خديجة آيت عمي
(Khadija Ait Ammi)
الحوار المتمدن-العدد: 8166 - 2024 / 11 / 19 - 15:42
المحور:
الادب والفن
ثم ارتمت أخيرا على الطاولة، إذ حاولت جاهدة أن تظل مستيقظة كباقي الآخرين. هرعت الطبيعة أمامها مسرعة الخطى و كأن لا وقت لديها للضياع. إسترسلت المناظر الواحدة تلو الأخرى، كلها أشجار و حقول لزراعة بعض الخضر التي تنمو في البلدان الباردة. ثم تذكرت أن الطبيعة تحب الشمس كذلك و أن الدفئ هو أساس العلاقات. تحركت من مقعدها قليلا و وضعت حقيبتها في المكان المجاور و شعرت أن المكان كله في ملكها و أنها سوف تتصرف في المقاعد الأربعة كما يحلو لها. و الحقيقة فإن المسافرين يقلّون في المناطق القروية و نادرا ما تجد راكبا جديدا أو إثنان ينضمّان للركاب. نظرت إلى النافذة بدت الأبقار واقفة، سمينة مترهلة من شدة الحليب. أخذت قطرات الماء تنسكب شيئا فشيئا و بدت كتل الضباب تتكاثف فيما بينها في الوقت الذي كان فيه القطار لا يزال مسترسلا بين أراضي تكاد تكون منخفضة منذ بداية الرحلة. فمنطقة الميدلاند، أي وسط الأراضي تشبه إلى حد كبير النيذرلاند. جلس الركاب في هدوء منهمكين فيما يقومون به من مشاهدة أفلام أو إستماع للموسيقى فيما قرر الآخرون إنهاء أشغالهم على الحاسوب. فالأجهزة النقالة تخفف من عبئ المسؤولية. و أصبحت الرحلات بدورها فرصة للعمل. و لم يعد أحد يجد أعذارا هروبا من إنهاء مزاولة الأعمال. كانت المشاهد تهرب في سرعة متناهية. أخذت القطرات تتكاثر بدورها وبدت الصور مضببة بفعل طبقة المياه المنسكبة على النوافذ. شعرت بشيء من البلل يتدفق إلى حذائها، لم تكترث لذلك فسحر المكان جعلها تستمتع باللحظات الآنية هروبا من الروتين.
توقف القطار في مكان مهجور لا أحد فيه. لم تفهم ما قاله السائق بفعل انقطاع التيار. شعرت بالماء قد لامس ركبتيها. إلتفتت حولها، لم تجد أحدا. فلقد إنسحب الركاب في محطة سابقة دون علمها. و ظلت لوحدها تغرق في مكانها داخل القطار.
#خديجة_آيت_عمي (هاشتاغ)
Khadija_Ait_Ammi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟