|
الحجاب بين ليبيا وأمستردام!
أمين بن سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 8158 - 2024 / 11 / 11 - 02:24
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
1- حجاب ليبيا "العربية" الإسلامية: قمة العلمانية واحترام حقوق الآخر أن تسمح له وتدافع عن حقه في اعتناق ما يريد. لكن ذلك في نفس الوقت، قمة احتقار البشر وازدرائهم والعنف ضدهم: الإنسان كائن متناقض، وحقيقة النسبية التي تحكم كل نشاطاته، تجعل كل أخلاقياته سلاحا ذا حدين: إما الرخاء والكرامة، وإما الجهل والتخلف والمهانة! قصة الخمار في ليبيا هذه الأيام، لا تخرج عن هذا الإطار: "المجتمع محافظ ومن حق من يحكمه أن يُلزم كل أفراده بأخلاقه"، وهذه الأخلاق أصلها الدين، والخمار -على عكس ما يدّعيه الجهال والمُجمِّلون- حقيقة إسلامية، حكمتْ واقع المسلمين طوال تاريخهم، باستثناء فترات قصيرة هنا وهناك لم تلتزم فيها السلطات بشرائع الدين. المنتفضون على القرارات "العظيمة" قال أغلبهم بلصوصية من يحكم، وبأن الخمار -والتسريحة واللباس ككل- ليس مشكلة الليبيين اليوم، وانتقدوا سياسة الفرض التي تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان التي التزمت بها تلك الحكومة عالميا. البعض قارن بتونس "المنفتحة"، وقال: ما المشكلة في شرطة الأخلاق الليبية وقرارات شبيهة وقعت في تونس حيث سُجن "صناع محتوى" تجاوزوا الأخلاق العامة؟ بعض "الكفار" قالوا: "جيد، شعب متخلف يريد الإسلام، فليجرب وليدفع، عله يستيقظ"، ولهؤلاء أقول أن الشعب السوري والعراقي جربا ولم يستيقظا، بل كانت النتيجة أسوأ مما كانا عليه قبل داعش! أما الأقوال الأخرى ومعها الاستنكارات الغربية، فهي لا شيء غير شيزوفرينيا مقيتة، الظاهر أن شعوب المنطقة ستعيشها عقودا أخرى وربما قرونا! ولا فرق في السفه والعنتريات بين البهلول التونسي سعيّد وبين نظرائه في ليبيا وفي كل مكان يحكمه الدين القويم! "ليبيا العربية"... يتربى التونسيون -إلا من شذ منهم- على احتقار الليبيين، و "شتان بين بورقيبة وتحرره وبين القذافي وخيمته وجنونه". هي ثقافة متأصلة تُرى إلى اليوم حتى في كلام أبسط عامي، كالقول عن فرض الخمار المُشار إليه: "الليبيون متخلفون"، والقول عن الحرب الأهلية: "الليبيون همج"! "نحن أرقى منهم! لم نأخذ من الدين قشوره مثلهم! وحتى عندما نختلف لا نتحارب ونُدمّر بلدنا!"، وهي أقوال بائسة وعنصرية أصّلتها العروبة في الوعي الجمعي للقضاء نهائيا على الهوية الأمازيغية للتونسيين حتى صار المشرقي أقرب إلى التونسي من الليبي. والحقيقة، أن الليبي هو الأخ المباشر للتونسي جينيا وجغرافيا، وليس المشرقي الذي نُظر إليه نظرة احترام وتبجيل ونقص ذلك مع الواقع المزري لتلك الدول منذ 2011 وخصوصا سوريا ولبنان. واقع تونس اليوم -ولا أنفي الخصوصية الثقافية عنها-، يُفنّد القول الماركسي أن الصراع الطبقي هو المحرك الرئيسي للتاريخ، نمط الإنتاج في تونس لا يختلف في شيء تقريبا عن بقية دول المنطقة المقدسة، لكن التحرر الموجود فيها لا يُقارن بأي من تلك البلدان، والسبب شخص واحد وثقافته الليبرالية/ المتحررة: بورقيبة! عمل "الدكتاتور المستنير" محرك للتاريخ، صحيح أنه يبقى بعيدا عن تعريف "الثورة الحقيقية"، لكنه يُغيّر الكثير، ومهما حدث من ارتداد إلا أن تغييرات كثيرة صنعها تصبح ثقافة ووعيا مجتمعيا لا يُمكن أن يُتنازل أو يُتراجع عنه. 2- أحداث أمستردام وحجاب العقل الغربي: شهادات الهولنديين قالت أن مشجعي الفريق الإسرائيلي، كانوا من بدأ الاستفزاز والعنف، وأدخلوا السياسة في الرياضة، وصرخوا بأقوال في قمة العنف والعنصرية... حتى الآن يمكن القول أن ذلك يحدث مع كل مشجعي الأندية الرياضية في كل العالم. قالت الشهادات أيضا، أن الشرطة لم تتدخل لمنع شغب الإسرائيليين، وتدخلتْ فقط عند التعرض لهم، وهو سلوك الشرطة الإسرائيلية في إسرائيل، لكن الأحداث وقعت في هولندا! لكن حتى الآن يمكن أن نمرر! يمكن أن نقبل أيضا لعب فريق غير أوروبي في بطولة أوروبية للاعتبارات المعروفة! لكن ما لا يمكن قبوله، ليس اتهام رجال السياسة والإعلام المباشر بمعاداة السامية حيث حولوا به المعتدين إلى ضحايا مساكين، بل استنكار المواطن الأوروبي والغربي عموما لذلك السلاح الفتاك الذي أصله خرافة الهولوكوست! ما الفرق بين الغربيين في قولهم ذاك وبين المسلمين في استنكارهم لأفعال داعش لكن مع القول أنها لا تُمثل الإسلام؟! المسلمون يظنون أنهم سيتقدمون وسيتحررون برفضهم للحركات العنيفة وتبرئة الإسلام منها، والغربيون يظنون أنهم متحررون ومتقدمون لأنهم يستحيل أن يعودوا إلى جرائم النازية -المزعومة-، والحقيقة أن اعتقادهم ذاك يقود حضارتهم اليوم إلى الاندثار! القاسم المشترك بين العالمين، هو قوة تأثير الدين والأيديولوجيا وخطورة غسيل المخ الذي يبدأ منذ الصغر ولا ينتهي أبدا وفي كل مكان وزمان! همسة في آذان المؤمنين بالدين الهولوكوستي: هل رأيتَ حجم الكذب في تصريحات الساسة الهولنديين؟ وزير الخارجية اليهودي؟ حادثة بسيطة موثقة بالصوت والصورة أثبتت أن أولئك "المختارين" هم من بدأ وتعدى وظلم، وبرغم ذلك لا تُقال الحقيقة بل تُقلب رأسا على عقب دون خجل أو ذرة حياء؟ هذا اسمه استعمار واستعباد! ولا توصيف آخر له... لنتكلم بالمنطق: إذا كان ما رأيته صوتا وصورة منذ أيام زُيِّف أمامكَ، فهل حقا تتصور أن محاكمة نورنبارغ قالت الحقيقة؟ منطقيا هنا، ومع الاحترام، عندكَ خلل في المنطق الذي تعمل به. التاريخ لم يكن للشعوب من صناعته شيء، بل كان ولا يزال وسيبقى أبدا صناعة النخب! المثقف الحقيقي لا يُمكن أن يحتقر شعبه، فكل شعوب الأرض مثله: مجرد أطفال غير مسؤولين عن أعمالهم، المسؤول الأول هو الولي، والولي المسؤول هو المثقف! احتقاره لشعبه هو هروب من تحمل المسؤولية في تخلفه وتدهور أوضاعه! ينفي قولي هذا كل تميز عرقي بين الشعوب، والكلام مُوجه إلى كل من رفض العروبة في بلداننا: لسنا عربا هذا لا ذرة شك فيه، لكن ذلك لا يعني التخلق بأخلاقهم الصحراوية وعلى رأسها العنصرية والاستعلاء القومي: أمازيغي، سرياني، قبطي، كردي، أوروبي، صيني، هندي... كله تقريبا سواء! لا أتجاهل تأثير الواقع المادي والموروثات والخصوصيات الثقافية بالطبع، لكن بنخب واعية ووطنية يمكن حتى للعربي الذي لا يعرف شيئا غير اصفرار الصحراء أن يُبدع ويتقدّم! ولنقارن بموضوعية السعودية اليوم بليبيا ومصر... أزعم أن العالم الغربي مُستعمر يهوديا، ليس اليهود وحدهم من يحكمون بالطبع، لكن دورهم جوهري ورئيسي، عالمنا الموسوم بالعروبة والإسلام يُمكنه تحرير العالم الغربي من ذلك الاستعمار والقضية رقم واحد التي يجب أن تُفضح حتى قبل الرأس مال المالي هي الهولوكوست! بتحرر العالم الغربي من ذلك السجن العظيم، يتغير كل شيء في بلداننا، وأول قضية ستُحل ستكون فلسطين، وبتحررها تتحرر بلداننا ومجتمعاتنا منها، وبانتهاء قضية فلسطين سيُفتح باب سجن العروبة والإسلام على مصراعيه! إذا لم يستغل مثقفو المنطقة المقدسة فسحة الحرية الموجودة في الكلام عن خرافة الهولوكوست اليوم، سيندمون، وستلعنهم الأجيال اللاحقة، لأن تلك الفسحة قد تنتهي نهائيا في المستقبل، فنصير كالغربيين ويصبح عندنا الاتهام بمعاداة السامية وإنكار المحرقة المزعومة حد ردة أعظم حتى من نقد الإسلام!
#أمين_بن_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فيلة
-
وهم الدعوة إلى الإلحاد
-
الإلحاد والملحد والحرية (جزء سابع)
-
خرافة الهولوكوست وحقوق الإنسان... اليهودي!
-
الإلحاد والملحد والحرية (جزء سادس)
-
هل أنتَ منافق؟ (2)
-
هل أنتَ منافق؟
-
الإلحاد والملحد والحرية (جزء خامس)
-
شيزوفرينيا اليسار بين الإمبريالية والصهيونية والعروبة والفار
...
-
الإلحاد والملحد والحرية (جزء رابع)
-
عن فقيدة الفكر الحر... -الجدلية-!
-
الإلحاد والملحد والحرية 2-2
-
الإلحاد والملحد والحرية 1-2
-
الإلحاد والملحد: إسرائيل، اليهود... ذلك الوهم العظيم! (ملحق)
-
الإلحاد والملحد: إسرائيل، اليهود... ذلك الوهم العظيم!
-
الإلحاد والملحد والعروبة
-
الإلحاد والملحد والدين (2): الدين والكذب بين لعبة حرية العقي
...
-
الإلحاد والملحد والدين
-
الإلحاد والملحد وفلسطين
-
سنية 2-2
المزيد.....
-
شاهد.. الحكم على طبيبة أطفال بالسجن لـ-نشر معلومات كاذبة عن
...
-
وزير الدفاع الذي اختاره ترامب قال إنه أقصي من مهمة تنصيب باي
...
-
كشف فحوى -رسالة ذات صفارة- سبقت انفجار الجهاز.. سفير إيران ف
...
-
السجن 5 سنوات لطبيبة روسية بعد اتهامها بنشر معلومات كاذبة عن
...
-
الجيش الأمريكي يستهدف مسلحين موالين لإيران في سوريا
-
رائدة ناسا سونيتا ويليامز تكسر الصمت بشأن حالتها الصحية
-
المكسرات.. سلّة من العناصر المفيدة للجسم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن عن اغتيال قيادي في -حزب الله-
-
وزير الخارجية المصري يكشف الهدف الأساسي من زيارته إلى لبنان
...
-
لافرينتيف: روسيا وجهت تحذيرا لإسرائيل بعد ضربها هدفا سوريا ق
...
المزيد.....
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
المزيد.....
|