أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بدورعبد الكريم - الحرية حسب الرغبة والمقاس















المزيد.....

الحرية حسب الرغبة والمقاس


بدورعبد الكريم

الحوار المتمدن-العدد: 8154 - 2024 / 11 / 7 - 20:18
المحور: الادب والفن
    


ما يقرب من خمسة عشر قرناً في التاريخ. مقولة للتاريخ (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)؟ عمر بن الخطاب، والمقولة الأشهر في الحرية، بين جنبي الضمير الجمعي العربي الإسلامي. فأي حرية قصد إليها عمر؟ وأي أحرار؟ وهل قصد إلى تعريف الحرية مطلقً بين مطلقات الحق والخير والعدل؟ وهل هي على هذا غاية غائية، دنيوية أو آخروية؟ أم هي محدد اجتماعي يشير إلى مالك ومملوك، عبد ومستعبِد؟ واستنكار لايُختلف على قوله أو نتيجته؟ وقبل عمر وبعد عمر درب طويل من العلاقة مع الحرية، منذ أفلاطون وأرسطو على مستوى التأسيس والتنظير، وقبلهما وبعدهما، على مستوى القهر والاستعباد، قانون الأقوياء على الضعفاء، القانون يحمي العبودية، والقانون يسكت الصوت، سقراط، محكوم عليه بالموت، فالقانون لا يحب الصًوت المخالف، القانون قد يصبح الجلاد، والحرية في كفة الميزان مع الحياة، الحرية امتياز الأقوى، والحرية مشتهى، لكن الحرية صاحب مخاتل، مخبوء الإشكالات، ومدير المنزلقات، وفي أول الإشكالات، المعنى والحقيقة، فأي حرية إذ الأقدام لصيقة الأرض، والأرض كوكب له قوانين، وفي قوانينه أول ما يمسك بالأقدام، فأين الحرية في المفارقة؟ والحرية في الزمان والمكان، قيد زمن الولادة ومكانها، أسبابها وأصحابها، ومن يحدد درب الأعوام الأولى؟ والأتراب اللاحقين؟ ومن يحدد مقاييس الجسد، ومن يحدد نقصانه أو امتيازه؟ ومن يحدد مصادفات العمر وما ينبني عليها إن حلواً أو مراً؟ بالتأكيد ليس القصد هنا هو الخوض في كون الإنسان مجبراً أو غير مجبر، ولا المصادفة وما تنبني عليه من قانون عصي على التحكم، فلذاك مجال آخر وبحث آخر، إنما هذا محض استعراض للسلب الأول للحرية، والإنسان مع هذا يرى أنه حر، وهو فعلاً حسب ابن الخطاب حر، لكنه حر بمعنى أنه ليس عبداً مملوكاً كما في الوصف القرآني، أما غير ذلك فكيف؟ ومن أين؟ حسب الوثائق، ومن القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين، كل يعتبر حراً من الاستعباد، حراً من القمع، حراً من الإكراه، لكن هذا حسب الوثائق وليس الوقائع، في زمن الحداثة والاحتكام إلى العقل والعلم. أما الحرية كما شاء لها العصر المعاصر، في ما بعد الحداثة، فلها الشأن كله، وقد انكسر إناء عسلها وسال على أرض زلقة، وفي كل الاتجاهات، وفي كل الاتجاهات تنزلق الرجل ولا تسير في زمن الحداثة، الحرية غاية، والعلم مرشد، والعقل حكم، لكن العقل عقول، فأي عقل يحتكم إليه، حتى تبقى الحرية معتبرة؟ حسناً، فماذا عن العلم؟ وفي نظرياته قاد إلى تفوق جنس وتخلف أجناس، أصدر عليها الحكم بالإعدام، تحت شعار فقد علميته بعد ذلك، وأصدر هو ذاته، قرار إدانته لنفسه بالعنصرية، وقدم الاعتذار، وطلب الصفح والعفو، فتمادى الناجون وطالبوا بالتعويض، وما هو التعويض؟ أحقية حرية لهم تسري على الجميع والمجتمع، فأي حرية وهي هذه المرة حرية أخرى، ليست حرية الأغلبية، لكن حرية الأقلية؟ وبين حرية الأغلبية، وحرية الأقلية ينهض السؤال، من هو حر حيال من؟ الحرية فخ للأفراد أم للمجتمع؟ وهل يرضي الأغلبية والأقلية، صناديق اقتراع تنتج الحاكم في السياسة، وقرارات تنتج الحاكم في المجتمع؟ على السطح يبدو انسجام الحاكمين، لكن العمق متشاكس، لا صوت يعلو على صوت الفرد، إذ تتحول الحرية إلى إرادة، والإرادة إلى رغبة، ومن يوقف الرغبة؟ والرغبة تحكم، عندما تتحول إلى رغبات، والرغبات سيل سيال بلا ضفتين، والسيل فتاك، الحرية رغبات، والرغبات حريات، تمنح هدايا للأطفال في غير أعياد ميلادهم، الطفل ملك متوج، بلا عقل راشد ولا رادع، لكنه حر، فأي حرية يقودها عقل طفل، أو تقودها رغبته الطفلة، ولا سلطة فوق سلطة قرار يتخذه طفل دون سن العاشرة، يفتح عينيه على عالم من الرغبات المفتوحة، أمام حرية بلا عقل عاقل؟ جسده عارٍ أمام رغبات يطلع عليها قبل أن يفهم كنهها. ولا يحق للولي أن يشرح له جنسه، أو يعامله على أساسه. تقول امرأة في الشارع لأب ألبس طفلته ثوباً وردياً: لماذا تلبسها ثوباً وردياً؟ ومن عجب يسأل الأب، وما المشكلة في هذا؟ ترد المرأة، لعلها تريد أن تكون ذكراً!
حريات القرن الواحد والعشرين، وعالم ما بعد الحداثة، وغرب يصدّر مفاهيمه وأحكامه إلى العالم، ويضع الموازين للخير والشر على هواه، وكما تشاء له رياح أهواء ما بعد الحداثة. الحرية لفظ هو الأكثر تداولاً في سوق المجتمع والأفراد والعلاقات والأخلاق، الحرية لبان بكل النكهات، أنا حر. فهل تصح الحرية إطاراً أخلاقياً، أو مرجعية معتمدة؟ والحرية تحتمل الخير والشر؟
يقول مونتسكيو: الحرية أن تفعل ما تبيحه القوانين، ومن يضمن خيرية أو صلاح القوانين أو أحقية القوانين أو الإرتكان على أرض صلبة لها؟ والقوانين متحركة متغيرة، ومن قال إن للقوانين عينين لا تغفلان، وقدمين لا تتعبان؟
وتعريف آخر للحرية، أن أفعل ما أريد، ما لم أضر بحرية غيري، ومن يضبط المسافة بين وبين، وقبل هذا وبعده، وفي الإطار ذاته، الحرية مشروطة. فلتحمل اسماً آخر. أما الأسوأ فآت، ما بعد الحداثة، حرية في الهواء الطلق، أزالت سقفها وجدرانها ولم تبق غير الأرض الزلقة، فهل أوفت على المطلوب؟ حرية بلا إطار، بلا مرجعية إلا ذاتها، وبلا حدود، قشرة الموز التي زحلقت الغرب، فرمى بها تحت أقدام العالم.
عصر الأنوار في الغرب، يزاح الدين عن الطريق، يقود العقل، والعقل متكثر، تقود الأغلبية، الفرد متضرر، تحكم الأقلية، البوصلة تهتز، تشير إلى كل الجهات، والغرب يأتي إلى الحرية من بوابة الحرية، والتربية على معيار الأفضل، فما هو الأفضل؟ ومن يقرر؟ ما هي المرجعية؟ والحرية بين شروطها وانفلاتها، تسعى للتمدد على القارات الخمس، بالصوت والصورة، تدخل كل بيت، والحرية محمولة باليد، على أكفّ الراحة، تغزو كل عقل، وتخترق الأجيال، والصوت والصورة سوق وسلعة من كل الألوان والأجناس والأشكال، حريات حسب المنتِج والمنتَج، حسب الرغبة والمقاس، وهل من بديل؟
قبل ألف من الأعوام إلا قليلاً، نظر ابن رشد في مفهوم الحرية، بطبيعة الحال، لم يعالجها كلفظ، لكن كمعنى ومؤدى، فالفلاسفة المسلمون والفقهاء، لم يبحثوا في لفظ الحرية، إنما في مضمونها وإشاراتها ومآلاتها ومخرجاتها، ورأى ابن رشد أن الإنسان يمتلك من القدرة ما يلزم لاتخاذ قراراته، وهو قول وإن اختلف عن صريح لفظ الحرية إلا أنه تناول معناها، أما ما هو جدير بالانتباه، فهو ما جادل به ابن رشد، من أن الذات الإلهية، لم توصف بوصف الحرية، كما جادل أن القرآن لا يحمل لا تصريحاً ولا تلميحاً أن الله حر، على ما جاء في دراسة للباحث من عصر النهضة، في مطالع القرن العشرين فرح أنطون. ولو جاء في القرآن أن الله حر، لكانت الحرية مطلقاً بين المطلقات، كالحق والخير، ومن ناحية أخرى لانتفى القانون من الكون، وهو ما ليس بحاصل، لكن الله يختار، وللإنسان أن يختار، وفي اختيار الله الحق والعدل والخير، وفي اختيار الإنسان موقفه وعمله، وما يترتب عليه من حسابه إن خيراً وإن شراً. وعلى هذا هل تستوي الحرية والاختيار؟
والحرية بلا ضفاف وبلا مرجعية إلا ذاتها، والاختيار إما إلهي هو الحق والخير والعدل والكمال، وإما إنساني، وهو امتياز الإنسان ومسؤوليته، سلم باتجاهين. وفيه يتجلى الإنسان بما هو، بمرجعيته وغايته ووسيلته، عقله ونفسه وروحه وجسده، أسبابه ونتائجه، إن غامضة أو واضحة، معلومة أو مجهولة، غائبة أو حاضرة، هي هناك دائماً بين الحركة والحركة، ملزِمة بالناتج، قريبة أو بعيدة، قصيرة أو مديدة، مؤداها على مرمى العمر وبين يديه، قاضٍ عدل، فإلام يستند قضاؤه وعدله، إن لم يتعالق الناتج في إحدى كفتي ميزانه، بما وضعه الاختيار في الكفة الأخرى؟ ذاك هو الناتج الملزم للاختيار، بالعلاقة مع آنات الحياة وأشخاصها، هو القدم المفردة بانتظار القدم الأخرى المعلقة، حتى تستوي القدمان.
قد يقال، وهذا صحيح، ربما يقرر الإنسان ألاّ يختار، لكنه إذ يقرر ألا يختار، فهو يختار ألا يختار، فالاختيار قانون الحياة، في مدخلاته ومخرجاته، الاختيار، قانون ومعادلة جبرية.



#بدورعبد_الكريم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سؤال الهوية بين الغرب والشرق!
- هل للمثقفين العرب من غودو؟
- في الليالي العربية (ألف ليلة وليلة)
- حصاد العقل العربي المر
- زورق صغير بين بحرين


المزيد.....




- حرب الروايات.. هل خسرت إسرائيل رهانها ضد الصحفي الفلسطيني؟
- النسور تنتظر ساعة الصفر: دعوة للثوار السنوسيين في معركة الجب ...
- المسرح في موريتانيا.. إرهاصات بنكهة سياسية وبحث متواصل عن ال ...
- هكذا تعامل الفنان المصري حكيم مع -شائعة- القبض عليه في الإما ...
- -لا أشكل تهديدًا-.. شاهد الحوار بين مذيعة CNN والروبوت الفنا ...
- مسلسل حب بلا حدود الحلقة 40 مترجمة بجودة عالية HDقصة عشق
- “دلعي أطفالك طوال اليوم” اضبط الآن تردد قناة تنه ورنه 2024 ع ...
- -لوحة ترسم فرحة-.. فنانون أردنيون وعرب يقفون مع غزة برسوماته ...
- ويكيبيديا تحسم موقفها وتصف حرب إسرائيل على غزة بأنها -إبادة ...
- في المؤتمر الثالث للملكية الفكرية بالمغرب.. قلق بين شركات ال ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بدورعبد الكريم - الحرية حسب الرغبة والمقاس