|
....ويحدثونك عن تصنيف مدينة تازة تراثا وطنيا
عبد الإله بسكمار
الحوار المتمدن-العدد: 8153 - 2024 / 11 / 6 - 20:21
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
في فبراير المقبل تكون قد مرت 5 سوات بالتمام والكمال على تصنيف مدينة تازة العتيقة كتراث وطني ، وفقا لقرار وزير الثقافة والاتصال ج - ر رقم 6640 المؤرخ ب 29 دجنبر 2018 ورغم الجعجعة التي صاحبته بالنظر لطبيعة النخب في المنطقة فإن آثاره لا زالت بعد محتشمة ومغمورة على وجه العموم ، وللتذكير فقد صدر القراربالجريدة الرسمية ع 6750 لفاتح جمادى الثانية 1440 الموافق ل 07 فبراير 2019 وتحت مرسوم قانون رقم 2.18.889 وذلك بدوره بناء على القانون رقم 22.80 والذي بموجبه يتم الحفاظ على المآثر والمعالم العمرانية والتاريخية التي تشكل إرثا رمزيا هاما لكل المغاربة . قلت رغم الهالة المفروغة من محتواها والتي صاحبت هذا القرار، فإن آثاره بقيت محدودة جدا، اللهم إذا استثنينا تسقيف فضاء قبة السوق وهذا المشروع نفسه لا يدخل ضمن القرار المعني لأن الخاص والعام يدرك جيدا أنه يدخل ضمن المشاريع الملكية أساسا ( همت 26 مدينة عتيقة بالمغرب ) ولم تساهم الجماعات والجهات المعنية إلا بالقدر الضئيل، ولذا يمكن الجزم بأن دار لقمان ظلت على حالها وتفعيل القرار إياه بقي حبرا على ورق إلى إشعار آخر . بما أن النسيج الحضري العتيق يعتبر كلا لا يتجزأ، وهو يشتمل على معالم وعناصر عدة تساهم بمجموعها في إشعاع المدينة أو باعتبارها حاضرة عتيقة، فهناك النسيج العمراني والمعالم ذات الطابع الديني، وهنا نخص بالذكر تدخل الوزارة المعنية أي الأوقاف، ونستطيع أن نستذل بنماذج واضحة على الهوة العميقة والكبيرة بين الخطاب والواقع ، ونقصد هنا جملة من المنشآت التي تعد معالم وحزءا أساسيا من مآثر تازة التاريخية كالزوايا التي توجد في وضعية متردية ( الدرقاوية – التهامية – التيجانية – مقر الطريقة العيساوية ) وكثير من أضرحة الصالحين وكمثال على ذلك ضريح سيدي محمد بلحاج بباب طيطي وقد كان يحضن المقابر القديمة لتازة، ويذكر أن رحابه قد استبيحت تماما وغمرته القاذورات كما يلجأ إليه المنحرفون وشذاذ الآفاق، وضريح سيدي عيسى وضريح سيدي بودروس بالزاوية اليجبشية، كما يوجد في نفس الوضع ضريح سيدي بلفضيل بأشرقيين أي الحي الشمالي لتازة العتيقة . غير أن واقع التردي شمل أيضا المسجد الأعظم ويتجلى هذا التردي في تعطيل وظيفته الدينية لمدة تزيد الآن عن 6 سنوات باسم إصلاح لم يظهر أي أثر أو مصير له الشيء الذي تطرح الساكنة معه تساؤلات ملحة، خاصة عبر طول فترة إغلاقه، مع أنه يعد من أبرز معالم تازة التاريخية والدينية والعمرانية بحيث كان من المآثرالسباقة للتصنيف وطنيا وفقا لظهير 21 يوليوز 1916 وهو الذي نشر بالجريدة الرسمية ع رقم 197 بتاريخ 31 يوليوز 1916، علما بأن عمره الآن يزيد على 8 قرون وأنه مكون من جزئين أساسيين : الجزء الموحدي غرب المسجد بما في ذلك الصومعة ثم الجزء المريني وهو الأكبر شرقه . شارفت عمليات الإصلاح والترميم سنتها السابعة بالتمام والكمال دون أن يتم الفراغ منها لحد الآن، ويتساءل الرأي العام التازي عن أسباب هذا التمطيط غير المفهوم في حين تشير بعض المصادر إلى أن استخدام خشب غير مناسب لهذه البناية التاريخية الدينية كان وراء التأخير غير المبرر، علما بأن هذا العامل لا يعد مقنعا بالباث والمطلق فقد سبق لمسجد/ جامع القرويين بفاس أن شهد مؤخرا ترميمات وإصلاحات شاملة، ثم انتهت مرحلة تلك الإصلاحات وأعيد فتح المسجد أمام المصلين، في حين ظل المسجد الأعظم بتازة يندب حظه لحد الآن ويذكر أن الفضاء يفتقر إلى لوحة تشوير توضح طبيعة تلك الإصلاحات وتكاليفها والمؤسسة المشرفة عليها مما يطرح أكثر من علامات استفهام حول مصير هذا الصرح الحضاري الديني الذي شهد بيعات السلاطين وحلقات الدروس والمظاهرات الوطنية ( أبرزها انتفاضة ماي 1934 التي كان من متزعميها الوطني الغيور ابراهيم الوزاني التازي وأيضا محمد بن سعاد التازى ) . لا زال وضع هذا المسجد على حاله كورش للإصلاح والترميم دون أن تخرج الجهات المعنية وعلى رأسها مندوبية الأوقاف عن صمتها وتوضح ما يجب توضيحه للرأي العام . وضعية المدرسة المرينية قبالة المسجد الأعظم تثير أكثر من سؤال خاصة وأنها باتت على وشك الانهيار وعمرها يزيد عن 8 قرون، إذ تعود إلى العصر المريني ويعتقد أنها بنيت على عهد السلطان ابي يعقوب يوسف، في حين يذهب البعض إلى أنها من تأسيس المولى الرشيد العلوي وفي محاولة لاستمرار أسوارها قائمة، لجأت الجهات المعنية إلى دعامات على شاكلة ما وضع ببعض أزقة فاس وهي في الواقع لا تدعم شيئا، في غياب إصلاح وترميم شاملين وسبق للمجتمع المدني مشخصا في مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث أن نبه إلى هذا الوضع واقترح تأهيل وتحويل هذا الفضاء إلى خزانة عمومية على أساس نقل المخطوطات والنوادر التي أهملت وسد عليها في خزانة المسجد الأعظم ووضعها رهن إشارة الأساتذة والطلبة والباحثين وعموم المهتمين وهكذا يظل خطاب تصنيف تازة في واد وهذه المعلمة في واد آخر. مقرات الزوايا يوجد أغلبها ( باستثناء زاوية بني توجين / توزين الناصرية سابقا ) في حالة متردية وأبرزها الزاوية الدرقاوية قرب المسجد الأعظم والزاوية التيجانية ومقر الطريقة العيساوية ولا تخفى أهمية هذه الصروح في تنمية السياحة الثقافية والصوفية بالمنطقة . وإذا انتقلنا إلى العمران العسكري فلا بأس أن نحيط القراء والمبحرين علما بمستجدات واقع الحال بالنسبة لحصن البستيون السعدي أو ما سمي تاريخيا ب" برج تازة "، فبعد أن تخلت الجهات المعنية عن إقامة خزان للمياه غير مشروع وتنتفي خلاله كل الشروط القانونية باعتبار المنطقة مصنفة كمجال أثري يُحظر فيه أي بناء أو خرق كيفما كان نوعه وفقا لكل المراسيم والظهائر وأهمها ظهيرا 1916 و1922 بصدد المنطقة المحفوظة الأثرية لتازة والتي تحددت بمسافة 500 مترا حول الأسوار التاريخية، قلت بعد أن تركت الجهات المعنية هيكل الخزان بجانب البسيتون شيدت خزانا بديلا قرب حي المستقبل جنوب شرق تازة العتيقة، وذلك بفعل الاحتجاجات المتواصلة للمجتمع المدني، بقي نفس البناء الشاذ قائما دون هدم علما بأنه صرفت في بنائه ميزانية مهمة من المال العام، وظل موجودا على المنحدر ملحقا تشويها بليغا بهذا الفضاء التاريخي الذي سبق أن تحملت مسؤوليته اللجنة المغربية للتاريخ العسكري لكن سرعان ما استرده المجلس الجماعي دون اهتمام بترميمه أو إعادة تهيئته، استرده المجلس وعلى حاله المتردي أصلا، علما بأنه يعد توأما للبرجين الشمالي والجنوبي بفاس ويعود إلى نفس الفترة السعدية . في مجال الأسوار التاريخية التي تعد إلى جانب الحصون والخندق شبكة محصنة Fortifiée تمنح تازة ميزة المدن القلاع أو المدن الحصون، والسور التاريخي للمدينة يمتد على طول يناهز 3 كيلومترات ( بالضبط 2850 م ) وهو مزدوج خاصة في حيزه الجنوبي بل وثلاثي أيضا في حيزه الشرقي حول باب الجمعة، ويبلغ عرضه 1,90 م وعلوه من الداخل حوالي ثلاثة أمتار والمفارقة هنا أن إصلاحا وترميما شملا الجزء الشرقي باستثناء أعلى باب الجمعة وحول البستيون مما أضفى جمالية ما على شارع 03 مارس في حين بقيت الأحزاء الجنوبية والغربية وبعض من الأجزاء الشمالية على حالها بل إن حيزا من هذا السور ونقصد الجانب المحاذي لبرج سرازين بدأ يختفي تحت تراكم الأزبال ونفايات البناء دون حسيب أو رقيب ونفس الوضع يعرفه الخندق الدفاعي المعزز للسور من هذه الناحية فقد اختفى جزء منه في غياب المراقبة والردع والجهات المعنية خاصة مصلحة حماية الآثار والمجلس الجماعي وعمالة الإقليم . هذا وقد زار عدد من ممثلي المجتمع المدني التازي الحيز المعني وسجلوا ما تعرفه أسوار تازة التاريخية من تدهور وترد ونذكر هنا تنسيقية الدفاع عن المآثر التاريخية والائتلاف المحلي للمجتمع المدني، لكن الجهات المعنية صمت آذانها فاستمر الوضع على حاله، مما أثر سلبا على هذه المعالم، بحيث أصبح الجزء الأكبرمن الأسوار الغربية الموحدية ومعه برج سرازين مهددا بالاندثار خاصة مع وجود سوق أسبوعي للمدينة بجانب تلك الأسوار علاوة على ما ذكرنا من تراكم النفايات وبقايا أتربة ومواد البناء، فهل يتم تصنيف تازة وطنيا على أساس حيز محدود من السور التاريخي ؟ ونفس الشيء يقال عن فضاء باب الجمعة الذي تمت تهيئة نصفه الأسفل في حين بقي نصفعه الأعلى على حاله من التدهور والأزبال ونفايات البشر والحيوان، فهل بهذه المفارقات الصارخة يتم تصنيف تازة كتراث وطني ؟. ثمة ملاحظة عامة تخص الفنادق العتيقة التي تحول أغلبها إلى إقامات سكنية أو محلات تجارية ودور قصديرية ( نموذج فندق الحدادين ) مما يفقد هذه المعالم كل ما تبقى من خصائصها المتميزة وأبرزها: فندق بن كيران – فندق الحدادين – فندق قبة السوق – فندق صب الماء – فندق النجارين ، أما الدور العتيقة فقد فعل القوم خيرا بتحويل القليل منها إلى قاعات حفلات وعروض أما الباقي فما فتئ ينهار جزءا جزءا، وأكثره أصبح قاعا خاليا صفصفا ورغم أنها ممتلكات خاصة فهي تشكل جزءا لا يتجزأ من النسيج العتيق، وأي نشاط للتهيئة كيفما كان نوعه يجب أن يراعي خصوصيات هذه الأبنية . الحمامات العتيقة بدأت هي الأخرى تفقد طابعها الأصيل كحمام السوق بل تم إغلاق بعضها كحمام الباشا، بينما احتفظ الباقي بذلك الطابع كحمام صب الماء ( يرجح انه مريني ) وحمام سوق اليهود إضافة إلى حمام قبة السوق نسبيا . يبقى السؤال كبيرا ومطروحا حول التصنيف المعني، فقاعدته " مدكدكة " تماما، وكان بالأحرى على الجهات المعنية أن تهتم بإشغال الصيانة والترميم بدل الاتجاه إلى التصنيف رأسا، وحتى على افتراض أن يساعد التصنيف إياه على إدراج تلك الإصلاحات في برنامج شامل مدقق محدد، فعلى أي أساس تمت العملية برمتها علما بأننا مع التصنيف لأنه في كل الاحوال قيمة مضافة للمدينة، ولكن بتواز مع برنامج لإعادة هيكلة وتهيئة تلك المعالم، ولعلم الجميع فقد أفادت مصادربأن اعتمادا مهما رصد لهذا الشأن لم تعرف وجوه صرفه لحد الساعة .
#عبد_الإله_بسكمار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قبة السوق بتازة : قبس من ذاكرة ممتدة
-
المدارس المرينية بتازة من الوظيفة الأيديولوجية إلى الدور الس
...
-
تازة التي لم تخضع للاحتلال الروماني
-
المنتزه الوطني لتازكة : مكونات متنوعة تحتاج إلى تنمية مندمجة
-
أبواب تاريخية بتازة بين الإصلاح والإهمال
-
كيف انتقل اسطرلاب تازة من المغرب إلى إيطاليا ؟
-
متى تتم إعادة فتح مغارة فريواطو بتازة ؟
-
العودات بتازة بين البعدين التدجيلي والتطبيبي
-
عن أسرة التازيين بفاس
-
تاريخ تازة : أسرارملتبسة وبالجملة
-
عن زمن الانتهازية والانتهازيين
-
حول زمن الانتهازية والانتهازيين
-
إضاءات جديدة حول الرتاث التازي : نمذج العلامة علي بن بري
-
بعض مظاهر الصراع من خلال الإشكالية المائية بتازة
-
بيان إلى الرأي العام الوطني : الفساد قي قطاع الصحة بركة في ب
...
-
معركة غزة ضمن مسار صراع تاريخي
-
الزلازل في المغرب بين التفسيرالقدري والبعد المأساوي
-
جوانب من تاريخ مكناسة تازة
-
في سبيل الرقي بالعمل الثقافي لجماعة مكناسة الغربية / تازة
-
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تحتج على فساد وانهيار المنظوم
...
المزيد.....
-
بالأرقام.. تحديث عدد أصوات ترامب والقوة الهائلة بواشنطن
-
قلبها ترامب.. أسماء 4 ولايات انتزعها الجمهوريون بالانتخابات
...
-
مراسل يوضّح -خطيئة- الديمقراطيين وسبب غطرستهم وظنهم بأن ترام
...
-
كوشنر وما قاله عن محمد بن سلمان بمذكراته يبرز مجددا بعد إعلا
...
-
الكويت.. فيديو مداهمة أمنية تضبط إيرانيين ومواطن والداخلية ت
...
-
/ملخص يومي/.. الهجمات الإسرائيلية على لبنان وجهود التسوية/ 0
...
-
/ملخص يومي/.. الأراضي الفلسطينية تحت النيران الإسرائيلية/ 07
...
-
مقتل عشر أشخاص في الضفة الغربية، والوضع في غزة -يزداد كارثية
...
-
ترامب حقق نصراً كبيراً، وهاريس تقرّ بخسارتها، فكيف كانت الان
...
-
ماذا سيفعل ترامب في هذه الحقبة القلقة؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|