|
عولمة التفاهة والشخصية المسخ
غالب المسعودي
(Galb Masudi)
الحوار المتمدن-العدد: 8164 - 2024 / 11 / 17 - 14:02
المحور:
قضايا ثقافية
الشخصية المسخ مفهوم يُشير إلى التحولات النفسية والاجتماعية التي تحدث للفرد نتيجة الضغوط الثقافية والاقتصادية التي تفرضها العولمة،مع انتشار الثقافات الغربية، يشعر الكثيرون بفقدان هويتهم الثقافية، مما يؤدي إلى تضارب داخلي بين المفاهيم التقليدية والقيم العالمية. عولمة التفاهة تروج لثقافة الاستهلاك، وهذا يُحفز الأفراد على تبني أنماط حياة استهلاكية تؤدي إلى فقدان القيم الثقافية والمعرفية.على الرغم من تواصل الأفراد عبر تقنيات الاتصال الحديثة، يشعر البعض بالعزلة بسبب ضعف التواصل الحقيقي، مما يُعزز شعورهم بعدم الانتماء. الضغوط الاقتصادية تؤدي إلى تراجع القيم الأخلاقية، حيث يُفضل الأفراد تحقيق النجاح المادي على حساب القيم الإنسانية.بسبب هذه الضغوط المرتبطة بالعولمة ستكون هناك زيادة في مستويات القلق والاكتئاب، اذ يتعرض الأفراد لمنافسة شديدة ويشعرون بفقدان الأمان. يؤثر نظام التفاهة العولمي بشكل عميق على الهوية الفردية والجماعية، ويستدعي بالضرورة التفكير في كيفية الحفاظ على القيم الثقافية الأصيلة وسط هذا المدّ الجارف.في خضم هذا المعترك تتولد النماذج السياسية التي تحمل مفهوم "الشخصية المسخ" بطرق متعددة، وتتأثر الشخصية السياسية بتحديات العولمة التي تساهم في تشكيلها. في ظل عولمة التفاهة، يتم تقويض الهويات الوطنية التقليدية لصالح هويات عالمية، مما يؤدي إلى ظهور شخصيات سياسية تتبنى مواقف غير متسقة مع القيم الوطنبية. تعتمد هذه الشخصيات السياسية الحديثة على استراتيجيات تسويقية مشابهة لتلك المستخدمة في وسائل الإعلام، مما يُعزز من نمذجة "الشخصية المسخ"، حيث يتم تقديمها بصورة مثالية أو مُبالغ فيها لجذب المتابعين. تُظهر الشخصيات السياسية في كثير من الأحيان تصرفات مبالغ فيها أو غير نزيهة، تعزز من الصور النمطية السلبية عن السياسيين وتشوه فهم الجمهور للدور السياسي. نظام تفاهة العولمة يؤدي إلى تبني سياسات اقتصادية تؤثر سلبًا على المجتمعات، مما يُسفر عن ظهور شخصيات سياسية تُعتبر "مسخًا" لأنها تتجاهل احتياجات المواطنين لصالح المصالح الاقتصادية الذاتية. في ظل هذا النظام، تظهر شخصيات سياسية تعتمد على الخطابات الشعبوية لجذب الجماهير، يؤدي هذا إلى تعزيز الانقسامات الاجتماعية وزيادة التوترات،تتفاعل هذه النماذج السياسية مع العولمة بطرق مختلفة تعزز من ظاهرة "الشخصية المسخ".تمثل هذه الشخصية تاثير السياسات الاستبدادية والاستغلالية التي تؤدي الى تشويه الهوية السياسية والاجتماعية، مما يجعلها نموذج واضح لما يُعرف بالشخصية المسخ. هناك تكاملا بين ظاهرة الفاشنستات والشخصيات السياسية المسخ و يمثلان جزءًا من الظاهرة الثقافية التي نشأت في عصر العولمة، حيث تتداخل هذه العناصر معًا بطرق متعددة. تعتمد الكثير من الفاشنستات على مظهرهن الخارجي لتسويق أنفسهن، مما يعزز فكرة القيمة في المظهر الخادع. تتبنى هذه الشخصيات أيضًا مظهرًا معينًا أو تسويقًا إعلاميًا يتجاهل المحتوى الفعلي، مما يعزز من فكرة الشخصية المسخ . وسائل التواصل الاجتماعي أداة رئيسية للفاشنستات في نشر صورهن وأسلوب حياتهن، ويُعزز تأثيرهن على الجمهور. تستخدم أيضًا هذه الوسائل للتواصل مع الجمهور،هذا يخلق انطباعات سطحية دون التركيز على القضايا الجوهرية و الترويج لثقافة الاستهلاك من خلال تسويق العلامات التجارية والمنتجات غير الضرورية،كذلك تتبنى الشخصيات المسخ سياسات لاتركز على التنمية الاقتصادية، وتتجاهل الاحتياجات الاجتماعية الأساسية، مما يساهم في تفشي الاستهلاكية. تعتمد الفاشنستات على التواصل المباشر مع الجمهور، مما يزيد من تفاعلهم ويعزز من شعبيتهن. بعض الشخصيات السياسية تستخدم الفاشنستات و أساليب خطاب شعبوية لجذب الجماهير، مما يؤدي إلى تعزيز الانقسامات الاجتماعية. تُظهر الفاشنستات أحيانًا نماذج غير واقعية للجمال والنجاح، مما يؤثر على توقعات المجتمع. تظهر الشخصيات السياسية ايضا بصور نمطية تُسهم في تشويه الفهم العام لدورهم الحقيقي في الجانب التنموي. يتداخل دور الفاشنستات والشخصيات السياسية المسخ تحت تأثير العولمة، مما يؤدي إلى تشكيل ثقافة سطحية تُعزز من استهلاك المظاهر على حساب القيم الحقيقية.تلعب وسائل الإعلام، بما في ذلك التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، دورًا محوريًا في تعزيز دور ظاهرة الفاشنستات والشخصيات السياسية المسخ. حيث تُركز وسائل الإعلام على المظاهر الخارجية، مما يعزز من فكرة أن القيمة تكمن في الشكل. وتُظهر أن النجاح يرتبط بالمظهر الجذاب، بينما الشخصيات السياسية تُستخدم حضورها الإعلامي والظهورفي وضعيات جذابة. تُروج وسائل الإعلام لصورة مثالية للجمال والنجاح، الذي يؤدي إلى ضغط اجتماعي كبير على الأفراد لتقديم أنفسهم بشكل مماثل. تُستخدم استراتيجيات تسويقية متقدمة لتقديم الفاشنستات والشخصيات السياسية كعلامات تجارية. هذا التسويق يعتمد على خلق صورة تتجاوز المحتوى الفعلي .تعتمد الشخصيات السياسية المسخ على الحملات الدعائية التي تُظهرهم بشكل إيجابي، مما يُعزز من صورتهم العامة بغض النظر عن سياساتهم الفعلية. هذا التفاعل يُعطي انطباعًا بالحميمية والواقعية. تُروّج وسائل الإعلام لثقافة الاستهلاك من خلال إعلانات الفاشنستات للمنتجات. هذا يخلق رغبة لدى الجمهور في محاكاة أسلوب حياتهن. تُستخدم الشخصيات السياسية أيضًا لتسويق السياسات بطريقة تتناسب مع ثقافة الاستهلاك، مما يُشجع على الاعتماد على المنتجات والخدمات بدلاً من القيم الإنسانية. تُستخدم وسائل الإعلام لترويج خطابات شعبوية من قبل الشخصيات السياسية، مما يؤدي إلى استقطاب المجتمع وتعزيز الانقسامات. تُعزز وسائل الإعلام من الصور النمطية حول الفئات الاجتماعية المختلفة، سواء من خلال تقديم الفاشنستات كشخصيات تعتمد على المظهر أو من خلال تقديم السياسيين بطريقة تُظهرهم كأبطال اسطوريين. تلعب وسائل الإعلام دورًا كبيرًا في تشكيل المفاهيم الاجتماعية حول الفاشنستات والشخصيات السياسية المسخ من خلال التركيز على المظاهر والتسويق الفعال،و تُعزز فكرة أن القيمة تكمن في الشكل أو في الصورة، مما يؤثر بشكل عميق على القيم والمعايير الاجتماعية. من الضروري تعزيز الوعي النقدي بين الجمهور لفهم تأثير هذه الظواهر والعمل على مواجهة آثارها السلبية. تُعتبر النمذجة عبر وسائل الإعلام، سواء من خلال الفاشنستات أو الشخصيات السياسية المسخ، عاملًا رئيسيًا في تشكيل الهوية الاجتماعية. يمكن أن تؤدي هذه النمذجة إلى خلق شخصية نمطية "مسخ" .
العولمة وصنع الشخصية المسخ في أنظمة الفساد تؤدي العولمة إلى خلق بيئات معقدة تؤثر على كيفية تفاعل الغالبية الشعبية مع أنظمة الفساد والشخصيات "المسخ". تعزز العولمة ثقافة الاستهلاك المفرط، مما يحفز الأفراد على تقييم النجاح بناءً على المظاهر والثراء، وهذا يتماشى مع الشخصيات المسخ التي تروج لهذه القيم. في ظل العولمة، يزداد التركيز على الصورة العامة، مما يجعل الشخصيات التي تبرز في الإعلام، رغم فسادها، تحظى بشعبية أكبر. تساهم وسائل الإعلام العالمية في تعزيز صور شخصيات معينة، مما يجعل الجماهير أكثر ميلاً لتأييد الشخصيات الفاسدة التي يتم تسويقها بشكل جذاب. تؤدي العولمة إلى انتشار معلومات مضللة، مما يُضعف القدرة على تقييم القضايا السياسية بشكل نقدي. يشعر الكثير من المواطنين بالعجز أمام الأنظمة الفاسدة، مما يجعلهم يتقبلون الشخصيات المسخ كبديل عن المقاومة، ظنًا منهم أنها قد تحقق لهم بعض الفوائد. يعتقد الناس أن دعم الشخصيات المعروفة، حتى لو كانت فاسدة، قد يؤدي إلى تغييرات سريعة، بدلاً من العمل على بناء أنظمة أكثر عدلاً. تسببت العولمة في تعزيز الفجوات بين الطبقات الاجتماعية، جعل الشخصيات المسخ تُعتبر رموزًا للنجاح، حتى لو كانت فاسدة، في نظر الغالبية الشعبية. في بيئة تعزز من قيم المال والنجاح الشخصي، يُنظر إلى الشخصيات الفاسدة على أنها نماذج يُحتذى بها، مما يُعزز من التأييد الشعبي لها. مع تفشي الفساد، يفقد الناس الثقة في المؤسسات الرسمية، مما يجعلهم يتحولون إلى الشخصيات التي تبدو قوية ومؤثرة، حتى لو كانت ممارساتها غير أخلاقية و تؤدي حالة عدم اليقين. تغييرات الولاء السياسي والاجتماعي تؤدي الى ان يُفضل الأفراد الشخصيات التي تُظهر قوة أو نفوذًا، بغض النظر عن سلوكها الفاسد. تؤثر العولمة بشكل كبير على كيفية تأييد الغالبية الشعبية للشخصيات "المسخ" في أنظمة الفساد، من خلال ضعف الوعي السياسي، والشعور بالعجز، تُصبح هذه الشخصيات أكثر قبولًا في المجتمع. تلعب الولاءات الطائفية والتناحر الأصولي دورًا كبيرًا في تأسيس "الشخصية المسخ"، خاصة في سياق تأثيرات العولمة ، تتراجع الهوية الوطنية لصالح الولاءات الطائفية،و تستفيد من هذه الانقسامات الشخصيات المسخ لتقديم نفسها كمدافعة عن الطائفة أو الجماعة. تُستخدم النزاعات الطائفية من قبل شخصيات سياسية لتعزيز سلطتها، مما يُعزز من قبول الشخصيات الفاسدة التي تُمارس السيطرة عبر الاستقطاب الطائفي. تُعزز الأيديولوجيات الأصولية من الانقسامات وتعزز من الولاءات الطائفية، مما يُسهم في تكوين شخصيات تُعتبر رموزًا لهذه الأيديولوجيات، رغم ممارساتها الفاسدة أو المتطرفة. تلعب وسائل الإعلام، خاصة في عصر العولمة، دورًا في تسويق الشخصيات الأصولية، مما يسهل قبولها من قبل الجماهير. تستغل الشخصيات المسخ وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أيديولوجياتها، مما يسهل التواصل مع جمهور أكبر وتعزيز الولاءات الطائفية. تستهدف هذه الشخصيات الشباب، حيث تقدم لهم نماذج مفرطة من القوة أو الانتماء، مما يساهم في تشكيل شخصيات تفتقر إلى التفكير النقدي. في سياقات الفقر والبطالة، يمكن أن تؤدي الولاءات الطائفية والتناحر الأصولي إلى تعزيز فكرة أن الشخصيات الفاسدة قد تكون هي الحل، حتى لو كانت مرتبطة بالنزاعات. يمكن أن تؤدي هذه الديناميات إلى تراجع القيم الإنسانية والاجتماعية لصالح الولاءات الضيقة. تتفاعل الولاءات الطائفية والتناحر الأصولي مع تأثيرات العولمة لتأسيس شخصيات اجتماعية "مسخ". من خلال تعزيز الانقسامات،و استغلال النزاعات، وتوظيف وسائل الإعلام، تُصبح هذه الشخصيات أكثر قبولًا في المجتمعات التي هي تحت تاثير تيار تفاهة العولمة.
#غالب_المسعودي (هاشتاغ)
Galb__Masudi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكفالة والعبودية
-
استخدام التفكير النقدي لانتاج كتابة ابداعية بواسطة الذكاء ال
...
-
الانسان الروبوت ومأسسة الجهل
-
النقد الوجودي للميتافيزيقيا
-
العقل البدائي والاحلام
-
الدهشة والتفاهة
-
ضرورة الدولة فلسفيا
-
أساطير و بدايات
-
تاريخ الكذب لدى الانسان
-
ذهنية التغافل
-
السماح بالتعليق والتصويت في الحوار
-
روايات بلا احداث نقد وتحليل
-
كرسي كرونوس وثقافة الزمن
-
بناءالشخصية النمطية في المجتمعات المتخلفة
-
النزعات البدائية في الثقافات المعاصرة
-
السعادة الوهمية والتلاعب بالعقول
-
الذكاء الصناعي بين الوعي والوجود
-
البراغماتية والفلسفات التقليدية
-
اللغة والتحديات الفيلولوجية
-
سماء مقلوبة وبحيرة من سكر (قصة سريالية)
المزيد.....
-
وزارة السياحة والآثار في مصر ترد على ما أثاره فيديو -هدم- حج
...
-
محكمة: مساعد نتنياهو سرّب وثيقة سرية للتأثير على الرأي العام
...
-
أوكرانيا تغرق في الظلام
-
خلاف حول قانون المالية في الجزائر يصل إلى المحكمة الدستورية
...
-
-القسام- تبث مشاهد لاستهداف وقنص جنود إسرائيليين في شمال غزة
...
-
رئيس وزراء بولندا: دبلوماسية الهاتف بين شولتس وبوتين غير مجد
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض 3 مسيرات في الجليل الغربي
-
ألمانيا.. الشرطة تحتجز 111 شخصا خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين (ص
...
-
هذه هي سياسة إسرائيل في احتلال الضفة الغربية
-
بولندا تحشد كل قواتها.. روسيا تشن أعنف هجوم على أوكرانيا منذ
...
المزيد.....
|