أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الموت الناعم في قصيدة نوستالوجيا بعلية مهدي نصير














المزيد.....

الموت الناعم في قصيدة نوستالوجيا بعلية مهدي نصير


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 8166 - 2024 / 11 / 19 - 07:57
المحور: الادب والفن
    


"
تُطلِّينَ من شُرفةِ الجبلِ العالي ...
وتنظرُ عيناكِ نحوَ السُّهولِ الجديبةِ
تبكينَ
ثُمَّ تلُمِّينَ أشتالَ قمحِكِ في رِدنِ معطفِكِ الصوفِ
تسقينها دمَكِ النازف
ثُمَّ تُخفينها
عن رياح الصَّقيع .
(2)
تُطلِّينَ من كوَّةٍ في الجدار السميكِ
تُغطِّينَ جسمَكِ من بَرْدِ تشرينَ
بالجاعدِ الصوفِ
والشَّالِ
والقهوةِ المُرَّةِ البدويَّةِ ..
كنتِ تُطلِّينَ ثُمَّ تغيبينَ
ثُمَّ تعودينَ
كنتِ كصوَّانِ حَرَّةِ حورانَ
تبكينَ خوفاً
ومن صدركِ الحجريِّ المُهشَّمِ
كانَ يسيلُ الحليب .
(3)
كنتِ كذئبٍ جريحٍ
عوى ثُمَّ أغمضَ عينيهِ
ثُمَّ بليلٍ مفكَّكَ أطفأَ
ذاكَ الشغفْ" .
الشعر الجميل يأخذنا إلى ما نحب، إلى المكان البكر، إلى بدايات التدوين وتكوين الحكاية، الأسطورة، إلى أول فكرة وجدت عن الطبيعة، إلى عشتار، إلى تلك الصورة التي ما زالت حاضرة بيننا رغم مرور آلاف السنين عليها، فرغم وجود ديانات سماوية، إلا أننا ما زلنا متعلقين/معجبين/منذهلين بتك البدايات، وما قولنا: "خضار بعلية" إلا نسبة للإله البعل، وعندما نقول "عشرت الغنمة" ننسبها لعشتار ربة الخصب، فهل نحن (وثنيين)؟ أم أننا نتمسك بثقافتنا الأولى لنرد على عدونا مؤكدين أننا نحن من أعطينا الطبيعة هذا الجمال الإنساني، ونحن متمسكين بالحياة وما فيها من خصب، مادي، وخصب روحي/جمال؟
كان لا بد من هذه المقدمة لأنها متعلقة بعنوان القصيدة "الحنين لماضي البعلية، بداية نشير إلى أن القصيدة تتناول عشتار الأنثى، وهذا ما أعطاها لمسة ناعمة، فدائما حضور الأنثى أو الحديث عنها، أو وجود صوتها أو أثرا منها، يضفي لمسة ناعمة على النص/القصيدة، وهذا يجذب المتلقي إلى ما يقدم له.
وبما أن هناك حنين، فلا بد من وجود (بعد/حواجز/موانع) زمانية أو مكانية أو شخصية تحول دون إتمام اللقاء بين (الأحبة)، في المقطع الأول يقدم الشاعر "عشتار" كأسيرة في قلعة: "...تطلين من شرفة الجبل العالي وتنظر عليناك نحو السهول الجديب، تبكين" فهناك (عجز) غير معهود "لعشتار" فهي دائما كانت تتجاوز الجذب/القحط/الموت وتأتي لتنقذ الأرض وما/ومن عليها وتخلصهم مما هم فيه، لكنها هنا (ضعيفة): "تلمين أشتال قمحك، تخفينها عن الريح" وهذا (العجز) المتعلق بالأنثى/بالأم/بعشتار يثير المتلقي ويجعله يتساءل عن سبب هذا (التغريب) ولدورها وطبيعتها، أليست هي ربة الحرب والخصب، القوة والخير!؟
في المقطع الثاني يؤكد الشاعر (عجز عشتار) مشيرا إلى ما كانت تقوم به في (السابق) "كنت تطلين ثم تغيبين ثم تعودين" نلاحظ حضورها: "تطلين، تعودين" كان أقوى وأكثر من غيابها: "تغيبين" لهذا هي "عشتار" القوية والخصيبة، وعندما وصفها الشاعر: "كنت كصوان حرة حوران" أكد قوتها وصلابتها، لكنها (الآن): "تبكين خوفا، صدرك الحجري المهشم" فهذا الصورة (تستفز) القارئ وتجعله يثار، لماذا (حطم) الشاعر صورة "عشتار" القوة والجميلة بهذا الشكل؟ ولماذا يطال قلمه أحد أركان جذورنا الثقافية ورؤيتنا للحياة؟
في المقطع الثالث (يميت) الشاعر "عشتار" وينهي وجودها كليا، حتى انه يقدم صورة احتضارها ورحيلها: "كنت كذئب جريح، عوى ثم أغمض عينيه، ثم بليل مفكك أطفأ ذلك الشغف" رغم أن النهاية صادمة للمتلقي الذي لم يألف مثل هذا الحديث عن "عشتار" إلى أن الشاعر استطاع أن يمرر هذا (الموت) من خلال استخدامه ألفاظا حزينة: "كنت، أغمض عينيه، مفكك، أطفأ" وهذا وما جعل القارئ (يتقبل) هذا الموت، فقد تم استخدام أدوات/ألفاظ ناعمة لإنهاء وجود عشتار، ولم تعد/يعد لها حضور، فلا خصب لنا، ولا حرب سنخوضها، فقد ماتت/غادرت/ذهبت/رحلت من كانت تمدنا بالمدد المادي والمعنوي.
هذا هو مضمون القصيدة الظاهر، لكن هل يمكن للشاعر أن يقدم ما يثبط العزائم ويقتل الهمم؟ أم أن له مراد/هدف آخر بعد أن (أمات الخير والخصب والحرب فينا)، وعلينا نحن المتلقين الوصول إليه؟
أجزم أن الموت الناعم، الحزن الناعم الذي جاءت به القصيدة، وتغريب عشتار ودورها ورمزيتها، ما هو إلا من باب (استفزاز/إثارة) القارئ وجعله يغضب، ينهض، يعمل ليستعيد ما أحدثه الشاعر من (خراب وتشويه) لعشتار ودورها، فالشاعر أكد أننا مخدرين، وأننا نموت موتا بطيئا، ناعما، وعلنا أن نستيقظ ونفيق من غفوتنا، وإلا سيحل بنا ما حل بربتنا "عشتار".
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثبات في ديوان غيم على قافية الوحيد محمد لافي
- المكان في قصيدة -وردة على باب الحبيبة- علي البتيري
- البعل والخصب في ديوان -في ظل آب- سلطان الزغلول
- الحرب والأحداث في رواية أخبار نصف جيدة المتوكل طه
- السرد وشكل التقديم في رواية أخبار نصف جيدة المتوكل طه
- طوفان الأقصى في رواية -أخبار نصف جيدة- للمتوكل طه
- كتاب الصهيونية في أمريكيا محمد حافظ
- تألق الطفل في رواية حمروش جميل السلحوت
- الرمزية في رواية أحلام وغيلان محمد السماعنة
- القسوة والجمال في قصيدة -غرفة الكولونيل- علاء حمد
- الأصالة في مجموعة -حمالة التعب- سرمد فوزي التايه
- التميز في رواية -آخر نزيل- هاني الريس
- تعدد القراءات في -عبق الريحان قصائد هايكو- ميسر أبو غزة
- التراث والمعاصرة في كتاب -ثمرة الأصحاب- مأمون دويكات
- التماهي في قصيدة -يحيا يحيى- لعصام الأشقر
- الشكل والمضمون في -آه يا وطني الكتاب الثاني- محمد حافظ
- الثلاثة العظام
- حداثة الطرح الديني في كتاب -تأويل المُأول- سعادة أبو عراق
- المعركة في ومضة -وتوضأوا- سامح أبو هنود
- اللغة وسخونة الحدث في قصيدة -محللون- مأمون حسن


المزيد.....




- بالصور.. ألوان رمادية تحول خيام غزة إلى لوحات فنية
- اتهامات جديدة ضد -ديدي- في ابتزاز الشهود من داخل سجنه
- ناشرون في المهجر: هذا دورنا في نشر الثقافة العربية بأوروبا
- بـ جميع عروض السينما .. موعد عرض فيلم الحريفة الموسم الثاني ...
- الدوحة.. شاحنة صهريج مياه تتحول إلى جدارية فنية متنقلة من وح ...
- إدراج الكوفية الفلسطينية على قائمة التراث غير المادي بالإيسي ...
- مدينة الأقصر تحتفي بانطلاق مهرجان الأقصر للشعر العربي
- البحرين تعرض كنوزها في موسكو
- مصر.. منى زكي تتعرض للانتقاد بسبب -كوكب الشرق-
- مش هتقدر تغمض عينيك مع تردد قناة روتانا سينما الجديد على ناي ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الموت الناعم في قصيدة نوستالوجيا بعلية مهدي نصير