خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8162 - 2024 / 11 / 15 - 15:56
المحور:
الادب والفن
في أعماق جبال الألب، كنت أعيش في خيمتي الصغيرة التي حصنتها من برد الثلج. كل صباح، كنت أستيقظ على وقع الصقيع، أتهيأ للخروج في رحلة البحث عن الطعام. لكن تلك الرحلة اليومية لم تكن مجرد صراع من أجل البقاء، فقد كانت تحمل في طياتها لقاءً دافئًا، أقابله في كل صباح دون موعد مع فتاة كأنها نقطة نقية في صفحة مصحف. شعرها ينسدل كأشعة شمس خجولة، وعيناها تتلألآن كأنهما بركتا ماء عذبتان.
اليوم كان مختلفًا. عند لقائنا، جلست بجانبي وهي تحدق في الأفق بصمت، ثم قالت بصوت خافت، "أتعلم، هناك شيء ظل عالقًا في ذهني طوال حياتي." شعرت بشيء غريب في نبرتها، كأنها تريد أن تبوح بسر دفين.
سألتها، "ما هذا الشيء؟" فأجابت بنظرة عميقة، "الحياة ليست مجرد رحلة بحث عن الطعام أو الهروب من البرد. الحياة تجربة، لعبة مشوقة يجب أن نكتشفها بكل أبعادها."
ابتسمت بارتباك، "وهل تعتقدين أن الجبال الباردة ستعلمنا أسرار الحياة؟" ضحكت ضحكة خافتة، ثم أكملت، "أحيانًا تكتشف الأشياء في أماكن لا تتوقعها، مثل هذه الجبال، والثلج الذي يبدو بلا حياة ولكنه يخفي بين طياته أسراراً وحكايات."
انغمسنا في حديث طويل عن أسرار الحياة والوجود، وطرق البحث عن الذات في ظل العزلة. شعرت بأن شيئًا عميقًا كان ينكشف لي للمرة الأولى، وكأن الكلمات كانت مفاتيح لأبواب لم أعبرها من قبل. بدت الفتاة غامضة أكثر، وكأنها كانت تعرف شيئًا أكبر من هذه الحياة.
في نهاية اللقاء، قالت لي بصوت متردد، "أريد أن أخبرك بشيء ربما يغير نظرتك لكل ما مررنا به."
نظرت إليها باستغراب، متلهفًا لمعرفة سرها.
فقالت بهدوء، "أنا... لست حقيقة. أنا مجرد حلم، انعكاس لخيالك، صورة لروحك التي تبحث عن السلام هنا في هذه الجبال. كنت معك طوال هذا الوقت فقط لأنك تحتاجني، وحينما تجد السلام الحقيقي، سأرحل."
شعرت بصدمة تجتاحني، تحسست يديها بارتعاش لأكتشف أنها بدأت تتلاشى أمام عيني، كأنها ذوبان ثلج في أشعة الشمس. تركتني وحيدًا، في عالم هادئ لكنه بلاها كان يبدو فارغًا، وكأنها كانت جوهر هذا المكان، روح هذه الجبال نفسها.
في ذلك الصباح، أدركت أنني لم أكن أبحث عن طعام فحسب، بل كنت أبحث عن نفسي.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟