بن سالم الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 8161 - 2024 / 11 / 14 - 17:28
المحور:
كتابات ساخرة
في عالمنا المعاصر، أصبح قانون الغاب يرتدي اليوم ثوبا أنيقا، ليظهر في الشوارع والمكاتب والمقرات الحكومية، حيث يتنقل بيننا بهيئة "متمدنة"، وكأن العالم لم يتغير عن تلك الأيام البعيدة التي كان فيها البقاء للأقوى. أصبحنا نرى أن القوي يبتلع الضعيف في كل زاوية من زوايا الحياة، وعوضا عن الصراع بين الأسود والنمور في الغابة، نشاهد صراعا أعظم وأشد بين القوى الاقتصادية والسياسية التي تتحكم بمصائر الشعوب.
ففي الاجتماعات الدولية الكبرى، يجتمع الزعماء على مائدة واحدة، يبتسمون ويتبادلون الوعود الطنانة في محاولة لكسب ود الشعوب. ولكن خلف الكواليس، ينسج كل منهم خيوط مؤامراته الخاصة؛ كيف يرفع سعر النفط لصالحه؟ وكيف يفرض عقوبات اقتصادية على خصومه؟ إنها لعبة شطرنج، لكن هذه المرة لا يوجد ملك ولا بيادق، بل طبقات من البشر تتاجر بمصيرها في صفقات سرية تنحني فيها القيم الإنسانية أمام مصلحة الأقوى.
أما الشعوب، فلا يسعها إلا أن تشهد هذا التلاعب بعجز وأسى، وتجد نفسها عالقة بين شلالات من الوعود التي لا تتحقق، وبين أزمات تتفاقم يوما بعد يوم. البعض يكافح من أجل العيش الكريم، في حين أن آخرين يسرقون حتى أحلامهم. قد يسمع البعض عن قرارات حكومية غير مدروسة، تسلب فيها الوظائف والأمل، بينما آخرون يغرقون في فقر متزايد أما الأغنياء يصبحون أغنى، وتدور عجلة الحياة في دوائر مغلقة لا تتيح لهم الفرصة للتحرر من قيود الفقر أو التهميش. وكأنهم في لعبة شطرنج حيث يتم التضحية بالبيادق مرة تلو الأخرى، دون أن يتوقف أحد للتفكير في منطق اللعبة نفسها.
وفي خضم هذه الفوضى العارمة، تظهر الأنظمة التي تدعي أنها تسعى لحماية الضعفاء. لكن الواقع يقول عكس ذلك، فهذه الأنظمة أصبحت مجرد أدوات في يد القوى الكبرى التي تستفيد من ضعف الشعوب وتستمر في قمعهم تحت مسميات السلام والعدالة. القوانين التي يفترض أن تحمي الناس أصبحت أداة لقمعهم، فيما أصبحت العدالة مجرد شعار ترفعه الحكومات في حملاتها الانتخابية، سرعان ما يلقى في سلة المهملات بمجرد أن تتمكن من البقاء في السلطة.
لكن رغم هذا المشهد القاتم، يظل هناك بصيص من الأمل. وسط صراعات القوى والجماعات، تجد بعض الأصوات التي ترفض أن تكون ضحية. هناك من يقاوم، من يكتب، من يصرخ في وجه الظلم بكل ما أوتي من قوة. هؤلاء هم الأبطال الحقيقيون، الذين لا يكفون عن المقاومة حتى في أكثر الأوقات يأسا. هم الأمل الذي نتمسك به، وهم الذين يذكروننا بأن قانون الله هو الأسمى، وأن الحق سيظهر في النهاية، ولو في عالم مليء بالغرائب.
وفي النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل سنظل نعيش في ظل قانون الغاب، حيث لا مكان للضعيف سوى تحت أقدام الأقوياء؟ أم سنتمكن من إعادة صياغة القوانين والأنظمة لتكون أكثر عدلا وإنصافا، لتكون قادرة على حماية حقوق الجميع؟ ربما يكون الجواب في أيدينا نحن، في إرادتنا الجماعية. ربما يتعين علينا أن نبدأ من أنفسنا، وأن نكون نحن التغيير الذي نريد أن نراه في هذا العالم، وأن نرفع رايات العدالة والإنصاف في وجه من يتاجرون بمصائر الناس.
#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟