|
احذروا غات !
أحمد الفيتوري
الحوار المتمدن-العدد: 1782 - 2007 / 1 / 1 - 09:10
المحور:
الادب والفن
كل الطرق تؤدي إليها. اتخذ الصحراء مسلكا، الرمال دليلا. ومن السراب؛ الضوء الشحيح الذي يتوه فيه عن كل الطرق المؤدية إليها.
غات واحة السحر ؛ السحر تقنية الوهم صناعة آل الخفاء ، غات كاف الجنون النبع أو أصل الجان ، نسج المخيال وخيط الزوال من حيث سرق إبراهيم الكوني أكاذيبه الكبرى وحتى الصغرى فأدعى – والادعاء من صفات النبوة – أنه راوي واحة السحر . بعد أكثر من ألف وأربعمائة كيلو متر في حساب جمل حديدي من نوع تويوتا ؛ من عاصمة إمبراطورية الرمل ؛ ليبيا ، ينبثق جبل الجنون، يطلع فترى خفاه و لا تراه. ترى تمشهدا سينمائيا : يعد مخرجوا أفلام الجريمة مسرح الجريمة، بتجهيزه بعتمة مزرقة ومكان لا ملامح له رغم شدة حضوره، في الخلفية المتجلي يبدو للناظر شبحا . كاف الجنون عملاق يعتمر عمامة من العتم الرمادي المزرق. سيوف الرمل شمال الطريق القطرانية اللون ، تبرق السيوف فيما يندس جبل الجنون في عتمة الشمس الواضحة الغموض. ليس من الأساطير في شيء أن شوهد الجن يلاعب أفراخه أو يتاعشق. متوكدا رأيتك هناك كما لم أراك قبل ، كنت سيدة كاف الجنون ولمحتني بي مس كما لم ألمحني . غات واحة السحر ، كاف الجنون مرآتها . كذا غات كذبة لا يصدقها غير الصادقين . كذا كاف الجنون كذبة لا برهان لها غير العاشقين؛ وكنت منهم فاندسست في معشر الجان كما يندس جبل الجنون في عتمة الشمس الغامضة الوضوح؛ أو كما خيل له !.
في صحراء غات. اغرورقت ساحة المهرجان، بالرقص وغص القلب بأنين وحيد.
هذا المشهد الشعري سوف يفسده النثر الركيك لمهرجان غات السياحي في دورته الحادية عشر ، وفعل الدولة المفسد للعفوية. براء الصحراء من الفعلة . في الليلة الأخيرة من العام الرابع في الألفية الثالثة كنت في ساحة قلعة غات: أنين منبثق من حقب يكتم أنفاسها الزوال ؛ كان المغنى الطارقي معزوفة الزوال كما أن إبراهيم الكوني كاتب المرثية . ليبيا شعوب والصحاري الليبية مسارب والطارقي أصل زائل، كذا تنبئك غات في مهرجانها في دورته الحادية عشر ، في الليلة الأخيرة من العام الرابع من الألفية الثالثة؛ كنت في ساحة قلعة غات وما كنت، كنت سيدة كاف الجنون ولمحتني بي مس كما لم ألمحني . غمرت الأنوثة الغاتيه ساحة القلعة قبيل منتصف الليل ، في مغاغير الجبل الذي بنيت فوقه القلعة أشعل الفتيان النيران ، على المسرح موسيقي غاتيه خلائط طارقية وزنجية وعربية، أصوات حادة وقوية تدخل الآذن حيث صمت الصحراء مكبر كل صوت . لعلعت لغة طارقية من حناجر ليبية وجزائرية ونيجيرية ، صدحت غات بما كتمت. لم أفهم رطانتهم لكنها زلزلت المكان والكيان معا، أو كما فعلت وجوه الطارقيات الحسان؛ أجساد بضة ملتفة بالسماوي، عسل قارورته قطعة من السماء ، متبرج وسيد الألوان فالجسد مهرجان كل لون . نسوة كما مسك الليل إن لم تنتبه له لف عنقك ، إن كنت غشيما نبهك، نسوة من عيون غامرة فهي كهوف الضوء ومنها ينبثق النور، الشمس الغامضة الوضوح ؛ أو كما خيل له ! : كنت في ساحة قلعة غات وما كنت، كنت سيدة غات. حين وصلنا صحبة الصحابي غير الجليل والترجمان والصديق سالم مهدودي الحيل ، لم نجد ملاذا فالسياح الأوربيين طبعا حجزوا بما توفر لهم كل مطرح ، وبعض من ليبيين يعملون فيما عرف وما خفي ، أكملوا ما بقي . اتجهت إلى المسؤلين فردا فردا لم يعرنا أحد اهتماما ، صرحت بأني: صحفي وقادم من صديقك محمود البوسيفي نقيب الصحفيين الليبيين؛ قلت ذلك لأكبر مسؤل في البلدة ، كأن ذلك علامة أن: اتركوهم يناموا في هذا البرد الغاتي حتى النخاع، هم أتوا للصحاري الليبية فليذوقوا طعم طريق دون علامات، وطريق غير مسفلت ، وعوز في الحياة، فما بالك بالسياحة والصحافة . هكذا لسان حالهم !. تشاركية قافلة الصحراء السياحية قفلت أبوابها في وجهنا ، وباعتنا في سوق النخاسة للسمسار بيوت يدعى متعب ! ، الذي باعنا لصاحب بيت من بقايا مشروع إدريس ؛ مشروع ستينات القرن الماضي الأشهر ، إبراهيم فرج الله أجر لنا المربوعة - غرفة 3 متر مربع - بستين دينار لليلة دون ماء ! ، فهل ذلك من تراث غات محط قوافل الصحارى الشهيرة أم من متغيرات العولمة السياحية ؟ . كنت سيدة غات فلم يكن للبرد مطرح ، واندسست بين النسوة الفرحات الراقصات وبين فتية ملثمين .
النخلة التي تتشبث بالصحراء ترمقني في صمت: هذا الرجل؛ من يسكره عصيري، قبل جنيه. هل سيحرم ثماري ؟.
ظهر لي في أكاكوس أن الصحابي الصياد من قطع أوصال الصحاري الكبرى لا يعرفها ، فيما كان الترجمان النمرود خاضعا لهيبة الجبل العابث ، أما رفيقنا سالم فهو البردان والمندهش من سكان واحة كاف الجنون . يا منية المتمني كيف السبيل إليك؛ تضيق حلقة النسوة الطارقيات المغنيات، ضابط إيقاعها طبل جافل، محوطة بمهاري سنامها فرسان ملثمون صلب. كل هذا وليلة رأس السنة دون خمر، لكن بخمار تضعه الغاتيه متى تبسمت؛ مخافة أن تشعل النيران في من قلوبهم سكرانة مثلي، دون خمر . الساحة مدججة بالغناء، بالرقص ، بالمهارى، التي لا تطال في مقدرتها على الرقص، كثبان الرمل حصير ونهد من رمل مخدة والشمس كف تداعب الخد فيورد دون خجل ، صبايا صحرائنا لا يخجلن: فلا حياء في حياة؛ كذا قول صبية غمزتها أعين ولهه وسائح فرنسي مغتبط يراقص كثيب ناهد من كثبان ناعمة.
في كل سكرة تسلم. لكن هذه السكرة، الأولى..؟ الغزال: كيف ينهض إن خذله، الأفق؟.
من أهم ما في الصحراء الليبية الطرق لكنها الطرق التي تذكرك بلعبة التحزير ؛ عليك أن تلهم بمسارك ، لقد تم اغتيال العلامات !. ياحزاركم أين تقع سبها ؟ ، عند تقاطع الطرق عليك الإجابة وستحصل على بلاد ، في الليلة الظلماء اعتبر نفسك أعمى هكذا قد تحصل على مرادك . أما غات فقد دسها الجنون بسترة من سلسلة جبل أكاكوس ، لكن قد يسعفك ما يبدد من ثروة في الصحراء ويدعى بالمشاريع الزراعية ، هناك يبدد الماء لزرع كمشة قمح أو شعير ، حيث ترش السماء بالماء ، حيث تمطر الأرض ! ، لكن لا عجب؛ شعب الله المستعجل هو شعب تبديد الطاقة ، الشعب العجبة. في ميز الصحارى تتبارى المهاري، في هذا السباق فاز مهارى طوارق الجزائر وتبرعوا بالجائزة لمعدى السباق الخسر؛ الجائزة كانت مهارى من حديد؛ سيارة كورية سرطان الطريق الليبية . احذر بين واحة اوبارى والعوينات ليس ثمة محطة بنزين ، المسافة ثلاثمائة أو أكثر. في استراحة شركة الفاو السياحية ستدرك المصيبة: أن محطة العوينات مغلقة منذ أشهر، فلا وقود، لا تحرق أعصابك؛ لأن حرقها طاقة مبددة تحتاجها كي تعرف أن من كان يعمل بالمحطة متهم في قضية سرق أمولها، وأن شركة البريقة الموزع المحتكر للوقود يعاقب السارق بقفل المحطة ، لمن نشكي ؟ . الشكوى لله : كل العيون الطارقية سمحة وأنت عيونك في كل عيون سماح، لا مفر منك حتى إليك ، أينما وليت وجهي ثمة وجهك ، أنت سراب الصحارى ، والصحراء الليبية الصحارى كلها . كان الصحابي المشغوف بالقطا من خذل غزاله الأفق كما خذلتني الحبارة ، سارحا كان؛ في مراح غزالات غات ، كان الترجمان مشغولا بالسياحة الليبية ما استجد في سوق الأوهام الليبية ، وكنت أقرأ ترجمان الأشواق مطاردا الغزالة الجافلة في مخيل صحرائي .
أخيلة تعترض طريقه؛ لوجه واحد . في الليل شموس ، تندس في محجريه . في النهار ظلال ، ترقبه عن بعد . تبدد الوجه ، الأخيلة تعترض طريقه.
#أحمد_الفيتوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محاكمة صدام الأسد
-
جبران تويني أو مديح النهار.
-
جمعيات ليبية لحقوق الإنسان ؟
-
مرثية الزوال - أخر ما تبقي من شيء أصيل في الصحراء
-
القفص الزجاجي
-
الزعيم نصر الله ورقة وحيدة وأخيرة بيده لا بيد عمر
-
المحروق المنسي في جوف الطين
-
غرابة الزمان التي لا ريب فيها
-
من قتل ناجي العلي ؟
-
تجربة المتشائل إبداع تحت الشمس
-
كم شجرة تكون غابة ؟
-
دروس الأكاديمية:لا تقول بغ ، ممنوع التصوير ، الكتابة ، الكلا
...
-
قصيدة حب متأبية بطريقة خ ، خ
-
تعيش جامعة العرب
-
زلة عرجون اليأس
-
فرج الترهوني : ترجمان كثبان النمل
-
..وكذا حبيبتي في الشعر.
-
ذئبة من بعيد ترنو ، ذئبة تندس في غابة عينيه
-
بغداد أفق مسفوح في بحر اللامتناهي
-
شارع الإذاعة : سر من رآه ، سر من لم يره
المزيد.....
-
استشهاد كاتبة وفنانة فلسطينية وزوجها وسط قطاع غزة+فيديو
-
افتتاح مهرجان السينما الهندية في بطرسبورغ
-
أغنية طفلك المميزة والفيلم الأنمي الجديد على تردد قناة ماجد
...
-
اللغة الروسية تحتل المركز السابع في قائمة أكثر اللغات انتشار
...
-
إمبراطوريات متخيلة ودولة -كأنها لم تكن-.. تاريخ الثورة في صع
...
-
الفنانة الأفغانية الإيرانية فرشته حسيني تأمل أن تساعد السينم
...
-
شاهد.. فنان وأكاديمي مغربي ينقل الخط المغربي الصحراوي من الم
...
-
الفيلم العراقي (آخر السعاة): أفضل ممثل وأفضل سيناريو
-
تحدث عن إنجازاته خلال عام.. أحمد نجم فنان شاب أعاد الحياة لل
...
-
افتتاحية العدد الثاني من مجلة “أصوات الكوكب الأخرى” باللغة ا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|