-العدد: 8170 - 2024 / 11 / 23 - 17:35
المحور:
الادب والفن
جول جمّال البطل في الإعدادية، كان هناك مادة أسبوعية تسمى القومية، تذكر فيها مآثر العرب في التاريخ. من هذه المآثر أذكر فصلاً يتكلم فيه الكتاب عن ملازم سوري من مدينة اللاذقية ذهب إلى مصر للدفاع عن عروبتها، ثم استشهد هناك بعد أن هزم اساطيل ثلاث دول هم فرنسا وبريطانيا وإسرائيل. وقالوا في الفصل أنه ركب زورقاً حربياً بخارياً وانطلق لايلوي على شيء إلا هزيمة الأعداء، وتحقق حلمه بأنه دخل هو وزورقه البطل في فوهة باخرة فرنسية عملاقة فتفجرت وتناثرت في البحر، ولما شاهد الأعداء هذه البطولات الخارقة، ضبّوا حقائبهم وفروا بأروحهم جارين وراءهم ذيول الهزيمة. هذا ماذكره الكتاب وظننا نحن أن فشل العدوان الثلاثي سببه هذا البطل المغوار. وحتى لاتظنوا أن هذه مجرد مبالغة، فقد صنعت مصر عبد الناصر فيلماً خاصاً في بداية الستينات (قبل هزيمة 1967) يؤكد على البطولات والشجاعة والإرادة لركاب الزورق الذين هزموا أعتى ثلاث دول في العالم. هذه مقدمة لابد منها. في بداية الخمسينات، أرسلت الحكومة السورية دفعة من الضباط إلى مصر للتدريب في البحرية على توربيدات استوردتها مصر في تلك الفترة. وقضى الشاب زمن يتدرب حتى أتت مشكلة قناة السويس مع بريطانيا، فقرر عبد الناصر أن لاينتظر حتى ينقضى عقد امتلاك بريطانيا في القناة، بل كان مسرعاً إلى تأميمها من جملة تأميمات قام بها على صعيد الأراضي والمصانع. فاثار بذلك غضب بريطانيا التي كانت قد خرجت من الحرب العالمية الثانية منهكة، فقررت متحالفة مع فرنسا، التي كانت تدير القناة، بالهجوم على مصر لإسترجاع القناة غصباً. وعدما شمّت إسرائيل راحة الحرب، أتت مسرعة لمساعدة حلفاء الأمس، خاصة بعد أن فرض عبد الناصرعلى سفنها حصاراً خانقاً، فأرادت أن تنتقم منه. وتحركت السفن والأساطيل، وإحدى هذه البواخر هي باخرة فرنسية ضخمة تحركت من شواطئ الجزائر ودخلت المياه المصرية، وربما هذه الباخرة التي كانت الدعاية العربية تقول بأنها تفجرت في البحر. عندما شاهدت الولايات المتحدة أن المسأئل سائبة وتتحرك الجيوش دون أذنها، غضبت وأمرت هذه السفن المارقة بالإنسحاب فوراً ثم تبعها الإتحاد السوفيتي في التهديد. وهذا ماورد في كتاب الصحفي المصري المخضرم محمد حسنيين هيكل الذي أسماه (العقد النفسية التي تحكم الشرق الأوسط). نشره على شكل مقالات عندما كان رئيس تحرير الإهرام ثم ضمّه إلى كتاب عام 1958. عندما نعرف أن كل مايعلّمونا أياه في المدارس هو مجرد دعاية كاذبة، نشعر بعمق الخديعة، وربما هذه الأكاذيب هي التي ساقت إلى انتفاخ الذات عند عبد الناصر وجعلته يعتقد أنه تغلب على ثلاث دول مما أفسح المجال إلى عدم الإعداد لمعركة 1967 ثم الهزيمة الساحقة. هزيمة مجلجلة خسرت فيها مصر سيناء وغزة وخسرت سوريا الجولان وخسرت الأردن الضفة الغربية. وهنا سأترحم على عبد الله القصيمي الذي ألف كتاب خاص في الذهنية العربية عنوانه ( العرب ظاهرة صوتية). ونحن فعلاً نظن أن الصوت العالي والجهوري الذي يشبه جرّاشة الطحين يخيف الأعداء. ومن رجع إلى الأناشيد الوطنية سواء المصرية أو السورية سيعرف عن ماذا أتحدث. كان عبد الناصر قد وضع في ذهنه تمويل السد العالي، فلم يجد إلا القناة ومواردها. فأسرع إلى تأميمها. وفي تلك الفترة، كانت قوى أوروبية تتوارى وأخرى تظهر، فقد تعلمنا من التاريخ أن كل حرب مهمة أو غير مهمة سينتج عنها خاسر مهزوم منهك ورابح منتصر قوي. وبرزت الولايات المتحدة دولة منتصرة بعد أن اخمدت حس اليابان بالقنبلة الذرية وأذلت المانيا مع الإتحاد السوفيتي. ربما يبدو التاريخ حركات ميتة لاقيمة فيها، لكنه فاعل بالنسبة لنا بشكل سلبي. فنحن نعيش داخل التاريخ ونتفاعل معه كأنه حدث بارحة، ولا نتعلم منه مثل بقية دول العالم الذين يدرسون التاريخ على أنه مادة تساعدهم على بناء الحاضر والمستقبل. والتاريخ بالنسبة لنا هو عبارة عن بطولات فقط، أما الهزائم فنرميها بعيداً عن النظر لأننا نقرأ بالعواطف وليس بالمنطق. وبالرجوع إلى كتاب هيكل، فهو كتاب جدير بالقراءة لأنه كُتِب في مرحلة حاسمة، وكتابات هيكل هامة لفهم كيف كانت سياسية العالم العربي تدار، لأنه كان الناطق الرسمي لنظام عبد الناصر في مجمل فترته، ينشر مالم يستطع أحد من الصحفييّن نشره. وهيكل هذا موسوعة سياسية ومعرفية، تميز بأسلوب صحفي بسيط لكن عميق ولغة جميلة. أما كتابه هذا، فإني تصورت لو أسماه العقد السياسة في الشرق الأوسط، عوضاً عن العقد النفسية، لأنه يقول في مستهل الكتاب بأنه غير ملم بعلم النفس لكنه خاض في علم النفس في طول وعرض الكتاب.وقسم الكتاب إلى سبع عقد نفسية. بدأها بعقدة لبنان وأسماها عقدة الذنب. وهو يتكلم عن سياسة كميل شمعون الذي كان يهاجم مصر عبد الناصر بواسطة الصحافة اللبنانية وكيف رضي بمشروع إيزنهاور. وباختصار، فإن مشروع إيزنهاور كان ردة فعل على توسع الإتحاد السوفيتي والثورات التي تحول الدول من شبه إقطاعية إلى دول شيوعية تعادي الامبريالية الأمريكية. وبناءً على ذلك أصدر الرئيس الأمريكي مشروعه ليوازي أو يلغي حلف بغداد ويحل محله. ويهدف المشروع مساعدة الدول الفقيرة كي لاتتحول إلى دول اشتراكية تابعة للكرملين، وسارع الرجل إلى إعطاء مصر في تلك المرحلة 40 مليون دولار مساعدات غذائية في عام 1955 (ص 55) كما وعدها أن يساهم في بناء السد العالي ويتكفل في استمرار المساعدة بشكل سنوي ب 40 مليون دولار. وهذه القيمة كانت عالية في تلك الفترة. لكن طلب عبد الناصر السلاح كي يحارب إسرائيل التي هزمت العرب في 1948 وأخذت فلسطين كلها عوضاً عن الجزء القليل التي منحته الأمم المتحدة في عام1947. لكن كان لدى الولايات المتحدة شروطاً، مثل أي دولة قوية ومنتصرة ، فقد وضعت شرطاً أن لايستعمل هذا السلاح قبل الرجوع إليها. فغضب حبيب الملايين (كما غنّى له عبد الحليم حافظ) وأسس مع تيتو ونهرو حركة عدم الإنحياز، فجن جنون دالاس وزير خارجية ايزنهاور، والغى كل ألتزاماته لمصر، فقد ألغى تمويل السد والغى المساعدات وألغى صفقة السلاح، لأنه عرف أن حركة الإنحياز هذه مهما طارت لاشك أنها ستحط في أحضان الإتحاد السوفيتي. في تلك المرحلة توجه عبد الناصر إلى موسكو فاستقبلته بالأحضان لأنها تريد مضرب ولو مسمار في الشرق الأوسط، فقد تكفلت ببناء السد العالي وباعت مصر أسلحة. أما العقدة الثانية هي عقدة بريطانيا الممثلة ب إيدن في تلك الفترة. أما الثالثة والرابعة كانت حول عقدة الولايات المتحدة ووزير خارجيتها دالاس، لأنه عندما اكتشفت الولايات المتحدة بأن عبد الناصر يحاول أن يلعب على حبلين، حبلها وحبل الكرمين، قامت بعزله دولياً والتضيق عليه. أما العقدة الخامسة فهي ثالثة الأثافي. فهي حول الملك عبد الله الأول وابنه الملك حسين في الأردن، فقد اسمها عقدة الإضطهاد التي وقعت فيها الأسرة الهاشمية في الأردن. ونحن نعرف الصراع الذي دار في مرحلة عبد الناصر كنظام تقدمي إشتراكي علماني ضد الأنظمة الملكية خاصة السعودية والأردن، فقد هاجمها على أنها أنظمة رجعية مناصرة للإستعمار وخائنة للقضايا العربية. وأنا شخصياً لست مدافعاً عن الأنظمة الملكية، لكن الأشياء تأخذ بالنتائج وليس بالشعارات، فنحن نرى اليوم هذه الأنظمة الملكية هي أكثر الأنظمة استقراراً من الناحية السياسية ومن الناحية الإجتماعية. بينما ذهبت غالبية الأنظمة التي كانت جمهورية بثورات شعبية فيما يسمى ب (الربيع العربي) وبقيت هذه الأنظمة (الرجعية) تخدم شعبها وتنسجم مع سياسات الدول الغربية. وهنا أريد أن أنقل لكم دون تنقيح بعض ماورد في الكتاب: ص-101 : إن عقدة الأسرة الهاشمية لاتستقر في مكانها الصحيح من تاريخ الأمة العربية فقد بدأ ضوء الصراع المرير القديم بين معاوية وعلي. ثم ص 103: قال الملك عبد الله بن الحسين في عام 1948 - وكانت قيامة العرب قائمة عليه بعد تسليم اللد والرملة- : كذلك نحن آل البيت، هذا قدرنا، إن الله يمتحننا بهذا العذاب الذي ابتلينا به، العرب يتصورون أننا خونة، لكن عند الله حسن الجزاء لنا آل البيت أحفاد رسول الله. ص 104: كان الملك عبد الله يدعوني إلى صلاة الفجرمعه وبعدها يتحدث إلي وكان يجلس بجانبه قطاً أسود. وكل الأحاديث تنتهي بنفس العبارة: كذلك نحن آل البيت ، هذا قدرنا المكتوب. وسمعتها من معظم ملوك وأمراء الأسرة الهاشمية. ص 105: ذبح أبناء علي وأحفاده ولم ينجو منهم إلا واحد. ذبحوا كلهم في كربلاء، وعادت الأسرة الهاشمية في زماننا تطلب ماهو حقها أو واجبها. وهكذا أصبح الحق عرشاً والواجب مغنماً. ص 111: كان الملك حسين الأول في الحجاز يشكو من جميع ابنائه، فكان يتهم فيصل الأول بأنه خانه وسرق منه عرش العراق ويتهم عبد الله بأنه باعه بإمارة الأردن. كان الملك عبدالله يكره فيصل الأول ويكره والده الملك حسين. ص 113: كان الملك حسين الأول يحب الضحك، فكان عندما يفرغ من ديوانه فيأتي إليه مضحكّه فيلقي في ملابسه ضب أو ثعبان ويضحك وينسى. وكان الملك عبد الله يضع إناءً صغيراً على رأس مضحكّه ثم يصوّب عليه، ويرتجف المضحك ويضحك الملك وقد كان أسم المضحك خالد النجاري، ثم ورد في الصحافة الأمريكية أنه قتل برصاصة طائشة وهو يؤدي واجبه في الإضحاك. أما العقدة السادسة فهي على بريطانيا وأسماها عقدة أوديب حيث تكلم عن الجنرال غلوب الذي كان في الأردن يجلس مع زعماء العشائر يأكل الفتة كما يقول (ص134) أما العقدة السابعة والأخيرة هي عن الإتحاد السوفيتي. وهي ليست عقدة تخص الكرملين بل تخص العرب المعقدين من الإتحاد السوفيتي الصديق كما يقول. ثم يهاجم دول الخليج بالإستلاء على النفط حيث يقول في ص 166 وهي آخر صفحة : إن العرب لايستطيعون حل المشاكل ودخول المعارك بجيوش من الفاتنات في كل من بيروت وباريس ونيورك، ولا القصور الشامخة والشقق الأنيقة في عواصم الدنيا والسيارات الفارهة. ................ العقد النفسية التي حكمت الشؤق الأوسط – محمد حسنيين هيكل – ط1 1958 –صفحات 163
#خليل_الشيخة (هاشتاغ)
Kalil_Chikha#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشرطي والبرجوازي عند شابلن
-
في خيانة السادات
-
مجزرة في مدينة غرينسبورو
-
ضجة حياة ماعز
-
غوركي ورواية اعتراف
-
نظرياتنا ونظرياتهم
-
أهزوجة وشتيمة وطوشة
-
مكسيم غوركي: سيرة ذاتية كاملة
-
جامعات غوركي
-
الإستعمار سبب تخلفنا
-
غوركي: بين الناس
-
من غشنا ليس منا
-
غوركي وطفولة النكد
-
رمزية بلد العميان
-
جرة الماء والسقا مات
-
ذكريات المعرجلانة
-
زيارة إلى مصر
-
الجبنة المدوّدة ومحاكم التفتيش
-
الشيوعية إلحاد وزندقة
-
المعذبون في الأرض
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|