|
الراسمال الرمزي ودوره في ترسيخ الاستلاب في الشرق الأوسط
غالب المسعودي
(Galb Masudi)
الحوار المتمدن-العدد: 8168 - 2024 / 11 / 21 - 18:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الرأسمال الرمزي هو مفهوم يشير إلى القيم والمعاني الاجتماعية والثقافية التي تدعم الهيمنة والسلطة في المجتمع، يمكن أن يتضمن السمعة، والمكانة، والاعتراف الاجتماعي.في المجتمعات التي اعتمدت الرأسمال الرمزي لتبرير الاستلاب ،استخدمت سرديات ثقافية ودينية لبناء وتعزيز فكرة سلطة الاستبداد في نظام طبيعي ومقبول و ساعدت في خلق وتبرير أنظمة التمييز واعتبرتها جزءًا من النظام الاجتماعي. هذا التمييز ساهم في فرض هيمنة معينة على المجتمعات.برعاية الراسمال الرمزي وتحولت الى ممارسات ثقافية في الفنون والأدب، عكست القيم المرتبطة بالسيطرة والهيمنة و ساهمت في تعزيز النظام. بعض الجماعات الدينية استخدمت تفسيرات معينة للنصوص المقدسة لتبرير الاستلاب والاستبداد. على سبيل المثال، استند بعض المسيحيين في القرن التاسع عشر إلى نصوص في الكتاب المقدس مثل سفر التكوين لتأكيد أن العبودية(الاستلاب والاستبداد) كانت جزءًا من خطة إلهية، مما عزز شرعية العبودية في أعين المجتمع. العديد من الكتاب والفنانين في القرن التاسع عشر قدموا أعمالًا تعكس القيم الثقافية التي تدعم العبودية. على سبيل المثال، كتب المؤلف الأمريكي هيرمان ملفيل في روايته "موبي ديك" عن المفاهيم المتعلقة بالهيمنة والسلطة و عكست التوترات الاجتماعية في ذلك الوقت- خلال القرن التاسع عشر- كما استخدمت بعض النظريات "العلمية" لتبرير العبودية، مثل نظريات الهرمينولوجيا والأنثروبولوجيا والداروينية الاجتماعية التي ادعت أن هناك اختلافات فطرية بين الأجناس تجعل بعضهم أكثر ملاءمة للسلطة وبعضهم اكثر ملائمة للعبودية. هذه الأفكار ساهم في تعزيزها الرأسمال الرمزي الذي ربط بين الاستبداد والاستلاب بالهيمنة العرقية. عمل الرأسمال الرمزي باشكال متنوعة، من خلال السرديات الدينية في الأدب والتصورات الثقافية. هذه الاستخدامات لم تُعزز فقط قبول الاستبداد ، بل ساهمت أيضًا في تشكيل القيم الاجتماعية التي استمرت لفترات طويلة،من الأدوات الفعالة التي استخدمها ايضا هي العلم الزائف مقابل التعليم الحقيقي، والذي يشير إلى النظريات والمعتقدات التي تُقدّم كعلمية ولكنها تفتقر إلى الأسس العلمية والبحثية. وقد تم استخدام العلم الزائف لتعطيل التعليم الحقيقي، خاصة في سياقات تتعلق بالتمييزوالاستلاب. استخدمت نظريات مثل "علم العرق" لتبرير الفكرة القائلة بأن بعض الأشخاص متفوقين على الأخرين. هذه الأفكار غالبًا ما كانت مدعومة من قبل أفراد أو مؤسسات ذات نفوذ، مما زاد من تأثيرها في المجتمعات وأدى إلى تعزيز الفجوات الفكرية.من استخدامات الرأسمال الرمزي لدعم العلم الزائف، اعتُبار بعض الأفكار "الاسطورية" جزءًا من الثقافة السائدة. هذا أدى إلى قبول واسع لهذه الأفكار في النظام التعليمي، مما أثر على المناهج الدراسية وأدى إلى تهميش الحقائق العلمية. تم تضمين نظريات طائفية في المناهج الدراسية كجزء من التعليم، مما أثر على كيفية فهم الطلاب لأسئلة الهوية. ونتيجة لذلك، تم تعزيز مفاهيم خاطئة حول التفوق في التعليم ادى إلى تقويض الثقة في المعرفة العلمية الحقيقية و تم تقديم المعلومات المغلوطة كحقائق، مما أثر على قدرة الطلاب على التفكير النقدي وفهم العلوم بشكل صحيح،كما ساهم في تعزيز التمييز وتقويض المعرفة العلمية. من خلال استغلال الرأسمال الرمزي امكانيته ونفوذه الاجتماعي، تمكنت هذه الأفكار من التسلل إلى كافة مفاصل دول كثيرة في الشرق الاوسط وانظامتها التعليمية. تشير الأبحاث الاجتماعية إلى أن أسوأ أشكال الاستلاب تحدث عندما يستغل شخص او مجموعة اشخاص سلطتهم المقدسة في تبرير الاستغلال والمعاناة. حيث يقوم شخص ذو سلطة أو نفوذ باستغلال من هم أبمعيته لتمرير قناعات اسطورية تخلق نظاماً من القهر والاستبداد تجعل الافراد أسرًى لأفكار أو معتقدات تفرض عليهم قسرا. هذا يدعو للتفكير في كيفية الوقوف ضد سلطة تجسد الاستلاب بأشكال متعددة داخل نظام الراسمال الرمزي وتساعد في تمكين اشخاص غير كفوئين يستخدمون الثقافة والعلم كوسيلة للسيطرة على المجتمعات،الذي يؤدي إلى فقدان الهوية الثقافية واستلاب الأفراد العاملين في هذه الحقول. من اسباب انتشار هذه الظاهرة تولي حكومات محاصصة طائفية تابعة لجهات خارجية لتمرير اجندتها السياسية.ان تولي حكومات المحاصصة الطائفية التابعة لجهات خارجية تساعد في انتشار ظاهرة الاستلاب الثقافية اذ تنظرأالى هيمنة الراسمال الرمزي وتعطيه أهمية قصوى،كون حكومات المحاصصة الطائفية غالبًا ما تكون مرتبطة بجهات خارجية تؤمن لها الدعم والاسناد،الذي يؤدي إلى تنفيذ سياسات تعزز مصالح هذه الجهات على حساب مصالح الشعب،هذه الحكومات تعمل على تعزيز الانقسامات الطائفية والعرقية، وتخلق بيئة من الفتنة والصراع وتضعف الروابط الوطنية. تسعى هذه الأنظمة إلى محو أو تهميش الثقافات المحلية لصالح ثقافات وأجندات خارجية، مما يؤدي إلى استلاب الهوية وتفرض رقابة صارمة على وسائل الإعلام والمحتوى الثقافي الجاد، مما يمنع النقاش الحر وبالتلاي تعزز الروايات التي تخدم مصالحها،تلجأ هذه الحكومات إلى استخدام القوة والقمع ضد أي معارضة، مما يجعل من الصعب على الأفراد التعبير عن آرائهم أو الدفاع عن هويتهم الثقافية. تميل حكومات المحاصصة الطائفية إلى التركيز على مصالح مجموعات معينة، مما يؤدي إلى تفشي الفقر والاستغلال بين أفراد المجتمع واستغلال الدين أو الهوية العرقية كأداة للسيطرة، ويعزز الانقسامات ويشجع الاستلاب الثقافي،ان تلقي الدعم من دول أو جهات خارجية يمكن أن يزيد من قوة هذه الحكومات، ويعزز من استمرارية سيطرتها واستغلالها. يعتبر المثقف المستقل ضحية للأجندات الاستلابية ومنها فاعلية الراسمال الرمزي ويمكن أن تظهر تاثيراتها في عدة جوانب،يواجه المثقفون ضغوطًا من السلطات تمنعهم من التعبير عن آرائهم بحرية، وهذا يؤدي إلى تهميش أصواتهم وإقصائهم عن الساحة الثقافية. يُجبر المثقفون والفنانون على تعديل أو تكييف أعمالهم لتتناسب مع الأجندات السياسية أو الثقافية للسلطات، مما يؤثر سلبًا على جودة الفكروالابداع ،تُستغل مكانة المثقفين كقادة رأي للترويج لأفكار أو سياسات معينة دون احترام لآرائهم الحقيقية، مما يضعهم في موقف ضعف،ويمكن أن يتعرض المثقفون للتهميش أو الاستهداف من قبل مجتمعاتهم بسبب آرائهم النقدية، مما يجعلهم في عزلة عن الجمهور ويكونون هم الضحية ،يُستخدم الإعلام كأداة لتشويه صورة المثقفين المستقلين أو تقليل تأثيرهم من خلال تقديمهم بصورة سلبية أمام الجمهور، يُجبر بعض المثقفين على إعادة تشكيل هويتهم الثقافية لتتناسب مع الأجندات السائدة، مما يؤدي إلى فقدان الأصالة والهوية،في ظل الظروف الاستلابية. يجد المثقفين أنفسهم مضطرين للتكيف مع بيئات قمعية، مما يؤدي إلى فقدان الإبداع والابتكار. يفتقر المثقفين إلى الدعم الكافي من المجتمع أو المؤسسات، مما يزيد من عزلتهم ويعزز من تأثير الأجندات الاستلابية، بالتالي سيكون المثقف ضحية مزدوجة، فهو يتعرض للاستلاب من جهة، ويواجه تحديات كبيرة في محاولة الدفاع عن الهوية الثقافية وحرية التعبير من جهة أخرى. من الضروري العمل على تعزيز حرية الفكر والثقافة لدعم المثقفين وتمكينهم من لعب دور فعّال في المجتمع ونبذ وادانة تطبيق سياسة "سوق العبيد" التاريخية في العصر الحديث الذي يمارسها الراسمال الرمزي التي تتجلى في عدة مظاهر تتعلق بالاستغلال والانحيازات الطائفية . ان الأشخاص من ذوي التعليم المنخفض والانحيازات الطائفية يمكن أن يلعبوا دورًا كبيرًا في تعزيز ظاهرة الاستلاب الثقافي والاجتماعي لانهم يفتقرون إلى المعرفة الضرورية لفهم تحديات المجتمع، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة تعزز الاستغلال،عندما يتولون المسؤولية وينتمون إلى طوائف معينة، فإنهم قد يفضلون مصالح مجموعاتهم على حساب الآخرين، مما يعزز الانقسامات ويزيد من الاستلاب الثقافي،المسؤولين غير المؤهلين يفتقرون إلى القدرة على تطوير سياسات جديدة أو حلول مبتكرة لمشكلات المجتمع، مما يؤدي إلى استمرار الأوضاع الحالية. المسؤولون المنحازون غالبًا ما يتجاهلون حقوق الإنسان الأساسية، مما يزيد من تفشي الظلم والاستغلال.ضعف التعليم يؤدي إلى غياب المساءلة الذاتية، حيث لا توجد مراجعة ذاتية على أفعالهم، مما يعزز ثقافة الإفلات من العقاب . في بعض الدول، يتولى أفراد من طوائف معينة مناصب حكومية، ويعملون على تعزيز سياسات تمييزية لمصلحة طائفتهم، مما يؤدي إلى تفشي الاستلاب بين المجموعات الأخرى. بعض الأنظمة الشمولية، قد تعيّن أفرادًا ممن عانوا من قمع أو استلاب ليعملوا كأدوات تنفيذية، مما يساهم في تعزيز السيطرة والقمع على المجتمعات،هذا يوضح كيف يمكن أن يؤدي تولي أفراد يعانون من الاستلاب لمناصب عامة إلى تكريس سياسات الاستغلال وتفشي الظاهرة، مما يتطلب الوعي والإصلاحات اللازمة لمواجهة هذه التحديات.
#غالب_المسعودي (هاشتاغ)
Galb__Masudi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل الغباء جريمة يعاقب عليها القانون
-
عولمة التفاهة والشخصية المسخ
-
الكفالة والعبودية
-
استخدام التفكير النقدي لانتاج كتابة ابداعية بواسطة الذكاء ال
...
-
الانسان الروبوت ومأسسة الجهل
-
النقد الوجودي للميتافيزيقيا
-
العقل البدائي والاحلام
-
الدهشة والتفاهة
-
ضرورة الدولة فلسفيا
-
أساطير و بدايات
-
تاريخ الكذب لدى الانسان
-
ذهنية التغافل
-
السماح بالتعليق والتصويت في الحوار
-
روايات بلا احداث نقد وتحليل
-
كرسي كرونوس وثقافة الزمن
-
بناءالشخصية النمطية في المجتمعات المتخلفة
-
النزعات البدائية في الثقافات المعاصرة
-
السعادة الوهمية والتلاعب بالعقول
-
الذكاء الصناعي بين الوعي والوجود
-
البراغماتية والفلسفات التقليدية
المزيد.....
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|