|
من هو / هي ، الرئيس الأميركي السابع والأربعون ؟
محمد بن زكري
الحوار المتمدن-العدد: 8152 - 2024 / 11 / 5 - 11:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في نمط الديمقراطية النخبوية ، الذي يتسم به النظام السياسي في أميركا ، لا فرق ذا أهمية تُذكر بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري ، فكلاهما يمثل ويخدم مصالح الاحتكارات الاقتصادية الكبرى ، أميركية المنشأ وراس المال التأسيسي والتحكم ، العابرة للقوميات . ومن ثَم فلا فرق جوهريا بين أن ينعقد الفوز في سباق الرئاسة لكامَلا هاريس أو لدونالد لترمب ، فكلا المترشحيْن للانتخابات الرئاسية (كما سواهما السابقون والتالون) مرتهن الإرادة - حُكما - لخدمة مصالح ممولي حملته الانتخابية ، من أصحاب المليارات .
وفي أميركا ، لا سبيل إلى السلطة إلا عَبر بوابة أحد الحزبين . ولا يمكن لأي مترشح من خارج الحزبين ، أن يصل إلى كرسي الرئاسة (أو إلى أي موقع من مواقع اتخاذ القرار) . ولا يمكن لأي مترشح رئاسي من الحزبين ، أن يفوز في الانتخابات ، إلا بمشيئة الإله الدولار رب الدولة العميقة ؛ فالدولة العميقة ، متجسدة في راس المال المالي كليّ القدرة ، هي من تمسك بكل خيوط اللعبة (لعبة المنوبولي الكبرى) وتتحكم بالدمى ، على مسرح عبث الديمقراطية التمثيلية لنظام وول ستريت ، كما في كل النظم الراسمالية المتطورة .
على أن ثمة عنصرا فاعلا آخر - في تركيبة الدولة العميقة داخل أميركا - وثيق الصلة بعنصر راس المال المالي ، هو المسيحية الصهيونية (البروتستانتية الكالفينية والإنجيلية) ، التي يعتنقها أغلبية الأميركان البيض الأنغلوساكسون (أحفاد الزنابير WASP) . وفي رئاسته لفترتين ، كان الأميركي الملون (باراك أوباما) ، أكثر بياضا من الأمريكان البيض . ولم تمنعه ثقافته العالية ، وعلاقته الوطيدة بالمؤرخ الفلسطيني رشيد الطالبي ، ومعرفته الشخصية بالمفكر الفلسطيني الاميركي إدوارد سعيد ، من أن يكون رئيسا محاربا ، وداعما كبيرا لإسرائيل .
ولأن السلطة الخفية للدولة العميقة ، ممثلة في نفوذ راس المال المالي ، هي من تصنع الرؤساء في الولايات المتحدة ؛ فإنه ما كان لبيرني ساندرز ، إلا أن يخرج - مرغما - من سباق الانتخابات التمهيدية للرئاسة عام 2016 ، نظرا لكونه يساريا ، و ليس على هوى النخبة في حزبه الديمقراطي .
ولشدة التشابه ، الذي يصل إلى حد التطابق ، على الأصعدة كافة ، بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري ، الذيْن ينفردان بالسلطة ، تداولا حصريا بينهما ، دون سواهما من الأحزاب الأخرى ، في الديمقراطية النخبوية للأوليغارشيا المالية بالولايات المتحدة ؛ فإن مخرجات الانتخابات الرئاسية للعام 2024 ، كما سابقاتها ، لن تكون في الأداء السياسي لمؤسسة الرئاسة ، إلا انعكاسا لوحدة مصالح الطبقة الحاكمة من أثرياء الحزبين الديمقراطي والجمهوري ، الأمر الذي يمكن معه الجمع بينهما في اسم موحد ، هو : الحزب الديمقراطي الجمهوري .
وفي سباق الرئاسة بين هاريس وترمب ؛ فإنه فيما لو فازت كامالا هاريس (كامراة ، و كنصف ملونة) ، بقدرة قادر ، لتصل إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض ، كرئيسة للولايات المتحدة ؛ فإنها لن تكون مطلقا أفضل من باراك أوباما ، ولن تختلف ’’ نوعيّاً ‘‘ عن دونالد ترمب . وخصوصا في ما يتصل بالسياسات الخارجية والعلاقات الدولية لأميركا .
و بمعايير الديمقراطية الشكلانية لنظام إدارة الدولة والمجتمع ، تحقيقا لقيم ’’ الحلم الأميركي ‘‘ ؛ فإنه من المفترض اتساقا مع المنطق السليم ، أن تفوز كامالا هاريس بالرئاسة ، نظرا للاعتبارات التالية : - في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية ، ستكون هاريس أكثر كفاءة وتوازنا ، بأدائها العام ، قياسا إلى (الغوغائية الترامبية) ، على مستوى اتخاذ القرار الرئاسي سياسيا ودبلوماسيا . - وفي مجال العدالة الاجتماعية المتخيّلة ، ستكون هاريس أفضل نسبيا (قياسا إلي الغلو النيوليبرالي لترامب) ، لجهة دعم الطبقة الوسطى وتخفيف أعباء تكلفة المعيشة عن الفئات الطبقية الدنيا . - وعلى صعيد العلاقات الاقتصادية الخارجية ، ربما تكون توجهات هاريس (قياسا إلى MAGA) ، أقل انغماسا في : الحروب التجارية ، واتخاذ التدابير الحمائية ، وفرض الرسوم الجمركية على الواردات ، والنكوص عن التنافسية (بالضد من اتفاقية منظمة التجارة العالمية) .
لكن المعايير تختلف ، بمنظور واقع هيمنة الدولة العميقة ، والطبيعة المحافظة لأغلبية المجتمع الأميركي المتدين ، والنزعة العنصرية لدى غالبية الأمريكان البيض من الأصول الأوربية الانغلوساكسون ، الذين يجدون في شعار ترمب (أميركا أولا) تنفيسا عن كراهيتهم المكبوتة تجاه الآخر . هذا أولاً . أما ثانيا ، وبالإضافة إلى ذلك ، فإنه مع تدني مستوى الوعي لدى أغلبية الطبقة العاملة (البروليتاريا الرثة) ؛ جَرّاء التسرب الدراسي ، نظرا لارتفاع قيمة الرسوم الدراسية ، وعدم القدرة على تحمل تكلفة التعليم الجامعي ، والعجز عن سداد أقساط الديون الطلابية وغرامات التأخر عن مواعيد السداد (بإجمالي 1,75 تريليون دولار سنة 2022) ، وهؤلاء المغبونون ضحايا النظام النيوليبرالي ، هم - للأسف - عتاد ترمب الشعبوي .. لذا ، فإنه قد لا يكون مفاجئا في نتيجة الانتخابات الرئاسية لعام 2024 ، أن ترجح كفة سباق الرئاسة لصالح ترمب ، بل سيكون المفاجئ - في هذه القراءة - أن يصوت أغلبية الامريكان لكامالا هاريس ، على أساس برنامجها الوسطي و(كأمرأة ، وكملونة من الأقليات) ؛ على أنه أخذا في الاعتبار نظام المجمع الانتخابي (المراوغ) ، فليس مستبعدا أن تأتي نتيجة الانتخابات الرئاسية ، بمفاجأة فوز أول امرأة ومن الأقليات الملونة ، لتكون الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة . وليس أول مرة يختلف فيها حساب الحقل عن حساب البيدر في انتخابات الرئاسة الأميركية !
أما بالنسبة لشعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، فليس من فرق جوهري يميز بين أي رئيس أميركي وآخر ، سواء كان من الديمقراط أم من الجمهوريين . فالرؤساء يتغيرون ، وتظل السياسات الأميركية تعبيرا عن مصالح الاحتكارات الأميركية الكبرى العابرة للقارات . غير أنه مع هاريس يمكن القول بأن بعض الشر أهون من بعض ؛ إلى أن و/أو إلّا أن .. تصحو الجماهير المغيبة عن الوعي من غيبوبتها المزمنة . ومع ترمب ؛ سيغدو وهم حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، في خبر كان . وسيتم (حل) القضية الفلسطينية ، لصالح مشروع إسرائيل الكبرى ، مع فرض (السلام الإبراهيمي) بين أبناء العمومة ، فوق جغرافيا الشرق الأوسط الجديد . وما هي إلا ساعات معدودات ، بعد إغلاق صناديق الاقتراع مساء يوم 5 نوفمبر 2024 ؛ حتى يضع المجمع الانتخابي لمسته الأخيرة على المشهد ، قطعا للتوقعات بالخبر اليقين .
#محمد_بن_زكري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصيدة النثر في ذاكرة الذكاء الاصطناعي
-
هذا الموت الباذخ !
-
نهر الليطاني حدود إسرائيل الشمالية !
-
لا عيد عمال تحت سلطة الكليبيتوقراط
-
هذا هو (حوارهم المتمدن) !
-
اغتيال الاقتصاد الليبي والقضاء على الدولة الليبية
-
إسرائيل (العظمى) فوق القانون الدولي
-
الأسلمة أسّست للتعريب ، والتأسلم قاد إلى الاستعراب (احتلال ا
...
-
لسنا أسرى لرُهاب 7 أكتوبر ، وإسرائيل دولة مارقة
-
الإله الشمس و أعياد الميلاد / كريسماس
-
إشكالية تعدد الجنسية (ازدواج المواطنة) 3
-
إشكالية تعدد الجنسية (ازدواج المواطنة) 2
-
إيمان بـ (الوراثة) جبرا ، و ليس بـ (التعقل) اختيارا
-
إشكالية تعدد الجنسية (ازدواج المواطنة) 1
-
كان حاكما فوق التصنيف و لم يكن مواطنا عاديا !
-
لم أكن شيطانا أخرس أو شاهد زور
-
من زوايا رؤية أخرى
-
الولايات المتحدة : أفول الحُلم و ضلال الاتجاه
-
خدعوكم فقالوا إنها ثورة ! (2/2)
-
خدعوكم فقالوا إنها ثورة ! (2/1)
المزيد.....
-
مباشرة بالأرقام.. عدد أصوات ترامب مقابل هاريس في الانتخابات
...
-
كيم كارداشيان تستعرض قلادة شهيرة للأميرة ديانا أمام الجمهور
...
-
مشكلة بالتوقيعات على 11 ألف بطاقة اقتراع بولاية أمريكية.. ما
...
-
-ديلي ميل-: واشنطن ستختبر مباشرة بعد الانتخابات صاروخا نوويا
...
-
توقعات المراهنين والإعلام بفوز ترامب تبلغ 90%
-
-رويترز-: أول عضو من المتحولين جنسيا علنا قد يظهر بمجلس الشي
...
-
-كلاشينكوف- تنهي اختبارات رشاشها الجديد
-
طبيب يؤكد على أهمية تناول الزبيب بانتظام
-
بـ 54 صوتا في المجمّع الانتخابي.. هاريس تفوز بكاليفورنيا في
...
-
كارولينا الشمالية أول ولاية متأرجحة.. تحسم النتيجة لصالح ترا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|