|
عوالم الدهشة في ديوان منازل أخرى للدهشة للشاعر عبد الله راغب أبو حسيبة
أمل سالم
الحوار المتمدن-العدد: 8152 - 2024 / 11 / 5 - 20:14
المحور:
الادب والفن
يفاجئنا الشاعر: "عبد الله راغب أبو حسيبة" بديوانه: "منازل أخرى للدهشة"، هذا الديوان الصادر عن دار الأدهم للنشر والتوزيع في طبعته الأولى لعام 2021م، وهو الديوان الذي أتى بعد عدد من الدواوين الشعرية، أذكر منها: "سيدة الصباح"، وهو نص تفعيلي، ثم "هي أعضاء ليست لك"، و"تجذبه إلى آخر الكون"، و"ظلال"، و"هذا الراقص"، وفيها جميعًا ينظر الشاعر إلى قصيدة النثر على أنها الخلاص في كتابة الشعر. وفي البداية، أود أن أشيد بغلاف الديوان، باعتباره عتبة من عتبات النص، جاء مناسبًا ومتسقًا تماما مع حالة الديوان، ومعبرًا عما يحويه من دفقات شعورية، وتمثل ذلك في السفينة الراسية على صحراء جرداء، وتشارك يد الشخص العزف بيد خشبية هي ذاتها السفينة التي أشار إليها الشاعر في نص بعنوان: "الماءُ صارَ ليْ وحْدِي" فقال: "الآنَ وفيِ عمقِ المحيطِ/ أخلعُ سفينتي/ عن جسدِي/ لم أعدْ بحاجةٍ للشطِ/ أو الطرقِ الوعرةِ/ اليابسةِ"، للفنان مصمم الغلاف كل التحية على قراءته. عودة إلى الديوان، فإننا بصدد عنوانٍ مكوّنٍ من مفردات ثلاثة، كل مفردة منهم تستحق أن نقف أمامها بالتأمل؛ فالمفردة الأولى: "منازل"، والمفردة الثانية: "أخرى"، والمفردة الأخيرة: "الدهشة". فأما مفردة "منازل"، فهي تحيل المتلقي إلى منحٍ صوفيٍ للوهلة الأولى، بل ونجد -بعد مطالعة نصوص الديوان- أنها أقرب ما تكون لمعناها القرآني؛ فقد وردت في كتابه العزيز مرتين، وفي كلتيهما جاءت ملتصقة بالقمر، حيث يقول -عز وجل-: "وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ" [سورة يس، الآية: 39]. ويقول -سبحانه وتعالى-: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ" [سورة يونس، الآية: 5]. ومن المعروف أن منازل ومنزلة وما شابههما من المصطلحات الصوفية بالدرجة الأولى، فالتجربة الصوفية تلك التي أطلق عليها المتصوفة أنفسهم اسم "الحال"، ووصفوها بأنها المنزلة الروحية، حيث اتصال العبد بربه، وحدوث الإشراق الإلهي. وما يؤكد هذا المنحى الصوفي ما جاء في النص الأول من الديوان، وعنوانه: "أنا خمسة"، حيث يقول الشاعر: (الريحُ فشلتْ فِي تجفيف/ دمعتي/ مذ تنازلتُ/ عنْ كرامَةِ الحَلاَّجِ/ وتركتُهُ يَعويْ/ وحِيدًا/علىَ ضفةِ دِجْلَةَ). فـ "الحلاج"، هو الإمام "الحُسِّين بن مَنْصُور الحَلاَّج"، رائد من رواد التصوف في العالمين العربي والإسلامي، وهو شاعر صوفي من شعراء الدولة العباسية، ومختلف عليه ما بين كونه صدِّيقا؟ أم زنديقا؟ وهل كان وليًا لله متقيًا له؟ أم من أهل السحر والخزعبلات؟ وهل قتل على الزندقة بمحضر من علماء المسلمين؟ أم قتل مظلومًا؟ وهو الذي أفتى "ابن تيمية" أنه قتل على الزندقة. غير أن النص نفسه يحمل إدانة للقتلة، أولئك الذين قتلوا الرجل على الكلمة، وأولئك الذين أغلقوا أبواب الاجتهاد والتفكير، بل وإدانة أيضًا للمتخاذلين والقانعين، فيكمل الشاعر قائلًا: (كمسمارٍ قديمٍ/ يُهدِّدُ/ كلَّ منْ يلبسُ الحِذَاءَ/ فِي رأسِهِ/ يُهدِّدُنِي). غير أن هذا النص الذي عرج على الحلاج في ثناياه يتماس مع ما كتبه "صلاح عبد الصبور" في مسرحيته: "مأساة الحلاج"، يقول الشاعر: (أنا خمسة/ مات أربعة مني/ على ما أتذكر/ لم يتبق غير الخامس/ هذا الذي دقوا الطاعون في بطنه/ وعلقوا الصليب/ على جدار بيته/ صلبوا الأول/ فالثاني/ فالثالث ورابعهم مازال يصرخ). وإذا كنا في سياق دراستنا لهذا الديوان سنعني -بدرجة ما- باستكشاف الأنساق الثقافية المضمرة، ودراستها في سياقها الثقافي والاجتماعي السياسي والتاريخي والمؤسساتي فهما وتفسيرا؛ فإن نسقًا، مثل: "التطويع"، وأعني ترغيب الجماهير في إطاعة السلطة -سواء كانت السلطة سياسية أو دينية- سائدًا ضمنيًا في الثقافة العربية. وعليه، فإننا نجد أن نصًا، مثل: "أنا خمسة" يقاوم هذا النسق، بل ويرفضه، مات أربعة في بداية النص، لكن (رابعهم مازال يصرخ/ يمسك بطرف مهترئ/ من كذبي) في منتصف النص. إن فكرة العدد نفسها (صلبوا الأول/ فالثاني/ فالثالث) تعني فكرة ديمومة الحال، أعني القتل على الكلمة، وهو نفس تناول الفكرة لدى "صلاح عبد الصبور" في: "مأساة الحلاج"، فيقول: (صفونا صفا صفا/ الأجهر صوتا والأطول/ وضعوه في الصف الأول/ ذو الصوت الخافت والمتواني/ وضعوه في الصف الثاني..) فكرة استنساخ الحالة وتكرارها. نسق آخر من الأنساق الثقافية المضمرة التي يمكن أن نقول أن نصوص الديوان على الرغم من بساطتها إلا أنها عارضته بسطور قليلة، مكثفة مركزة، وهو نسق "التمايز"، فالشعراء على الرغم من ذكر القرآن لهم في آيه الحكيم: "وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ"، إلا أن الذائقة العربية ميزتهم، ومكنتهم من احتلال مكانة مميزة في المجتمعات العربية فترة طويلة، نقل عن "أبي بكر الخوارزمي" أنه قال: "ما ظنُك بقومٍ الاقتصاد محمودٌ إلاّ منهم، والكذب مذمومٌ إلاّ فيهم،... هم أمراء الكلام يقصرون مديده، ويخففون ثقيله"، هنا نجد الشاعر يقول في نص بعنوان: "تصلي الأرض من أجله": (يرثُ الشَّاعرُ/ هزائمَ أحفادِهِ!/ يرثُ الأبنَاءُ/ نسيانَ قصَائِدِهِ!/ يبتهجُوُنَ/ عندمَا يرقُدُ الجَسدُ المَطعُونُ/ علىَ مذبَح ِ الكَنِيِسةِ/ يتنازعُهُ شيخُ المسجدِ،/ والقسُ،/ وشَيْطَانُ الشِّعرِ،/ بينمَا يبكي بيتٌ قديمٌ/ رائحَةُ عرقِهِ)، ويقول في نص آخر بعنوان: "عناوينهم السرية": (لا أحبُّ الكبارَ/ أقصدُ.رئيسَ التحريرِ الخبيثَ/ والذي يتواضعُ بصنعةِ/ السياسيِّ/ وورمٍ خبيثٍ، داعيةٍ مخنثٍ/ يضعُ علَى وجهِهِ/ مساحيقَ كالتي يستعمِلُهَا/ شعراءُ الدولةِ العبَّاسِيَّةِ/ ورقيعَ القريةِ)، وفي هذا النص جمع الشاعر كل من كانت حرفته الكلام: رئيس التحرير، والسياسي، والداعية، والشاعر. وتتكرر نفس الفكرة في نص بعنوان: "لا أمطر لا أضيء"، فيقول: (يا سيدي أنا لا أمطرُ/ لا أضيءُ/ لا أجلبُ غيماتٍ كالشعراءِ/ فوقَ بيتِي/... لا تبالغْ عندَمَا تحاولُ/ أن تربِطَ بينَ وريدي/ وشرايينِ الحكمةِ). المفردة التالية في عنوان الديوان هي "أخرى"، وعنوان الديوان هو عنوان للنص العاشر داخل الديوان، يبدأ هذا النص فيقول: (في البدءِ كانَ بابُ السماءِ/ بينَ نهديِّ امرأةٍ/ كانَ العارفُ بالمعِراجِ/ يمرُّ بـينَ قَوْسَينِ/ ويهمسُ كمجذوبٍ: / سوفَ أُدْفَنُ بعدَمَا أموتُ/ في جسدِ امرأةٍ شرقيَّةٍ/ سوفَ تُصبِحُ قبريَ). ومن ثم، فإن كانت هنا منازل أخرى، فإن هناك منازل أولى يمكن للمتلقي إعمال العقل فيها واستنتاجها. ومن ثم، فإن باب السماء والعارف بالمعراج والدفن بعد الموت في مقابل جسد امرأة شرقية. ثم يستمر في وصف هذه الجسد ليقصر عليه الدهشة، فيقول: (لا أحدَ يُمْكِنُهُ ابتكارَ منَازِلَ/ أخرىَ للدهشَةِ/ أبعد مِنْ نهديِّ امرأةٍ/ لمْ تدهسْهَا فريضةُ الرَغبةِ/ وتنتظرُ علَى جمرةِ الخجلِ)، بعد الانتقال بين مكونات كونية ضخمة؛ الشمس والبحر والأسماك والبجع ينتهي النص على دهشة كرّس لها على مدار النص، فيقول الشاعر: (فتستحِيلُ شهوةً للرُّعَاةِ/ فتُمْسِكُهُمْ الرعَشةُ/ وتتَّسِعُ امرأةٌ للرَّعْيِ/ امرأةٌ خضراءُ/ تملكُ فتنةً لاتموتُ). أيضًا ترتبط مفردة أخرى في الديوان بأعمال ضخمة، يقول في نص: "حفل إغراء كبير": (لكنْ انتظِري قليلاً/ في جسدِي سماءٌ أخرىَ/ تليقُ بكِ)، ويقول في نص: "لا ظل له": (كانّ يُحدِّثَ اللهَ خِفْيَةً/ عنْ كائناتٍ تُشبِهُ البشرَ/ تنموُ مِنْ حولِهِ/ يقطفُونَ هاماتِ بعضِهِم/ ويزرعونَ عظامَهُمْ/ تحتَ الرِّمَالِ/ لكنْ لا تنمُو لهم هاماتٌ أخرَىَ/ فقطْ ينتظرونَ.)، وفي نص "فانتازيا"..."منْ ذاكرةِ الخُرافَةِ"، يقول: (خلفَ الأكمَّةِ/ لبؤةٌ تبتلعُ أشبالَها/ ثمَّ تلدُهمْ مرةً أخرى)، وفي نص: "يتهجى عصاه"، يقول: (عيونُ الولدِ الرَّابِضِ/ خلفَ عصيَانِهِ/ والذيْ لم يكمِلْ أغنيةً واحدةً/ للملائكة/ تلتفُّ الثعابـينُ وكلابُ الأرصفةِ/ حولَ رغيفِهِ/ لكنَّهُ لنْ يكملَ أغنيتَه/ للملائكةِ مرةً أخْرَىَ.)، وأخيرًا في نص: "احتمالات"، يقول: (ينامُ الولدُ داخلَ غرفِتِه/ بينمَا جسدُهُ/ في الغرفةِ الأخرىَ/ يقرأُ العتمةَ علىَ مهلٍ/ ولا شيء أكيد.) إذًا، فحالة "أخرى" هذه تربط بالسماء، بهامات لا تنمو، بشهد اللبؤة الخرافي، بالملائكة، وأخيرًا بحالة الانفصام التي تفتح الاحتمالات. وإذا كنا نثق في أن الكتابة هي نتاج تفاعل مركب بين وعي الكاتب ولا وعيه، فإننا يمكن أن نفسر اقتصار حضور مفردة "منازل" على مرتين فقط في العمل بما يتناسب مع ورودها في القرآن الكريم؛ فقد وردت مرتين فقط أيضًا. وعلى حين أن مفردة أخرى تمددت في الديوان -كما سبق ذكره-، فإن مفردة "الدهشة" اقتصر حضورها على ثلاث مرات؛ مرتين في نص: "منازل أخرى للدهشة": العنوان، و(لا أحدَ يُمْكِنُهُ ابتكارَ منَازِلَ/ أخرىَ للدهشَةِ)، ومرة ثالثة في نص: "سرير بارد"، فيقول: (سريرٌ باردٌ/ يتمددُ تحتَ جسدكَ الهشِّ/ ودهشةٌ مستعارةٌ ترسمُهَا/ علىَ وجهِكَ!) إذًا، أين تكمن الدهشة المرتجاة؟ في واقع الأمر إن الدهشة في الديوان متعددة المستويات؛ ويمكننا أن نعرف الدهشة، فنقول: إنها شعور يتجلى في الإنسان عند حدوث أمر لم يكن يتوقع حدوثه. ويعتبر الفلاسفة أن امتلاك الدهشة حد فاصل بين الحياة والموت، يقول أرسطو: "إن ما دفع الناس في الأصل، وما يدفعهم اليوم، إلى البحوث الفلسفية هي الدهشة"، ولذا يمكن اعتبار أن الدهشة هي أم الفلسفة، والدهشة الطبيعة تلك التي تحدث للإنسان أمام الظواهر الخارقة للعادة، وهذه الدهشة الطبيعية ممثلة في نص: "خواطر ليست بريئة"، يقول: (وتعرفُ يهودياتُ أسبَانْيَا/ الجميلاتُ/ أنَّ الشَّاعِرَ يطيرُ فوقَ الماءِ/ هكَذَا... تظلُّ عيونُهُنَّ معلقةً في السَّماءِ/ طوالَ حيَاتهِنَّ)، أما الدهشة الفلسفية، فهي تلك التي تحدث أمام الظواهر الطبيعية المألوفة، وعليها ينتقل الحدث من حالته المألوفة إلى حالة التساءل ثم التأمل، فينتج عنها أسئلة فلسفية وجودية عميقة، فدهشة نيوتن أمام تفاحة سقطت دهشة فلسفية نتج عن قيام علم الميكانيكا الكلاسيكية. هذه الدهشة الفلسفية أيضًا ممثلة في الديوان في نصوص كثيرة، فها هو نص: "خواطر ليست بريئة"، يبدأ بالتلميح لأصول الدهشة الفلسفية، ألا وهي النظر للأشياء المألوفة بوجة نظر تأملية، يقول: (لا تحتاجُ للكثيرِ/ كيْ تصبحَ شاعِرًا/ تعرفُ ذلكَ عندمَا تعبرُ بجعةٌ/ فوقَ رأسِكَ..بِشارَةً)، وكما في نص: "لا تصدقوه"، يقول: (وداعةٌ كاذبةٌ/ ورهافةٌ محض كمينٍ/ كانَ البابُ مُوَارَبًا قليلاً/ وأنتَ كرجلٍ طيبٍ/ ماكرٍ/ لمْ تُخبرْ نفسَكَ/ أنَّ البيتَ مِقلاةً)، هنا مكنته هذه الدهشة الفلسفية من الجمع بين المتضادات أيضًا. امتلاك الذات الشاعرة لهذا القدر من التأثير والتأثر بالدهشة الفلسفية جعلها تنظر إلى تميزها داخل النص حتى في لحظة الفناء، يقول في نص: "لا تصدقوه": (كنْ طيبًا يارجُلُ/ ولا تخبرْهُمْ بموعدِ موتِكَ/ واحْفُرْ قبرَكَ/ فوقَ شجرةِ الكافورِ/ في الأعلىَ تمامًا/ في رأسِ الحكمةِ/ التي فشَلتْ كثيرًا/ في غِوايَتِهَا.) وهذه الدهشة أيضًا هي التي مكنت الذات الشاعرة من رفض الأبوية التراثية، ووضعها تحت المراجعة والنقد، على غرار ما حدث مع العهد القديم في عصور التنوير، يقول الشاعر في نص: "كأن شيئًا لم يكن": (شجرةُ التفاحِ المُسِنَّةِ/ مازالتْ تنزفُ/ أسئلةً/ ومازالَ الوجهُ الشهوانِيُّ/ ينزعُ ابنَتَها/ من حلمةِ الغُصْنِ/ الشجرةُ تبكي على جُدرانِ/ الجنةِ/ بينمَا ولدٌ زنديقٌ/ تحتَهَا)، وكذلك في نص: "لم تكن سلفيا بلاس"، حيث لم تسلم الأساطير المصرية القديمة وامتداداتها في مسألة الآلهة الأم "إيزيس" من هذه المراجعة، حيث يقول: (أنتَ/ لاتُشْبهُ أهلَ الكهفِ/ عندمَا تقلَّبُكَ المعاركُ علىَ السريرِ/ أنتَ الآنَ نائمٌ كعنزةٍ/ تشويكَ الكوابيسُ/ ذاتَ الشِّمالِ/ وذاتَ اليمينِ/. ولن تسميِكَ / بناتُ آوىَ، وخصومُكَ الأوغادُ/ "بديكِ الجِنِّ"/. فلماذا تحاولُ كجروٍ مغرورٍ/ أن تلعقَ صورةَ العذراءِ/ على قبرِ "سلفادور دالي"/ وأنت ولدٌ غيرُ شرعيٍ "للحطيئة"/. وترسمَ علىَ حائطِ الغرفةِ/ "إيزيسَ" بكاملِ فتنتِهَا/ وهيَ تطهو للملائِكةِ)، و"سلفادور دالي" هو الفنان الأسباني مؤسس المدرسة السريالية ومبدعها، كان يرسم رموز الأحلام ليحرر نفسه من رقابة وقمع المجتمع وهيمنة العقل، وقد تأثر بالفيلسوف: "نيتشه"، لكنه في ختام حياته اتخذ في فنه اتجاهًا أقرب إلى الصوفية الكاثوليكية، وحينما بدأ يرسم لوحته الشهيرة "صعود العذراء" -التي يمثل فيها السيدة العذراء وهي ترتفع إلى السماء- اختار وجه "جالا" زوجته ليكون وجه العذراء. إذا نحن أمام شاعر مدهَش، هذا ما يمكِّنه من إعادة تشكيل ما حوله، فاستحضار كينونة الوسواس من مفهومه الشرير دينيًا إلى مفهوم وجودي مشارك في إعادة التشكيل والتكوين، يقول في نص: "أدخليه بسلام غير آمنه": (الآنَ سوفَ يلعبُ الوسْواسُ/ إلىَ نهايةِ شهوتِكَ/ بالغيْمِ/ وينزفُ عناوينَ مستحيلَةً/ تُعكِّرُ الماءَ الآسِنِ/ وتصبحُ الخُرافاتُ بديلةً)، وهذه الدهشة الفلسفية هي التي مكنت الشاعر من إذابة المعاني التقليدية، ومن تقريب المسافات بين معانٍ ومصطلحات متضادة، يقول في نص: "لا تصدقوه": (أشعر بشيءٍ مَا/ يشبهُ الإشارةَ/ ولم أفهمِ المعنىَ/ ثقْ بالريبةِ/ وافترضْ ضدينِ/ وانتظرْ بينهُمَا.). وعلى ذلك، فهو لا يبحث عن تفسير الوسواس ولا الريبة، وإنما يبحث داخلها عن معانٍ أعمق. كما توجد حكائية في نصوص الديوان لم تنتقص من الشعرية القائمة على الإيقاع. ولذا، فالنصوص لم تتبن خطابًا سرديًا متكاملًا، لكن القصص الغرائبية المتخيلة التي وردت في أكثر من نص تفتح على عوالم متخيلة تقرب النص من الأساطير والعجائبية، ففي نص: "لا تصدقوه" هناك بناء سردي متصل يعبر عن حالة درامية عناصرها: ظل، وذات شاعرة، ورجل، وملائكة، وأشجار؛ فيقول الشاعر: (أشكُّ كثيرًا في ظِلي/ كادَ أنْ يُوقِعَ بيني/ وبينَ/ رجلٍ طيبٍ/ أعرفُ أنَّه يُراسِلُ الملائكةَ/ منْ خلفِي/ لا تصدقُوه/ أنا لستُ المعتوهَ/ الذي يخسِرُ أشجارَ/التوتِ والحِنَّاءِ).
#أمل_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مراجعة الأنموذج ومساءلة الخطاب في رواية -جراح وكاتب أغانٍ- ل
...
-
مجلة -الثقافة الجديدة- منارة مصرية للثقافة
-
بين الخداع الزمني وتعرية المحيط.. قراءة في رواية -صورة مريم-
...
-
دهشة المكان والتاريخ ورؤية الشعر في “كل المدن أحلام” للشاعر
...
-
تجربة
-
اعتراف
-
ميتامورفوسيس4
-
ميتامورفوسيس3
-
ميتامورفوسيس 2
-
ميتامورفيسوس1
-
ثلاث صور للتحولات
-
في طه حسين والشعر الجاهليّ
-
حول رواية تغريبة القافر
-
في حضرة المطر- شعر أمل سالم
-
-مهمة سرية- في الكتابة للناشئين.
-
الخواء العام
-
في محبة بهاء طاهر
-
المعني وآليات الاحتجاج في شعر الأبنودي
-
كل من عليها خان رواية طرائق الدهشة- سلسلة دراسات نقدية عن ال
...
-
ضرورة القصة القصيرة، مقال لتقديم قصص الشاب جاسر وجدي.
المزيد.....
-
-لون الرمان- وغيره.. أفلام سوفيتية وروسية في برنامج الدورة ا
...
-
-حوريات- لكمال داود تفوز بجائزة -غونكور- المرموقة
-
دعمت كلينتون سابقا وهاريس حاليا.. هل أصبحت الفنانة بيونسيه ف
...
-
هل يمكن العيش بلا أيديولوجيا؟.. الصادق الفقيه: مفتاح الاستقر
...
-
نعاه كاظم الساهر.. كوينسي جونز ترك بصمته على مغنين عرب أيضا
...
-
صحيفة -شارلي إبيدو- تسخر من ترامب وهاريس بـ-كاريكاتير- (صورة
...
-
منح الكاتب الفرنسي من أصل جزائري كمال داود جائزة غونكور عن ر
...
-
“يعرض الآن” مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 31 مترجمة على قن
...
-
شاهد.. النجم البريطاني يسقط في فجوة على المسرح أثناء حفل موس
...
-
منى زكي: تجسيد أم كلثوم تجربة غيّرت حياتي
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|