|
هل أنتَ منافق؟
أمين بن سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 8152 - 2024 / 11 / 5 - 02:53
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
سؤال سيراه المسؤول اتهاما غير مباشر، مثل امرأة تسألها هل أنتِ "عفيفة" -وأقصد "عفة" و "شرف" الأفخاذ والفروج-... وأقول أن من حق السائل أن يسأل سؤاله لأي بشر دون حرج، هناك قوانين يلتزم بها البشر ويرونها لازمة لمجتمعاتهم، والمسؤول جزء من المجتمع أي ذلك القانون يخصه: قوانين السرقة الاغتصاب والقتل إلخ تخص كل فرد بطريقة غير مباشرة، وجود قانون للسرقة وافقتُ عليه وإن كان لا يعنيني في شيء فأنا لا أسرق، لا يسمح لي بالتحرج ممن يسألني: هل أنتَ سارق؟ قاتل؟ مغتصب؟ لكن لا توجد قوانين لمعاقبة النفاق، فهل يسقط منطقي بسبب غيابها؟ والجواب صحيح لا يوجد قوانين تُجرم النفاق، لكن النفاق ثقافة تتنفسها كل مجتمعات البشر وفي كل مكان على سطح الأرض، والثقافة يمكن أن تكون تمجيدا للجريمة وللمجرمين، أي النفاق وإن لم يكن يوجد قانون لردعه فهو حاكم من أهم حكام البشر على مر تاريخهم، الحكم سياسة والسياسة نفاق ومصالح ضيقة، الحاكم لا يمكن أن يكون له حرمة، ومن حق وواجب أي عقل سليم وحر أن ينقده ويزدريه... منطقي لا يسقط إذن! والسؤال مشروع، حق وواجب، فهل أنتَ منافق؟ الجواب سيكون: بالتأكيد "لا"! وهل سيقول السارق أنه سارق؟ سيقول "الأذكياء" أنه سؤال "غبي" وطرحه ليس إلا استفزازا لن يعود بأي فائدة... وأقول إنه سؤال صعب، ووراءه إعلان حقيقةِ كل بشر: لا بشرية دون نفاق! النفاق هو إظهار خلاف الباطن، أبتسم في وجهك وفي داخلي أغلي وأتقيأ منك، سلوك يقول عنه كل البشر تقريبا أنه سيء، ولا يُنتج علاقات ومجتمعات سليمة: كل مجتمعات الأرض غير سليمة، وتتفاوت في أمراضها، تكون النتيجة أنه يستحيل أن يخلو مجتمع من نفاق! لكن، لنتأمل زعم البشر أن النفاق سلوك شائن، وسترى أنه قول منافق في ذاته، وحقيقته: افعل قولي ولا تستن بفعلي! أي أب يدخن، ويحاضر لأبنائه عن أضرار التدخين! هدف المقال ليس الدعوة إلى خصلة سيئة، بل إلى فهم الإنسان على حقيقته وتبديد أوهامه، أوهام البشر كثيرة جدا، وحيواتهم أراها ستكون أفضل بأقل أوهام... لا يوجد بشر لم يهزأ من نفسه مرة أو مرات، أثناء حديث أو مزاح مع المقربين منه أو حتى مع غرباء؛ مثلا يقول القائل عن نفسه أنه كان غبيا لأنه لم يعرف منذ البدء قيمة تلك المرأة أو ذلك الصديق، هو الآن جاهل لا يعرف ألف باء خارج اختصاصه كعالم يقول أنا أجهل جاهل في ميكانيكا السيارات لا أعرف إلا تشغيل المحرك والقيادة حتى تغيير عجلة لا أستطيع فعله، آخر يقول أنا جبان وأخشى الظلام أو أن يعتدي علي صعلوك في الشارع لا أستطيع الدفاع عن نفسي وعمن معي، أخرى تقول أنا مصيبة لا أستطيع حتى طهي بيضة، آخر يسخر من نفسه أمام أبنائه ضاحكا أنه لم يقد دراجة في حياته وإلى الآن لا يستطيع... لكن لا أحد يقول عن نفسه أنه منافق! يُقال عن ذلك الذي يسخر من نفسه معترفا بسيئاته، شخص صريح، ويقول الحق حتى على نفسه، وهي صفات حميدة. ذلك الساخر من نفسه لم يخسر كل شيء بل ربح شيئا من سخريته. منطق المصلحة يحكم تلك السخرية من النفس، ولذلك تكون في حدود، ولا أحد سيسخر من نفسه لأنه قتل أو سرق بنكا أو خان زوجه، لأن النتائج ستكون وخيمة عليه... النفاق، من تلك الخصال السيئة جدا، التي عواقبها فيها خسارة كبيرة، فلا أحد سيقبل التعامل والشراكة والقرابة من منافق! الجبن خصلة سيئة، لكن فيه مصلحة للمعترف به، وعى ذلك أو لم يع، قاله عن عمد أو لا، فالجبان نتجنب تكليفه بأعمال تلزمها شجاعة أو دعوته إلى مواقف أو مناسبات يخافها، وكمثال بسيط ذلك الذي يخاف الظلام مثلا لن يدعوه أحد إلى التخييم ليلا في غابة، ولن يأتمنه أحد على أن يرافق أمه أو أبناءه من شمال البلاد إلى جنوبها، وهي مواقف وأعمال لا يرغب فيها الجبان وفيها احراج كبير له سيتجنبه عندما نعرف طبيعته، وبالمحصلة هناك مصلحة وفائدة له. تلك التي لا تستطيع الطهي، لن نكلفها بأن تكون المسؤولة عن مأكولات عرس، ولن يُطلب منها شيء في كل مناسبة تجتمع فيها العائلات والأصدقاء، لكنها ستكون حاضرة ولن يرفضها أحد، لكن لو قالت أنها منافقة لن تستطيع لأن لا أحد سيقترب منها أو سيكلمها بل سيتجنبها الجميع... السخرية من النفس إذن، إن لم يكن وراءها مصلحة، فلن تعود بالمضرة كذلك الذي لا يستطيع قيادة دراجة. هذه السخرية فيها شيء من الصراحة والصدق، وهما عكس النفاق "كما يظهر"، لكن الحقيقة أنه العكس، كما بيّنتُ في الأمثلة التي مرَّتْ! منطق المصلحة، الضرر والمنفعة، يحكم أخلاق البشر التي يتشدقون بها، ولو حكمنا بعدل بعد أن نفهم حقيقة ما وراء كل سلوك، لما بقي للبشر شيء من كل شعاراتهم البراقة... يلازم الكذبُ النفاقَ، وأسأل: هل أمك وأبوك كاذبان؟ منافقان؟ لا أعرفهما معرفة شخصية، لكني أعرف أنهما كذلك! وكمثال: الدين. إن لم تكن حالة شاذة، فأنت مثل الجميع عشت في بيئة متدينة، ومهما كان نوعها -من متدينة إسمية إلى ملتزمة قاطعة رؤوس-، فقد ربياك على أن هناك إله أرسل رسولا أو تجسد بنفسه في بشر، وهذا غير صحيح، وقول غير الصحيح يُسمى كذبا! لن يُعذرا بجهلهما ولا فرق بين لو كانا من العوام أو من المشايخ والقساوسة، ما يعنيني هو النتيجة، النتيجة لا ذرة شك فيها أنها كانت قول غير الحقيقة، أي الكذب! لماذا كذبا؟ الأجوبة كثيرة، يهمني منها المصلحة: ظنا أنه الدين القويم، والحقيقة التي لا شك فيها، وأرادا لك أن تكون من الفائزين بجنة الخلد، خافا عليك من السعير، وكان ما فعلاه حسب -فهمهما- "حبا" لكَ! يُشبه فعلهما الجرائم ضد الإنسانية التي وقعتْ على كل البشر أيام الكوفيد وحقنهم بتلك الأسلحة البيولوجية: أعظم الجرائم وقعت في حق الأطفال المحقونين! الكوفيد لا تأثير له عليهم وحقنهم كان كإخضاع شخص غير مريض بالسرطان لعلاج إشعاعي! الآباء الذين سمحوا بتلك الجرائم في حق أبنائهم يستحيل أن يوجد فيهم واحد أراد الضرر لصغيره بل كلهم ظنوا أنهم يقومون بحمايتهم من الغول! وظنهم كان خاطئا، فتكون النتيجة أنهم كذبوا في كل ما قالوه ظانين أنه حقيقة و... "علم"ّ! الجاهل قد يُعذر بجهله لكن بعيدا عن عيني! إذا فقأ عيني تُصبح عيني هي القضية وليس جهله! المختل عقليا العنيف معذور، لكن مكانه في المشفى وبالقوة، وليس في الشارع ليفقأ عيني! الكذب والنفاق قلتُ أنهما متلازمان: الكذب إخبار عن الشيء بخلاف واقعه وحقيقته، وهو الخداع. أما النفاق كما تقدم، فهو إظهار عكس ما نُبطن، ونتيجته أننا نخدع الغير. والخداع مرادف للكذب! أي -أمك وأبوك- كأمي وأبي، وككل الأمهات والآباء، ومن مثال الدين، كذبة ومنافقين! لنواصل مع منطق المصلحة، ولنذهب إلى أقرب الناس إليك: حبيبتك، وأسأل: هل هي كاذبة منافقة؟ لا أعرفها، كأمك وأبيك، لكني أعرف أنها كذلك؟ دليلي؟ الحب! قالت لكَ مرات كثيرة أنها -تحبكَ- ولا حياة لها دونك! وقد أعجبك ذلك ولا يزال، لكن لو دققنا في الكلام لرأينا جيدا المصلحة من ورائه! فمثلا تقول "أنتَ أولى أحد" و "أنتَ الذي تفهم ما بي دون حتى أن أتكلم" و "أنتَ الذي أريد معه كل شيء" وأنتَ وأنتَ...! سؤال: هل هو "حب" أم حكم عادل واستحقاق؟ كل هذه الأقوال التي تفرح بها، تستطيع أن تقولها على كل شخص تعرفه: الجزار أولى أحد ولن تبدله بأحد لأنه لم يغشك يوما ولا يقدم لك إلا أجود ما عنده، ميكانيكي سيارتك، معلمة ابنك، حارس العمارة التي تسكن فيها، صديقك الشرطي، طبيبك، محاميك... حتى عامل البلدية رافع الحاويات لن تبدله بأحد لأنه يقوم بعمله على أحسن وجه وحيكَ دائما نظيف! من تعريفات "الحب" والأقوال عنه، الإعطاء دون انتظار مقابل، وعليه -مع الاعتذار- هي لا تحبكَ! بل تحب ذلك الذي أعطته بعض المال في الشارع -إن لم تكن متدينة بالطبع، وإلا فهي أعطت لمقابل-! نفس الأمر ينطبق على أبنائك الذين يدعون أنهم يحبونك في حين أن أصل القصة ما توفره لهم! ومهما وفّرتَ ورأيت نفسكَ ضحيتَ من أجلهم، سيقارنون أنفسهم بمن هم أحسن منهم، وسيرونك لم تفعل شيئا من أجلهم بل حرمتهم وكسرتَ رؤوسهم ببطولاتك وتضحياتك المزعومة من أجلهم: الحالات الشاذة لا يُحتج بها، أغلب البشر ينطبق عليهم ما قيل وخصوصا اليوم مع ثقافة المستهلك العجل أو المستهلك البغل: ثقافة الاستهلاك العجلي البغلي! إذا واصلنا مع منطق المصلحة الذي يحكم كل علاقات البشر، وإذا صدقنا مع أنفسنا وقلنا للأعور يا أعور، سنجد أن كلمة بشر يمكن أن تعرّف بكلمة نفاق! والصفة لا تنطبق إلا على البشر، الكائنات الوحيدة المنافقة في كل شيء في وجودها! لكننا، لا نقبل بذلك! وكما سُمي الغزو والقتل والسلب والاستعمار "فتحا" و "نشرا للنور بين الظلمات"، نسمي النفاق "حبا" و "صداقة" و "أمومة" و "أبوية" و "وطنية" و "قومية" و "رفاق" و "تقدمية" و... تستطيع أن تضيف كل شيء تعرفه وتتغنى به! النفاق صفة سيئة! أكيد! هم منافقون أما نحن فلا! السياسيون منافقون، أصحاب الثروات، مشايخ وقساوسة السلطان، الرأسماليون، القوميون، الماركسيون، النازيون، ترامب، هاريس... كلهم منافقون... كبار! أما نحن فإما لسنا منافقين، أو منافقون صغار! أبي كذب عليّ وقال إن لم أنم سيأتيني الغول، أما أبوه فقال له أنه موظف في شركة محترمة في حين أنه تاجر أسلحة! نفاق كبير، ونفاق صغير، كذبة كبيرة وكذبة صغيرة، كبائر وصغائر... كذلك نحن البشر، وتلك طبيعتنا الرافضة لقبول حقيقتها: نحن والنفاق واحد لو فهمنا وعدلنا في حكمنا! لكننا لا نفعل ولن نفعل... الحقيقة مرة، وإنجازاتنا اليوم لن تستطيع إخفاءها: كون بلا معنى، يظن المنافقون الكذبة، نحن، أنهم سيجدون له المعنى! وكيف؟ بأخس الأخلاق زاعمين أنهم أرقى الكائنات... أخلاقا!
#أمين_بن_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإلحاد والملحد والحرية (جزء خامس)
-
شيزوفرينيا اليسار بين الإمبريالية والصهيونية والعروبة والفار
...
-
الإلحاد والملحد والحرية (جزء رابع)
-
عن فقيدة الفكر الحر... -الجدلية-!
-
الإلحاد والملحد والحرية 2-2
-
الإلحاد والملحد والحرية 1-2
-
الإلحاد والملحد: إسرائيل، اليهود... ذلك الوهم العظيم! (ملحق)
-
الإلحاد والملحد: إسرائيل، اليهود... ذلك الوهم العظيم!
-
الإلحاد والملحد والعروبة
-
الإلحاد والملحد والدين (2): الدين والكذب بين لعبة حرية العقي
...
-
الإلحاد والملحد والدين
-
الإلحاد والملحد وفلسطين
-
سنية 2-2
-
سنية 1-2
-
الإلحاد والملحد والعلمانية
-
تأملات جنسية سريعة
-
نظرة وجيزة عن أعجوبة -تديين الإلحاد-
-
لازانيا
-
تأملات في تناقضات العقل البشري (4)
-
تأملات في تناقضات العقل البشري (3)
المزيد.....
-
الولايات المتحدة تعلن إحباط عمل إرهابي ضد محطة طاقة
-
روسيا تندد بفوز مايا ساندو برئاسة مولدوفا
-
الداعية بلال الزهيري: ترامب الوحيد الذي استمع لمطالبنا كمسلم
...
-
السيسي يستقبل البرهان في القاهرة
-
وول ستريت جورنال: روسيا تشحن أجهزة حارقة إلى الدول الغربية
-
الجيش الأميركي يعلن مقتل أحد جنوده متأثرا بإصابته في حادث بغ
...
-
الخطوط الجوية الفرنسية تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر بسبب جس
...
-
وزير الخارجية البولندي: مسألة توسيع الدفاع الجوي في سماء أوك
...
-
السلطات الأمريكية تشدد الإجراءات الأمنية حول مقر إقامة هاريس
...
-
رئيس نيجيريا يأمر بالإفراج عن القاصرين المتهمين بـ-الخيانة ا
...
المزيد.....
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
المزيد.....
|