أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الحساد .














المزيد.....

مقامة الحساد .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8160 - 2024 / 11 / 13 - 12:08
المحور: الادب والفن
    


مقامة الحساد :

يقول المتنبي :(( مالَنا كُلُّنا جَوٍ يا رَسولُ أَنا أَهوى وَقَلبُكَ المَتبولُ .......كُلَّما عادَ مَن بَعَثتُ إِلَيها غارَ مِنّي وَخانَ فيما يَقولُ)) .

الحسد وعي مؤلم أو بغيض لمزايا الآخرين, وتمني زوال النعمة عن المحسود , وردها إلى الحاسد , وهذا بحد ذاته مرض نفسي مقيت , ولا يجلب إلا الكره بين الناس , يقول الإمام الشافعي : (( كل العداوة قد ترجى مودتها , إلا عداوة من عاداك عن حسد )) , وقال الفقيه أبو الليث السمرقندي (( يصل الحاسد 5 عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود, أولها غم لا ينقطع , وثانيها مصيبة لا يؤجر عليها , وثالثها مذمة لا يُحمد عليها , ورابعها سخط الرب , وخامسها يُغْلَق عنه باب التوفيق )) .

يعيش الحُسّاد في بحر من الضياع والشتات , لا يهنأ لهم عيش , ولا يطيب لهم واقع , تتوالى عليهم الهموم والأحزان , قال ابن المقفع : ((الحسدُ خلقٌ دنيء , ومن دناءته أنه يبدأ بالأقرب فالأقرب )) , والحُسّاد لا راحة لهم إلاّ بزوال خير أتى على من حولهم , في ميادين الدراسة وطلب العلم , أو في تجارة وطلب رزق في عمل , أو في مساحات الحياة الواسعة , قال ذو النون المصري : ((الحسدُ داءٌ لا يبرأُ , وحسبُ الحسود من الشر ما يلقى )) , ويحمل الحُسّاد أسوأ الأخلاق , والأنانية شعارهم ودثارهم , وقوت حياتهم , فإن ذلك مبلغ الشر وغاية السوء منهم , قال الإمام ابن القيم في كتابه القيم الروح : (( الحسد خلقُ نفسٍ ذميمة وضيعة ساقطة , ليس فيها حرصٌ على الخير , فلعجزها ومهانتها تحسدُ من يكسب الخير والمحامد ويفوز بها دونها , وتتمنى أن لو فاته كسبُها حتى يساويها في العدم )) .

قال الأصمعي : (( سمعتُ أعرابياً يقول: ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد , حزن لازم , وتعس دائم , وعقل هائم , وحسرة لا تنقضي )) , فماذا عسى أن تنتظر من الحُسّاد وصدق القائل : فلا تَحسدَنَّ يوماً على فضل نعمةٍ فحَسبُكَ عاراً أن يُقالَ حسودُ , وصدق القائل : كل العداوة قد يرجى إزالتها إلاّ عداوة من عاداكَ من حسدِ , ألا بئس ما يصنعون , تتولد منهم العداوة والبغضاء والشحناء والقطيعة والجفاء , ويفرقون الجمع , ويستهلكون ما لديهم من طاقة , قال ابن المعتز (( الحسد داء الجسد)) , فلينتبه الحساد , فحسدهم يأكل حسناتهم ويضيّع ما حصدوا من خير طوال أعمارهم , وقد ذكر الأصمعي : (( قلتُ لأعرابي : ما أطول عمرك ؟ فقال : تركت الحسد فبقيت )) .

ابدع أبو الطيب ببيته : ((أزل حسد الحساد عني بكبتهم , فأنت الذي صيرتهم لي حسدا )) , أي أنت أنعمت عليّ النعم التي صرت بها محسودا , وظهر لي حساد يحسدونني ويقصدونني بسوء , فاكفني شرهم بأن تكبتهم وتخزيهم بالأعراض عنهم , ونهيهم عن ويسيئون القول فيّ , وفي قول أبي الجورية العبدي : (( فما زلت تعطيني وما لي حاسد , من الناس حتى صرت أرجى وأحسد )) , وقول ابو نؤاس : (( دعيني أكثر حاسديك برحلةٍ , إلى بلدٍ فيه الخصيب أمير )) .

بعتبرالحسدُ من أرذلِ خصالِ البشر, وأخسّها , وأوضعِها , فتخيَّل أي نفسٍ عند الحاسد , تلك التي ترضَى أن توصفَ بهذه الأوصاف الدُّونية , فيا لَحقارةِ الهم , ويا لتفاهةِ المهتم , ومن لؤم الحاسدِ , أنه موكل بالأدنى , فالأدني , والأقل فالأقل , ولا يعرف أنَّ حاسداً تحوَّلَ عن حسَّادة , أو تراجع عن حسده , وما عُلم عنه إلا زيادة بقعةِ الحسد مع تقادم الأيام , حتى توشكَ رقعةُ الحسد أن تملأَ بصرَ الحاسد , وتسدَّ عينَه القادحة شراراً , ونفسَه الفائضةَ ضرراً , لقد دعى ذلك معاوية بن أبي سفيان حكيم العرب ليقول : (( يمكنني أن أرضِيَ الناس كلهم , إلا حاسدَ نعمةٍ , فإنَّه لا يرضيه منها إلا زوالُها )) , ووقعَ أبو الطيب بجلاءٍ على المعنى ذاته , فقال: (( سوى وجعِ الحسَّادِ داوِ فإنَّه إذا حَلَّ في قلبٍ فليس يزولُ )) , فإن رمتَ مداواة عللك , فداوِ علةً غير وجعِ الحسَّاد , فهو مرض لا يُرجى برؤه ,وهو إذا حلَّ في قلبٍ ما فليس يزولُ .

وقد لا يتورع الجاهل عن حسدِ ما يبكي منه العاقل , وخيرُ من صوَّر هذا المشهدَ المضحك المبكي أبو الطيب المتنبي في داليتِه التي أنشدَها وهو يُهمُّ بالفرارِ من مصر كافور: (( مَاذَا لَقِيتُ مِنَ الدُّنْيَا؟ وأَعْجَبُهُ أَنِّي بِمَا أَنَا بَاكٍ مِنهُ مَحْسُودُ )) , أي ان ما ألقاه من الدنيا فيه من العجائب ما لا ينقضِي , لكنَّ أعجبَ ما لقيته هو أنّي أُحسد على ما يبكيني , فهل ثمةَ جهلٌ مثل جهلِ حاسدٍ يحسدُ العاقلَ على أمرٍ بلغَ من منافرتِه له أنَّه يبكيه , وحسدُك على ما يبكيك أعجبُ العجب , والأمرُ فادحٌ فلا تغرنَّك ميمٌ تسبقُ صائبَ .

صباح الزهيري .



#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة رهان الواثقين .
- مقامة وجع بغداد .
- مقامة ذاكرة الخشب .
- مقامة امنيات مظفر الثلاث .
- المقامة المتشائمة .
- مقامة الخيبة ونسيانها .
- مقامة النقاء .
- مقامة الحضن الدافيء .
- مقامة التسامي .
- مقامة الردود المفحمة .
- مقامة الثرثرة .
- مقامة الرفوف والقيود .
- مقامة الجدل .
- مقامة الأنجذاب الروحي .
- مقامة الكذب .
- مقامة المطر .
- مقامة العقل .
- مقامة الشر .
- مقامة الشماتة .
- مقامة الثقافة .


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الحساد .