رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8152 - 2024 / 11 / 5 - 00:36
المحور:
الادب والفن
" في غرفة الكولونيل
ذئبٌ محنّط
بقايا من قبيلةِ النمل
فرّت من عشيرتها المستترة..
بحّارٌ خسرَ مركبَه في شاطئ الوضوح
سائقُ عربةٍ
نسي ضحكتَه في تابوت مرصّع بالقسوةِ...
وسادةٌ من الورقِ
حذفتْ بعضَ السطور من نسيجِ الكآبة
تمثالٌ طينيّ
فخّره حارسُ اليأسِ
في طبعةٍ منقحةٍ بالخلوةِ.."
ما يحسب للشعر أنه الأقرب والأسرع على مواكبة الحدث، والشاعر الجيد هو الذي يستطيع أن يجعل المتلقي يشعر بأنه أمام نص/مشاعر/غضب/ حالة هو يريد التعبير والكلام عنها، وهذا ما يجعل القصيدة قريبة من المتلقي.
في حالتنا العربية وما نمر به من وقهر وعجز وتخاذل رسمي وتآمر، لابد من وجود من يتحدث عن هذا الواقع ويكشف حالنا ويبين عيوبنا، وأيضا (يفش الغل) وما فينا من قهر وعجز، في هذا المقطع الشعري الصغير حجما والكبير مضمونا، أستطاع الشاعر "علاء حمد" أن يفش غلنا على أنفسنا وعلى أنظمتنا مجتمعة، فهو لم يحدد قطر أو دولة بعينها، بل تحدث بعمومية عن "غرفة الكولونيل" القابعة في كل دولة عربية.
يدخلنا الشاعر إلى هذه الغرفة لنجدها غارقة في القتامة، فهناك "ذئب محنط، بقايا نمل، بحار خاسر، ضحكة في تابوت، سادة من ورق، تمثال طيني" اللافت في موجودات "غرفة الكولونيل" أنها جمعت كل مظاهر البشاعة والقسوة.
غالبا ما يتم ذكر الحيوان والحشرات للتعبير عن القسوة والسواد، من هنا وجدنا "الذئب المحنط وبقايا قبيلة النمل" بعدها ينقل لنا صورة النظام من خلال: "بحار خسر مركبه، وسائق عربة نسى ضحكته، وسادة من ورق" وهم متعلقون بحالة انكسار المجتمع الذكوري المهيمن والمسيطر، أما عن الكتابة والفن في ظل الكولونيل وعهده: "حذفت السطور، تمثل فخره اليأس" وبهذا تجتمع في "غرفة الكولونيل" كل مظاهر السواد والقتامة، بحيث لا تبقي ولا تذر، ولا تبقى نسمة حياة، هذا هو واقعنا في المنطقة العربية.
أهمية الشعر لا تكمن في تقديم الواقع البائس وجعل المتلقي يزداد قهرا ووجعا وألما ويأسا، بل في جعل المتلقي ينتشي بما يقدم له من شعر، ويبحر في عالم من التخيل، فالشاعر الجيد الذي يقدم مادة/موضوع قاس بأقل الأضرار النفسية على القارئ، والشاعر المتألق هو الذي يزيل القسوة تماما، ويجعل المتلقي يهيم في عالم آخر مترع بجمال الصور الكامنة في القصيدة، وهذا ما فعله "علاء حمد" الذي لم يقدم صور واقعية، بل صورة منسوجة من التخيل ومركبة بالمجاز، فنجد قبيلة النمل فرت من عشيرتها، والبحار خسر مركبه على شاطئ الوضوح، وسائق العربية نسى ضحكته في تابوت مرصع بالقسوة، وسادة الورق حذفت من السطور، والتماثل الطيني فخره حارس اليأس" فمثل هذه الصور التي يمتزج بها السواد بطريقة فريدة، تثير المتلقي وتجعله يتوقف متأملا في الكيفية التي تم صياغتها، ما يجعله (يتجاهل/ينسى) قسوة المضمون/الفكرة التي تحملها القصيدة، ويركز على جمالية الصور.
وبهذا يكون الشاعر أستطاع أن يقدم مادة/فكرة/موضوع غارق في القسوة، من خلال صورة شعرية شكلها بعقلية فنان يحسن استخدام الألوان الزاهية في لوحات دامة.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟