|
أثر الجيل الرابع من الحروب على اقتصاديات الدول
خيري فرجاني
الحوار المتمدن-العدد: 8165 - 2024 / 11 / 18 - 11:49
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
يتصف الجيل الرابع للحروب بأنه يتأسس على صراعات أكثر تعقيدا لموروث فكرة الحرب بتبني من يديرونها تكتيكات ذات اختلافات نوعية في مرونتها وأساليبها، حيث تمارسها الجماعات العابرة لمفهوم الدولة القومية ضاربة بمقومات الروح الوطنية عرض الحائط، كما يمكن أن تمارسها أيضا الدول في صراعاتها وتدار حروب الجيل الرابع عملياتيا بأنماط معقدة للغاية، فعندما عرفت البشرية الحرب بصيغة نظامية كان يقف جنود قوتين أو بلدين أو حضارتين في مواجهة بعضهما البعض في بدايات نشأة فكرة الجيوش، فكانت وقائع المعارك تتم بنزاهة، فالاشتباك بين المتحاربين يتم بشرف وكرامة، لأن السلاح المتمثل في السيف أو البلطة أو الرمح كان لصيقا بالمقاتل خلال مجريات المعارك الافتتاحية لفكرة الحرب، والقاعدة هنا هي كلما كانت تكنولوجيا التسليح أقل تعقيدا كانت وقائع الحرب أكثر شرفا. أما أجيال الحروب الحديثة صارت أكثر عنفا وأوسع تدميرا وأسوأ أخلاقا ذات بنية قيم تتدهور بلا توقف، فالتكنولوجيا لم تعد مقتصرة على السلاح، لكنها اتسعت لتشمل أدوات أخرى لبث الرعب والأكاذيب لدى القوات المعادية والسكان، حيث أخذت مجريات الحرب والعنف المسلح مسارات جديدة من خلال خلخلة المجتمعات من الداخل. هذا التغير الجوهري في الحرب الذي صار يعرف بالجيل الرابع فقد تجاوز الملامح النمطية في قواعد الحرب، وإذا كانت الدراسات العسكرية تتحدث عن أجيال لاحقة إلا أنها لم تصل بعد إلى إمكانية تأسيس بنية متماسكة كتلك التي حققها القوام المفاهيمي فيما استحدثته حروب الجيل الرابع. وقد نتج عن التطور في أساليب وممارسات الحروب الاستغناء عن الأسلحة والأدوات التقليدية المستخدمة في المواجهات المباشرة وغير المباشرة بين الأطراف المتصارعة، واستخدام فواعل وأساليب جديدة لهدم الدول من الداخل من خلال زعزعة أمنها الاقتصادي والاجتماعي. ولقد دفعت التغيرات الجذرية في مفاهيم الحرب، وأساليبها، وممارساتها كافة الدول إلى إعادة النظر في سبل حماية أمنها القومي؛ بهدف التكيف مع تلك المتغيرات وماجهتها بالأساليب المناسبة. فلم تعد الحرب قاصرة على المواجهات العسكرية المباشرة وغير المباشرة، وإنما امتدت لتشمل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعلوماتية والتكنولوجية، ولم يعد حسم الصراع يقتصر على من يملك القوة العسكرية. حيث تدار حروب الجيل الرابع عملياتيا بأنماط اشتباك لامركزية مع التخلي نسبيا عن التسلسل الهرمي للقيادة. كما تنطلق حروب الجيل الرابع بهجوما من الأسلحة المعنوية الهدامة بأساليب بالغة الشراسة وباستخدام كل أدوات ووسائل الميديا والدعاية الحديثة الأكثر تطورا لشن هجمات كاسحة على ثقافة وأيديولوجية العدو منم خلال استغلال الاختلافات العرقية والدينية، بل والمذهبية داخل الدين الواحد لهدم الدولة من الداخل، ومن أساليب هذه الحرب أيضا تواصل الحرب النفسية من خلال تكثيف الشائعات وزرع العملاء وحشد الكتائب الإلكترونية التي تروج الأكاذيب والأخبار الزائفة وتتصيد أوجه القصور التي لا تخلو حكومة منها. ومن العناصر الخطرة في هذا النوع من الحروب غير الجانب العسكري استخدام الجماعات والتنظيمات الإرهابية الذين يلجؤون لأساليب التضليل والكذب والفتك الذهني. حيث تقوم التنظيمات الإرهابية المؤدلجة في حروب الجيل الرابع بعمليات ترويع للسكان المدنيين تصل إلى حد الإبادة الجماعية ونشر الخراب في عموم الدولة أو في مناطق جغرافية محددة من خلال خلايا خفية مدربة، ومن أمثلتها تنظيم القاعدة الذي نجحت الجهود الدولية في ضعضعته، وبصفة عامة تلجأ التنظيمات الإرهابية في حربها إلى ضرب مصالح الدول الحيوية من مرافق اقتصادية وخطوط مواصلات ومنشآت ذات قيمة رمزية في محاولة لإضعاف هيبة الدول، مما يتسبب في انهيار اقتصاديات الدول وتدمير بنيتها التحتية وما يترتب على ذلك من هروب الاستثمارات الوطنية والأجنبية. حيث ان استقرار الدول وصلابة بنيانها الاقتصادي والاجتماعي تعد من أهم المقومات التي تشكل حائط صد قويا يحمي، بل ويقطع الطريق على مثل هذا النوع من الحروب. وحينما تلجأ الدول لاستخدام أدوات الجيل الرابع فإنها تشتبك إما بإدارة الصراع المباشر مع الخصم أو عن طريق طرف ثالث مناوئ، وتعتمد بقوة أيضًا على وسائل الأعلام المختلفة والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني وكل سبل النفوذ والعمليات الاستخبارية وتقديم الدعم اللوجيستي، ولا يخلو الأمر من الإمداد بالسلاح والمال في إدارة الصراع المباشر مع عناصر التنظيمات الإرهابية، ففي الجيل الرابع من الحروب تتم المواجهة عن طريق تفتيت القوة الرئيسية للدول والعمل المستمر على تشتيت انتباه الدول في أكثر من جبهة حيث تواجه الدولة عدة جبهات مما يضعف كفائتها، ورغم كشف تهافت عقيدة هذه التنظيمات الإرهابية ومصالحها الخاصة، لكن هذا لا ينفي خطورتها على أمن واقتصاد الدول. ومن ثم يجب أن تعمل الدول التي تتعرض لهذا النوع من الحروب على تغليب سيادة القانون وشفافية القرارات والممارسات الحكومية في إطار من التشاركية مع المواطنين والاستجابة للمتطلبات الاجتماعية والاحتياجات الأساسية والتعزيز المستمر لوعي الجماهير في ظل كفاءة وفعالية الأداء الحكومي. ويعد الميدان الاقتصادي أحد أخطر ميادين حروب الجيل الرابع؛ حيث يتم استغلال الأزمات والمشكلات الاقتصادية في الدولة المستهدفة لنشر شائعات غياب الأمن الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية بتدعيم من آليات التضليل المعلوماتي؛ بهدف إثارة الاضطرابات والتوترات الداخلية، ونشر العنف دون أن تدرك الدولة المستهدفة وجود اعتداء من الأساس؛ نظرًا للتعقيد والتشابك الذي يتسم به الميدان الاقتصادي رغم خطورته على الأمن القومي. ومن هنا اصبحت التنمية الاقتصادية ضرورة حتمية لمواجهة تحديات الأجيال الحديثة من الحروب، لاسيما مع تنامي المؤثرات الخارجية على الاقتصاد القومي والتي نتج عنها تعقد المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية. حيث تعد تلك التحديات والمشكلات بيئة خصبة لإثارة الأزمات، وتستهدف التنمية الاقتصادية المقصودة تحقيق الأمن الاقتصادي من خلال توفير فرص العمل، وإعادة التوازن لميزان المدفوعات، وزيادة الاستثمارات الأجنبية والمحلية، ورفع مستوى المعيشة، وخفض معدل البطالة. وتتجلى أهمية تحقيق الأمن الاقتصادي في كونه ركنًا أساسيًا في الأمن القومي، وتزداد تلك الأهمية، لاسيما مع تزايد مخاطر العولمة الاقتصادية؛ وتأثر الاقتصاد الوطني بشكل مباشر بالمتغيرات الخارجية، ومما يزيد الأمن الاقتصادي أهمية وجود ارتباط مباشر بين الأمن والاقتصاد.
#خيري_فرجاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دور منظمات المجتمع المدنى في عملية التحول الديمقراطى في مصر
-
جدلية العلاقة بين الدين والفن
-
دور التنمية الاقتصادية في تحقيق الرفاهية والاستقرار:
-
الار هاب الفكرى (الأسباب.. النتائج.. الحل)
-
التنظيم الخاص والاغتيالات السياسية في منهج الإخوان:
-
مبدأ الفصل بين السلطات
-
الإسلام السياسي وديمقراطية الاجتثاث:
-
جدلية العلاقة بين الدين والتنوير
-
مفهوم الفردانية في الفكر السياسي الحديث
-
الليبرالية في مواجهة الأصولية
-
محمود عساف مؤسس مخابرات الإخوان:
-
أهمية توطين صناعة السفن في مصر:
-
الأطر المحددة لبنية النظام العربي
-
أهم التحديات التي تواجه المنطقة العربية
-
استراتيجية استشراف المستقبل العربي في ظل التحديات الراهنة
-
العلاقة بين صولية الدينية والرأسمالية الطفيلية:
-
أهمية الوحدة العربية في ظل التحديات الراهنة:
-
صورة الله في المخيال الأصولي:
-
طه حسين رائد التنوير
-
الأصولية ووهم الخلافة -من البنا إلى البغدادي-:
المزيد.....
-
إطلالة الملكة رانيا والأميرة رجوة الحسين تخطف الأنظار خلال خ
...
-
نتنياهو: ضربات إسرائيل أصابت عنصرًا من البرنامج النووي الإير
...
-
مراسلة RT: دوي انفجار ضخم يهز تل أبيب (فيديو)
-
طائرة محملة بمساعدات إماراتية تهبط في مطار دمشق
-
انطلاق قمة العشرين.. الفقر والحروب وعودة ترامب تهيمن على أعم
...
-
الحزب الحاكم في السنغال بصدد الحصول على أغلبية برلمانية
-
إفلاس شركة الخطوط الجوية الأميركية سبيريت إيرلاينز: هل تنقذه
...
-
رغم أزمة الميزانية.. ألمانيا تتعهد بالملايين في قمة المناخ
-
قمة العشرين: رئيس البرازيل يطلق التحالف العالمي ضد الجوع
-
رغم خلافاتهم.. معارضون روس يتحدون بوتين من برلين
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|