محمد عبد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 8156 - 2024 / 11 / 9 - 16:54
المحور:
الادب والفن
يصنع جدار قصير متصل بجدارين آخرين، لا يمتدّان طويلًا، فسحة ضيّقة تشبه غرفة صغيرة أو مأوىً استحدث على عجل. ومن السقف الواطئ.. يلقي مصباح وحيد يمدّ عنقه مستطلعًا.. حتى أنّ على المارّ من تحته تحاشي ارتطامه برأسه.. يلقي إضاءة شحيحة تكشف سريرًا مرتّبًا بعناية.. تتناثر عليه، وعلى الطاولة الصغيرة الملاصقة لمنتصف ضلعه الطويل،أوراقٌ بألوان مختلفة.. قدح ماءٍ لم يبقَ فيه الكثير فيما تضطجع العبوة فارغة قربه.
وهناك، عند الطرف البعيد لأحد الجدارين، يتدلّى ثوب عربي أبيض وعباءة سوداء من مشجبٍ تقابله، عند نهاية الجدار الآخر، مرآة شديدة الوضوح كما لو أنّ كفّ مُلمّعها قد تركتها قبل لحظاتٍ فقط.. على حافتها السفلى، الممتدّة بشكل يدين صغيرتين، رفٌّ له من السعة ما يكفي لاستقرار عمامة عليه.
وباستثناء هاتف قديم مرتبط بسلك.. وكوة صغيرة بمروحة لا تكفّ عن الدوران؛ لا يمكن رؤية شيءٍ آخر غير ممرّ ضيّقٍ يجتاز الفسحة، عند جهتها البعيدة عن الجدار القصير، لغيب طرفاه بعيدًا في عتمة تبدو وكأنّها تستعير بعضًا من إضاءة المكان الشحيحة.
وعلى غير ما اعتادته وألِفته كلّ موجودات الفضاء هناك، والأشخاص القليلين الذين يمرّون به؛ يدخل الرجل من أحد الممرّين.. تمسح عيناه المكان الضيّق ببطء يكفي لاختزانه في ذاكرته. متمهّلًا يخطو. وأمام المرآة.. يضع العمامة على رأسه.. تطير العباءة تاركة المشجب لتستقرّ على كتفيه.. ثمّ يصلح من وضع عمامته السوداء قبل أن يغيب في صفحة مرآة كانت من الوضوح كما لو أنّ كفّ مُلمّعها قد تركتها الآن.
#محمد_عبد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟