|
تنظيم بديل للمصارف وتمويل المشاريع الإقتصادية
رابح لونيسي
أكاديمي
(Rabah Lounici)
الحوار المتمدن-العدد: 8157 - 2024 / 11 / 10 - 13:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عادة ما تطرح مشكلة التمويل في منطقتنا عند الحديث عن أي مشروع اقتصادي أو انطلاقة اقتصادية، ويعود سبب هذا الطرح إلى انطلاق أصحابه من تصورات رأسمالية للاقتصاد، ويتجاهلون كون العمل والعلم أو الإنسان هما المنتجان الأساسيان للثروة، وليس المال، أفلا يرى هؤلاء أن الآلات المتقدمة التي نحتاج إليها يمكن تعويضها عند الانطلاقة وقبل إنتاجها بالأيدي العاملة التي يدفع لها بالعملات المحلية بدل دفع العملات الصعبة للشركات الغربية مقابل تلك الآلات المتطورة التي لا نتحكم فيها، ولا نسيطر عليها، فلماذا لا ندفع تلك الأموال لشبابنا البطال المتسكع في الشوارع بدل أن يأخذها الغرب؟، ألم يقم ماوتسي تونغ بتنمية الصين اقتصاديا دون حاجة إلى الاقتراض من الغرب، وهو ما جعل المفكر الجزائري مالك بن نبي يعلق على هذه التجربة الصينية الماوية التي انبهر وتأثر بها بالقول في كتابه "المسلم في عالم الإقتصاد"(ص ص 90-91) "قد وضعت كل تبعيات التنمية على كاهل الشعب، فعوضت بطاقاته الحيوية الموجودة وبقدر الإمكان الطاقات الميكانيكية المفقودة، حتى في المشروعات الكبيرة الحجم، أي أنها عوضت بقدر الإمكان، الإمكان المالي بالإمكان الاجتماعي... والعبرة في هذا ليست فحسب من الجانب الاقتصادي، بل ومن الجانب التربوي، لأن الإنسان الذي يمارس هذا العمل المشترك... يذوب في مفهومه المستحيل، وتزول من نفسه العقد التي تعطل النشاط منذ المنطلق، ومن فكرة المسلمات الوهمية التي تضع على عمله نوعا من الرصد يجعله عملا مشروطا، أي مقيدا بشروط غير طبيعية". ومن المؤكد أن أصحاب هذا الطرح الرأسمالي، سيطلقون علينا كل الأوصاف والنعوت وبأننا ضد التقدم، لكن هل التقدم هو تكديس سلع الغرب والتبعية التكنولوجية للآخر أم هو بناء تكنولوجيا خاصة بنا نسيطر عليها، ونتحكم فيها؟، أفليست الهوة الموجودة اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا بيننا وبين الغرب الرأسمالي هي إحدى نتائج دفعنا له أموالا ضخمة مقابل شراء آلاته ومنتجاته وأسلحته ؟، فتحولنا بذلك إلى دافع ومحرك لتطوير قوى الإنتاج في الغرب، لكن إذا لم يجد الرأسمالي في الغرب من يبيع له منتجاته يصبح رجعيا، وسيعرقل تطور قوى الإنتاج لديه، فيضطر لبيع منتجاته لنا بأبخس الأسعار، فبذلك ننتقل من التبادل اللامتكافئ المجحف إلى تبادل متكافئ في علاقاتنا التجارية مع المركز الرأسمالي- حسب طرح سمير آمين-. حتى ولو افترضنا أن ما يقوله الاقتصاديون في المركز الرأسمالي وأتباعهم عندنا ككون مشكلة العالم الثالث تكمن في ضعف التمويل بسبب ضعف الإدخار، والحل يمكن في "مضاعفة الصادرات وزيادة المساعدات والقروض التي تقدمها البلدان المتطورة وكبح نمو السكان"- حسب الإقتصادي والتر رودني- في كتابه "أوروبا والتخلف في أفريقيا" (ص416). لكن ما هي الأسباب الحقيقية لضعف الإدخار في منطقتنا؟. إن ضعف الإدخار في منطقتنا يعود إلى عدة أسباب في نظرنا، ومنها: - نمط الاستهلاك الغربي المترف الذي لا يمكن القضاء عليه إلا بإعادة النظر في سلوكاتنا ونمط معيشتنا. - الإنفاق العسكري والأمني الضخم، ولا يمكن التخلص منه إلا بإقامة ديمقراطية حقيقية لا تقصي أي طرف في المجتمع، وتحويل أجهزة الدولة من خدمة طبقة أو حزب أو فئة أو شريحة إلى خدمة كل المجتمع دون استثناء، وهذا ما ستناوله في مقالات قادمة عند تطرقنا إلى النظام السياسي البديل . - تهريب رؤوس الأموال إلى المركز الرأسمالي. - الاعتماد على الريع النفطي والمواد الأولية الأخرى ليس بهدف الاستثمار المنتج، بل بغرس النمط الاستهلاكي الغربي ليس فقط كمحاولة لرشوة الشعوب كي تسكت عن حقوقها السياسية، بل أيضا بهدف تسويق منتجات الرأسمالية الغربية عندنا وخدمة لإقتصادياتها بحكم إرتباط مصالح الكمبرادور والوكلاء التجاريين والمستوردين عندنا بمصالح الرأسمالية في الغرب. - الرشوة ونهب الأموال العامة: ويمكن الحد من ذلك بتطبيق وتقنين المبدأ الذي وضعه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب "من أين لك هذا؟"، والمطبق اليوم في الكثير من دول الغرب، والذي يسمح للقضاء المستقل مساءلة أي واحد تظهر عليه الثروة بشكل مشبوه، خاصة أصحاب المناصب السياسية والإدارية. إن الحديث عن التمويل يجرنا إلى التطرق إلى البنوك ووظيفتها وكيفية عملها بناء على المبدأ الذي وضعناه في مقالتنا حول "مباديء وأسس النظام الإقتصادي البديل" أين قلنا ب" إستبدال تعامل البنوك والمصارف بالفائدة بمشاركتها الكاملة في عمليات الإستثمار وجني الأرباح منها، وأيضا تحمل الخسارة بدل إقراض أموال للإستثمار الإقتصادي، وتبقى تتفرج على الذين أقرضتهم، وتنال الفوائد دون أي مجهود يذكر حتى ولو خسر المستثمر الذي أقرضته، فلنضع في الحسبان بأن العمل هو المصدر الوحيد للثروة، فلا يمكن للمال توليد المال دون مجهود يبذل. فهذا المبدأ، سيجعل البنوك والمصارف تساهم بشكل فعال كي تنجح كل المشاريع الإستثمارية التي تمولها لأن مصلحتها ستبقى مرتبطة بذلك النجاح". إن وظيفة البنوك الأساسية هي الوساطة في الدفع وتحويل رأس المال النقدي إلى رأس مال عامل يدر الأرباح بعد وضعه تحت تصرف الصناعيين أو الزراعيين أو التجار، لكن البنوك شأنها كشأن أية مؤسسة اقتصادية في النظام الرأسمالي أين يأكل القوي الضعيف، فمثلما تركزت المؤسسات الصناعية في يد أقلية، وتحولت إلى شركات احتكارية، فإن نفس الأمر ينطبق على المؤسسات المالية، أين نجد تمركز رؤوس الأموال تدريجيا في بنوك قليلة العدد، أما بالقضاء على البنوك الصغيرة أو الاشتراك في رأسمالها، فتربطها بالبنك القوى، وتضمها إليه. فلنتصور كيف تجمع كل أموال المجتمع في النظام الرأسمالي لدى مجموعة قليلة جدا من البنوك، فعن طريق فتح الحسابات الجارية للصناعيين أو الزراعيين أو التجار المبعثرين هنا وهناك يتحول البنك إلى عارف بكل المعطيات الاقتصادية للجميع، مما يسمح له بالإشراف والتأثير في العمليات الاقتصادية، فتسهل عملية الاستثمار لهذا، وتعقدها لذاك، فيصبح المنتج تحت رحمة البنك عند تفكيره في إقامة أي مشروع اقتصادي، فبذلك تتحكم قلة من البنوك في إدارة وتوجيه مختلف المشاريع الاقتصادية، فتصبح سلطة قوية على المجتمع يمكن تسميتها بـ "سلطة المال" التي يمكن اعتبارها أخطر سلطة في المجتمع، وهو ما يدفعنا إلى طرح السؤال عن الذي من المفروض أن يكون هو صاحب هذه السلطة، هل هم أصحاب البنوك والمتحكمون فيها مثلما يحدث في النظام الرأسمالي؟ أم من الضروري إيجاد طريقة أخرى تمنع سيطرة حفنة من الأفراد على النشاط الاقتصادي؟. قلنا في مقالات سابقة أنه على كل عامل في المجتمع إدخار نسبة من أرباحه ودخله في البنك كحل لمشكلة ضعف الإدخار في منطقتنا، وينال عنها أرباحا كضمان لأبنائه في حالة وفاته، فما دام البنك يدخر أموال المجتمع، فإن السلطة فيه تعود إلى المجتمع الذي يجب أن تنتخب كل شرائح ممثليها في المجلس الإداري للبنك، فبذلك يصبح كل المجتمع هو الذي يملك هذه السلطة الاقتصادية أو سلطة المال، لكن ما هي الطريقة البديلة لعمل البنك ؟. إن الجميع يشكو من ارتفاع سعر الفائدة سواء في العالم الثالث أو في الغرب الرأسمالي، وذهب بعض الاقتصاديين في الغرب إلى حد القول أن التعامل بالفائدة يعرقل النشاط الاقتصادي، لأن الاستثمار يحتاج إلى الشجاعة قبل كل شيء، لكن إذا قال البعض بضرورة استبدال التعامل بالفائدة بطرق أخرى أكثر نجاعة قامت القيامة لدى الذين يسيطرون على البنوك والنشاط الاقتصادي ووسائل الإعلام، والذين يخشون على مصالحهم الخاصة. إن نظامنا الإقتصادي البديل الذي نطرحه لا يعترف إلا بالعمل والسعي لخلق الثروة وتنميتها، ولهذا قلنا بأنه من غير المعقول أن يولد المال من مال دون بذل أي مجهود يذكر، ولهذا طرحنا مبدأ مشاركة البنك مع المستثمر الذي أقرضته في عملية الربح والخسارة كي يحرص البنك على نجاح المشروع الإستثماري بدل التفرج عليه وأخذ الأموال مهما كانت نتائج المشروع. ولهذا يمكن التعامل بمبدأ "المشاركة"، وهو أن يقوم البنك بنفس الدور الذي يقوم به صاحب رأس المال الذي يعطي رأس مال مثلا لمجموعة من البطالين الراغبين في إنشاء مؤسسة صناعية أو تجارية أو خدمة قطعة أرض، فيصبح البنك شريكهم في الربح وفي الخسارة، فبهذا الشكل، فإن البنك يضطر إلى متابعة المشاريع التي يمولها وتقديم النصائح التقنية لأصحابها خوفا من الخسارة، فبذلك يصبح البنك مساهما إيجابيا في العملية الاقتصادية لا متفرجا سلبيا ينتظر الفوائد في نهاية كل سنة. إن فك الارتباط بالرأسمالية العالمية الاستغلالية غير كاف لتحقيق التنمية الذاتية في نظرنا دون التفكير في آليات وميكانيزمات جديدة تدفع إلى تشجيع البحث العلمي والتكنولوجي، بالإضافة إلى إعادة النظر في نظام الدولة وأجهزتها، واستبدال علاقات شمال –جنوب بالتعاون جنوب- جنوب خاصة بين بلدان منطقتنا، وكذلك ضرورة بناء إنسان جديد بصفته العنصر الأساسي في عملية التنمية، هذا ما سنتناوله بالتفصيل في سلسلة مقالات قادمة.
#رابح_لونيسي (هاشتاغ)
Rabah_Lounici#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أجل نموذج جديد للتنمية
-
تنظيم جديد لمؤسسات الإنتاج الإقتصادية وتوزيع الدخل
-
مباديء وأسس النظام الإقتصادي البديل
-
لماذا فشلت كل الإختيارات الإقتصادية في منطقتنا؟
-
هل فعلا الندرة هي وراء المشكلة الإقتصادية؟
-
ما هي الإشكاليات الواجب حلها لإخراج منطقتنا من التخلف؟
-
تفسير- ماركس وأنجلس - لتخلف منطقتنا
-
تفاسير عنصرية وإستعلائية لتخلف منطقتنا
-
ماذا بعد الرئاسيات الأخيرة في الجزائر؟
-
تفسير مالك بن نبي لتخلف منطقتنا
-
ما مسؤولية الطبقات الحاكمة في منطقتنا ما قبل الاستعمار في تخ
...
-
تفسير سمير أمين لتخلف منطقتنا
-
هل للتوسع الرأسمالي علاقة بتخلف منطقتنا؟
-
أخطار العولمة الرأسمالية على مستقبل الإنسانية
-
كيف تنشأ الأزمات المالية في النظام الرأسمالي، وما تأثيراتها؟
-
لماذا أستمر الإستغلال الرأسمالي الغربي لمنطقتنا بعد خروج الإ
...
-
كيف أنقذ الإستعمار النظام الرأسمالي في الغرب؟
-
مراحل تطور النظام الرأسمالي في الغرب
-
هل فعلا النظام الرأسمالي وراء تقدم الغرب؟
-
نحو مشروع إنساني بديل
المزيد.....
-
قيل له إن جسمه -غير مناسب- لبعض الأدوار.. هذا ما يرويه تيموث
...
-
أمريكا تعلن تفاصيل إحباط هجوم -حوثي- بالمسيرات والصواريخ على
...
-
فوز ترامب يمنح -تيك توك- طوق النجاة في الولايات المتحدة
-
حدث في دولة إفريقية.. ائتلاف الحكومة يحصد -صفر مقاعد- في الا
...
-
جنازة جماعية في لبنان لتشييع 8 مسعفين ومدنيين بعد غارة جوية
...
-
المزيد من القتلى في المواجهة المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله
...
-
سيناتور أمريكي: جيشنا الآن لا يستطيع هزيمة أحد
-
رسميا.. ترامب يعين النائب والتز مستشارا للأمن القومي
-
محلفون أمريكيون يمنحون ثلاثة ناجين من سجن أبو غريب بالعراق ت
...
-
ألمانيا.. توجه حكومي لحظر استخدام غاز الضحك بعد انتشاره الوا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|