|
مجموعة بريكس: تحالف استراتيجي أم منتدى للحوار؟
حميد الكفائي
الحوار المتمدن-العدد: 8150 - 2024 / 11 / 3 - 00:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كل عام تطل علينا قمة بريكس باستعراض سياسي لقادة دول غير متجانسة، وبعضها متصارع، ويخرج علينا محللون يريدون إقناعنا بأن هذا التجمع "الواعد" يضم 45% من سكان العالم و28% من الناتج الإجمالي العالمي، وسيكون مؤثرا في قابل الأيام، منافسا التحالف الغربي ومتفوقا عليه، وأن على الدول النامية أن تسارع للانضواء تحت لوائه قبل فوات الأوان! لكن الحقيقة مختلفة تماما. فبين الدول الثلاث الكبرى المؤسسة لبريكس، وهي الصين وروسيا والهند، ما صنع الحداد. فالهند والصين تحشدان جيشيهما على الحدود، وقد اشتبكتا عام 2020 في حرب سقط فيها قتلى وجرحى، ولم تتفقا على حل الخلاف الحدودي إلا مؤقتا، يوم 21 أكتوبر، أي عشية مؤتمر بريكس الأخير في كازان الروسية. الرئيس الصيني، شي جينبينغ، لم يحضر مؤتمر بريكس لعام 2022 لأنه لم يكن راغبا في إنجاحه كي لا يُسجَّل النجاح لغريمه، رئيس الوزراء الهندي، نارندرا مودي. بينما لم يتمكن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، من حضور مؤتمر بريكس لعام 2023 في جوهانزبيرغ، لأن جنوب أفريقيا أبلغته بأنها ملزمة باعتقاله إن هو حط في أراضيها، لأنها عضو في المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرة اعتقال بحقه عقب غزوه أوكرانيا. روسيا، التي استضافت مؤتمر بريكس الأخير، منخرطة في حرب استنزاف على أوكرانيا منذ شباط 2022، وهذه الحرب، لم تستنزِف أوكرانيا، التي تحصل على مساعدات مالية وعسكرية هائلة من أمريكا وأوروبا، وإنما تستنزف روسيا وقدراتها المالية التي كان يمكن أن تُستثمر في التطوير والتنمية الاقتصادية. وبدلا من ذلك، تتعرض روسيا لعقوبات دولية غير مسبوقة، بسبب غزوها دولة مستقلة دونما سبب، سوى الأطماع الإمبراطورية لرئيسها (المنتخب) للمرة السادسة، فصارت تستورد السلاح من إيران وكوريا الشمالية، التي لم تكتفِ بذلك، بل أرسلت لها عشرة آلاف جندي، ما جعلها مشتركة في الحرب، وهو تطور ستكون له عواقب خطيرة. الدول الأخرى المنْضَمَّة إلى التجمع، مثل إيران ومصر وإثيوبيا، لديها مشاكل مختلفة. إثيوبيا ومصر لديهما خلافات عميقة حول مياه نهر النيل، التي أخذت إثيوبيا تستغلها للزراعة وتوليد الطاقة على حساب مصر، وقد ساءت العلاقة بين البلدين، ولم يتوصلا حتى الآن إلى اتفاق، بل هناك الآن قوات مصرية في الصومال، ما يعني أن الحرب بينهما محتملة الوقوع. أما إيران فتتعرض لعقوبات أمريكية وغربية واسعة النطاق، وتنخرط في حرب بالوكالة مع دول عديدة، ثم دخلت في مناوشات عسكرية مع إسرائيل هذا العام، رغم أنها تحاول جاهدة أن تتجنب الانخراط في حرب شاملة قد تنتهي بانهيار نظامها السياسي أو تغييره، وهي الآن في وضع خطير سيضطرها لإيقاف حروبها بالوكالة على الدول الأخرى. بعض دول بريكس الكبار، كالصين وروسيا وإيران، منغلقة سياسيا، بل تخشى الانفتاح الكامل على العالم، لأنه يهدد أنظمتها السياسية واقتصاداتها الموجهة. المشترك الوحيد بينها، على ما يبدو، أنها تناهض الهيمنة الاقتصادية والمالية الأمريكية، وتسعى لتشكيل تجمع اقتصادي ونظام مالي جديد. ولكن هل هذا ممكن بوجود خلافات عميقة وتناقضات صارخة بينها؟ أكبر دول بريكس ومحركها الأساس هي الصين، وهي الاقتصاد الثاني عالميا بعد أمريكا، قد حققت تقدمها الاقتصادي بسبب انفتاحها على أمريكا وأوروبا خلال العقود الثلاثة الماضية، لكن طموحها في التوسع الاقتصادي، غير المصحوب بانفتاح سياسي، كان الغربيون، خصوصا الأمريكيين، يأملون به، إضافة إلى اصطفافها مع روسيا وكوريا الشمالية وإيران، قد دفعهم لاستهدافها والحد من توسعها الاقتصادي على حسابهم. الاقتصاد الصيني بدأ يتراجع والنمو الاقتصادي فيها آخذ في التباطؤ، والغربيون بدأوا يبتعدون عن الاعتماد على السلع الصينية، وأخذوا يستثمرون وطنيا في المجالات التي مكَّنت الصين من التوسع الاقتصادي. النظام السياسي الصيني، الذي بدأ ينفتح قليلا في عهد الرؤساء دينغ زياو بينغ، وجيان زمين وهو جنتاو، آخذ في الانغلاق منذ أن تولى الرئيس شي جينبينغ السلطة. السلطات الصينية الآن تتدخل حتى في البيانات الاقتصادية، الأمر الذي انعكس سلبا على نموذجها الاقتصادي الذي يعتمد على حرية المعلومات وحركة الأموال. أسست بريكس بنكا مستقلا عام 2014، هو بنك التنمية الجديد، بتمويل معظمه صيني، لكنه لم يتقدم كثيرا في ظل الجمود الذي تعانيه هذه المجموعة غير المتجانسة. كما حاولت أن تتبنى عملة مستقلة للتبادل التجاري بين أعضائها، ولكن دون جدوى، فدول بريكس لم تستطع التخلص من مخاوفها وشكوكها ببعضها البعض، أو حل خلافاتها العميقة التي قادت بعضها إلى الحرب. إن كانت دول بريكس لا تسمح بحركة الأموال أو تقديم المعلومات الصحيحة وتعويم عملاتها، فكيف يمكن دول العالم الأخرى أن تثق بها وتتعامل معها ككتلة متجانسة؟ في المقابل، الاقتصادات الغربية الرأسمالية منفتحة على بعضها وعلى العالم، وعملاتها موثوقة ومعوّمة، والتعاملات المالية العالمية تجري بها بنسبة 95%، حوالي 60% منها بالدولار، و20% باليورو، و6% بالين و5% بالجنيه الإسترليني و(3%) بالدولار الكندي و(2%) بالدولار الأسترالي. أما التعاملات العالمية بالعملة الصينية، (رنمينبي)، فلا تتجاوز 2%. كما أن الدول الغربية منسجمة اقتصاديا وسياسيا، وكلها أنظمة ديمقراطية تتغير حكوماتها باستمرار، ولا يبقى الزعيم في المنصب أكثر من عشر سنوات. بينما الرئيس الروسي، مثلا، يشغل الموقع الأول منذ عام 1999، ولا يعتزم مغادرة المنصب حتى عام 2033 حسب الدستور، الذي عُدِّل العام الماضي كي يتماشى مع رغبته. الرئيس الصيني هو الآخر عدَّل الدستور كي يسمح له بالبقاء في السلطة مدى الحياة. بريكس، إذن، ليست سوى منتدى للحوار وتبادل الآراء بين دول مختلفة، وهذا أمر إيجابي دون شك، وكل الدول التي حضرت مؤتمر كازان لم تكن تطمح بأكثر من هذا. لا يمكن هذه المجموعة أن تتقدم لأنها غير متجانسة، وإن توسعت أكثر فإن عدم التجانس سوف يشتد أكثر. بعض أعضائها، كإيران وروسيا، معاقب دوليا ولا يستطيع أن يتفاعل مع دول العالم دون إجراء إصلاحات سياسية حقيقية. الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا غير منسجمة مع الصين وروسيا، وهي تعارض الكثير من مواقفهما. شعوب العالم تأمل بعالم متعدد الأقطاب، تغيب فيه الهيمنة لدولة أو كتلة، كي يكون مستقرا وآمنا ومزدهرا، لكن هذا الأمل الرفيع لن تحققه بريكس، التي انبثقت فكرتها من دراسة أجراها بنك غولدمان ساكس الأمريكي، أشرف عليها كبير الاقتصاديين، جيمز أونيل، الذي أطلق عليها اسم (بريكس) متوقعا لها النجاح، بشروط لم تفِ حتى الآن بأي منها!
#حميد_الكفائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أين موقع العراق في صراع الشرق الأوسط؟
-
إبراهيم الحيدري عاش بسموّ ورحل بهدوء
-
لا عطلة في الإسلام... والعُطَل الرسمية ظاهرة عصرية
-
كي لا تتحول الديموقراطية الكويتية إلى عبء على الدولة
-
السّلم العالمي مهدّد بينما الحلول غائبة
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
-
دورة السياسة البريطانية تتجه يسارا
-
جو بايدن.. الحالم الذي لم تُبدد حلمَه النوائب
-
التعاون لا يلغي التنافس بين الدول العصرية
-
هل تصمد اقتصادات الشرق الأوسط أمام تحديات الحروب؟
-
هل تغير مفهوم السيادة؟ أم النظام الدولي يتداعى؟
-
العراق يسير نحو الهاوية والحكومة تتفرج!
-
أيُّ مستقبل ينتظر العالم في عام 2024؟
-
ما الذي يجمع الأرجنتين والعراق وفنزويلا؟
-
في ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان...
-
الحرب على التضخم بين الإقلاع والهبوط!
-
لماذا استعان غوتَيرَش بالمادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة؟
-
الرابحون والخاسرون في الأزمة الدولية الحالية
-
هل يضعِف التنافس الفرنسي - الألماني الاتحاد الأوروبي؟
-
لماذا صارت الحمائيةُ محبذة في العالم الحر؟
المزيد.....
-
الولايات المتحدة تعلن إحباط عمل إرهابي ضد محطة طاقة
-
روسيا تندد بفوز مايا ساندو برئاسة مولدوفا
-
الداعية بلال الزهيري: ترامب الوحيد الذي استمع لمطالبنا كمسلم
...
-
السيسي يستقبل البرهان في القاهرة
-
وول ستريت جورنال: روسيا تشحن أجهزة حارقة إلى الدول الغربية
-
الجيش الأميركي يعلن مقتل أحد جنوده متأثرا بإصابته في حادث بغ
...
-
الخطوط الجوية الفرنسية تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر بسبب جس
...
-
وزير الخارجية البولندي: مسألة توسيع الدفاع الجوي في سماء أوك
...
-
السلطات الأمريكية تشدد الإجراءات الأمنية حول مقر إقامة هاريس
...
-
رئيس نيجيريا يأمر بالإفراج عن القاصرين المتهمين بـ-الخيانة ا
...
المزيد.....
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
المزيد.....
|