|
لماذا يعلن العقيد القذافي الحداد على صدام حسين..1
قاسم علوان
الحوار المتمدن-العدد: 1783 - 2007 / 1 / 2 - 07:07
المحور:
كتابات ساخرة
من تاريخ العلاقات السياسية بين العراق وليبيا.. تفاوتت وبشكل نسبي المواقف الرسمية المعلنة لدول العالم وكذلك الدول العربية من تنفيذ حكم الإعدام بالرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، وهذا لا يعنينا وليس موضوع مقالنا، الذي يعنينا ويهمنا جدا مسارعة العقيد ألقذافي (الحاكم بأمر الله) على شعب (الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى.. وبالمناسبة هي أول جماهيرية بالعالم..) إلى إعلانه الحداد الرسمي في عموم بلاده على الرئيس العراقي المعدوم وكذلك إلغاءه للاحتفالات بمناسبة العيد...!! لكن لو نأخذ مثلا موقف حكومة سوريا التي يحكمها (حزب البعث العربي الاشتراكي) والحاضنة الرسمية في الوقت الحاضر لما تبقى من فلول الحزب نفسه الذي كان يحكم في العراق.. فهي فقط تأسفت (على لسان وزير خارجيتها) على إعدام صدام في أول أيام عيد الأضحى المبارك.. لكن لا نفهم جيدا موقف العقيد الليبي الذي أعلن فيه الحداد الرسمي وبالغ أسفه وعميق حزنه على الرئيس الشقيق صدام...!! رغم علمنا بأنه لم تجمع الرجلين أية علاقة ودية أو شخصية طيلة فترة حكمهما ومعاصرتهما لبعضهم البعض، رغم وجود تمثيل دبلوماسي بين بلديهما.. فالذي نعرفه من تاريخ العلاقة بين البلدين منذ أن كان صدام (نائب أمين سر القطر) في بداية حكم (البعث) في العراق بأنها لم تصفو سوى بضعة أشهر من بداية (ثورة الفاتح) في عام 1969 إذ زار العقيد بغداد في ذلك الحين حيث ذكرياته القريبة في كليتها العسكرية آنذاك، ثم تشنجت العلاقة بسرعة بين النظامين وتحولت إلى علاقة تبادل شتائم لا أكثر، وأغلب الأحيان بشكل مبتذل بعيدا عن اللياقة الدبلوماسية.. وذلك عبر جميع القنوات الإعلامية المتيسرة آنذاك...!! وكان من ضمن مفردات تلك السياسة.. عندما كان في لبنان في سنوات السبعينات مجلات وأقلام معروضة للبيع لمن يرغب أن يشتري من قادة الدول العربية أو سياسييها، لغرض تلميع وتجميل صورهم عند العامة من الناس حيث يمكن أن تسوق تلك الصحف والمجلات، والكتابة عن (منجزاتهم الثورية) لمن لا يطلع عن قرب على تلك الانجازات.. أو لتشتم خصومهم وتنشر أخبار فضائح أولئك الخصوم وما يتسرب من أسرارهم.. نأخذ مثلا مجلة (كل العرب) التي أشتراها (نظام حكم البعث) في العراق آنذاك، وكان رئيس تحريرها اللبناني وليد أبو ظهر، وهذا الرجل لم تكن له أية علاقة بالصحافة أبدا.. فقد كان صاحب محل لبيع الأحذية النسائية في بيروت.. وقد كلف بإدارة تلك المجلة مؤقتا من أسرة شقيقه المتوفى حينذاك بعد أن عرضتها زوجته للبيع.. فحدثت تلك الصفقة (التاريخية) بين الحكومة العراقية و (أسرة تحرير المجلة..) فتخصصت من ذلك الحين ولسنوات طويلة في شتم العقيد الليبي ونشر ما يتيسر من الصدق والكذب عنه، إضافة إلى كيل المديح لنظام (حكم البعث) وقيادته في العراق على مدى أعدادها الأسبوعية المنتظمة الصدور ولسنوات طويلة...!! ثم تنقلب الآية إذ يضعف الدفع العراقي بالدولار الأمريكي أيام (الحصار الجائر على العراق العظيم..) ليشتري الزعيم الليبي المجلة نفسها، وتتخصص هذه المرة في شتم صدام ونظامه لغاية سقوطه واحتلال العراق...!! عندما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية في مطلع الثمانينات سارع العقيد الليبي باعتباره (الثوري العربي الأخير..) بالانحياز علنا عسكريا ودبلوماسيا وإعلاميا إلى جانب إيران وثورتها الجديدة آنذاك.. الخصم اللدود لصدام إلى لحظة إعدامه.. لذا ناله في ذلك الوقت الكثير من شتائمه البذيئة وألفاظه السوقية المجانية.. حتى في خطاباته السياسية المتكررة والمتلفزة.. ومنها على سبيل التذكر لا الحصر.. (أبن اليهودية..) و(المجنون..) وما إلى ذلك من ألفاظ غير لائقة... وقد كانت تلك السياسة متبادلة بين الطرفين تقريبا بشكل متساوي.. مثلا عندما قصفت الطائرات الأمريكية بيت العقيد في عام 1985 وقتلت أبنته بعد سقوط طائرة (بان أمريكان) في مدينة لوكربي الهولندية، حيث علق طارق عزيز وزير خارجية صدام آنذاك بحديث صحفي موثق لمجلة (اليوم السابع) الفلسطينية والتي كانت تصدر في باريس، وكانت الحكومة العراقية قد اشترت بعض من صفحات هذه المجلة وليس كلها...!! علق طارق عزيز وبالنص التالي على ذلك الحادث بأنه (عبارة عن أب يؤدب أبنه المارق.. وماذا في ذلك...؟) لكن حدة تلك اللهجة (البذيئة) خفت تقريبا بين الطرفين بعد اجتياح العراق للكويت عام 1990 وما ناله بعد ذلك من عزلة دولية مستعصية، وعقوبات اقتصادية شديدة، لكن موقف ألعقيد ألقذافي في القمة العربية التي تلت ذلك وما جرى فيها من ارتباك ومهاترات بين القادة العرب معروفة للجميع.. جعل مواقف الرجلين قريبة من بعضها نوعا ما.. إضافة إلى العداء المتشدد بين هذين الطرفين من جهة، وبين الولايات المتحدة من جهة أخرى، حيث ساعد هذا الموقف أيضا في تقريب وجهات النظر بين الخصمين السابقين، غير أن العلاقة بينهما لم تصل إطلاقا إلى اللقاء وجها لوجه أبدا، رغم أن هذين الزعيمين تجمعهما صفات وأخلاق كثيرة مشتركة بينهما...!! مثلا مسؤولية ولديهما البكرين عن الرياضة واللجنة الأولمبية في كلا البلدين..! وانتساب ولديهما الأصغر إلى القوات المسلحة في بلديهما ومسؤوليتهما عن الحرس الخاص لوالديهما...!! تشابه الشعارات السياسية التي تلطخ جدران المدارس والشوارع في كلا البلدين إلى الحد الذي تظن فيه أن أحدهما ينقل على الآخر..!! مثلا (من لا يعمل لا يأكل) أو (العراق أو ليبيا وطن الجميع وحماية أمنه ونظامه مسؤولية الجميع) وغير ذلك من عشرات الشعارات.. كما أنه خاض حرب حدودية في أواسط الثمانينات مع جارته الجنوبية تشاد، وذلك بموازاة الحرب العراقية الإيرانية، فقد كانت حرب ضروس لكنها ولحسن حظه كانت قصيرة الأمد، وذلك بسبب خلاف مفتعل على شريط حدودي ضيق، فقد فيها آلاف الجنود والضباط الليبيين، فقد كان المقاتلون التشاديون شديدي البأس وخاصة في القتال بالسلاح الأبيض، كما نقل لي ذلك أكثر من مجند ليبي شاركوا في تلك الحرب.. وكان ذلك النزاع وكما يبدو تيمنا بفتى أحلامه القومية.. جمال عبد الناصر الأب الروحي للعقيد ألقذافي.. أليس في ذلك نزعة نفسية غير معلنة للتماهي مع صدام حسين حيث أبتلى هذا الأخير بحربه (القومية) الطويلة مع إيران..؟ إلى أن توجت تلك الصداقة الحميمية غير المرئية فيما بعد في رسالة من صدام إلى ألقذافي غريبة نوعا ما، والتي يتملقه فيها لدرجة سياسية مريبة، تعكس مدى ضعفه، وذلك عام 2001عندما أعلن الرئيس الليبي مقاطعته لمؤتمر القمة العربي حيث انعقد في عمان.. تلك الرسالة هي أعلى درجات القرب والتواصل المعلن بين هذين الرئيسين..!! ونعتقد أن هذا الشكل من العلاقة السياسية أو الدبلوماسية المعلنة بين أي بلدين في العالم أو بين أي رئيسين، لا يبرر مطلقا إعلان الحداد ولمدة ثلاثة أيام من قبل الرئيس الليبي على إعدام صدام حسين من قبل محكمة عراقية...!! ترى ما هو السبب الحقيقي وراء مثل هذا الموقف...؟ هل نذهب إلى علماء النفس والتحليل النفسي لنطرح عليهم هذا السؤال المحير... أم نجد جوابه عند السياسيين...؟ لماذا لا نجيب عليه نحن فربما نمتلك قدرا من الحصافة.. وذلك بقدر من الأسئلة حتى لو كانت محرجة.. لماذا لا يكون ألقذافي يرى في نفسه صدام حسين في وضعه الأخير..؟ ألم يتوج نفسه مثل هو وأولاده من بعده أيضا رؤساء مدى الحياة على الليبيين وعلى أجيالهم القادمة...؟ ألم يتعرض الاثنان إلى محاولات اغتيال كثيرة من بعض أفراد شعبهما ويقمعانها بقسوة شديدة ودائما يكون ذلك بشكل غير معلن في كلا البلدين..؟ ألقذافي في حديث له لبعض القنوات الفضائية مؤخرا عندما صدر قرار الحكم بإعدام صدام.. تساءل (ببراءة مدهشة..) (لماذا يعدم رئيس دولة عربي بجريمة قتل 149 شخصا حاولوا اغتياله..) من القواسم المشتركة بين الاثنين هو أنهما يمتلكان سجون ومعتقلات سرية عديدة لا يخرج من يدخل أليها مطلقا. ثم ألم يمتلك العقيد ألقذافي مثل صدام برنامجا نوويا دمويا قوميا شاملا...؟ لكنه في ساعة ضعف بعدما فكر مليا.. على العكس من شقيقه (بطل التحرير القومي) السابق، فأرتدع بدون عنجهية وشعارات ثورية.. وسلم كل ما يمت بصلة لتلك البرامج للسادة الأمريكان بعدما أبصر أن (الحديدة حامية..) كما يقول المثل العراقي.. ألم تكن كل هذه الإسقاطات السياسية والنفسية وكذلك القواسم المشتركة بين الاثنين مبررات كافيه لكي يحزن معمر ألقذافي بهذا الشكل على شقيقه في العروبة والحكومة صدام حسين...؟ الشيء الوحيد الذي يختلفان فيه هذين الرئيسين العربيين الخالدين، اختلافا عقائديا جذريا هو استخدام النساء في حمايتهما الشخصية...!! فصدام حسين يعتبر ذلك مثلبة كبيرة على الرجال...!! ولا زلنا في موضوع إعدام صدام.. فقد تساءل بعض المراقبين السياسيين العرب بسذاجة على بعض القنوات الفضائية عن سر تماثل المواقف السياسية بين واشنطن وتل أبيب وطهران في ارتياحهما لإعدام صدام..!! أي ربما تكون هناك علاقة سرية بين النظامين...!! طبعا لم يشيروا إلى ارتياح دولة الكويت أيضا لإعدام صدام.. وإلا فما معنى ذلك التساؤل غير الأيمان بـ (نظرية المؤامرة) حيث لا يجيد العقل العربي العمل بغيرها..؟ لا ندري لماذا لا يتساءل ذلك المراقب السياسي الحصيف مثلا أمام استنكار منظمة حماس لذلك الحدث وقد اعتبرته (اغتيال سياسي) هذا في الوقت الذي استلمت فيه تلك المنظمة وقبل أيام قليلة فقط مبلغ ربع مليار دولار أمريكي...!! كتبرع من الحكومة الإيرانية، وذلك خلال زيارة خالد مشعل للأخيرة لطهران التي رحبت كثيرا بإعدام صدام.
#قاسم_علوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنا انتخبني شعبي
-
... محاكم التفتيش (الخاصة) في زمن (السيد الرئيس) بمناسبة محا
...
-
زيارة الى إيران (5) أصفهان حديقة العالم ومدينة التنوع
-
العاصمة الثقافية لإيران... أصفهان
-
زيارة الى إيران (3) الى الشمال من طهران..
-
زيارة الى إيران (2) طهران مدينة مفتوحة
-
زيارة الى إيران.... (1) قبل الوصول الى طهران وميدان إنقلاب..
...
-
هل يصدق القاضي رءوف محمد رشيد كذبة برزان...؟
-
قصة هذه الرواية
-
التهجير الطائفي القسري...
-
كيف تصرف مبلغ 200 مليون دينار عراقي في ثلاثة أيام بدون معلم.
...
-
عندما أشتعلت الشرارة صبيحة ذلك اليوم الربيعي الجميل
-
عاشت فلسطين حرة عربية
-
بانتظار الحكومة المقبلة
-
فاعلية الاستحقاق الانتخابي والضرورات الأخرى
-
الشعر الشعبي العراقي... سيرة
-
كافكا وأرسون ويلز في( المحاكمة) سلطة الأدب وسلطة الكتابة
-
هل يوحد الأخوة الكورد (الأخوة) الفرقاء العرب...؟
-
بونويل رائد السينما السريالية
-
لوليتا... الرواية في السينما
المزيد.....
-
دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في
...
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|