أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمين بن سعيد - فيلة















المزيد.....

فيلة


أمين بن سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 8157 - 2024 / 11 / 10 - 09:01
المحور: كتابات ساخرة
    


كنت مع صديق، وكان المكان جميلا. لم نلتق منذ مدة، وافتقد كل منا الآخر. كنا نتكلم في مواضيع كثيرة، ونسترجع ذكريات قديمة، ونذكر جديد كل منا، الغائب عن علم الآخر. حتى لفتتْ انتباهي... سيدة جلستْ وحيدة على بعد أمتار منا، ولم يلتحق بها أحد. ولم يمض وقت قليل على جلوسها حتى وقف أمامها النادل، تكلما قليلا، ثم ما ان تركها حتى بكتْ. كانت ورقة المنيو في يدها، وكانت تبكي ناظرة إليها، وكأنها مسكينة جائعة لا تستطيع طلب ما رأته فيها... لم يكن الأمر كذلك، والمكان لم يكن يدخله المساكين والجياع، ولباسها الفاخر لم تكن لتلبسه لو كانت مسكينة جائعة. استأذنتُ من صديقي، وذهبتُ إليها، فأنا إنسان خير ومرهف الشعور خصوصا إذا ما تعلق الأمر بدموع النساء...
- هل أنتِ بخير؟
- هل ما تراه يدل على أني بخير؟! أجلس وحدي دون رفيق وأبكي حتى أثرتُ شفقة الناس!
- أن نكون وحدنا أحسن من صحبة سيئة أحيانا كثيرة...
- ماذا تريد الآن؟!
- لا شيء، أردتُ المساعدة إن احتجتِ لها سيدتي، أفعل ذلك حتى مع حيوان جريح على حافة الطريق فكم بالأحرى مع البشر...
- وبعد ذلك، سنتعارف، ثم ستبقى معي أياما وتهرب مذعورا لاعنا اللحظة الأولى التي اهتممتَ بي!
- أعتذر سيدتي، لكن ذلك لم يكن هدفي... على كل حال، لستُ من تلك الطينة... أعتذر مرة... أخرى...
- انتظر! لا تذهب!
- ...
- كلكم طينتكم مختلفة! وكلكم لا أحد مثلكم!
- احترامي... لكني لستُ مثلهم... بقيتُ في رحم أمي خمس سنوات ونصف! ومباشرة بعد ولادتي دخلتُ المدرسة!
- آه، سمعتُ بهذه القصة في مصر، لكنهم قالوا أربع سنين...
- اعترفتِ بفمكِ! لا رجل ند لي في البلد! وحتى كل ملايين المصريين ضعاف أمامي!
- وماذا عندك أيضا؟
- أمور كثيرة، لكن عليّ العودة إلى صديقي، عزيز لم أره منذ زمن...
- أنتَ محظوظ به...
- إن أردتِ، تستطيعين الانضمام إلينا، هو أيضا بقي أعواما في بطن أمه، لكن أقل مني بثلاثة أشهر...
- لا أستطيع... لكن شكرا لكَ...
عند رجوعي إلى صديقي...
- ماذا تفعل؟ ألن تتغير يوما!!
- ما بكَ! عمل إنساني نبيل! السيدة وحيدة وحزينة فرفهتُ عنها قليلا، ما العيب في ذلك؟
- الليلة نسهر معا وبعد ذلك افعل معها ما شئت!
- إن بعض الظن إثم! لا شيء حصل وسيحصل...
بعد وقت قصير، وقفتْ أمامنا...
- هل الدعوة ما زالت قائمة؟
- بالتأكيد... اجلسي... هذا محمد وُلد بعد حمل دام خمسة أعوام وثلاثة أشهر، مثلما قلتُ لكِ...
- وأنتَ؟
- أنا خمسة أعوام ونصف! نسيتِ بسرعة!
- لا، أقصد اسمكَ...
- اسمي لا يهم... هلا جلستِ؟
- أفعل...
لم أر بهجة في وجه رفيقي، لكنه أيضا لم يُمانع، ولو أراد لفعل ولربما طردها، لكنه سلّم عليها، وواصلنا حديثنا وكأنها غير موجودة... ظلتْ تسمع لنا، فعرفتْ الكثير عنا، وضحكتْ من ذكرياتنا ونكتنا، وكنتُ بين الحين والآخر أسألها لأشركها في حديثنا، فتفعل وتقول أشياء عن نفسها... بقينا قرابة الساعتين، تعشينا وتكلمنا كثيرا، حتى اتصلتُ زوجة رفيقي به فاستأذن وغادر...
- صديقكَ ظريف...
- تعلّم كل شيء مني...
- أكيد ولا شك في ذلك!
- من المفروض أننا كنا سنمضي كل الليلة معا، لكن الواجب ناداه!
- وأنتَ لا واجب يُناديك؟
- لا أزال مُتمسّكا بحريتي...
- ما دُمتَ قادرا على ذلك، هنيئا لكَ.
- وأنتِ؟
- مثلكَ، لا واجب يناديني...
- ملايين الرجال ليسوا مثلي! فهل ستكون امرأة مثلي؟ ما لكِ كيفَ تحكمين! ثم كم بقيتِ في بطن أمكِ أنتِ؟
- لم تلدني امرأة...
- غزالة؟
- لا... فيلة! وُلدتُ في حديقة الحيوانات، أبي كان حارسا لرواق النمور والأسود...
- وكيف وصل إلى الفيلة؟
- الحب لا يعرف حدودا وتقسيمات!
- قصة مثيرة حقا... وكأنها ستتجاوز قصتي! كم بقيتِ؟
- سبعة أشهر...
- غير معقول!
- بلى! الحقيقة أن بابا وماما قصيرا القامة، فأرادا ولدا طويلا، وبعد استشارة الأطباء والمهندسين والمحامين، كان الحل... استلال البويضة الملقحة من رحم أمي ووضعها في الفيلة... في ذلك الزمن كان علما معمولا به، أما اليوم فممنوع لدواعي أخلاقية وحقوقية...
- حقوق الفيلة؟
- نعم، خصوصا أنها حيوانات نادرة في البلد كما تعلم...
- وتأكل كثيرا!
- غير ظريف! تُلمح لأني أكولة؟! نعم أنا كذلك، وقد ورثتُ ذلك من ماما الحاملة...
- جيد... لكنكِ قصيرة ولستِ طويلة!
- النية لم تكن صافية...
- أبوكِ وأمكِ؟
- والفيلة... المسألة محصورة في ثلاثتهم!
- بصراحة قصة حمل أمي بي والتي تُميزني عن ملايين الرجال... صارتْ لا شيء أمامكِ وفيلتكِ! لكن... عندي غيرها!
- هات لنرى...
- لا أحد يستطيع التلاعب بالنساء مثلي...
- تعرف الذرة... كلها فراغ من الداخل... أنا كذلك! ولو اجتمع كل رجال الأرض ما ملأوا فراغاتي: العشاق المتيمون منهم، والمحبون حتى التذلل والمهانة، والمتزوجون الذين يبحثون عن ليالي حمراء ليهربوا من فشلهم، وشبان العشرينات المهووسون بنساء الأربعينات، والمتلاعبون، والمنافقون والكذبة... كلهم ما استطاعوا ولن يستطيعوا! مجرد الكترونات تدور... الشمس شمس والقمر قمر...
- المرأة عاطفية، هكذا طبيعتها، واستفزازها سهل... تستسترون الرجل مصدر قوة لكنه أيضا سبب ضعف ويمكن استفزازه بسهولة...
- لم تستفزني... فقط فتحتَ باب، فرأيتَ ما وراءه...
- الاعتراف بالحق فضيلة...
- هذه أخلاق البشر، أنا ابنة فيلة وغير ملزمة... لكن لنقل ذلك، ثم؟
- ستقفين على ذلك بنفسك قريبا...
- سنغادر بعد قليل، ولن نبق على اتصال...
- ربما أسمح بذلك...
- تسمح؟ وكأن الأمر بيدكَ!
- كل شيء بيدي، حتى في بطن أمي كان الأمر بيدي، كنتُ أفرض عليها ماذا تأكل وماذا تشرب...
- أنا لم أستطع فعل ذلك في رحم ماما الفيلة، كنتُ أُفضّل اللعب والجري على الأكل... المكان كان فسيحا كما تعلم...
- لا، لا أعلم! ومن أين لي ذلك؟ لم أجرِّب!
- وحدهم الأغبياء لا يعرفون إلا بالتجربة...
- ووحدهم العلماء، لا يُقرون بشيء إلا بعد خضوعه للتجربة...
- مُعتد بنفسكَ... يُعجبني ذلك...
- قوية... لكن... بعض نقاط ضعف مكشوفة، ومن المفروض أن تحسين البنية التحتية كان يجب أن يحدث منذ زمن... لا يُعجبني ذلك...
مع حضور النادل...
- سيدتي... اتصال من
- لستُ موجودة!
- سيدتي... أرجوكِ! قال إنه سيطردني إن لم تردي...
- لا أحد سيطردك... لا تخف... أريد مثلجات... مثل العادة... لا تتأخر...
بعد ذهابه...
- بابا... لا أريد أن أكلمه...
- أبي لا يتجاوز العاشرة... مذ كنتُ صغيرا وإلى اليوم، يفتخر بأنه يقوم باكرا، قبل كل البشر! السادسة صباحا! رب النشاط والحيوية! ولم يفهم أنه نام ثماني ساعات... غيره بالعقاقير لا يستطيع تحصيل أربع!
- النادل عين من عيون بابا... هو من اتصل به ليقول عني ما رآه!
- لن أسألكِ... إذا أردتِ الكلام قولي...
- لا أريد... عليَّ المغادرة الآن... الحساب مدفوع لا تشغل بالكَ به...
- عذرا لكن
- دعك من هذا... قلتُ لكَ مدفوع... المثلجات لذيذة لا تتركها... تُصبح على خير...
بعد أسبوعين...
- هل الوقتُ متأخر للاتصال؟
- من معي؟
- تعرف من...
- عذرا، لكن لا أعرف من...
- قلتُ لك الحساب مدفوع، فلماذا دفعتَ؟
- آه... أنتِ... وقلتُ لكِ لا أحد يستطيع التلاعب بالنساء مثلي...
- فعلتَ ذلك لأتصل بكَ؟
- إن بعض الظن إثم! أنا دعوتكِ... غير لائق أن تدفعي...
- لم أدفع شيئا! النزل ملكي...
- جيد... رئيسي في العمل طردني اليوم... هل عندكِ مكان لي؟
- دعنا من هذا... كما عرفتُ رقم اتصالكَ، عرفتُ من تكون... متى نلتقي؟
- أنا دعوتُ المرة الأولى... الثانية عليكِ...
- الآن؟
- أين؟
- أي مكان، باستثناء النزل...
- أمام حديقة الحيوانات...
- ماذا؟
- حديقة الحيوانات... أريد رؤية الفيلة...
- تمزح؟
- أعرف من سيدخلنا...
- لا أحب الحيوانات ولم أدخلها يوما تلك الحديقة!
- قلتِ أنكِ ابنة فيلة! وقلتِ أن فراغاتكِ كثيرة... لنبدأ بسد فراغ الحيوانات الليلة، اتفقنا؟
- ...
- اتفقنا؟
- حاضر!!
__________________________________________________________________________
بعض مقالات أخرى قادمة، وأعود إلى ملاك وإيمان، وأبقى معهما طويلا...



#أمين_بن_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وهم الدعوة إلى الإلحاد
- الإلحاد والملحد والحرية (جزء سابع)
- خرافة الهولوكوست وحقوق الإنسان... اليهودي!
- الإلحاد والملحد والحرية (جزء سادس)
- هل أنتَ منافق؟ (2)
- هل أنتَ منافق؟
- الإلحاد والملحد والحرية (جزء خامس)
- شيزوفرينيا اليسار بين الإمبريالية والصهيونية والعروبة والفار ...
- الإلحاد والملحد والحرية (جزء رابع)
- عن فقيدة الفكر الحر... -الجدلية-!
- الإلحاد والملحد والحرية 2-2
- الإلحاد والملحد والحرية 1-2
- الإلحاد والملحد: إسرائيل، اليهود... ذلك الوهم العظيم! (ملحق)
- الإلحاد والملحد: إسرائيل، اليهود... ذلك الوهم العظيم!
- الإلحاد والملحد والعروبة
- الإلحاد والملحد والدين (2): الدين والكذب بين لعبة حرية العقي ...
- الإلحاد والملحد والدين
- الإلحاد والملحد وفلسطين
- سنية 2-2
- سنية 1-2


المزيد.....




- مصر.. الشاب المصفوع من قبل عمرو دياب يعلق على قرار إحالة -ال ...
- مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 26 مترجمة بجودة hd قصة عشق
- -نيويورك بوست-: تأجيل إصدار الحكم بحق ترامب في تهم صمت الممث ...
- مصر.. إحالة الفنان عمرو دياب إلى المحاكمة العاجلة
- الروائي الفائز بكتارا يوسف حسين: الكتابة تصف ما لا تكشفه الص ...
- الموسيقى تواجه أصوات الحرب في غزة
- بسبب المرسوم 54.. عمران: رقابة السلطة تكبل الكاريكاتير في تو ...
- أشبه بالأفلام.. هروب 43 قردًا من منشأة أبحاث والشرطة تحاول ا ...
- 50 دولة تشارك في المهرجان السينمائي الطلابي الدولي الـ44 في ...
- فرح قاسم: فيلم -نحن في الداخل- وثائقي شخصي عن الحب والوداع ب ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمين بن سعيد - فيلة