|
الذكورية السياسية في الفكر الفلسفي: نقد للسلطة الجندرية وآفاق العدالة
حمدي سيد محمد محمود
الحوار المتمدن-العدد: 8151 - 2024 / 11 / 4 - 20:15
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في سياق التطورات التاريخية والاجتماعية، تبرز الذكورية السياسية كمفهوم يكشف عن تجذر الهيمنة الذكورية في النظام السياسي وهيكلية السلطة، ويتطلب تأملًا عميقًا لفهم أبعاده وتأثيراته. يرتبط هذا المفهوم بأنماط السلطة والعلاقات بين الجنسين، حيث تتوارث المجتمعات أنظمة وأعراف تمنح الرجال أفضلية على النساء في المشاركة السياسية وصنع القرار. وتعتبر هذه الهيمنة الذكورية السياسية أحد المظاهر الأكثر تعقيدًا في هيكل المجتمعات، حيث ترتبط بالعديد من الجوانب الفكرية والدينية والتاريخية التي تجعلها نظامًا ثقافيًا واسع التأثير على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية. وقد طُرحت الذكورية السياسية في الفلسفات الغربية والإسلامية على حد سواء، حيث تعاملت كل فلسفة بطريقتها مع هذا الموضوع، فألقت الضوء على القيم والمبادئ التي تدعم مشاركة المرأة في النظام السياسي، وأحيانًا تقييدها وفق رؤية اجتماعية معينة. ففي الفلسفة الأوروبية، ظهرت حركة فلسفية ناقدة للذكورية السياسية، تدعو إلى تحرير المرأة من قيد الأعراف الذكورية التي حجّمت دورها، وتقدّم رؤية تسعى لإعادة توزيع السلطة بشكل متكافئ. أما في الفلسفة الإسلامية، فقد نشأت رؤى وتفسيرات مختلفة حول دور المرأة، بعضها أُطر بإطار العدالة والمساواة، إلا أن العوائق التاريخية والثقافية أسهمت في تكريس الهيمنة الذكورية في الحياة السياسية الإسلامية. تثير الذكورية السياسية أيضًا أسئلة عميقة حول العدالة وتكافؤ الفرص وتنوع المشاركة. فهي ليست مجرد مسألة جندرية، بل هي قضية جوهرية تتعلق بأسس النظام السياسي ذاته: هل بإمكان النظام السياسي أن يكون عادلًا حقًا في ظل هيمنة طرف واحد وتهميش الآخر؟ وما هو الأثر الذي تخلّفه الذكورية السياسية على تشكّل الوعي الجمعي ونوعية القرارات والسياسات العامة؟ إن التأمل في هذه الأسئلة يطرح تحديًا حقيقيًا حول قدرة المجتمعات على تجاوز إرثها الذكوري المتجذر، من أجل بناء نظام سياسي يحترم حقوق جميع أفراده، ويتيح الفرص المتساوية أمام الجميع بغض النظر عن جنسهم. في هذا السياق، يتطلب النقاش حول الذكورية السياسية قراءة متأنية للنصوص الفلسفية والدينية وتحليلًا عميقًا للسياقات التاريخية التي أنتجت هذا النظام وأبقت عليه عبر العصور. ومن هنا، تأتي الضرورة لدراسة هذا الموضوع من منظور شمولي يتجاوز البُعد الجندري الضيق، ويستوعب كيف تتداخل العوامل الفكرية والاجتماعية والثقافية لتشكيل هذا النظام المعقد. إن الدعوة لتحليل هذا المفهوم ومحاولة إعادة صياغته في ضوء قيم العدالة والمساواة، ليست فقط ضرورة اجتماعية، بل هي أيضًا مسؤولية أخلاقية تجاه الأجيال القادمة التي تستحق العيش في عالم أكثر عدلًا وإنصافًا. الذكورية السياسية من منظور الفلسفة السياسية "الذكورية السياسية" هو مفهوم يشير إلى هيمنة الرجال وقيمهم الذكورية على النظام السياسي وهيكلية السلطة في المجتمعات. من منظور الفلسفة السياسية، يمكن تحليل الذكورية السياسية من خلال عدة محاور: - الجذور التاريخية للهيمنة الذكورية: تضع الفلسفة السياسية مفاهيم الهيمنة الذكورية في سياق تاريخي. فالكثير من النظريات السياسية الكلاسيكية، كأفكار أرسطو وأفلاطون، قد جسدت هذا النوع من الهيمنة عبر تصوراتها للأدوار الطبيعية والمجتمعية للجنسين، حيث غالبًا ما اعتبرت المرأة غير مؤهلة للمشاركة السياسية. - الأنظمة الأبوية والسلطة: تعرّف الذكورية السياسية بأنها امتداد للنظام الأبوي الذي يُعلي من دور الرجل في المجالات العامة على حساب المرأة. ومن هنا، يبرز مفهوم السلطة الذكورية كمؤسسة تقليدية تربط السلطة بالأدوار الرجولية، فيما تُحجم أدوار المرأة في المجتمع السياسي. - النظرية النسوية والنقد الفلسفي للذكورية: تسلط الفلسفة النسوية الضوء على أن الذكورية السياسية تتجسد في السياسات التي تتجاهل قضايا المرأة أو تهمشها. وتنادي النسوية بنموذج سياسي جديد يدعو للمساواة ويعترف بحقوق النساء ويعمل على تمثيلهن تمثيلاً عادلاً في المؤسسات السياسية. - العدالة والمساواة: من منظور جون رولز وغيره من الفلاسفة المعاصرين، تتعارض الذكورية السياسية مع مبادئ العدالة التي تتطلب تكافؤ الفرص والمساواة. الفلسفة السياسية الحديثة، خاصة في التيارات الليبرالية، تركز على ضرورة تجاوز الذكورية لضمان وجود نظام سياسي عادل يتعامل مع الجميع بموضوعية بغض النظر عن الجنس. - تأثير الذكورية على السياسات العامة: حينما تسيطر الذكورية السياسية، يتم صياغة السياسات العامة بما يتناسب مع تصورات واهتمامات الذكور، في حين تُهمش قضايا النساء والفئات الأخرى. هذا قد يؤدي إلى تجاهل قضايا مثل حقوق الإنجاب، العنف ضد المرأة، وقوانين العمل التي تحقق توازنًا بين الجنسين. الذكورية السياسية من منظور الفلسفة الأوربية من منظور الفلسفة الأوروبية، يمكن النظر إلى "الذكورية السياسية" كهيمنة ثقافية واجتماعية تعزز من سلطة الرجل في المجال السياسي، وتعمل على إقصاء أو تهميش المرأة وأدوارها داخل المجتمع. وقد تطورت الرؤية الأوروبية لهذا المفهوم عبر الزمن من خلال عدد من المفكرين والفلاسفة. 1. التاريخ الفلسفي الأوروبي والسلطة الذكورية: كان الفلاسفة الأوروبيون الكلاسيكيون، مثل أفلاطون وأرسطو، يؤسسون لفكرة تقسيم الأدوار بين الجنسين حيث غالباً ما كانت السلطة تُعطى للرجال. أرسطو، على سبيل المثال، اعتبر أن الرجال بطبيعتهم مؤهلون للقيادة، بينما النساء يفتقرن لهذه المؤهلات. هذه الأفكار ساهمت في ترسيخ نمط من الذكورية السياسية التي اعتبرت المرأة تابعة للرجل في المجال السياسي. 2. الفكر التنويري ونقد الذكورية السياسية: رغم انتشار الذكورية في الفكر الأوروبي، قدمت الفلسفة التنويرية تصورات جديدة لمفهوم الحقوق والمساواة. في هذا السياق، برزت شخصيات مثل ماري ولستونكرافت التي كانت من أوائل المدافعين عن حقوق المرأة، حيث دعت إلى مراجعة الثقافة السياسية التي تجعل المرأة أدنى من الرجل، وانتقدت المجتمع الذي يمنح الرجال امتيازات سياسية بشكل غير عادل. 3. النظرية النسوية في الفلسفة الأوروبية: في القرن العشرين، بدأت الحركة النسوية الأوروبية تضع نقداً أعمق للذكورية السياسية عبر مفكرات مثل سيمون دي بوفوار التي طرحت في كتابها "الجنس الآخر" فكرة أن المجتمع يصنّف المرأة كآخر، مما يجعلها على الهامش في النظام السياسي والاجتماعي. ركزت بوفوار على كيفية إعادة إنتاج الذكورية في الحياة السياسية، وشددت على أن هذه الذكورية ليست مجرد مسألة أدوار مجتمعية بل نظام مترسخ يتطلب تغييرات عميقة. 4. الفلسفة الوجودية والهيمنة الذكورية: من منظور وجودي، اعتبر فلاسفة مثل جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار أن الذكورية السياسية تحدّ من حرية المرأة، وتحرمها من تحقيق الذات. هذا التوجه الفلسفي يشير إلى أن المجتمع الذي يتمحور حول القيم الذكورية يقمع الفردانية ويحدد مصائر الأفراد وفقاً للجنس، مما يجعل الفعل السياسي غير متكافئ بطبيعته. 5. الفلسفة الأوروبية المعاصرة وفكر العدالة الاجتماعية: الفلاسفة المعاصرون في أوروبا، مثل يورغن هابرماس، تناولوا فكرة الفضاء العام، مشيرين إلى ضرورة تحقيق العدالة في التمثيل السياسي، حيث يجب أن تكون المشاركة السياسية متاحة للجميع بشكل عادل. من هذا المنطلق، يتم انتقاد الذكورية السياسية باعتبارها تحد من المشاركة السياسية الفعالة، وتؤدي إلى تهميش أصوات النساء. 6. الفلسفة الأوروبية والتحول نحو مساواة شاملة: في الفلسفة الأوروبية المعاصرة، هناك توجه نحو إعادة النظر في الهياكل السياسية التقليدية لإزالة البنى الذكورية وإدخال آليات تضمن التمثيل المتساوي. تعكس أفكار فلاسفة مثل نانسي فريزر، التي تدعو لإعادة توزيع السلطة بشكل عادل، هذه الرؤية حيث تُعتبر الذكورية السياسية عائقًا أمام بناء مجتمع ديمقراطي حقيقي. وبصفة عامة، تعتبر الفلسفة الأوروبية الذكورية السياسية عائقًا أمام تحقيق العدالة والمساواة في المجتمع. من منظور تاريخي وفكري، يظهر تأثير الذكورية كعنصر محوري يسعى الفلاسفة لنقده والتغلب عليه بهدف بناء نظام سياسي عادل شامل يحتضن جميع الأفراد بغض النظر عن جنسهم. الذكورية السياسية من منظور الفلسفة الإسلامية في الفلسفة الإسلامية، تطرح الذكورية السياسية نقاشًا معقدًا، إذ تسعى الشريعة الإسلامية والآراء الفقهية إلى تحقيق العدل والمساواة بين الجنسين، إلا أن بعض التفسيرات التاريخية والاجتماعية قد أفرزت هيمنة ذكورية في المجال السياسي والاجتماعي. ومن هنا يمكن أن نحلل الذكورية السياسية من عدة زوايا في الفكر الإسلامي: 1. العدالة والمساواة كأساس في الإسلام: الفلسفة الإسلامية تركز على العدل كأساس للنظام السياسي والاجتماعي. يقول القرآن: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (الحجرات: 13)، مما يعني أن التقوى والعمل الصالح هما مقياس الكرامة والمكانة وليس الجنس. ومع ذلك، تُفسّر بعض الآيات والأحاديث بشكل تقليدي لتحديد أدوار الرجال والنساء في المجال السياسي، الأمر الذي أفضى إلى هيمنة الرجال في مواقع السلطة. 2. الاجتهادات الفقهية وقضايا تمثيل المرأة: الفقهاء عبر التاريخ الإسلامي قدّموا تفسيرات مختلفة حول مشاركة المرأة في الحياة السياسية. فعلى سبيل المثال، سمح بعض الفقهاء مثل ابن حزم والطبري للمرأة بتولي المناصب السياسية إذا كانت مؤهلة، بينما رأى آخرون، كالشافعي وبعض فقهاء المذهب الحنبلي، أن الولايات الكبرى كالإمامة العظمى تتطلب شروطًا محددة تجعلها محصورة على الرجال. هذه الاجتهادات الفقهية هي التي غذّت الهيمنة الذكورية في الحياة السياسية للمجتمعات الإسلامية. 3. دور المرأة في الحكم الإسلامي المبكر: شهد التاريخ الإسلامي أمثلة لنساء قمن بأدوار سياسية، مثل السيدة عائشة التي شاركت في الشؤون السياسية، وأخريات مثل الملكة أروى بنت أحمد في اليمن. يشير هذا إلى أن الذكورية السياسية ليست بالضرورة ثابتة في الفكر الإسلامي، بل هي نتاج تطورات اجتماعية وتأويلات فقهية تراكمت عبر العصور. 4. الفلسفة الإسلامية والعدل في تمثيل المرأة: الفلاسفة المسلمون، مثل ابن رشد، تناولوا قضايا تتعلق بدور المرأة ومكانتها في المجتمع، حيث كان ابن رشد يؤمن بأن العقلية لا تتأثر بالجنس، بل هي مسألة ثقافة وتعليم. ولذلك كان يرى أن من الضروري تفعيل دور المرأة بما يتناسب مع قدراتها، وهذا ما يمكن تفسيره كرفض ضمني للذكورية السياسية في حال تعارضها مع العدالة والكفاءة. 5. النظرية السياسية الإسلامية والذكورية: النظريات السياسية الإسلامية تستند إلى قيم الشورى والعدل، وهي مفاهيم قد تتعارض مع الذكورية السياسية إذا ما أدت إلى تهميش المرأة. الشورى، كمبدأ أساسي، تشير إلى ضرورة سماع جميع الأصوات، ما يعزز فكرة أن الحكم الإسلامي ليس قائمًا على الجنس، بل على التقوى والكفاءة. ومع ذلك، كانت التقاليد الثقافية والاجتماعية تُفضل الرجال في أدوار القيادة، مما أدى إلى إقصاء المرأة سياسيًا. 6. الفكر الإسلامي المعاصر وإعادة النظر في الذكورية السياسية: في الفلسفة الإسلامية المعاصرة، هناك محاولات لإعادة قراءة النصوص الدينية بشكل يتيح للمرأة المشاركة السياسية الكاملة. مفكرون مثل محمد عبده وفاطمة المرنيسي قدموا تفسيرات تدعو إلى تقويض الذكورية السياسية وتوسيع دور المرأة في المجتمع السياسي. هذه الاتجاهات الحديثة ترى أن الذكورية السياسية ليست جزءًا من الجوهر الإسلامي، بل هي نتاج تاريخي يجب تجاوزه لتحقيق العدل والمساواة. وبشكل عام، يمكننا القول إن الفلسفة الإسلامية تقدم إمكانيات واسعة لتحقيق العدالة والمساواة، إلا أن الذكورية السياسية التي سيطرت في عصور معينة لم تكن نتيجة مباشرة لتعاليم الإسلام بل لتفسيرات بشرية وثقافية. ومن هنا، تدعو الفلسفة الإسلامية الحديثة إلى مراجعة هذه التفسيرات لإزالة أي عوائق تحول دون تحقيق نظام سياسي يعترف بكفاءة المرأة وقدرتها على المشاركة الكاملة في الحياة السياسية. الذكورية السياسية في الواقع السياسي العربي تتجلى الذكورية السياسية بوضوح في الواقع السياسي العربي، حيث تسيطر قيم وأعراف تعزز هيمنة الرجل وتمنح الأفضلية للذكور في المناصب العليا وصنع القرار، مما يؤدي إلى تهميش المرأة وإقصائها عن المجال السياسي بشكل عام. هذا الواقع يعكس موروثًا ثقافيًا واجتماعيًا متجذرًا، حيث تتداخل القيم التقليدية مع الهياكل السياسية والاقتصادية لتنتج نموذجًا سياسيًا يحد من فرص المرأة في التمثيل الفعلي والتأثير السياسي. 1. الهيمنة الثقافية والاجتماعية: في المجتمعات العربية، تلعب الثقافة التقليدية دورًا كبيرًا في تعزيز الذكورية السياسية، حيث يُعتبر العمل السياسي ميدانًا للرجال بينما توضع النساء في أدوار تعتبر مساعدة أو ثانوية. هذه الثقافة تجعل المجتمعات ترى في القيادة السياسية دورًا ذكوريًا بامتياز، مما يكرّس تهميش المرأة ويقلل من فرصها في الوصول إلى مناصب صنع القرار. 2. التحديات المؤسسية والقانونية: على الرغم من الإصلاحات القانونية في بعض الدول العربية، التي تُحسن من الوضع القانوني للمرأة، تبقى هذه الإصلاحات غير كافية. فالمؤسسات السياسية في العديد من الدول العربية لا تزال تحت سيطرة الذكور، والأنظمة الانتخابية لا تمنح المرأة الفرص المتكافئة للوصول إلى مواقع السلطة. بالإضافة إلى ذلك، تفتقر بعض الدول إلى قوانين تحمي حقوق المرأة السياسية، مما يجعل مشاركتها غير مؤثرة، أو محدودة في أفضل الأحوال. 3. تمثيل المرأة في البرلمانات والحكومات: رغم بعض التقدم الذي تم إحرازه في تمثيل النساء في البرلمانات والوزارات بعدد من الدول العربية، إلا أن تمثيل المرأة لا يزال محدودًا نسبيًا في أغلب الدول. حتى في الدول التي تبنت نظام الكوتا النسائية، لا تزال نسب تمثيل النساء ضعيفة مقارنة بالرجال، وغالبًا ما تكون المناصب ذات النفوذ الحقيقي والسياسات الكبرى محصورة في يد الرجال. 4. الموروثات الدينية والتفسيرات المحافظة: تسهم التفسيرات المحافظة للنصوص الدينية في تكريس الذكورية السياسية، حيث تُستخدم بعض النصوص لتبرير تقييد دور المرأة في المجال السياسي. في كثير من الأحيان، يُنظر إلى القيادات السياسية على أنها تحتاج إلى صفات ومهارات يُفترض أنها ذكورية، مما يؤدي إلى استبعاد النساء من هذه المواقع. 5. التحديات الاقتصادية والاجتماعية: التحديات الاقتصادية، مثل البطالة والفقر، تؤثر بشكل غير مباشر على تمكين المرأة السياسي؛ فمعظم النساء العربيات يواجهن صعوبات كبيرة في الحصول على تعليم وفرص اقتصادية جيدة، مما يحد من تأثيرهن السياسي. في البيئات الاقتصادية الصعبة، تزداد الضغوط على المرأة لتبقى في أدوار تقليدية، وتواجه صعوبة في الانخراط بالعمل السياسي. 6. الواقع الإعلامي والتصورات الاجتماعية: يلعب الإعلام دورًا كبيرًا في تشكيل التصورات الاجتماعية حول النساء في السياسة. في العديد من المجتمعات العربية، يُصور الإعلام المرأة السياسية بصورة سطحية أو حتى ساخرة، مما يؤثر على نظرة المجتمع للمرأة في مواقع السلطة. وفي كثير من الأحيان، تروج وسائل الإعلام لقوالب نمطية تعزز من الذكورية السياسية وتحد من تقبل المجتمع للمرأة كقائدة سياسية. وإجمالاً، يمكننا القول أن الذكورية السياسية في الواقع العربي ليست فقط نتيجة لتركيبة سياسية أو قانونية محددة، بل هي نتاج منظومة شاملة من القيم والموروثات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تعزز هذه الهيمنة. يتطلب تغيير هذا الواقع إعادة النظر في الهياكل السياسية والتعليمية والإعلامية لتأسيس مجتمع يضمن مشاركة المرأة العادلة في السياسة. فتمكين المرأة سياسيًا ليس فقط قضية تخص المرأة، بل هو مسألة ترتبط بجودة النظام السياسي وقدرته على تحقيق العدالة والمساواة الشاملة. أبرز الانتقادات الموجهة للذكورية السياسية تُوجَّه للذكورية السياسية انتقادات عديدة باعتبارها نظامًا يُكرس هيمنة الذكور في مراكز السلطة ويهمّش النساء والأدوار غير التقليدية التي يمكن أن تضيفها. وقد جاءت هذه الانتقادات من جوانب فكرية وفلسفية واجتماعية، تهدف إلى فضح التأثيرات السلبية لهذا النظام على المجتمعات وعلى النظام السياسي ذاته. وفيما يلي أبرز الانتقادات الموجهة للذكورية السياسية: 1. التعارض مع مبادئ العدالة والمساواة: يرى النقاد أن الذكورية السياسية تتناقض مع المبادئ الأساسية للعدالة والمساواة التي يُفترض أن تحقق تكافؤ الفرص بين جميع الأفراد. فوجود هيمنة ذكورية يعيق الوصول العادل للفرص السياسية، ويحد من تمثيل النساء والفئات الأخرى في مواقع صنع القرار، مما يجعل النظام السياسي منحازًا وغير عادل. 2. تغييب التنوع في السياسات والقرارات: الهيمنة الذكورية في السياسة تؤدي إلى تغييب التنوع في وجهات النظر، حيث يتخذ الذكور غالبًا القرارات استنادًا إلى تجاربهم الخاصة، دون اعتبار لاحتياجات النساء أو الفئات المهمشة. هذا التغييب يخلق سياسات عامة قد تكون منحازة أو غير شاملة، مما يؤدي إلى قرارات لا تلبي احتياجات المجتمع ككل. 3. تعزيز القوالب النمطية الجندرية: ينتقد الذكورية السياسية لأنها تكرس الأدوار الجندرية التقليدية وتعتبر القيادة والسياسة مجالات حكرًا على الرجال. هذه القوالب النمطية تجعل المرأة تواجه صعوبات اجتماعية وثقافية عند محاولة المشاركة في المجال السياسي، كما تؤدي إلى تأطير الرجال والنساء في قوالب تحد من تطور الأفراد والمجتمعات. 4. إضعاف الديمقراطية والتمثيل الحقيقي: من أبرز الانتقادات للذكورية السياسية هو تأثيرها السلبي على الديمقراطية، حيث أن تهميش النساء أو إعاقتهن من الوصول إلى المناصب السياسية يقوّض من صحة التمثيل السياسي. الديمقراطية تفترض تمثيل جميع مكونات المجتمع، وعندما تغيب المرأة أو تُقصى من الساحة السياسية، يفقد النظام السياسي توازنه ويصبح تمثيله غير مكتمل. 5. الحد من الإمكانات الاقتصادية والاجتماعية: يرى النقاد أن الذكورية السياسية تؤدي إلى هدر إمكانات النساء ومنعهن من الإسهام الكامل في الاقتصاد والسياسة. إذ أن تقييد دور المرأة السياسي ينعكس سلبًا على الاقتصاد والمجتمع، حيث تُهمل مواهب وإسهامات كانت ستعزز التنمية وتساهم في تحقيق تقدم اجتماعي شامل. 6. تعزيز العقلية الأبوية والسلطة الاحتكارية: تساهم الذكورية السياسية في تعزيز نظام أبوي قائم على احتكار السلطة، حيث يعتبر الرجل هو صاحب السلطة الأولى والأخيرة، بينما تُهمش المرأة وتُعتبر جزءًا تابعًا. هذه العقلية الاحتكارية تقيد تطور المجتمعات وتقف عائقًا أمام التجديد السياسي والاجتماعي. 7. تأثيرها السلبي على جودة السياسات الاجتماعية: تهميش النساء في السياسة يجعل قضايا مهمة، مثل حقوق المرأة، والصحة الإنجابية، والعنف ضد المرأة، تُهمَّش أو تُعالج بطريقة غير فعّالة. من دون مشاركة المرأة في صنع القرار، تكون السياسات العامة مفتقرة إلى جوانب حساسة قد لا يعيها أو لا يعطيها الأولوية الذكور. 8. إسهامها في تعزيز التمييز والعنف الجندري: الهيمنة الذكورية في السياسة تساهم في تعزيز التمييز الجندري وتشرعن العنف الجندري، إذ أن النظام الذي يهمّش النساء في مراكز السلطة يعزز النظرة الدونية لهن ويقوّي التمييز ضدهن. هذا قد يؤدي إلى بيئة اجتماعية تسود فيها الممارسات الجندرية السلبية، مثل التحرش والعنف، حيث يُعتبر الرجل صاحب السلطة الأعلى. وبشكل عام، تتلقى الذكورية السياسية انتقادات واسعة باعتبارها نظامًا قاصرًا لا يلبي احتياجات المجتمع الحديثة، ويحد من الإمكانات الكاملة للأفراد. فالقضاء على الذكورية السياسية يتطلب إصلاحًا شاملاً في الثقافة الاجتماعية والمؤسسات السياسية، بهدف بناء نظام عادل ومتكافئ يمكّن النساء من المشاركة الفعالة، ويحقق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجميع.
وفي الختام، تُشكِّل الذكورية السياسية إحدى العقبات الكبرى أمام تحقيق نظام سياسي عادل وشامل. فهي ليست مجرد مشكلة تتعلق بالجندر، بل هي تجسيد لتصورات قديمة تُعيق تطور المجتمع وتمنعه من الاستفادة من طاقات جميع أفراده على حد سواء. إن هيمنة الرجال في مراكز السلطة وغياب التمثيل المتوازن للجميع، بما فيهم النساء، يعوق تقدم المجتمع ويجعل السياسات غير مكتملة وغير قادرة على تلبية تطلعات الجميع. إن مواجهة الذكورية السياسية ليست ترفًا فكريًا أو مسألة جانبية، بل هي ضرورة حتمية لبناء مجتمع يُؤْمِن بقيمة التنوع والعدالة ويسعى لإقامة نظام سياسي قوي ومستدام. إن التغيير يبدأ بإعادة النظر في الموروثات الثقافية والممارسات المؤسسية التي تكرّس هذه الذكورية، والعمل على تعزيز بيئة سياسية تتيح المشاركة الفاعلة لكل أفراد المجتمع بغض النظر عن جنسهم. فبناء مستقبل يعتمد على الكفاءة والعدالة يضمن نظامًا سياسيًا أقوى وأكثر مرونة، قادرًا على الاستجابة لتحديات العصر وتحقيق تنمية شاملة تعود بالنفع على الجميع. إن القضاء على الذكورية السياسية ليس فقط إنصافًا للمرأة، بل هو خطوة نحو تحقيق مجتمع يزدهر فيه الجميع ويشارك فيه الجميع بحقوق متساوية ومسؤولية مشتركة.
#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاتجاهات الجنينية في الفلسفة المعاصرة: الأخلاق والوعي والهو
...
-
الاتجاهات الجنينية في الفلسفة المعاصرة: الأخلاق والوعي والهو
...
-
حرب المصالح : بحر الصين الجنوبي بين الطموحات الصينية والتحال
...
-
اتفاقية عنتيبي وجدلية الصراع بين دول المنبع والمصب ... المسا
...
-
الصوابية السياسية من منظور فلسفي – جدلية الحرية والأخلاق في
...
-
تحديات إدارة الأزمات في المؤسسات الحكومية: نحو استجابة فعّال
...
-
القوة والإرادة: جدلية العقل والإيمان بين الفلسفة الأوروبية و
...
-
صراع القيم وتحرير الإنسان: قراءة في العلاقة الفلسفية بين مار
...
-
من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد الأخلاقي: مسار التغيير في
...
-
صحافة المواطن في العصر الرقمي: التحديات والفرص نحو مستقبل جد
...
-
الإلحاد الإبستمولوجي بين النقد الفلسفي وآفاق الفكر الحديث
-
من النظرية إلى التطبيق: كيف يمكن تحقيق الاشتراكية العلمية؟
-
عوامل نجاح الدور الصيني في إفريقيا
-
تداعيات عملية «طوفان الأقصى» المسارات والمآلات
-
تداعيات التغلغل الإيراني في القرن الإفريقي على الأمن القومي
...
-
تداعيات إنشاء ممر -زانجيزور- في منطقة جنوب القوقاز، وانعكاسا
...
-
عن الاقتصاد الأخلاقي أتحدث
-
دور الاتصال التنظيمي في صناعة الصورة الذهنية للمنظمة
-
تأثيرات العولمة على التدفق الإعلامي الدولي
-
علاقة إيران بطالبان ومستقبل الشيعة الهزارة بأفغانستان
المزيد.....
-
فيديو جديد من داخل الطائرة الأذربيجانية يظهر ما حدث لجناحها
...
-
-حزب الله- يدين بشدة الهجمات الإسرائيلية على اليمن بمشاركة أ
...
-
الكويت: ضبط 1.8 حبة كبتاغون داخل مقاعد وطاولات قهوة
-
عدد خطوات المشي المطلوب يوميا لمكافحة الاكتئاب
-
-النسر الأصلع- يصبح رسمياً الطائر الوطني للولايات المتحدة بع
...
-
الجيش الإسرائيلي يؤكد شنّ غارات على مواقع متفرقة في اليمن
-
قفزة في بلاغات الجرائم الإلكترونية بالمغرب.. وخبراء يكشفون ا
...
-
دعوات أمريكية لمنع عودة ترامب إلى السلطة والرئيس المنتخب يحذ
...
-
بوتين: الأوكرانيون -يعاقبون أوروبا- و-يعضون يدها-
-
سحب الجنسية الكويتية من 3700 حالة جديدة
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|