أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال حسن بخيت - لقاء صحفي مع د. الشفيع خضر سعيد - السودان















المزيد.....



لقاء صحفي مع د. الشفيع خضر سعيد - السودان


كمال حسن بخيت

الحوار المتمدن-العدد: 537 - 2003 / 7 / 8 - 02:19
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


 

14 يونيو 2003

حاوره الأستاذ كمال حسن بخيت
   
 

س1- في أواخر الديمقراطية الثالثة كان السودان يشهد تدهورا مستمرا...إقتصاديا وسياسيا وأمنيا..مما جعل الكثيرين يتوقعون حدوث فوضى..ما هي مآخذ الحزب الشيوعي السوداني على النظام الديمقراطي الذي أعقب الإنتفاضة؟

ج1- أعتقد أن الإشارة الواردة في السؤال حول التدهور المستمر، أمنيا وسياسيا واقتصاديا في السودان إبان الديمقراطية الثالثة، وحول توقع الفوضى في البلاد، أعتقد أنها ستكون غير دقيقة إذا لم تأخذ في الحسبان عدة عوامل، بعضها متعلق بتجربة الديمقراطية الثالثة وأخرى متعلقة بفشل النظام الديمقراطي في البلاد منذ الاستقلال. إذ أن التناول التقريري البحت لأزمة الديمقراطية الثالثة وتوقع الفوضى..الخ سيكون أشبه بما جاء في بيان إنقلاب 30 يونيو 1989 الذي أعلن أنه جاء لوقف التدهور وحسم الفوضى وانقاذ البلاد...فكانت النتيجة أنه أدخل الوطن في كارثة ومأزق مأساوي خانق. وأنا متأكد أنك تتفق معي بأن أزمات النظام الديمقراطي لا يمكن معالجتها بمصادرة الديمقراطية، بل بمزيد من الديمقراطية، ومزيد من الاصلاح للنظام السياسي الديمقراطي. صحيح أن تلك الفترة شهدت العديد من العواصف والأزمات، لكن لا تنسى أن الديمقراطية الثالثة كان عمرها فقط ثلاث سنوات وشهرين! وأنها جاءت بعد فترة انتقال فاشلة استمرت سنة واحدة، وأنها ورثت خرابا شاملا من نظام مايو..الخ. ورغم ذلك فإن تباشير الخروج من ذلك المأزق كانت تتشكل وتتخلق في سياق الممارسة الديمقراطية. فقط فلنتذكر معا أن التحضيرات النهائية لوقف الحرب الأهلية وعقد المؤتمر الدستوري كانت تجري على قدم وساق وبمشاركة الحركة الشعبية، خاصة بعد تبني الجمعية التأسيسية لاتفاقية الميرغني – قرنق للسلام (17/11/1988) وكان قد حدد يوم 4/7/1989 للاجتماع التحضيري الأول للمؤتمر الدستوري بمشاركة الحركة، و الذي قطع عليه الطريق انقلاب 30 يونيو! ولا أظنني سأكون متجنيا إذا قلت أن التحضيرات لانقلاب 30 يونيو كانت تشمل استمرار أجواء الفوضى وعدم الاستقرار، أي أجواء التآمر على الديمقراطية. من زاوية أخرى، فإن مواثيق انتفاضة أبريل 1985، بما حوته من مضامين، كانت حتما ستساعد تطور الحركة الجماهيرية في إحداث تغيير نوعي، كما طرحت مؤشرات عامة لنمط جديد من الممارسة الديمقراطية والسياسية مثل اقتراح المؤتمر الدستوري، المؤتمر القومي الاقتصادي، والدعوة لإعطاء وزن أكبر لمناطق الوعي والقوة الحديثة في النظام البرلماني ..الخ. لكن هذه العملية لم تتم آنذاك بسبب ضعف الشحنة الثورية للانتفاضة، وبسبب توازن القوى في تلك اللحظة، وأيضا بسبب معطيات الوضع الدولي والإقليمي المحيط بالسودان آنذاك. أي أن انتفاضة أبريل أطاحت فقط بالغطاء السياسي للنظام المايوي (السلطة) في حين لم تتمكن من تفكيك المغطى من قوانين وممارسات ومناهج عمل وبنية اقتصادية..الخ، لذلك استمر هذا (المغطى) في تفريخ نسيج غطاء سياسي جديد يعبر عن إستمرارية الأزمة، استكملت حلقاته بانقلاب 30 يونيو. ونتعلم من هذه التجربة بأن أي تغيير في السودان لا يهز في وقت واحد البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي، سيظل مشوها وناقصا ويحمل في طياته إمكانية الانتكاسة. أما المحاكمة العامة للتجربة الديمقراطية في السودان، فأعتقد من الضروري أن تضع في الاعتبار أن الأزمة السودانية ليست أزمة عابرة أو مؤقتة، وإنما هي أزمة وطنية عميقة شملت كل أوجه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والروحية. وهي أزمة مزمنة تمتد جذورها إلى فجر الاستقلال، لكنها تفاقمت وتعقدت بالمعالجات القاصرة والخاطئة علي أيدي القوي الاجتماعية التي شكلت الأنظمة المدنية والعسكرية التي تعاقبت علي الحكم طيلة ما يزيد عن سبع وأربعين عاماً، بحيث أننا حتى الآن لم ننجز مشروع بناء الدولة السودانية الحديثة. أضف لذلك تلك التناقضات الملازمة للممارسة السياسية في السودان منذ الاستقلال، مثل التناقضات التي تتجسد في ما عرف في الأدب السياسي السوداني بالحلقة الشريرة: انقلاب عسكري - انتفاضة - حكم ديمقراطي - انقلاب عسكري ...الخ، و التناقضات المرتبطة بالممارسة الحزبية والبرلمانية حيث الأحزاب والبرلمان مؤسسات سياسية حديثة تعبر عن واقع ما بعد الثورة الصناعية البرجوازية في أوروبا، لكن جوهرها في السودان مثقل بالطابع التقليدي المرتبط بالطائفة والقبيلة، وتلك التناقضات الناتجة من تهميش قوى مراكز الإنتاج الحديث ( القوى الحديثة ) وفى نفس الوقت تهميش قوى الأطراف ( مراكز التوتر القومي )..الخ. ومن الواضح أننا منذ الاستقلال وحتى الآن نعيش في فترة انتقال لم تنجز مهامها بعد. وفى الحقيقة فإن جوهر أهمية الفترة الانتقالية يمكن إدراكه في إطار فشل المشروع الديمقراطي في السودان والذي يأتي عقب فترات انتقال فاشلة، بمعنى لم تستكمل مهامها، و المسؤولية هنا تقع على عاتق الحركة السياسية السودانية. ولعله من أكبر خطايا الحركة السياسية السودانية هي عدم استكمال مهام فترات الانتقال بما في ذلك عقد المؤتمر الدستوري المناط به تأدية مهام ووظائف ذات طابع تأسيسي للدولة السودانية، ظلت مؤجلة ومتراكمة منذ فجر الاستقلال، أسقطتها القوى الاجتماعية السياسية التي اعتلت دست القيادة، سواء عبر الانقلاب العسكري أو الانتخاب الديمقراطي، فلم تركز إلا على مسألة السلطة وبقائها فيها، في حين اختزلت فترات الانتقال إلى حيز زمني شكلي تستثمره هذه القوى في حمى السباق على السلطة عبر الانتخابات، لتتحدث بعد ذلك بوهم وراحة نفس زائفة عن أن البلد تنعم بالديمقراطية المستقرة إلى أن يفاجئها الانقلاب!

س2- كيف كان يخطط الحزب على ضوء ذلك؟..هل كان على علم مثلا بأن هنالك من يفكر ويخطط لانقلاب؟..وهل كانوا هم يخططون لذلك؟

ج2- لعلك تذكر شعار وحدة قوى الانتفاضة؟ كان خطنا وحدة هذه القوى وتماسكها من أجل تحقيق شعارات الانتفاضة التي كانت متمثلة في: إزالة آثار نظام مايو، وقف الحرب الأهلية، عقد المؤتمر الدستوري واصلاح النظام السياسي، وقف التدهور الاقتصادي ومخاطبة قضايا المعيشة والخدمات المختلفة، مخاطبة قضايا المهمشين في الأطراف..الخ، كنا متمسكين بشعار وحدة قوى الانتفاضة باعتباره مدخلا للإجماع الوطني حول قضايا بناء الدولة السودانية. نعم كنا على علم، استنتاجا أو معلوماتيا، بأن هنالك من يخطط للإنقضاض على الديمقراطية، وقد سعينا لنشر كل ما نعرف جماهيريا عبر صحيفة الميدان وعبر الندوات والليالي السياسية، كما قمنا رسميا بتوصيل كل ما نملك من معلومات إلى المسؤولين آنذاك، سوى على مستوى أعضاء رأس الدولة أو رئيس الوزراء أو الأجهزة المختصة.

س3- بعد 30 يونيو خرجت كل القيادات السودانية من السودان... واختفى بعضها...بدعوى مواصلة النضال من الخارج..هل نجحت هذه السياسة؟ وماذا حققت للوطن؟ وأين سكرتير عام الحزب الشيوعي الأستاذ نقد...ما معنى إختفائه...وإلى متى؟ ألا ترى أن إختفائه أو ظهوره لا يضيف شيئا للحزب..وقادة الحزب يتحدثون في الندوات ويكتبون في الصحف علانية في الخرطوم؟

ج3- من الواضح أن السبب المباشر لهجرة القيادات واختفاء بعضها هو تجنب البطش لكي تتمكن من العمل بحرية من أجل إزالة هذا البطش. والهجرة أو الاختفاء ليسا بدعة جديدة، وأنما هما في صميم تكتيكات وتجارب العمل المعارض للحركة السياسية السودانية. وشخصيا، لا أستطيع أن أوافق على فرض شكل أو تكتيك محدد للعمل المعارض على جميع الأطراف، فلكل قناعته الخاصة والواجب احترامها.  بل أن بعض أطراف الحركة السياسية يتعامل مع مسألة الهجرة بدرجة من الإعزاز والقدسية تيمنا بهجرة الرسول (ص) من مكة إلى المدينة. كون هذه السياسة قد نجحت أم لا، فهذا موضوع طويل يقع ضمن مناقشة تقييم العمل المعارض، لكن من الواضح أن هذه القيادات وفصائلها لم تختفي من الوجود، بل ظلت تقارع النظام حتى اليوم ومن ضمن أهدافها إلغاء أي سبب للهجرة أو الاختفاء، أي أستعادة الديمقراطية. أما السؤال حول ماذا حققت هذه السياسة للوطن فأرى أن يوجه للنظام. فهو اختار إقصاء هذه القوى عن المشاركة في إدارة البلاد وقرر الانفراد وحده بالامساك بمقاليد الأمور، فكانت النتيجة حربا ودمارا وتشريدا وخرابا اقتصاديا ومعاناة في المعيشة وتوترا في كل أطراف البلاد ينذر بحرب أهلية شاملة تعم كل الوطن. بالنسبة للأستاذ نقد فهو موجود في السودان يمارس مهامه القيادية ضمن قيادة الحزب وقيادات الحركة الجماهيرية السودانية. أما إختفائه فهو أيضا ليس بدعة، وانما تكتيك مجرب يحمل الكثير من معان التضحية مارسه الأستاذ نقد والعديد من كوادر الحزب الشيوعي إبان الحكم العسكري الأول وديكتاتورية نميري واليوم، تنفيذا لقرارات قيادة الحزب حول هذا الأمر. إنه تكتيك يسمح بممارسة النشاط المعارض "بقدر من الحرية!!" رغم أنف أجهزة القمع. أما سؤالك إلى متى هذا الإختفاء، فلا أخالك تعتقد أن الإختفاء يتم برغبة ذاتية، أو هو شيئ ممتع ومريح! إنه مفروض بحكم سياسات البطش التي تسعى لتصفية العمل المعارض. صحيح أن قادة الحزب يتحدثون اليوم في الندوات والصحف..الخ، لكن هذا فرضته ظروف محددة توفرت مؤخرا في توازن القوى الحالي، ولكنه أيضا لايعني انتفاء الرغبة عند أجهزة النظام لتصفية الآخر، إذ كيف تفسر ملاحقة أجهزة الأمن لكوادر الحزب الشيوعي واعتقالهم؟ كيف تفسر حملات المداهمات التي تقوم بها هذه الأجهزة لما تعتقده "أوكارا" لنشاط الحزب؟ كيف تفسر المراقبة اللصيقة لقيادات الحزب التي أشرت إليها في سؤالك؟!

س4- التجمع الديمقراطي كان يهدف إلى إسقاط النظام....على ماذا كان يعتمد..ماهي وسائله وأسلحته؟

ج4- أبدأ الإجابة بسؤال يحمل وجهة نظر محددة: ماهو هدف وغاية النشاط المعارض المستمر منذ 30يونيو 89 وحتى الآن؟ هل أقصى ما كنا نطمح إليه هو إحلال سلطة جديدة محل السلطة الحالية؟ ألم يكن من الواجب أن يظل في مقدمة تفكيرنا، وباستمرار، السؤال الذي طرحته الجماهير السودانية، بشكل مباشر وعفوي، صبيحة الانقلاب: "ما هو البديل، وهل ننتفض لتعود الأزمة مرة أخرى؟ ". ومن الواضح أن هذا السؤال لم يكن بحثا عن إجابة غير معروفة أو تائهة، بل كان يحمل في طياته إجابة شافية تعبر عن رغبة جماهير الشعب السوداني في التخلص ليس فقط من نير الديكتاتورية، وإنما التخلص من خناق الأزمة الممتدة منذ فجر الاستقلال في بلادنا. كما أن الجماهير لم تتناول هذا السؤال من زاويته السلبية، وإنما انخرطت في نضال بطولي بذلت فيه تضحيات جسام، وإجابة الحركة السياسية السودانية، ممثلة في أحزابها ونقاباتها وقواتها المسلحة، كانت تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي وصياغة ميثاقه وبرنامجه وقراراته وإعلاناته المختلفة. وقد رحبت جماهير الشعب السوداني بهذه الإجابة واحتضنتها وناضلت تحت راياتها وقيادتها. ولقد ظللنا نحن في الحزب الشيوعي السوداني نتمسك بصيغة التجمع وندافع عنها تأسيساً على هذا الواقع وعلى جملة من العوامل الموضوعية منها أن صيغة التجمع واستراتيجيته نتاج التحليل الموضوعي للأزمة التي تفاقمت واستحكمت حلقاتها الأربع: وحدة السودان، السلام، الديمقراطية، والتنمية. وبالتالي فهو ليس مجرد جبهة معارضة من أجل حل إشكالية السلطة السياسية، وإنما هو وعاء يدار فيه حوار سلمي ديمقراطي لحل كافة قضايا الوطن وفق منهج جديد يصحح سلبيات الماضي ويمنع إعادة إنتاج الأزمة. والتصدي لقضية بهذا العمق يستوجب استنفار الشعب بأسره، وصيغة التجمع مساهمة فعّالة في هذا الصدد حيث ألتفت حوله الجماهير وعقدت عليه آمالها لا في الخلاص من نظام الجبهة فحسب وانما في إخراجها من أكثر من أربعين عاما من الإحباط وفي تحقيق تطلعاتها إلى وطن تترجم فيه الديمقراطية والحرية السياسية إلى حياة تزدهر ماديا وروحيا. كما أشرنا كثيرا إلى أن صيغة التجمع تنبع من التناقضات الملازمة للممارسة السياسية السودانية منذ الاستقلال والتي تجلت في ما عرف بالحلقة الشريرة (تتابع الانقلابات والانتفاضات)، ومن هنا نشأت أضلاعه الثلاثة: الأحزاب والنقابات والقوات النظامية. ولقد توحدت هذه القوى حول برنامج تلتزم فيه، وفق نظرة ناقدة لتجارب الماضي، بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية ودستورية لسودان ديمقراطي، يحترم التنوع والتعدد السياسي والعرقي والديني والثقافي ويحفظ حقوق وكرامة الإنسان ويضمن المساواة التامة بين أبنائه والتنمية المتوازنة لأقاليمهم ومشاركتهم العادلة في اقتسام الثروة والسلطة. ولعله أصبح في حكم المسلمات أن إعادة بناء الدولة السودانية الحديثة الموحدة والمستقرة، لا يمكن أن يتم إلاّ كنتاج لمحصلة جهود كافة القوى السياسية، غض النظر عن حجمها ونفوذها، وكذلك جهود جماهير قطاع الإنتاج وجهود القطاع العسكري، وصيغة التجمع تستوعب كل هذه الجهود. وفي الحقيقة فإن مواثيق التجمع ومقرراته وحدت قوى متباينة، بل ومتعارضة، ظلت – لأسباب سياسية واجتماعية وتاريخية وإقليمية…الخ – تتخاصم وتتصارع حقبا طويلة قبل أن تقتنع بان الوطن كله أصبح في مهب الريح وان خطرا داهما يتهددها جميعا، وان التفكير السليم يقول بان ما يجمعها من مصالح أقوى مما يفرقها، وأنه آن الأوان لكيما تلتقي بجدية واخلاص لصياغة واقع جديد في السودان. أما الوسائل والأسلحة فتتلخص في الحوار واسع بين مختلف الفصائل حول الأزمة السودانية والحلول المقترحة للخروج منها، و لاشك أن قمة الإنجاز هنا تمثلت في مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية. ومن الوسائل أيضا العمل على دعم توجهات الحركة الجماهيرية في الداخل، إضافة إلى أنشطة التجمع وجهوده في مجالات الإعلام وكشف انتهاكات حقوق الإنسان ومحاصرة النظام دبلوماسيا وسياسيا وعسكريا. ورغم كل هذا يظل السؤال المشروع قائما: هل ما أنجزه التجمع في الخارج في خلال السنوات الماضية يرقى إلى المستوى المطلوب من حيث إرساء الدعائم اللازمة للخروج بالسودان من أزمته المزمنة و العبور به إلى واقع جديد يلبي طموحات شعبنا الصامد الصابر؟ هذا موضوع آخر.

س5- الأحزاب تعمل من أجل عودة الديمقراطية... والحركة الشعبية من أجل تحرير السودان بما فيه الأحزاب..ماذا يعني هذا بالنسبة للحزب الشيوعي السوداني؟ أعني كيف يمكن التوافق بين هذين الهدفين المتعارضين؟ أيضا فإن علاقتكم كانت متواصلة مع د.جون قرنق خاصة عندما كان يرفع شعار الإشتراكية أو لنقل الماركسية..هل لازلتم تتواصلون معه بالرغم من تحوله إلى الغرب الذي يقدم له الدعم والمؤن والسلاج؟ 

ج5- لم نلمس في أي مستوى، قيادي أو قاعدي، في الحركة الشعبية دعوة لتحرير السودان من الأحزاب! لم نلمس ذلك في أي من لقاءاتنا معها أو عبر مساهماتها في التجمع، أو في أدبياتها أو في نتائج لقاءاتها الثنائية مع القوى السياسية المختلفة. وعموما فأن علاقتنا مع الحركة الشعبية لا علاقة لها بالإشتركية أو الماركسية أو الغرب أو الشرق، وإنما ترتكز على ثلاثة نقاط استراتيجية واضحة: أ- وحدة السودان على أسس طوعية تراعي واقع التعدد والتنوع العرقي والديني والثقافي..الخ. ب- التعامل مع مشاكل السودان المختلفة باعتبارها قومية الأصل بما في ذلك مشكلة الحرب الأهلية في الجنوب.ج- مشروع التجمع الوطني الديمقراطي لحل الأزمة السودانية.

س6- إنسحاب حزب الأمة من التجمع هل كان مبررا؟..هل كان له تأثير على مسيرة التجمع.. و إلى أي مدى؟

ج6- كون الانسحاب كان مبررا أم لا..هذه مسألة تقديرية، فقد تتمسك بأنه لم يكن مبررا في حين يصر الحزب على أنه كان مبررا! وعموما فإن تلك الخطوة كانت في تقديري مرتبطة بتقييم حزب الأمة للحالة السياسية في تلك الظروف المعينة. وبالطبع فإن الإنسحاب ترك آثارا سلبية على مسيرة التجمع وعلى حزب الأمة نفسه وإن لم تصل إلى درجة التوقف.

س7- تمارس الأحزاب السياسية الآن نشاطها بنسبة معقولة إلى حد ما.. لماذا لا يستغل الحزب الشيوعي هذا الهامش من الحرية والعمل علنا وسط الجماهير؟

ج7-  أولا أعتقد أن الهامش الذي تشير إليه هو نتاج واضح للنضال والتضحيات التي بذلها الشعب السوداني ويبذلها كل يوم، ممارسا ضغطه على النظام لكي يعود إلى أرض الواقع ويرضى بالتعامل مع طبيعة الأشياء. لكن لماذا الهامش؟ لم لا تتوفر الديمقراطية والحرية كاملا؟ عموما أي هامش يتوفر نحن لن نتردد في إستثماره لصالح توسيعه حتى تتحقق الديمقراطية كاملة. لكن من الصعب أن يظل الأمر في وضعية الهامش لفترة طويلة. فالهامش دائما مؤقت وهش، وهو في الحقيقة تعبير عن حالة من حالات التوازن بين النظام والمعارضة، حالة توازن الضعف أو الإرهاق!! لكن عاجلا أم آجلا ستميل كفة هذا التوازن إلى صالح أحد الطرفين. ونحن نعلن بكل وضوح أننا نعمل على ميلها لصالح كفة الديمقراطية، لصالح تحقيق السلام والديمقراطية والوحدة والتنمية. فهل هناك من يرى في هذا مؤامرة؟! الحركة الجماهيرية تستفيد من هامش الحرية لصالح تحقيق المزيد من مطالبها المشروعة (والشرعية) مثل توفير الحريات النقابية، المطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية ورفع المعاناة أو تخفيفها، وقف الحرب...الخ، والنظام أيضا يستفيد، فهو يستخدم الهامش كآلية "التنفيس" لتخفيف الضغط عليه منعا للانفجار، كما يسعى لتحويل الهامش إلى حالة الوفاق حسب منظوره هو والمتمثل في انخراط الآخرين فيه، كما يستخدم الهامش أيضا للمراقبة الأمنية على الآخرين الذين يخففون من قيود العمل السري في ظل هذا الهامش، ومن ثم يوجه ضرباته لهم كما يفعل الآن!!

س8- نظام الحكم استمر أكثر من ثلاثة عشر عاما..وواجه حصارا وعقوبات دولية..إلى ماذا ترجع صموده وبقاءه؟ ولماذا لم تقم ضده انتفاضة شعبية وهي سلاح راهنتم عليه طويلا؟

ج8- صمود النظام وبقاءه يعود في تقديري إلى عدة عوامل، ليس من بينها قوة النظام نفسه، فمادام النظام لا يقدم حلولا لقضايا المواطنين ولا يستجيب لهمومهم ولا تنتظر الجماهير منه ذلك، ومادام لا يحكم بقوة الاقناع والسند الجماهيري وإنما بقوة البطش وسطوة الأجهزة، وما دامت نذر الحرب الأهلية تتوسع في الجنوب والغرب والشرق، ومادامت الانقسامات تعصف به، ومادام الفساد يعشعش في كل ركن من أركانه..نظام كهذا لايمكن أن يكون قويا، كما أن قوة أجهزة النظام ليست دليلا على قوته، ويكفينا دليلا انهيار نظام النميري رغم سطوة أجهزته. صحيح أن القمع والإرهاب من ضمن عوامل صمود النظام وتأخر الانتفاضة ضده، رغم أن الحركة الجماهيرية تغلبت على هذا العامل منذ فترة، وبرزت حالة انتعاش في المناخ السياسي وتبلورت معالم حركة سياسية معارضة فرضت نفسها في الداخل وعلى أجهزة إعلام السلطة وتصريحات قادتها. لكن رغم ذلك فإن العامل الآخر يكمن في ضعف النشاط المعارض الذي لم يبلغ بعد القوة الكافية، وكذلك تباين أساليب عمل القوى السياسية مما يعيق ترجمة النشاط المعارض إلى عمل تنظيمي ملموس في وجهة التحضير للانتفاضة، إضافة إلى الإشارات السالبة التي تساهم في دفع الجماهير إلى حالة الترقب السلبي والناتجة من: أحاديث المصالحة والوفاق، الخلافات وسط المعارضة، التضخيم المفتعل لدور العمل العسكري في الخارج...الخ. و بالمقابل لا يمكن تجاهل حركة الاحتجاجات الواسعة التي تعم البلاد اليوم وسط قطاعات العاملين والمهنيين والمزارعين والطلبة. صحيح أن الوجهة العامة لهذه الحركة هي الاحتجاج على سياسات السلطة في مسائل محددة ومطالب محددة فهي مدخل الجماهير لمعالجة مشاكلها الضاغطة، ولم ترتقي بعد لحركة احتجاج سياسي شامل ضد النظام، كما يصعب الآن وضع سيناريو أو إطار لتطويرها. لكن النظرة الموضوعية – بعيدا عن حالات الإحباط المؤقت – والتي لا تتجاهل هذه التطورات، لا يمكن أن تسقط خيار الانتفاضة ولا يمكن الحديث عن ضيق فرصها مهما بدا على السطح من ركود الحركة وعدم تجاوبها العام مع هذه المظاهرة أو تلك من تحركات سخط الجماهير. وعموما نحن لسنا من دعاة تحديد تاريخ معين للانتفاضة أو سقوط النظام، ونعتقد أن مثل هذا التحديد غير ممكن في كل الأحوال.

س9- التجمع الوطني الديمقراطي لايشارك في مفاوضات السلام ولا الأحزاب السياسية الكبيرة.. ولكنها تمضي وبرعاية أفريقية ودولية...هل تتابعون هذه المفاوضات؟ هل ستوافقون على نتائجها؟ وهل توافقون على ما توصلت إليه حتى الآن من اتفاقيات ستقود بالتالي إلى الاتفاق النهائي؟

ج9- نعم نتابع المفاوضات من خلال وجود لجنة مختصة للتنسيق مع وفد الحركة المفاوض، ومن خلال اجتماعات هيئة قيادة التجمع التي تناقش سير المفاوضات على ضوء التقارير التي يقدمها لها د.جون قرنق، ومن خلال لقاءاتنا مع الوسطاء والمراقبين. ولابد من التشديد هنا بأن هذه المتابعة لاتعني تراجعنا عن موقفنا الثابت منذ بدء المفاوضات حول الرفض التام والثابت لمنهج التجزئة الذي تسير عليه عملية التفاوض. وأعتقد أنك تتفق معي بعدم جواز تحديد موقف من نتائج المفاوضات قبل ظهور هذه النتائج. وأعتقد أيضا أنك تتفق معي تماما على أن أي نتائج للمفاوضات لا تحظى بقبول ورضى الشعب السوداني ستفشل مهما رضي عنها طرفا التفاوض. لقد درسنا نتائج المفاوضات التي توصل إليها الطرفان حتى الآن، كما أخضعنا دراستنا هذه لمناقشات واسعة شارك فيها عدد كبير من المختصين والباحثين والأكاديميين، وكل ذلك انطلاقا من قناعتنا بأن المفاوضات جزء من الصراع السياسي والاجتماعي في البلاد ولابد أن نتعامل معها على هذا الأساس. وأضافة إلى اعتراضنا الأساسي والجوهري على منهج التفاوض، لدينا اعتراضات وانتقادات عديدة على بروتوكول مشاكوس ومذكرة التفاهم الموقعان بين الطرفين، مع تأكيدنا بأن البرتوكول ومذكرة التفاهم يمثلان خطوة للأمام يمكن أن تفتح الطريق لحل سياسي شامل.وأردفنا هذه الانتقادات بجملة من البدائل والمقترحات سلمناها إلى وفد الحركة المفاوض والوسطاء والمراقبين. 

س10- ما هو موقف الحزب الشيوعي من تقرير مصير جنوب السودان؟

ج10- موقف الحزب الشيوعي يتطابق مع ما جاء في مؤتمر التجمع الوطني للقضايا المصيرية المنعقد بأسمرا في يونيو 1995، والذي أشارإلى أن تقرير المصير حق أصيل وأساسي وديمقراطي، وآلية لوضع نهاية فورية للحرب الأهلية، ويسهل ترسيخ الديمقراطية والسلام والتنمية. وقد ظل حزبنا يؤكد أنه بعد إجماع الحركة السياسية السودانية على تلك المقررات تلوح أمامها فرصة تاريخية لتعيد بناء جسور الثقة وتعبد طريق الوحدة الذي يبدأ بأستعادة الديمقراطية وإرساء البديل المتفق عليه في ميثاق التجمع ومقرراته. وفي نفس الوقت فإننا نشدد على موقفنا المنحاز إلى خيار وحدة السودان: وحدة طوعيه تقوم على الديمقراطية والإرادة الحرة، وتتأسس على إعادة صياغة الدولة السودانية لتستوعب مضامين النظام السياسي المدني الديمقراطي التعددي، ولتراعي العدالة في توزيع السلطة وفي التنمية واقتسام الثروة، ولترسخ هوية سودانية تجمع في تكامل بين الوحدة والتنوع وتتأسس على واقع تعدد الديانات والثقافات والقوميات في بلادنا والذي يجب أن يكون مصدر خصب وثراء لهويتنا السودانية، لا سببا في صراعات دامية مريرة.

س11- ألا تتفق معنا د.الشفيع أن غياب قيادات الأحزاب عن الساحة السياسية في السودان قد أتاح الفرصة لقيام المؤتمر الوطني واتاح له فرصة استقطاب معظم قواعد الأحزاب في السودان؟

ج11- لا أتفق مع هذا التحليل. فالمؤتمر الوطني ليس حزبا جديدا بالمعنى الحرفي وإنما هو نتاج صراعات وانقسام الجبهة الإسلامية حول السلطة. قد يكون هذا الحزب قد استقطب طلاب السلطة والثروة وسط الحركة الإسلامية ومن خارجها، لكن لا أعتقد أنه استقطب قواعد الأحزاب الأخرى. كما أن الحكم بغياب قيادات الأحزاب عن الساحة السياسية في السودان ليس صحيحا في تقديري.

س12- سقوط المنظومة الشيوعية...إلى أي مدى كان تأثيره على فعالية الأحزاب الشيوعية، والسوداني خاصة؟

ج12- إنهيار المعسكر الإشتراكي زلزال عنيف هز ساكن التجربة الاشتراكية، وسطر في العقد الأخير من القرن العشرين معالم بارزة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من تاريخ البشرية. وقطعا فإن كل الأحزاب الشيوعية، بما فيها حزبنا، قد تأثرت بالحدث وخيمت عليها أجواء الأزمة والهزيمة. بالنسبة لحزبنا فقد صممنا منذ البداية بأن إنهيار التجربة لا يعني إنهيار حزبنا، ومن ثم فتحنا مناقشة عامة حول التجربة هي الأعمق والأولى من نوعها في تاريخ الحزب، بمعنى قررنا أن ينعكس إنهيار التجربة في تنفيذ مشروع تجديد الحزب. قد تسمع من بعض الأحزاب في منطقتنا إشارات تنفي عن نفسها أي مسؤولية تجاه القصور والتدهور الذي شاب التجربة الإشتراكية، لكن في تقديري هذا غير صحيح. فلقد ظللنا ننظر إلي المعسكر الاشتراكي باعتباره لوحة زاهية ومكتملة ومتقنة. واتجهنا إلي شعوبنا، وهي تتلمس طريقها بعد التخلص من نير الاستعمار، فأخذنا نعرض عليها هذه اللوحة ساعين لإقناعها بالاشتراكية. وكانت أحزابنا تتحدث عن المعسكر الاشتراكي كنموذج لا يقارن بالرأسمالية من حيث الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية الحقيقية وإشباع حاجات الجماهير المادية الروحية وانعدام الأزمات واستعداد الجماهير للدفاع عنه حتى الموت…الخ. وبالطبع الآن تأكدنا و تأكدت جماهيرنا بأن ما كنا نقوله لم يكن كله صحيحاً. هذه الأحزاب لم تكن تخادع أو تنافق وأنما تلك كانت قناعتنا فعلاً. بل لقد ترسخ في وعي العديدين منا وهم أن الاشتراكية قد أكتمل بناؤها وأن العقود القادمة ستشهد بناء الشيوعية وأن أي طرح يخالف ذلك إنما يأتي من المعسكر المعادي للإشتراكية، معسكر الثورة المضادة! وفي الحقيقة لا يستطع أحد أن ينكر أن الواقع الاجتماعي للبلدان الاشتراكية آنذاك كان يمثل بالنسبة لشعوب البلدان النامية قوة جاذبية واضحة. فإنهيار المعسكر الإشتراكي لن يلغي مأثرة الاشتراكية في تاريخ البشرية، إذ كيف يمكن تجاهل ما قدمته الاشتراكية لشعوبها من مكاسب اجتماعية وإقتصادية، كما كيف يمكن تجاهل مأثرة المعسكر الإشتراكي في ما قدمه من دعم هائل بلا حدود وفي كافة المجالات لشعوب العالم الثالث وهى تناضل من أجل التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي؟ وكيف يمكن تجاهل ما حققه المعسكر الإشتراكي من توازن عالمي شل قدرات الرأسمالية والغرب في التلاعب بمصائر الشعوب كما تشاء وكما يحدث اليوم؟ وفي اعتقادي فإن الأحزاب الشيوعية في منطقتنا لم تعمل النظرة النقدية في تجربة بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي ودول شرق أوربا، وأهملت الدراسة العميقة لجوانب التجربة باعتبارها المثال الذي تناضل من أجله بلداننا. كما أن هذه الأحزاب كانت تقدم إلى جماهيرها التجربة الإشتراكية في صورة مثالية مطلقة مع إضفاء الصفات الملموسة لجوانب إيجابية هي موجودة نظريا فقط، وفي نفس الوقت تتجاهل جوانب سلبية موجودة بالفعل وبالملموس وبمستوي رهيب. صحيح أن حالة الركود والجمود التي آلت بالتجربة الاشتراكية والفكر الماركسي تركت آثارها العميقة علي أحزابنا لكن نحن المسؤولين عن ترسيخ هذه الآثار في وعينا وسيطرتها علينا.

س13- هل يعني سقوط الماركسية اللينينية أنها نظرية لم تعد تواكب العصر؟ وهل لاتزالون متمسكون بها؟

ج13- هذا السؤال مرتبط بالسؤال السابق، لذلك أواصل وأقول أنه بعد انهيارات المعسكر الاشتراكي طرحت في الحزب عدة خيارات محورية ورئيسية: هل في استطاعة حزبنا مواجهة الأزمة التي حدثت بتفتت المعسكر الاشتراكي ودخول الفكر الذي كان يعبر عن أيديولوجية الحزب في أزمة، وبالتالي تقويم تلك التجربة وفق دراسة نقدية، وكذلك تقويم تجربة حزبنا منذ تأسيسه، ومن ثم، وعلى أساس التطورات والمتغيرات العاصفة التي يشهدها العصر، يجدد الحزب كيانه ومنطلقاته النظرية وبرنامجه ودستوره ونظامه الداخلي ومناهج عمله وحتى اسمه؟؟ أم نتعامل وكأن ما حدث لا يعنينا في شيء؟ أم ننفض أيدينا من كل الموضوع وكأننا انتبهنا فجأة للصراط المستقيم؟ الحزب اختار الخيار الأول ولذلك تدور في حزبنا الآن أوسع وأعمق مناقشة منذ تأسيسه. مناقشة لا يمكن أن تحسمها قيادة الحزب أو حلقة كادره، وانما تتطلب مساهمة كافة عضويته وأصدقائه وحلفائه والقوى الوطنية المهتمة بقضايا تطور الثورة السودانية. وباختصار يمكن القول بأن المناقشة في الحزب تدور في ثلاثة محاور رئيسية هي:

 المحور الأول يعالج: 1/ دراسة الأسباب الذاتية والموضوعية لانهيار التجربة الاشتراكية ، و الدروس المستخلصة من فشل النموذج السوفييتي، وهوية ذلك النظام. 2/ إهمال الثورة العلمية التكنولوجية هل ضربنا في مقتل أم لا؟. 3/ العولمة ومشاكل العالم الثالث حيث سرت قضايا المتغيرات كالمخدر دون أن ننتبه لها في منطقتنا حتى جاء الطوفان. 4/ الخصخصة واقتصاد السوق، مشكلة الديون، قضايا حقوق الإنسان، حركة عدم الانحياز، دور الأمم المتحدة…الخ.

المحور الثاني يعالج قضايا نظرية متعلقة ب: 1/ ما هي مظاهر الجمود في الفكر الماركسي، وأين هي جذوره؟ 2/ كيف نقيم إسهامات كلاسيكيي الماركسية؟ 3/ ما هو أثر انهيار التجربة السوفيتية على الماركسية؟ 4/ هل انتهى دور النظرية العلمية ليسود الفكر البراغماتي التجريبي؟ 5/ كيف نفسر ظاهرة تفاقم العنف العرقي والديني التي انفجرت في أكثر من موقع (وليس أفريقيا فقط)؟ 6/ مسألة الاستخدام السياسي للدين والتي فرضت نفسها في الواقع المعاصر. 7/ المستجدات في قضية المرأة…الخ.

المحور الثالث يعالج قضايا متعلقة بالحزب الشيوعي السوداني: التقييم الموضوعي لتجربته، هويته، نشأته، مقومات بقائه، ما هي الأسباب التي عاقت تطوره وقلصت مساحته الجماهيرية؟، كيفية تجديد برنامجه، دستوره، قيادته، توسيع الديمقراطية في حياته الداخلية؟، ما هو الاسم الملائم له؟

لقد قطعنا شوطا بعيدا في هذه المناقشة بحيث أصبحت لدينا الآن خيارات وبدائل عدة، نسعى لتوفير الماعون الملائم لحسمها ديمقراطيا.

س14- ما يدور الآن في الشرق الأوسط.. وإحتلال العراق.. وعجز الدول العربية.. ما هو تفسيرك لما يحدث؟               

و إلى أين يسير بالأمة العربية؟

ج14- السؤال يطرح موضوعا واسعا ومتشعبا من الصعب تناوله في هذا الحيز المحدد. لذلك أكتفي ببعض النقاط المختصرة والتي آمل أن تكون واضحة: أ- غض النظر عن أي تفسيرات عسكرية فنية، أعتقد إن نظام صدام انهار سريعا لأنه كان معاديا لشعبه. ومن الواضح أن صيحات استثارة الحمية القومية أو الوطنية لن تجدي في تحريك الجماهير للدفاع عن نظام يقمعها ويخنقها ولا يحمي مصالحها، مهما تدثر هذا النظام بأردية التقدمية أو معاداة الإمبريالية أو القومية العربية أو الإسلام. ب- منذ إنهيار المعسكر الإشتراكي وأمريكا تبحث عن ذريعة ومبرر لترجمة أحادية القطب إلى استراتيجية سياسية وعسكرية لفرض هيمنتها على كوكب الأرض. وجاءت أحداث 11 سبتمبر وكأنها وفرت هذه الذريعة. وهكذا بعد عاصفة الصحراء وضرب أفغانستان وإحتلال العراق، وضعت أمريكا يدها على المفاصل الحاسمة لمصادر الطاقة في آسيا الوسطى وبحر قزوين والجزيرة العربية، واحتلت موقعاً فاعلاً في قلب المثلث النووي الأسيوي: الصين، الهند، باكستان، كما استكملت تطويق إيران، وهيئت بالتالي الأجواء الملائمة لفرض تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي لصالح إسرائيل واللوبي الصهيوني! ج- الحرب على العراق حرب عدوانية فرضها تحالف أحادية القطب الذي يسعى لتمرير سياساته بقوة الحديد والنار. وعندما يرد في أجهزة الإعلام ذكر "قوات التحالف" التي تحتل العراق يتبادر إلى ذهني تحالف أحادية القطب الذي تمثله عدة دوائر في الغرب منها: المجمع الصناعي العسكري الذي يسعى لتجاوز الركود وإنعاش الاقتصاد بعد أن انحسرت مصالحه نسبياً بنهاية الحرب الباردة، احتكارات البترول العملاقة، آليات الشكل المعاصر للهيمنة والعولمة الإمبريالية ممثلة في الاحتكارات متعددة الجنسية ومجموعة السبعة الكبار و آليات عولمة رأس المال عبر منظمة التجارة الدولية، البنك الدولي، صندوق النقد...الخ. د- السيف المسلط على الرقاب اليوم هو الحرب على الإرهاب! كلنا ضد الإرهاب وكلنا يعلم من خلق وغذى الإرهاب. في أكتوبر 2001 أكد حزبنا رفضه وإدانته للإرهاب، لكنه شدد على رفض خيار المصيدة: إما مع أمريكا أو مع الإرهاب! نحن ضد الإرهاب، وبذات الإرادة والمنطق ضد انحياز أمريكا لإسرائيل وتبرير إرهابها لشعب فلسطين، وانفرادها بامتلاك أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط! ومع إدانتنا للارهاب، لا نسلم لأمريكا بحق التعريف وحيد الجانب للإرهاب، أو حق وضع قاموس جديد للمصطلحات وتفسيرها، وحق ان تنفرد بوظيفة الاتهام والقضاء والجلاد. وفي ذات السياق، لنا قاموسنا الذي يدعم نضال فتح وحماس والشعبية والجهاد والديمقراطية وحزب الله، لأنه امتداد لنضالنا الوطني ضد اغتصاب الأرض والوطن.

س15- بإسم الديمقراطية أحتل العراق...هل لاتزالون تضربون المثل بديمقراطية أمريكا وبريطانيا.. وماهو شكل الديمقراطية التي تطالبون بها؟

ج15- من قال أننا نضرب المثل بديمقراطية أمريكا وبريطانيا؟ صحيح أننا نتمسك بالديمقراطية التعددية ولكن ليس على النمط الأمريكي أو البريطاني! دعنا نتناول هذا الموضوع ببعض التفصيل: نحن نرى أن قضية الديمقراطية تمثل حجر الزاوية بالنسبة لأي تجربة أو نظرية تعنى بحل مهام الثورة الاجتماعية والتطور الاجتماعي. وبقدر اقتراب هذه التجربة من تبني الديمقراطية بمعناها الواسع والشامل والمباشر، بقدر ما تقترب من تقديم حلول صحيحة لقضايا التطور مهما كانت صعوبات ودرجة تعقيد هذه القضايا. قد تتعدد أشكال الممارسة الديمقراطية، وليس الديمقراطية نفسها، وهذا شيء طبيعي مرتبط بالسمات الخاصة لكل بلد وكل مجتمع. لكن مهما تعددت أشكال الديمقراطية فإن جوهرها واحد وثابت تمثله مجموعة من القيم والمبادئ الثابتة التي لا يجوز مطلقا في الزمان والمكان التخلي عن إحداها أو الانتقاص منها. هذه القيم والمبادئ تشمل ما يعرف بالحقوق والحريات الأساسية وضمان الاستمتاع بها من فبل أي فرد أو مجموعة. وأي شكل من أشكال الممارسة الديمقراطية مهما تفنن أصحابه في تسميته: الديمقراطية الليبرالية أو الديمقراطية الاشتراكية أو الديمقراطية الشعبية أو الديمقراطية الثورية أو الشورى الإسلامية أو ديمقراطية التوالي… الخ، لا يمكن أن نوافق على تسميتها بالديمقراطية ما لم يعبر عن تلك القيم والمبادئ الثابتة. ولكن كثيرا ما يعتقد بأن هذه القيم والمبادئ، مثل التعددية والفصل بين السلطات وحرية التعبير والتنظيم والمعتقد...الخ، هي سمات خاصة بالديمقراطية الليبرالية وحدها، و ليس بالضرورة أن تكون متضمنة في أي شكل من أشكال الممارسة الديمقراطية. وهذا بالطبع اعتقاد خاطئ رغم أنه نابع من أسس موضوعية، إذ أن الديمقراطية الليبرالية هي أول من صاغ تلك القيم والمبادئ ـ الحريات والحقوق ـ بشكل مؤسس ومباشر وهي بذلك تعد مأثرة عظيمة وإنجاز تاريخي حققته الثورة البرجوازية بعد ظلام العصور الوسطى . لكن الديمقراطية الليبرالية ليست هي الشكل الأرقى للممارسة الديمقراطية. فمع تطور الرأسمالية ظهرت محدودية هذا الشكل وتشوهاته بحيث تحولت هذه الممارسة إلى وهم جميل الطلعة (نتدخل هنا بجملة اعتراضيه فنقول أن هذا الوهم كان ولا يزال يشكل جاذبية قوية بالنسبة لأقسام واسعة من شعوب العالم الثالث وشعوب المعسكر الاشتراكي السابق مقارنة بالأوضاع التي تعيشها هذه الشعوب). فليس كافيا إن تقف الديمقراطية عند حدود السماح للجماهير بالتعبير عن رأيها فقط من دون المشاركة في اتخاذ القرار! وفي هذا السياق  يحق التساؤل حول هل شارك الشعب الأمريكي في اتخاذ القرار الخاص بدعم أمريكا المطلق لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني؟ والقرار الخاص بتدمير أفغانستان؟ والقرار الخاص بتدمير العراق؟..الخ. ورغم كل ذلك فإن الديمقراطية الليبرالية لم تستنفذ أغراضها بعد، ونحن لا نطالب بنسخها أو إلغائها، و إنما تطويرها والبناء فوق منجزاتها باستخدام مبدأ النفي الجدلي، وإنطلاقا من حقيقة أن تعدد أشكال الممارسة الديمقراطية يعتمد على تعدد وتنوع الأرضية التي يتم فيها هذه الممارسة. فالتعددية الليبرالية مثلا أخذت تنمو وتزدهر مع تطور القاعدة الاقتصادية للثورة الصناعية في الغرب بحيث أخذت شكلها المكتمل مع ثبات ورسوخ هذه القاعدة، لذلك فهي ممارسة راسخة وناضجة في البلدان الرأسمالية الصناعية في حين أنها هشة وركيكة حين تمارس في بلدان العالم الثالث ومعرضة دائما للمصادرة لا بشكلها فقط وإنما حتى بقيمها ومبادئها الثابتة والمطلقة. لتأخذ مسالة التعددية الحزبية في بلد كالسودان مثلا. ففي التجارب الثلاث للممارسة الديمقراطية في بلدنا، بعد الاستقلال وبعد أكتوبر وبعد انتفاضة 1985، كنا نطبق الأسلوب الليبرالي المعروف بأسلوب "وستمينستر" وكان واضحا فشل هذا الأسلوب على الرغم من أن بدائله كانت أسوا منه بما لا يقارن (انقلاب 17 نوفمبر1958 وانقلاب مايو1969 وانقلاب يونيو1989) لكن فشل الأسلوب أو الممارسة لا يعني فشل المبدأ ذاته. بمعنى آخر المطلوب هو وضع صيغة للمارسة التعددية في بلادنا تراعي بشكل دقيق الخصائص المميزة للواقع السوداني ومثل هذه الصيغة من السهل جدا التوصل إليها إذا ما اجتهدت كل الأطراف المؤمنة بالتعددية من اجل ذلك وفي إطار حوار حر ديمقراطي . أما أن ينتفض أحد أطراف الحركة السياسية ليعلن فشل التجربة الديمقراطية في بلادنا وأنه يمتلك البديل الملائم لها، فأنه في الواقع العملي يفرض بالقوة تصوراته الخاصة حول حكم السودان في حين يتجاهل تصورات الآخرين بل ويلغي وجودهم وينتهك حقوقهم بقرار منه. وهذا الموقف سواء أدعى الطرف المنتفض أنه موقف ثوري أو نابع من قدسية إلهية هو موقف ديكتاتوري عقيم وهو بداية السير في النفق المظلم والمسدود، لان الديمقراطية وحدها هي مفتاح السير في طريق التطور المتصاعد وهي المخرج من الأزمات الطاحنة التي ظلت تعصف ببلادنا منذ الاستقلال.

فبدون مراعاة واحترام لحقوق الإنسان وبدون مراعاة واحترام للتعددية والتنوع وبدون حريات غير مقيدة للصحافة والتنظيم والتعبير وبدون صراعات فكرية وبدون تنافس انتخابي حر، وبدون ربط الديمقراطية بتوفير لقمة العيش....الخ، يصبح المجتمع يعيش فقط شبه حياة، وهذا يعني عرقلة مسار التطور الاجتماعي.

س16- متى العودة إلى السودان...وماهي شروط العودة للبلاد؟

ج16- أعتقد أنك تشير إلى بعض التصريحات المنسوبة إلينا حول هذا الموضوع. جوهر ما وددنا قوله هو أننا نرى أن تطورات الصراع السياسي في البلاد فرضت واقعا جديدا قوامه أن مركز الثقل في العمل السياسي أصبح الآن في داخل السودان. وتمشيا مع هذه الحقيقة طرحنا في الاجتماع السابق لهيئة قيادة التجمع ضرورة أن نشرع في التفكير الجاد لبحث كيفية انتقال مركز ثقل النشاط المعارض، بما في ذلك التجمع، إلى الداخل أيضا، وذلك من خلال تبني استراتيجية وتكتيكات جديدة يشرع التجمع في تنفيذها من الآن، دون أن يختزل الموضوع في مجرد عودة بعض الكوادر إلى الداخل وإن كان هذا سيكون من ضمن بنود هذه الاستراتيجية. وافق الاجتماع على هذا الطرح ووضع برنامجا للعمل اشتمل على عدة محاور منها: ورش عمل في الداخل والخارج، توفير كل سبل الدعم للعمل السياسي والجماهيري في الداخل، تحرك سياسي ودبلوماسي في الخارج، مخاطبة الوضع المتفجر في دارفور، التنسيق مع القوى المعارضة خارج التجمع، وكذلك التنسيق مع المنظمات المدنية العاملة في مجالات السلام والاستعداد للمرحلة المقبلة، التحضير للفترة الانتقالية، الإهتمام أكثر بوضع فصائل التجمع العاملة في الأطراف والتأكد من وجود ممثلين لها في تجمع الداخل، إعادة النظر في هيكل التجمع ليكون مبسطا وأكثر فاعلية.....ثم تتويج هذا البرنامج بعقد المؤتمر الثالث للتجمع الوطني في اكتوبر القادم.
 

نقلاً عن صحيفة الأضواء السودانية



#كمال_حسن_بخيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بوتين: لدينا احتياطي لصواريخ -أوريشنيك-
- بيلاوسوف: قواتنا تسحق أهم تشكيلات كييف
- -وسط حصار خانق-.. مدير مستشفى -كمال عدوان- يطلق نداء استغاثة ...
- رسائل روسية.. أوروبا في مرمى صاروخ - أوريشنيك-
- الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 80 صاورخا على المناطق الشم ...
- مروحية تنقذ رجلا عالقا على حافة جرف في سان فرانسيسكو
- أردوغان: أزمة أوكرانيا كشفت أهمية الطاقة
- تظاهرة مليونية بصنعاء دعما لغزة ولبنان
- -بينها اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة والصاروخية -..-حزب ال ...
- بريطانيا.. تحذير من دخول مواجهة مع روسيا


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال حسن بخيت - لقاء صحفي مع د. الشفيع خضر سعيد - السودان