أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - التميز في رواية خزانة الأحذية تغريد أبو شاور















المزيد.....

التميز في رواية خزانة الأحذية تغريد أبو شاور


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 8168 - 2024 / 11 / 21 - 07:53
المحور: الادب والفن
    


عندما يتم صياغة العمل الأدبي بشكل محكم، بالتأكيد سيدهش القارئ، بصرف النظر عن المدرسة التي يمثلها، فالمدراس والأشكال الأدبية لا تخضع لزمان بعينه، فبالأمس القريب قرأت رواية "أحلام وغيلان" للروائي "محمد السماعنة" وقد أدهشني بالطريقة التي أستخدم فيها الرمزية، وتأتي رواية "خزانة الأحذية" لتؤكد أن الأديب الجيد يستطيع جذب القارئ وإمتاعه بما يقم له، حتى لو كانت المدرسة التي ينتمي لها العمل (تقليدية/قديمة).
قبل الدخول إلى الرواية أنوه إلى أن هناك عملين تناولا الحذاء وهما مجموعة قصصية "أريد حذاء يتكلم" للقاصة "شيراز عناب" وقصية حذاء يتلكم للقاص منجد صالح، لكن هنا نجد عملا روائيا يتحدث عن الأحذية التي يؤنسنها ويجعلها صاحبة منطق ومشاعر وفعل، وهذا الأمر بحد ذاته مثير ويدفع بالمتلقي ليتوقف عند الطريقة والاسلوب الذي استخدمته الساردة هذا الأمر.
مدخل الرواية
تبدأ السارد الحديث عن حفل الاحتفال بمرور خمسين عاما على حكم الإمبراطور والحوارات التي تتم بين حاشيته والكفية التي سيجري فيها الاحتفال، هذا هو الفصل الوحيد الذي جاء على لسان الساردة.
فنلاحظ البتر والبذخ والإسراف، حتى أننا نجده حفل (أسطوري/ملحمي) فالطعام كان بهذا الشكل: "أشهر مائة طباخ غربي وعربي، إضافة إلى خمسين طاه محلي.. كما تمت دعوة أكثر متذوقي الطعام شعره من الرجال والنساء في العالم" ص15، ولإقامة هذا الاحتفال ولكثرة المدعوين سيتم نصب تمثال للإمبراطور، وهذا يترتب عليه "بتر خمسمائة شجرة من الساحة العامة، لينصب التمثال مكانها، ص13، هذا على الصعيد الترتيبات الداخلية، أما بالنسبة لمن هم في الخارج، فنجد هذا الواقع: "فنحن بحاجة لدعوة صف من الباحثين المهاجرين للإشادة بالجهود الجبارة للإمبراطور وسعيه الدؤوب في تشجيع البحث والعلم وتوفير فرص لهؤلاء الباحثين الذين خرجوا بإرادتهم من الإمبراطورية ولا تزال الإمبراطورية تقدم لهم الرعاية" ص19، صورة ساخرة لطريقة تعامل الإمبراطورية مع العلماء والمفكرين، فقد (هاجروا) بإرادتهم!! وليس كرها، وليس بعد أن ضاقت بهم السبل، وليس بعد أن منعوا من العمل، وحوصروا من كل جانب، فاندفعوا إلى الخارج دفعا.
أما بالنسبة لضباط والقادة فحالهم كحال العلماء والمبدعين، يعيشون في الغرب تاركين الوطن محمي بقوة الرب والإمبراطور، وهل هناك من هو أقوى من الإمبراطور!؟: "أغلب المحاربين ماتوا، والآخرون شاخوا، أما أبناءهم فقد هاجر معظمهم خارج الإمبراطورية، لكننا سنجتهد ونبحث عمن تبقى منهم هنا" ص19و20، هذه الصورة الساخرة لحال الإمبراطورية، يمكننا إسقاطها على كافة الدول العربية، فكل الدول تتماثل مع هذا الواقع، وهذه الصورة، وعلنا النظر من الدخل لنتأكد أنهذه حقيقة دولنا العظيمة، إن كانت جمهوريات أم ممالك وإمارات.
السرد الروائي
تفتتح الساردة الرواية بالحديث عن حفلة الإمبراطور والبذخ الذي سينفق على الحفل ثم تنسحب لتعطي الحديث لحذاء طفل كان في الفيترينا لينقل لنا رحلته في البحر وكيف استقر به الحال في إحدى الدول الغربية، وهنا تجري الحوارات والأحداث بين الأحذية التي تنقل لنا مشاعرها/مواقفها/أفعالها، وأفعال وأقول (الناس).
فالأحذية هي من تسرد الأحداث، ولتميزها تم تسميه كل حذاء باسمه: "الحذاء" السباط، البسطار، الزنوبة، الشوز، كندرة، بالرينا، جزمة الشامواه/أحذية أقدام اللوتس/الأقدام الذهبية" ولكل منهم شخصيته ودوره في الرواية، لكن كلها تتمحور حول "حذاء" الطفل الذي فتح السرد أمام بقية الأحذية.
الأحداث
تتناول الرواية هجرة العرب عبر البر والبحر إلى الدول الغربية، حيث يبدأ حذاء الطفل في تناول مسار الرحلة بقوله: " عندما حل المساء كانت الأحذية أقل عددا مما سبق، فبعضها توقف عن السير، والبعض الآخر عاد أدراجه خوفا من المجهول، وهناك أحذية عيرت مسارها متوجه نحو الشمال" ص33، هذه الصورة العامة للهجرة بعد الخراب العربي الذي تعرضت له بعض الدول التي لم ترضخ للغرب وتحديد للأمريكان، فكان الخراب المنظم عقابا لها.
يدخلنا حذاء الصغير إلى حيثيات الهجرة وما يتعرض له المهاجرون من شدائد وأخطار: "الآن أنا أصطك من البرد، قدمي الصغير تتجمد داخلي، ولا حيلة لي في تدفئتها، القارب يتأرجح، والموج يعلو ويغرقنا ثم يهدأ، الأحذية وأصحابها يشتكون (لزنوبة) التي لا تكترث لشكواهم من البرد والعتمة وطول الطريق المجهول وأنا أتأرجح أكثر وأكثر" ص36، هذه الصورة توضح خطورة الهجرة مع قراصنة وتجار الأزمات، الذي لا يكترثون لأحد، وكل ما يهمهم نهب أموات المهاجرين، دون مراعاة لأي نواحي إنسانية، أو متطلبات السلامة العامة.
عدد الغرقى في البحر تجاوز عشرات الآلاف، مما استوجب على حذاء الصغير أن يتوقف عند هذا الأمر: "أيام في البحر والدوار ينال مني بين الفينة والأخرى، في كل يوم نفقد حذاء، منا من يموت، ومنا من يلقي بنفسه في البحر يأسا أو خوفا من الجنون، أو ربما لينجو بنفسه بطريقته، أيام مرت وأحذية قليلة بقيت على متن القارب" ص38، هذه الأخطار تجعل الناجون منها قليلي العدد، فغالبا ما يأخذهم البحر إلى جوفه، ومن ينجو يكون قد ولد من جديد، وعليه تدوين تاريخ نجاته لأنها بمثابة شهادة ميلاد للناجي، هذا ما قالته "الزنوبة" للأحذية الناجية: " التاريخ الذي عليكما البحث عنه هو تاريخ نجاتكم أو التاريخ الذي تأخذون فيه رقما في هذه البلاد يجعلكم تتحركون في شوارعها دون أن تبحثوا عن الأزقة لتستتروا فيها" ص88، وهنا نتوقف لنتأكد أن هناك مشاق وخطار ما زالت قائمة على المهاجر حتى بعد أن ينجو من البحر، فهناك إجراءات قانونية متعلقة بوجود المهاجر وهي من تحدد بقاءه أم ترحيله.
أما بعد الوصول والحصول على أوراق تثبت صاحبها قانونيا، فيحدث بعدها تغييرات اجتماعية ونفسية، يحدثنا "الشوز الرياضي" عن هذه التغييرات وأثرها السلبي على المهاجرين بقوله: "أنا لم أتخل عنه في أصعب ظروفه، من أن كان طالبا في الجامعة، ببلاده، حتى خضنا البحر معا، فكسف يتخلى عني بأول بديل يعرض عليه؟" ص56، وهذا ما يجعل مشاكل الهجرة مستمرة وقائمة.
الرمزية والواقع
يتناول حذاء الصغير مجموعة من المسائل والأحداث، بعضها جاء واقعيا كما هو الحال عندما تحدث عن أخطار وصعوبة الهجرة، وبعضها قدم بطريقة رمزية، ومن المشاهد التي أكد حدوثها غرق الطفل الكردي الذي عرف ب "طفل كوباني": "سأتذكر ما حييت تلك الكاميرات وهي تلتقط الصورة لصاحبي، وهو منكب على وجهه، بشاطئ بلاد لا يعرفها، بعدما لفظنا البحر بعد صراعنا الطويل من اجل الحياة...حيث وجدوا عند شاطئ البحر جثة صاحبي الصغير منقلبا على بطنه" ص71، الحذاء يركز على الحدث لأهميته، فهو يبين قذارة تجارة البشر، ووحشية الغرب الذي نشر عناصره وأدواته لتخيب البلاد وحرق العباد، وأيضا يبين عجز الأنظمة التي لم تحم مواطنيها بثقافة وإجراءات تحد من سلطة القمع والأمن الجاثم فوق صدور المواطنين، هذا ما تحمله صورة الطفل كوباني.
ونجد رمزية الصراع الفلسطيني الصهيوني من خلال الحوار بين الشوز والبسطار: "ـ رغم انتصاراتنا في الحرب...ولكنكم مضيتم دون خوف وسبقتمونا، لم تنكروا أن تلك الأرض ملعبكم وأن لكم أحقية الفوز والنجاة.
ـ إذا ما عدنا إلى بلادنا عرفناها.. نحن نحفظ حاراتها، ميادينها وشوارعها، فبيننا عمر طويل من الحب والشقاء والانتماء" ص67و69 و70، مثل هذا الحوار الذي أعطنا صورة عن واقع الصراع في فلسطين يشير إلى أهمية الرواية وتميزها، فهي لم تقدم أفكارا جاهزة ومباشرة، بل جعلت المتلقي يصل إلى هذا الصراع، فالعلاقة بين البسطار والشوز كانت (ودية) لكن الساردة استطاعت أن تفتح حوارا تشير فيه إلى ما يجري في فلسطين.
كما تقدم لنا صورة عن دورة حياة المجتمعات والدول والأفراد من خلال هذه القول: "أعلم أن كل شهرة ستمر بمرحلة احتضار، وأن كل حذاء مدة لصلاحيته" ص42.

الحقائق والحكم
لم يقتصر دور الرواية على تقديم الأفكار والأحدث من خلال الرمز فقط، بل طال أيضا تقديم حقائق وأحداث وأقول جاءت من خلال حوار الأحذية وما مرت به من الأحداث، من هذه الحقائق: "لا ثأر لغريب في غير وطنه" ص67، فهذه الحقيقة متعلقة بالصراع الفلسطيني الصهيوني، على أهمية المكان الذي يجب أن يكون فيه الصراع.
وعن الخراب العربي وما جرى فيه من ويلات وتهجير وقتل وتدمير: "غريبة هه المدن، تفرغ بلادا من أهلها ليصبحوا مشردين فيها، لا أدري ما الهدف؟" ص86.
وعن الفقدان وما يحدثه من أثر على الإنسان: "عندما يأخذون منك شيئا، ستحرصين كنتيجة تلقائية على إلا تفقدي ما بقى منه، وأن تسعي للحفاظ عليه بأي طريقة" ص113.
وعدم أهمية أخذ الظرف المناسب للعمل ليكون صحيحا وناجحا وناجزا ومتقنا: "أن العد في الظلام فساد" ص113.
وعن مكانة الوطن وبقاء حضوره تقول: "فلا أثر يزول أبدأ، فما بالك لو كان الأثر ختما لبلاد" ص136.
وعن واقع المهاجر في الغربة: "لا مكان للثأر هنا، ولا للخسارات" ص160.
وهذا ما يجعلنا نقول إن رواية "خزانة الأحذية" تتماثل مع كتاب "كليلة ودمنة" وما فيه من رمزية وحكم وحقائق وأحداث، وما على القارئ إلا أن ينهل من هذه المعارف بنفسه، وليفكر فيما جاء في الرواية ليصل إلى حقائق موضوعية، صيغة بطريقة أدبية لافتة.
الرواية من منشورات وزارة الثقافة، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2023.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأحداث السورية في رواية -مدائن الرب-[*] للكاتبة هند زيتوني
- الموت الناعم في قصيدة نوستالوجيا بعلية مهدي نصير
- الثبات في ديوان غيم على قافية الوحيد محمد لافي
- المكان في قصيدة -وردة على باب الحبيبة- علي البتيري
- البعل والخصب في ديوان -في ظل آب- سلطان الزغلول
- الحرب والأحداث في رواية أخبار نصف جيدة المتوكل طه
- السرد وشكل التقديم في رواية أخبار نصف جيدة المتوكل طه
- طوفان الأقصى في رواية -أخبار نصف جيدة- للمتوكل طه
- كتاب الصهيونية في أمريكيا محمد حافظ
- تألق الطفل في رواية حمروش جميل السلحوت
- الرمزية في رواية أحلام وغيلان محمد السماعنة
- القسوة والجمال في قصيدة -غرفة الكولونيل- علاء حمد
- الأصالة في مجموعة -حمالة التعب- سرمد فوزي التايه
- التميز في رواية -آخر نزيل- هاني الريس
- تعدد القراءات في -عبق الريحان قصائد هايكو- ميسر أبو غزة
- التراث والمعاصرة في كتاب -ثمرة الأصحاب- مأمون دويكات
- التماهي في قصيدة -يحيا يحيى- لعصام الأشقر
- الشكل والمضمون في -آه يا وطني الكتاب الثاني- محمد حافظ
- الثلاثة العظام
- حداثة الطرح الديني في كتاب -تأويل المُأول- سعادة أبو عراق


المزيد.....




- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - التميز في رواية خزانة الأحذية تغريد أبو شاور