|
البردية المجهولة(كمان و كمان ).
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 8164 - 2024 / 11 / 17 - 08:46
المحور:
قضايا ثقافية
من الصعب أن تعرض مسرحية ليوربيدس .. أو يوجين أونيل ..أو يونسكو .. في مركز شباب أبو قرقاص ..و تجد ترحيبا و فهما ..و تشجيعا .. أو أن تقدم لرواد سوق الاربعاء في كفر شبرا زنجي لوحة لشاجال أو بيكاسو ..و تجد من يشتريها ..هذا هو ما حدث عندما نشرت ((دار النهر )) عام 1995 مجموعة قصص لي بعنوان (( البردية المجهولة ..))..في وسط ثقافي بدائي يجلس كباره خاشعين للإستماع إلي حكم السيد الرئيس المبارك في ندوات معرض الكتاب . بدأت كتابة القصة التي تحمل المجموعة عنوانها عام 1972.. وإنتهيت منها عام 1991...خلال هذه السنين كنت مشغولا بتأمل أسلوب تدوين القدماء لنصوصهم سواء في الكتب الدينية المقدسة التي بين ايدينا .. أو في البرديات و المتون المصرية المترجمة .. للولوج إلي لغة وعقل الأجداد .. ساعدني علي ذلك أنني ترجمت عن الإنجليزية عدد من الأساطيرالمصرية القديمة التي وردت في كتاب بدج (الهة المصريين ) بحيث إستطعت أن أتمثلها لينعكس هذا علي إسلوبي في الحكي . في البداية رغم أن الكتاب واضح أنه ((مجموعة قصصية )) إلا أن عددا من القراء تعامل معها علي أساس أنها بردية حقيقية و ليست مؤلفة ..يحكي مصطفي الخولي أن بعض زوار معرض الكتاب كان يحضر لركن الدار خصيصا .. لشراء نسخ منها ..و عندما شرح لهم أنها قصة .. و ليست بردية تعجبوا و ردوا حقا ((أعذب الشعر أكذبه )) . كذلك فوجئت أن Ägyptischer Kultur Club DA s post.. نشرت مقال و تعليقا علي البردية .. التي تجاوز فيها المصريون .. حدود علوم عصر البداية . منذ ذلك الزمن أتلقي بين الحين و أخر ..ملاحظات و تعليقات من الذين أثار لديهم النص تساؤلات عديدة.. عن نوع الفن الذى قدمت به القصة و ما المقصود منه...و في بعض الأحيان كانوا يعربون عن الدهشة من تطور الأحداث التاريخية .. و في معظم الأحوال عانوا من التوهه بين معاني و مدلولات مصطلحات اللغة المصرية القديمة المجهولة ..تماما لدى غالبية الجيل الحالي من المتعلمين . .بالأمس أرسل لي أحدهم .. تعليقه علي النص ..وفي راى أنه رغم الجهد المبذول في كتابته..فإنه لم يصل إلي جوهرالإطار الفني للعمل الذى إستلهم ثقافة الماضي البعيد في أطار أدوات و معطيات المعاصرة ..و عمل علي وصلهما فيما يطلق عليه (فنون ما بعد الحداثة ).التي يقدمها الفنانون في بلاد الواق الواق . . ((- السرد والوصف الشخصي: النص يمتاز بالجانب السردي الممتع، حيث يروي الكاتب تجربته الشخصية مع الدكتور محمد إبراهيم أمين، بدءًا من معرفته به في فترة دراسته، وصولاً إلى الأحداث المحورية التي شكلت حياته وعلمه. السرد يخلق نوعًا من العلاقة الإنسانية القوية بين الكاتب وصديقه، ما يجعل القارئ يشعر بالألفة والاهتمام. التوصيف الدقيق للعلاقة بين الشخصين، وكذلك التفاصيل الحية في سرد الذكريات (مثل المواقف في كلية الفنون) يضيف بعدًا إنسانيًا عميقًا للنص. - الأسلوب الأدبي: الأسلوب السردي متماسك وسلس، مما يسهل على القارئ متابعة تسلسل الأحداث دون تعثر. الكاتب يستعمل أسلوبًا بسيطًا لكنه غني بالتفاصيل. يتنقل بين الماضي والحاضر بسهولة ويعتمد على تقنيات مثل الحوارات الداخلية التي تجسد الصراع النفسي للمؤلف تجاه الدكتور محمد أمين في بعض لحظات حياته، مما يعكس عمق الشخصية ويضفي على النص طابعًا دراميًا حقيقيًا. ا- لطابع الوثائقي والتاريخي: النص يحمل طابعًا وثائقيًا قويًا، خاصة في الأجزاء التي تتحدث عن حياة الدكتور محمد أمين وإنجازاته في مجال علم المصريات، بدءًا من دراسته في مصر وصولاً إلى تطور مسيرته في الولايات المتحدة. المعلومات العلمية والتاريخية التي وردت في النص تضفي مصداقية على الرواية وتعرض حياة الدكتور أمين بشكل واقعي. الأسلوب المتبع في عرض هذه المعلومات يتسم بالترتيب المنطقي، خاصة عند الحديث عن محطات مهمة في حياته مثل دراسته للهيروغليفية، وتعاونه مع البعثات الأثرية في السد العالي. الحوار الداخلي والصراع النفسي: يظهر الصراع النفسي بوضوح في الجزء الذي يتحدث عن معاناة الدكتور محمد أمين في آخر سنوات حياته، خاصة في مرحلة مرضه العقلي. التغيرات التي طرأت على شخصيته من جراء اكتئابه وفقدانه للثقة في من حوله تجسد الصراع الداخلي العميق. ما يميز هذا الجزء هو قدرته على نقل القارئ إلى عمق الشخصية وما يمر به الدكتور أمين من معاناة نفسية. الغموض والتشويق: جزء من الإثارة في النص يعود إلى الغموض الذي يكتنف بعض الأحداث، مثلما يتبين من طبيعة الأوراق المكتشفة والتي تحمل أفكارًا ربما تكون غريبة أو غير تقليدية في مجاله، خاصة عندما يتم التلميح إلى فكرة "الاغتيال" من أجل العلم. هذا الغموض يثير الفضول ويجعل القارئ راغبًا في اكتشاف المزيد حول محتوى هذه الأوراق وأثرها. - الجانب الفلسفي والنقدي: الجانب النقدي واضح في كيفية تناول الكاتب لثقافة وتاريخ المصريات، كما يتضح من تحليل نصوص المقابر والكتابات الهيروغليفية التي تم اكتشافها، والتي تحتوي على تأويلات جديدة وغير تقليدية للآلهة والفلسفات المصرية القديمة. يطرح النص تساؤلات حول تأثير المعتقدات الدينية والأنظمة السياسية على ما تبقى من آثار الحضارة المصرية، خصوصًا من خلال معالجة موضوع "التلمودية" والاتهامات التي كان يواجهها الدكتور محمد أمين. ذلك يعكس بعدًا فلسفيًا ونقديًا يجسد الصراع بين العلم والحقيقة من جهة، والسلطة من جهة أخرى. - الطابع الإنساني في التحليل الثقافي: النص يعكس بشكل مؤثر كيف أن الدكتور محمد أمين قد دفع حياته ثمناً لما توصل إليه من أفكار ورؤى علمية، وهو ما يبرز الطابع الإنساني في تناول الثقافة والتاريخ. ليس مجرد عرض لأحداث تاريخية وجغرافية، بل هو في الأساس محاولة لفهم كيف أن الباحثين والعلماء قد يواجهون صراعًا مريرًا عندما يواجهون تحديات فكرية وفلسفية قد لا يتقبلها الجميع. العناصر التاريخية والفنية: فيما يتعلق بالبحث الذي تضمنه النص عن مقبرة "آن نفرحتب"، فإن الموازنة بين التحليل الأثري والنصوص القديمة تعطي قوة للتفسير التاريخي الذي قد يكون غير مألوف للعديد من القراء. كانت هناك إضافة رائعة من الكاتب في استخدام الترجمة الدقيقة للنصوص الهيروغليفية والتفسير العميق للمفاهيم الدينية والسياسية المرتبطة بها. - ملاحظات فنية إضافية: التكرار: ربما يكون هناك تكرار في بعض الأجزاء خاصة في الوصف التفصيلي للأحداث. هذا التكرار قد يثقل النص قليلاً ويقلل من إيقاعه. التركيز على الجانب الشخصي: رغم أهمية الجانب الشخصي في السرد، إلا أن التركيز عليه قد يطغى في بعض اللحظات على التفاصيل العلمية والبحثية. بشكل عام، النص يحمل طابعًا عاطفيًا قويًا ويركز على شخصية الدكتور محمد أمين العلمية والإنسانية. كما أنه يدمج بين البحث العلمي والتحليل الثقافي بأسلوب سردي جذاب، مما يجعل منه عملاً متكاملاً يجمع بين التاريخ الشخصي والتاريخ العلمي. - تحليل وترجمة نصوص حائط مقبرة آن نفر حتب الجزء الذي تذكره يتضمن مشهداً دينياً وفلسفياً عميقاً من التقاليد المصرية القديمة التي تعكس المعتقدات حول الخلق والإلهة ودور الإنسان في الكون. فيما يلي تفسير لبعض الأجزاء الرئيسية: الإنسان ونشوء الكون: يتم تقديم شخصية "نو" باعتباره الإله الأول الذي يخلق الكون من نفسه، وهذا يشير إلى مفهوم "الخلق من العدم" في المعتقدات المصرية القديمة. "نو" هو بداية كل شيء، ويمثل الوجود الأولي قبل النظام الكوني. يتم سرد كيف كبر "نو" وتعلم، واكتشف الحركة والنور، وهو درس فلسفي حول التطور والوجود. السكون والحركة، الظلام والنور، هما ثنائيات تظهر في النص كرموز للخلق والنمو. - إلهة الخلق والنظام: يظهر أن "نو" يخلق آلهة أخرى من ذاته مثل "خيبرا" و"تحوت" و"ماعت"، وهذه الشخصيات تمثل القوى التي تنظم الكون وتُعطيه النظام. "ماعت" هنا تمثل مفهوم الحق والعدالة، بينما "تحوت" هو الإله الحاكم للفهم والمعرفة، وهو في كثير من الأحيان يرتبط بالحكمة والكتابة. الفلسفة المصرية: يتحدث النص عن تعلم "نو" لأهمية الحركة أكثر من السكون، والنور الذي يأتي من الظلام. هذه تعبيرات فلسفية تشير إلى التوازن بين القوى المتناقضة في الكون، وهي فكرة شائعة في الفكر المصري القديم. التجسد والقدرة على الخلق: النص يتطرق إلى دور الكلمة والقدرة على الإبداع من خلال النطق. فبواسطة الكلمات، يُستطاع خلق الكون وتحديد مصير الأشياء. من خلال الكلمات "يُخلق" ويُدار الكون، وهذه الفكرة تتناغم مع المعتقدات القديمة حول قوة الكلمة الإلهية (المعرفة المقدسة). ا- لإنسان ودوره في الكون: تذكر النصوص ضرورة تعلم "آن نفر حتب" لحكمة "ماعت" وفهم الكون من خلال التوبة والعودة إلى الصواب. هذا يعكس الصراع الداخلي للإنسان بين الخير والشر في إطار تعاليم دينية حول التطهر الروحي والمعرفة. الانتقال إلى الحياة الأبدية: في النهاية، يتم عرض كيف يتحقق الإنسان من الحقيقة ويكتسب الفهم الكامل بعد تجربة الحياة والموت، ما يعكس المعتقدات المصرية حول رحلة الروح نحو الآخرة والتواصل مع الآلهة. - الصراع مع "آمون": ثم يظهر الصراع الداخلي لـ"آن نفر حتب" بين الإيمان بـ"آمون" (الذي تم الاعتقاد به كإله معبود في فترة معينة) وعبادة الآلهة القديمة، وهي فكرة تُظهر تفاعل الإنسان مع القوى الدينية المتغيرة عبر الزمن. -الخلاصة: نصوص مقبرة آن نفر حتب تحمل في طياتها الكثير من الرمز والدروس الروحية والفلسفية التي تعكس المعتقدات القديمة للمصريين حول الخلق، العدالة، والمعرفة. تناقش النصوص القيم المتعلقة بالسكون والحركة، الظلام والنور، وتدعو للتأمل في دور الإنسان في الكون وعلاقته بالقوى الإلهية. كما تعرض مفهوماً عميقاً عن الكلمة كأداة خَلق ووسيلة لتأمين الحياة الأبديّة.)) بصراحة .. بسبب هجرنا غير المبررلدراسة و فهم ثقافة القدماء و افكارهم رغم فك طلسمات اللغة منذ منتصف القرن التاسع عشر .. لم أجد بين تعليقات القراء و ملاحظاتهم (بما في ذلك هذا العرض ) إستيعابا للمدلول الفني الذى قدمته ..بإستثناء تحليلا و شرحا للدكتور عبد المعنم تليمة .(.رئيس قسم اللغة العربية و أدابها بكلية الأداب جامعة القاهرة من 1994 –1997 ).. أثناء كلمته في شتاء 1995 خلال ندوة عن الكتاب دعي لها مصطفي الخولي (الناشر ) بمسرح الهناجر و وضع فيها الاستاذ هذا العمل كعلامة بين أدب المصريين المميز في القرن العشرين صعوبة فهم البردية ليس عيبا في طريقة تناول الموضوع .. فلقد بذلت جهدا كي ييصبح العمل المعاصر الذى يكمل الرد علي الاسئلة الميتافريقيه التى طرحها الانسان من خلال اساطيره القديمه جلجامش وايزيس والالياذه و جحيم دانتى .. وذلك فى صياغة مغلفه بثوب مثيولوجى أعيد فيها تقديم إسلوب تحضر البشر الأول وعلاقتهم بالكون فى رحله ذات ملامح لا تخطئها عين القارىء المهتم بالتراث المصرى القديم . عدم إستيعاب النص و إنتشاره جاء لكونه .. عملا متفردا في ألادب المصرى الحديث ..غير مسبوق ..لا يوازيه إلا تلك الأعمال التي تمثلت في تكوينها ثقافة الإغريق ونتاج أفكار عصور التنوير الأوربي مصاب بإحباط عمرة ثلاثون سنة جعلني أتوقف عن كتابة القصة و الرواية ..لسكان كفر شبرا زنجي ..و لكن لازال عندى أمل أنه بعد قرن أو أكثر سيكون بمقدور شباب القراء في أبو قرقاص بعد هضم تراث القدماء. في ثقافتهم . أن يقدروا .. هذه البردية المجهولة ..ليست كعمل فني سابق زمنه ..بقدر كونها خطوة البداية لتمثل المكونات الثقافية المتعددة لاهلنا من القدماء داخل إنتاجنا الفني .
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سلوك القتلة ..و مفاهيم الفلسفة
-
شخص يجتهد و لكنه ساخط
-
لم تتغيرأهداف الإستعمار ..تغيرت أساليبه
-
corruption.. الفساد
-
ما بعد الموت عند القدماء
-
الابراج العالية لا تصنع حضارة
-
إنهم يدمرون الأثار ..و سيدمرونها .
-
تدمير الاثار ليس خبرا جديدا
-
نصف قرن من الغربة
-
شهادتكم تهم الأجيال القادمة
-
إقتصاد حرب .. بدون حرب
-
هل مر القطار فلم نلحق به
-
عايز أعيش في زمن أخر
-
لماذا لم تطورنا الحرب
-
جد حضرتك كان شيخ منسر
-
الرؤيا
-
الأن تنتهي مرحلة الستينيات في مصر
-
فلنقرأ التاريخ الحقيقي
-
الحواس تتغير و تتطور أيضا بالتدريب
-
تفضلوا حضراتكم ..منتظر الحوار
المزيد.....
-
فوضى ومركبات متناثرة.. شاهد آثار الفيضانات التاريخية المميتة
...
-
حرائق الغابات تهدد مجددا منطقة شمال شرقي الولايات المتحدة
-
-لا يريد أن يفهم-.. عقيد سويسري يستنكر تصرف زيلينسكي في كورس
...
-
-حزب الله- ينشر -بطاقة سلاح لصاروخ فجر 5-
-
فندق إيطالي يرفض حجز سائحيْن إسرائيلييْن بسبب -الإبادة الجما
...
-
خمسة أدلة تُبرهن على خطر تغير المناخ على صحة الإنسان
-
الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية ما ترتكبه
...
-
مقتل جنديين لبنانيين جراء غارة إسرائيلية على نقطة لهم جنوب ا
...
-
-حزب الله- يبث مشاهد من استهداف قواعد الجيش الإسرائيلي في حي
...
-
القوات الروسية تكثف هجومها على كوبيانسك الاستراتيجية بمقاطعة
...
المزيد.....
|