-حارسة الكنز- قراءة في كتاب - وأنت السبب يا با-

سعاد سعيد نوح

الحوار المتمدن-العدد: 8170 - 2024 / 11 / 23 - 07:52
المحور: الادب والفن
    

السيرة الغيرية أقدم زمنا من السيرة الذاتية، لأنها برزت مع التأريخ والأدب. فمنذ وجود الحضارات، جعل الرجال يؤلفون فيها الذين كانوا يتكسبون في بلاط الحكام والسلاطين، فكانوا يكتبون ما كان يجري في زمنهم من تطوّر ونشوء، فكتبوا للملوك والسلاطين، وللحروب والمحاربين، وإن معظم هذه الأعمال تشتمل تحت مفهوم السيرة الغيرية، وهي كمصطلح أدبي يُراد بها الجنس الأدبي الذي يكتبه بعض الأفراد عن غيرهم من الناس، سواء أكانوا من الأعلام الذين عاشوا في الزمن الماضي أو في الزمن الحاضر، بحيث يعرض الكاتب حياة صاحب السيرة أو الترجمة ويفصل في محطات حياته التي صنعت منه ما هو عليه.
ومن الكتب التي صدرت حديثا ويمكن تصنيفها كسيرة غيرية هو كتاب الصحفية والناشطة الحقوقية نوّارة نجم، الذي عنونته" وأنت السبب يابا" والذي صدر قبل شهور عن دار الكرمة بالقاهرة؛ لتكتب سيرة حياة والدها الشاعر المصري الراحل أحمد فؤاد نجم، الفاجومي، حيثما عُرف بهذا الاسم، مستلهمة تتر مسلسل" حضرة المتهم أبي" وقد كانت كلمات الأغنية من أشعار الفاجومي.
ورغم أن الفاجومي يكتب بالعامية المصرية إلا أنه اُشتهر في العالم العربي منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، بفضل الأغنيات التي كتبها وغناها الملحن الشيخ إمام وأشهرها "مصر ياما يا بهية"، وهما شكلا معاً ثنائياً فنياً مميزا.
ولم يكتف الفاجومي بكتابة أغاني الشيخ إمام فقط، بل كتب مقدمات (تترات) أشهر الأعمال الدرامية ومن أبرزها" زيزيينا " و" ريا وسكينة" و" حضرة المتهم أبي.
نوّارة في كتابها لم تحتف بالفاجومي الشخصية العامة، بقدر ما احتفت بالأب والإنسان، رغم أن الأب في علاقته بابنته، كما يظهر من قراءة سرديات الكاتبة، كان حريصا على أن يشركها معه في حياته العامة، فهو دائما مع" الجماهير".
يمثل الكتاب رحلة بحث طويلة خاضتها نوارة للعثور على "الأب الغائب" فقد كان الحاضر الغائب، الحاضر في الشأن العام، محاولا أن تشاركه ابنته ذلك الفضاء المليء بالقضايا والنضال، غائبا عن التفاصيل اليومية لطفلة كانت تتمنى أن تعيش حياة طبيعية مع أبيها، حتى أنها لا تتمنى تجربتها وعلاقتها مع أبيها لأي فتاة أخرى، تقول:" في مرحلة الطفولة يطغي إحساس بالفخر والتباهي، لكن بعد فترة ظهر إحساس إن والدي هو ملكية عامة، وأعتبر نفسي مشروع قومي شارك فيه مجموعة كبيرة من الأشخاص ساهموا بتربيتي من بينهم والدي والوالدة وصديقات الوالدة".
تمثّلت الكاتبة حياة أبيها في اللغة العامية في بلاغتها وجمالياتها، كذلك السخرية التي عالجت بها محطات النضال التي عاشها والدها ضد الأنظمة المختلفة.
من يقرأ الكتاب يجده شاهدا على عصور مختلفة ثرية بالنضال السياسي، فجيل فؤاد نجم يمثل المثقف الملتزم بقضايا الشأن السياسي والاجتماعي. وفي هذه الأجواء يحضر المبدع، ليكتب أشعاره وأغانيه، وتكشف الكاتبة ع علاقته بالنخب الثقافية والسياسية منذ أواخر الستينيات وحتى رحيل نجم في أعقاب ثورة يناير2011.
ويحسب للكتاب أنه يرصد التغيرات الثقافية والسياسية والاجتماعية التي طالت الحياة في مصر بعيون نخبها ومثقفيها.
نجحت نوّارة أن تكتب بلغة شديدة الاقتصاد والتكثيف مع شعرية التصوير، تمازج بين الفصحى والعامية المصرية.
ولأن الكاتبة أم أبيها وابنته، فقد احتفت بمشروعه الشعري وقصائده التي تخللت الكتاب منذ المقدمة وحتى نهاية الفصول، ولا غرو أن الفاجومي وصفها بأنها" حارسة الكنز". ووصف الفاجومي كان عنوانا لسيرة ذاتية كتبها الشاعر في حياته، وحال صدورها أثارت الكثير من الجدل الثقافي. تقول نوارة إن ما تكتبه هو ما تتذكره، فالذاكرة خوّانة، وما تكتبه هو استدعاء من عمق الذاكرة ليس إلا. تقول الكاتبة"لم يغب أبي وذكرياته عن خاطري، لك يكن ذكرى يوم، كان دوما حاضرا، لن أروي إلا قصتي(قصته) عبر كاميرا مثبتة في حدقة عين طفلة مراهقة، ثم شابة عاشت في ظل شخص استثنائي على المستويين الإبداعي والإنساني، تمر بأحداث لم تفهم بعضها، وطُبّعت مع جلها باعتبار أن هذه طبيعة الأشياء، ثم تبينت حين نضجت أنها ليست كذلك، وأن هناك تجربة إنسانية تستحق أن تُروى حتى وإن بدت عادية".
أشارت الكاتبة أن والدها هو ملهمها في كتابة هذا الكتاب ، لكنها واجهت صعوبة البدايات:" الأمر كان صعبا لأني بدأت حينها في مواجهة الطفل الموجود بداخلي، ولكن والدي اختصر نصف الطريق حيث إنه شخص لا يخجل بل يفتخر بالضعف الإنساني والخطأ والخطايا، وعندما كتب مذكراته أدان نفسه في الكثير من المواقف، كما كان يشجعني على انتقاده".

#سعاد_سعيد_نوح (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات