|
التسامح والتعددية الثقافية
خيري فرجاني
الحوار المتمدن-العدد: 8167 - 2024 / 11 / 20 - 02:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الاصل في الاشياء اختلافها سواء كانت كائنات او موجودات او اشخاص، حتى وان كان هناك ثمة تشابه ولكن لن يصل الى حد التطابق، فكل فرد منا يحمل هويته الخاصة وهوية الفرد ليست واحدة ايضا، بل هي هويات متعدده تشكل في النهاية الهوية الخاصة به، فكل فرد منا له هويته الثقافية والدينية والسياسية والاجتماعية وحتى الرياضية.. إلخ. فثمة حقيقة ثابتة أن الاختلاف والتنوع أمر حتمي بين البشر، وأن تعدد الهويات هو إثراء للمجتمعات والأفراد فإن التنوعات والاختلافات تضيف للمجتمع والفرد ولا تنتقص منه. وجوهر الليبرالية قائم على أساس الفردية أو الفردانية وهي التي تقر بالتنوع والحرية؛ ومن هنا تعدد الثقافات داخل المجتمع ناهيك عن كونها اضافة ومحققة للقوة الاجتماعية. وقد ظهر مصطلح "التعددية الثقافية" عام 1924م، على يد المفكر الامريكي "هوراس كولين"، ردا على سياسة الولايات المتحدة الامريكية في تلك الفترة القائمة على دمج وصهر الثقافات المتنوعة بسبب الهجرات، سواء من اوروبا او افريقيا او امريكا اللاتينية او حتى اليابان. ورأى كولين ان التنوع والتعدد ثراء للولايات المتحدة ينبغي العمل على تنميته والحفاظ عليه، حيث ان اثراء مبدأ التعددية الثقافية داخل المجتمع يحمي أي جماعة من اي بطش لاغلبية او لهيمنة جماعة اخرى. وقد تصاعد الحديث عن مبدأ التعددية الثقافية مع ثمانينيات القرن العشرين، وكان لمصر تجربة ثرية مع فكرة التعددية الثقافية والتي كانت في ذروتها حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952م، من خلال وجود جاليات اجنبية، وتعددية دينية ليهود وبهائيين، بالاضافة للمسلمين والمسيحيين. هذا التنوع اثرى الفن والاقتصاد والسياسة في مصر قبل تحول الدولة المصرية لنظام شمولي على كافة الاصعدة بعد يوليو 1952م، فكان له بالغ الاثر السلبي في الهجرات العكسية حيث تم تفريغ مصر من الجاليات البلجيكية واليونانية والارمينية والايطالية وغيرها من الجاليات الأخرى التي كانت عامل مهم في تطور المجتمع المصري وتحديثة. لكن يبقى السؤال.. هل يمكن أن يتحول التعدد والتنوع الثقافي إلى عامل هدم بدلا من يكون عامل قوة او بناء!! خاصة ونحن نرى تقسيم يوغسلافيا الاتحادية بعد نهاية الحرب الباردة، وكما نرى أيضا خطر التقسيم في العراق وسوريا واليمن على خلفية الصراعات المذهبية السنية الشيعية!! الواقع انه وبدون فكرة "التسامح"، فان التنوع والاختلاف قد يمثل مشكلة خطيرة تهدد أمن وسلامة واستقرار ووحدة الدول. فالتسامح هو الضمان الحقيقي للقبول والتعايش بين المختلفيين دينيا أو مذهبيا أو اثنيا، ومن هنا تتضح أهمية التسامح كمبدأ هام ورئيس في تحقيق السلام والأمن الإجتماعي والحفاظ على وحدة الدول. والتسامح لا يعني الاعتقاد والقبول بالافكار التي يحملها الاخر (المخالف) ولكن يعني قبول حق الاخر في اعتقاد ما يشاء. ويعتبر الفيلسوف الانجليزي "جون لوك"، هو من وضع اسس فلسلفة التسامح وذلك على خلفية الصراعات الكاثوليكية البروتستانتية التي انتشرت في القرن السابع عشر، في كتابه الهام "رسالة في التسامح"، وقد خلص لوك إلى ان مسألة الفصل بين الدولة والكنيسة أمر حتمي، بل ومنطقي أيضا، فالدولة ذات الاطار المدني هدفها الأساسي هو الحفاظ على الممتلكات والافراد وصون الحقوق، ولا سبيل لتحقيق ذلك الهدف إلا من خلال إخضاع الناس للقانون، فإن تطبيق القانون هو السبيل الوحيد لتحقيق ذلك الهدف. كما أن الرابط بين الافراد والدولة رابطا سياسيا. بينما على خلاف ذلك فإن الكنيسة المعبرة عن الاطار الديني فان هدفها نجاة النفس والخلاص، وفي سبيل تحقيق ذلك فانها تسعى للنصح والارشاد والوعظ دون ارغام. حيث إن الإطار الرابط بين الفرد وكنيسته هو إطار روحي وديني؛ ولهذا رأى لوك انه من العبث تماهي الكنيسة مع الدولة. ولم تقف فكرة التسامح عند لوك عند هذا الحد بل تطورت بشكل كبير وعبر الكثير ممن تبعه من المفكرين والفلاسفة على مر العصور. وقد تعدد وتطور مفهوم التسامح، ومن أهم صور التسامح ما يلي:
أولا : التسامح المحدود: رأى جون لوك ان الطوائف الدينية طالما كانت مؤمنة بوجود نسق ديني يجمعها فانها مرحب بها ومقبولة على الرغم من اختلافها، بينما الفرد الغير مؤمن فهو خارج هذا القبول لأنه لا يوجد له روابط او اطار اخلاقي يضبط ممارسته ولذلك لا تسامح معه. ثانيا: التسامح الرحب: على خلاف جون لوك يرى الفيلسوف الفرنسي "بيار بايل"، أنه حتى غير المؤمنين ينبغي التسامح معهم، حيث ان الدولة تجمع اطياف مختلفة من المذاهب الدينية والفكرية وكذلك افراد غير مؤمنين، ولإقرار مبدأ التسامح ينبغي التسامح مع الجميع. ثالثا: التسامح في النظام العلماني: اما المفكر الفرنسي "كوندورسية" فقد راى ان تقسيم المجتمع لطوائف دينية –أساسا- أمر غير ملائم، فالدولة تجمع أفراد لا ينبغي النظر الى انتمائتهم او عقائدهم الدينية من الاساس، وبالتالي التسامح يكون مع الجميع ودون تقسيم المجتمع بأي شكل كان مذهبي أو ديني أو عرقي.. إلخ. رابعا: التسامح مع التعصب: لقد تباينت آراء المفكرين بخصوص مسألة التسامح مع التعصب، فالبعض مثل "جون رولز"، يرى أن المجتمع ينبغي أن يكون متسامحا حتى مع التعصب كانتصار للتسامح، بينما يرى آخرين وابرزهم "كارل بوبر"، أن التسامح مع التعصب يهدم التسامح من الأساس.
#خيري_فرجاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المساواةوتكافؤ الفرص
-
المواطنة
-
حقوق الإنسان من خلال المواثيق والعهود الدولية الحديثة
-
أثر الجيل الرابع من الحروب على اقتصاديات الدول
-
دور منظمات المجتمع المدنى في عملية التحول الديمقراطى في مصر
-
جدلية العلاقة بين الدين والفن
-
دور التنمية الاقتصادية في تحقيق الرفاهية والاستقرار:
-
الار هاب الفكرى (الأسباب.. النتائج.. الحل)
-
التنظيم الخاص والاغتيالات السياسية في منهج الإخوان:
-
مبدأ الفصل بين السلطات
-
الإسلام السياسي وديمقراطية الاجتثاث:
-
جدلية العلاقة بين الدين والتنوير
-
مفهوم الفردانية في الفكر السياسي الحديث
-
الليبرالية في مواجهة الأصولية
-
محمود عساف مؤسس مخابرات الإخوان:
-
أهمية توطين صناعة السفن في مصر:
-
الأطر المحددة لبنية النظام العربي
-
أهم التحديات التي تواجه المنطقة العربية
-
استراتيجية استشراف المستقبل العربي في ظل التحديات الراهنة
-
العلاقة بين صولية الدينية والرأسمالية الطفيلية:
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مدينة صفد المحتلة بصلية ص
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان: استهدفنا مدينة صفد المحتلة بصلية
...
-
الرئيس بزشكيان يدعو البابا الى حث الدول المسيحية لوقف الصهاي
...
-
حرس الثورة الاسلامية: مقتل 3 ارهابيين بسيستان وبلوجستان واعت
...
-
إصابة 4 فلسطينيين برصاص الاحتلال خلال هدمها منزلا ومنشأة تجا
...
-
استقبلها الآن بأعلى جودة تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر
...
-
مذيعة برازيلية تخلط بين بايدن وبن لادن (فيديو)
-
الفاتيكان.. شجرة عيد الميلاد تثير ضجة كبيرة
-
Toyor Al Janah TV تردد قناة طيور الجنة نايل سات 2024 بجودة ع
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024.. أطفالك مش هتعيط تاني خالص
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|