-صوتٌ غارقٌ في صمت: تجليات الألم والوحدة في صهيل الرباب- قراءة نقدية في قصيدة : صهيل الرباب – للشاعرة : نوار أحمد الشاطر – سوريا . بقلم : كريم عبدالله – العراق .

كريم عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 8152 - 2024 / 11 / 5 - 19:00
المحور: الادب والفن
    

"صوتٌ غارقٌ في صمت: تجليات الألم والوحدة في صهيل الرباب"
قراءة نقدية في قصيدة : صهيل الرباب – للشاعرة : نوار أحمد الشاطر – سوريا .
بقلم : كريم عبدالله – العراق .
1. التقديم العام:
قصيدة "صهيل الرباب" للشاعرة نوار أحمد الشاطر هي رحلة شاعرية عميقة في الذات، تنطوي على تصوير مرهف لتجارب الألم والوحدة، معبرة عن قلق وجودي وألم داخلي يمتزج بالمجاز والموسيقى. تعكس القصيدة قسوة الحزن الإنساني وتمازج الواقع مع الخيال في محاولة للتعبير عن هذه المعاناة عبر الصورة الشعرية المبدعة.

2. البنية اللغوية:
تبدأ القصيدة بتوظيف لغة مُفعمة بالرمزية والاستعارة، وتظهر فيها القدرة على رسم مشاعر الشاعرة بلغة شعرية حادة وصادقة. في أول الأبيات، يستخدم الشاعر صورة "كطلاءٍ للروحِ بمدادِ القلبِ" ليعبّر عن محاولة التعبير الداخلي، أو "الرسم" الذي يصنعه الشاعر لتشكيل نفسه من خلال الكلمات. هذه الصورة تمزج بين الروح والقلب، مما يشير إلى تداخل العقل والشعور في عملية الخلق الأدبي.

كما أن الألفاظ نفسها تحمل طابعًا موسيقيًا، مثل "أتنفسُ الشعرَ شهيقاً"، ما يبرز الاهتمام بالجانب الإيقاعي والوزني في القصيدة، حتى وإن كانت الأوزان "مُختلة"، كما تشير الشاعرة في أحد أبياتها. هذا التباين بين الإيقاع المختلّ والتعبير الانفعالي يعبّر عن الفوضى العاطفية والاضطراب الداخلي الذي يشعر به الشاعر.

3. الموضوع:
القصيدة تغوص في العالم الداخلي للشاعرة، وتتناول معاناة الإنسان من قلقه الداخلي، صمته، وعجزه عن التعبير الكامل عن نفسه. تجسّد الشاعرة هذا الصراع بين الرغبة في التواصل والتعبير عن الذات وبين العزلة الداخلية، حيث تقول: "أمزِّقُ شَطْرَ صمتي" و"أحشو صدرَ عجزي". إنها تسعى لفراغات الشعر لملء هذا الفراغ الوجودي، لكن تعثر على العجز والقلق يحاصرها.

القلق والصمت، يشكلان محاور رئيسية في القصيدة، ويشيران إلى التوتر بين الفكر والعاطفة، والضعف البشري في مواجهة حقيقة الوجود. الشاعرة تتساءل عن قدرتها على التعبير، وتستخدم الميتافور (التشبيه المجازي) في "أتنفس الشعر شهيقاً" لتمثل الصعوبة التي تعانيها في إخراج ما يعتمل في داخلها إلى كلمات.

أما "الرباب" فتعبر عن الصراع بين الأمل والوجع، فالصوت الذي يُحدثه الرباب قد يكون صهيلاً يتردّد في الزمان والمكان ويعبر عن الحزن العميق. الرباب، بأوتارها الحزينة، يرمز إلى الكلمة التي تظل حبيسة داخل النفس دون أن تجد مساراً للنطق أو التعبير.

4. الصورة الشعرية والمجاز:
القصيدة تعج بالمجازات التي تخلق صوراً شعرية مشحونة بالعاطفة، مثل "أقتلعُ أوتادَ قلقي" و"أمزِّقُ شَطْرَ صمتي"، وهي صور تكشف عن حالة من التمزق الداخلي، والانفصال بين الشاعر وعالمه الداخلي. الشاعرة تستخدم الصورة الشعرية لتجسيد ألمها، ففي قولها: "أحشو صدرَ عجزي / بضُرُوبِ عارضةِ الأمل"، تظهر محاولتها للخروج من حالة العجز عبر توظيف الأمل كأداة توازي الألم.

أيضًا، استخدام "هذيانُ المجازِ / يسبحُ وهماً / في بيتِ أغنيتي" يضع القارئ أمام مفهوم المعاناة التي تتجاوز حدود الواقع. الشعر يصبح أداة إلهام ولكن في الوقت ذاته وسيلة للخداع، فالهذيان والوهم يصبحان جزءاً من الحكاية الشعرية نفسها.

5. التوتر بين الأمل واليأس:
تمثل القصيدة رحلة شاعرية تتأرجح بين الأمل واليأس، ففي حين نجد الشاعرة تشيد بالأمل ("أحشو صدرَ عجزي / بضُرُوبِ عارضةِ الأمل")، إلا أن مشاعر الألم والعجز تأخذ حيزًا أكبر من النص. هذا التباين يعكس النزاع الداخلي بين الرغبة في الخلاص عبر الأمل وبين حقيقة الألم الذي يسيطر على المشاعر.

القصيدة تتحدث عن أمل هشّ، أو أمل لا يتجاوز كونه مجرد "عارضة"، بل هو أمَلٌ يظل هشًا غير قادر على مقاومة الظلام الداخلي الذي يطغى عليها. "أشبعُ رويّها / بندى الألم" يدل على تداخل الأمل مع الألم في تركيب مركب من الصعب التمييز بينهما.

6. الأسلوب والموسيقى:
تتميز القصيدة بالأسلوب الشعري الذي يعتمد على التكرار وإعادة تشكيل الجمل لتعميق الأثر العاطفي. في قوله "أتنفسُ الشعرَ شهيقاً"، تبرز حركة التنفس والإيقاع، ما يمنح القصيدة بعداً موسيقياً تتناغم فيه الكلمات مع المشاعر. كما أن إيقاع الأبيات يُظهر الفوضى الداخلية، من خلال التراكيب المختلفة مثل "بأوزانٍ مُخْتلة المشاعر" التي تشير إلى خلل في التوازن الداخلي.

أيضًا، هناك استخدام مبتكر للمفردات حيث تتفاعل الكلمات بشكل غير تقليدي (مثل "أمزِّقُ شَطْرَ صمتي" و"أشبعُ رويّها / بندى الألم") لتمنح القصيدة طابعًا شعريًا معقدًا، لا يقتصر فقط على اللغة العاطفية، بل يتسع ليشمل التوتر بين الواقع والخيال.

7. الخاتمة:
قصيدة "صهيل الرباب" هي محاكاة حية لتجربة الإنسان في مواجهة الوحدة والعجز عن التعبير. الشاعرة نوار أحمد الشاطر تستخدم في هذه القصيدة أسلوباً شعرياً بديعاً يعتمد على المجاز والاستعارة لتمرير مشاعر الألم والقلق الوجودي. في نهاية المطاف، تظل القصيدة مفتوحة على تأويلات متعددة، حيث ينصهر فيها الأمل مع الألم، ويصبح المجاز في خدمة الحقيقة العاطفية للشاعر.

إجمالًا، يمكن اعتبار هذه القصيدة بمثابة رحلة داخل الذات، تؤكد على الصراع بين الصوت الداخلي والصمت القاتل الذي يواجهه الإنسان في كل لحظة من لحظات حياته، مما يجعلها واحدة من القصائد التي تنبض بالصدق الشعري وتعكس تناقضات الحياة الإنسانية.
القصيدة :
صهيل الرباب

/ نوار أحمد الشاطر

كطلاءٍ للروحِ بمدادِ القلبِ
أرسمُ الضوءَ
أعيدُ تدويرَ نفسي
أقتلعُ أوتادَ قلقي
أمزِّقُ شَطْرَ صمتي
أحشو صدرَ عجزي
بضُرُوبِ عارضةِ الأمل
أتنفسُ الشعرَ شهيقاً
بأوزانٍ مُخْتلة ِالمشاعر
بقافيةِ حزن ٍ
أُشبِعُ رويُها
بندى الألم
لا بحرَ يحتوي ملحي
ليَنْظُمَ سفنَ قصائدي
الغارقةِ بالشوقِ
هذيانُ المجازِ
يسبحُ وهماً
في بيتِ أغنيتي
وأنا بلا حنجرةٍ
أحدو عِيْسَ غُربتي
أنَوَّخُ بأشرعةِ وحدتي
أجَلْجَلُ بالمطرِ الجارح ِ
كي يكفَّ
عن جرفِ ملامحي.

#كريم_عبدالله (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات