حسين علي محمود
الحوار المتمدن-العدد: 8161 - 2024 / 11 / 14 - 00:54
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
منارة الحدباء، أيقونة الزمان والمكان في مدينة الموصل، تقف شامخة تروي قصص الأجداد وملحمة التاريخ، هي ليست مجرد بناء من الطين والحجر، بل رمز أصالة وهوية، وإحدى أقدم منارات العراق التي شهدت تقلبات العصور وظلت حية بين أنفاس المدينة وذاكرتها، بارتفاعها المائل وانحنائها الذي يُشبه تواضع الحكماء.
في الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم 13 تشرين الثاني 2024 ، تم وضع آخر طابوقة في المئذنة الحدباء ضمن إعادة بناءها، وبذلك يكتمل بناء المنارة بطابوقها الأصلي، للمرة الثانية في تاريخها البالغ 850 عاماً، ورفعت راية (الله أكبر) على قمتها ترفرف شامخة في سماء الموصل الحدباء.
وعلى مر التاريخ كانت المنارة عنوانا لجمال غير متماثل ومشهدا لافتا لكل من مر بجوارها.
منارتنا العريقة، تحدت الزمن والعواصف، صامدة وشاهدة على الحضارة الإسلامية التي ازدهرت هنا، حتى باتت الحدباء قلب الموصل، منارة تضيء بأكثر من نور، ومثالاً لصبر المدن وجَلدها.
كيف لا وهي رمز تاريخي وثقافي لا يُنسى، تعبر عن عراقة وأصالة الحضارة الإسلامية في العراق.
بُنيت هذه المنارة خلال القرن 12 في عهد الدولة الزنكية، واستمرت شامخة رغم التحديات، معروفة بانحنائها الفريد الذي ميزها عن سائر المنارات حول العالم.
كان يطلق عليها لقب "الحدباء" نسبة إلى هذا الانحناء المميز الذي جعلها محط أنظار المعماريين والمؤرخين، إذ كانت شامخة تراقب المدينة وتنير سماء الموصل برونق خاص.
لم تكن الحدباء مجرد صرح معماري، بل كانت شاهدة على مئات السنين من التاريخ، عاصرت مختلف الحضارات وشهدت نهوض مدن وسقوط أخرى، وحملت في ثناياها قصص أجيال لا حصر لها.
كانت تشهد أذان الصلوات من جامع النوري الكبير، الذي بنيت بجانبه، وتُعَد جزءاً من هوية الموصل وتاريخها العريق.
إعادة إعمار المنارة الحدباء اليوم يمثل أملا جديدا في إعادة روح الموصل القديمة، وتذكيرا بأن التراث الحقيقي يبقى في ذاكرة الشعوب وقلوبهم حتى لو غابت معالمه لبعض الوقت.
إعادة بناء هذا المعلم ليست فقط استعادة لجزء من التراث المعماري الفريد، بل هي أيضا رمز للأمل والصمود والقدرة على النهوض من جديد، إذ ان عودة الحدباء يمكن اعتبارها بداية لمرحلة جديدة، وتأكيدا على أهمية الحفاظ على الهوية الثقافية والتاريخية، واحتفاء بروح الموصل وأهلها الذين عانوا الكثير.
#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟