أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - الاتجاهات الجنينية في الفلسفة المعاصرة: الأخلاق والوعي والهوية 1/2















المزيد.....

الاتجاهات الجنينية في الفلسفة المعاصرة: الأخلاق والوعي والهوية 1/2


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8150 - 2024 / 11 / 3 - 00:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يُعدّ مفهوم "الاتجاهات الجنينية" واحداً من أكثر المفاهيم المثيرة للاهتمام في عالم الفكر المعاصر، إذ يعبر عن البوادر الأولى للأفكار والممارسات والابتكارات التي لم تتطور بعد إلى مراحلها النهائية، لكنها تحمل في طياتها إمكانيات كبيرة للتأثير على المجتمع، والاقتصاد، والثقافة، والسياسة في المستقبل. هذا المفهوم يشير إلى مرحلة "البذور"، أو ما يُمكن تسميته بحالة "التكوين المبكر" للأفكار، التي لم تترسخ بعد كاتجاهات سائدة، لكنها تتبلور ببطء لتُشكل قواعد لتيارات جديدة قد تعيد تشكيل الواقع بطرق غير متوقعة.
في سياق سريع التغير، حيث تتداخل التوجهات التقنية والعلمية والاجتماعية بشكل غير مسبوق، أصبحت الاتجاهات الجنينية محوراً للتفكير الاستراتيجي في العديد من القطاعات. ففي العالم الغربي، وخاصة ضمن الأوساط الفكرية والأكاديمية، يتم التركيز على أهمية استكشاف هذه الاتجاهات الناشئة وتوجيهها نحو أهداف تنموية ومسؤولية أخلاقية، ليس فقط من أجل الربح أو التحول الاقتصادي، بل لتحقيق الاستدامة الاجتماعية والبشرية. هنا تتجلى أهمية هذا المفهوم في استقراء المستقبل واستشرافه، حيث تُمثّل الاتجاهات الجنينية بوابة لفهم احتياجات المجتمعات وآمالها وتحدياتها.
أما في الأوساط الفكرية العربية، فالنظرة إلى الاتجاهات الجنينية تأخذ طابعاً مختلفاً، إذ تواجه هذه المجتمعات تحديات مزدوجة تتعلق بالحفاظ على هويتها الثقافية والتكيف مع موجات العولمة والتقنيات المتسارعة. يعتبر المفكرون العرب أن الاتجاهات الجنينية قد تفتح آفاقاً جديدة للتقدم والتنمية، لكنها في الوقت ذاته تُثير أسئلة حول الهوية، والانتماء، وحدود التأثر بالغرب، لا سيما وأن العديد من هذه الاتجاهات تأتي بتحديات أخلاقية وثقافية قد لا تتماشى دائماً مع التقاليد المحلية.
وتكمن أهمية الاتجاهات الجنينية في أنها لا ترتبط فقط بآفاق الابتكار التكنولوجي، بل تتوسع لتشمل جوانب أخرى من الحياة الإنسانية، مثل الفن والأدب والسياسة والفكر المجتمعي. فهذه الاتجاهات تعكس في الغالب استجابة طبيعية للضغوط والتغيرات التي تحدث في العالم المعاصر، مثل التحولات في القوى العاملة، وقضايا الاستدامة البيئية، وتغيرات القيم الاجتماعية. ففي مجال العلوم، على سبيل المثال، تمثل التقنيات الناشئة كالذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية والهندسة الوراثية نماذج عن اتجاهات جنينية تتطلب استثمارات هائلة ورؤى استراتيجية للنمو المستقبلي.
من الناحية الفلسفية، تُثير الاتجاهات الجنينية تساؤلات عميقة حول طبيعة الوجود البشري وحدود التدخل التقني في الحياة اليومية، وتطرح نقاشات حول حرية الإرادة والمسؤولية الأخلاقية تجاه الابتكار. يُنظر إلى هذه الاتجاهات من خلال منظور فلسفي يتساءل عن مدى تأثير التقدم التكنولوجي السريع على الإنسان، وعن طبيعة العلاقات التي يمكن أن تنشأ بين البشر والتقنيات الحديثة، بل ومدى تأثير هذه الاتجاهات الجنينية على القيم الإنسانية والأخلاقية.
وبشكل عام، يُعدّ فهم الاتجاهات الجنينية ورصدها خطوة محورية نحو بناء مجتمعات أكثر استعداداً للتحديات المستقبلية، وأكثر انفتاحاً على الابتكار، لكن في إطار من التوازن والوعي بالقيم والتقاليد الثقافية. إن الاهتمام بدراسة هذه الاتجاهات من منظور شامل، يجمع بين العلوم، والفكر، والأخلاق، يُمكن أن يُوفر إطاراً للتحكم في مسار هذه الاتجاهات، ويحول دون أن تكون مجرد موجات مؤقتة بلا تأثير حقيقي، أو على العكس، أن تصبح قوى جامحة تعيد تشكيل العالم بأسلوب قد يصعب السيطرة عليه.
الاتجاهات الجنينية من زاوية فلسفية
من منظور فلسفي، يمكن اعتبار "الاتجاهات الجنينية" تجسيداً لفكرة النمو المستقبلي الكامن، والتي تحمل في طياتها تأملات فلسفية حول التطور، والإمكانات، والتنبؤ، والغاية. وفي هذا السياق، إليك بعض المحاور التي يمكن من خلالها استكشاف مفهوم الاتجاهات الجنينية فلسفياً:
1. الإمكانات والتطور: يرتبط مفهوم الاتجاهات الجنينية بفكرة "الإمكان" في الفلسفة، وهي القدرة أو الاحتمال بأن تتطور الفكرة أو الظاهرة إلى كيان كامل مع مرور الوقت. فالاتجاهات الجنينية تعبر عن بذور أو إمكانات مستقبلية تحمل في داخلها احتمالات نضج أو تطور. هنا، يمكن فهم هذه الاتجاهات من خلال فكرة أرسطو عن "الإمكان والواقع"، حيث تنمو الأشياء من حالتها الإمكانية إلى حالتها الواقعية، تماماً كما يتطور الجنين إلى كائن كامل.
2. التاريخية والزمنية: تفتح الاتجاهات الجنينية الباب لفهم تأثير الزمن في نمو الأفكار. فلسفياً، قد ينظر إليها من منظور الفيلسوف هيغل، الذي يؤكد أن الأفكار أو الظواهر تتطور بمرور الزمن من خلال جدلية تفاعلية بين الحالة الحالية والمعارضة، ما يؤدي إلى نشوء حالة جديدة أكثر تطوراً. وبهذا، يمكن رؤية الاتجاهات الجنينية كحالة بدائية تحتاج إلى التفاعل مع محيطها والزمن لتتحول إلى حالة مكتملة.
3. اليوتوبيا والدستوبيا (المدينة الفاضلة والنقيض): غالباً ما تُعتبر الاتجاهات الجنينية مدخلاً لأفكار فلسفية حول "اليوتوبيا"، أي الرؤية المثالية للمستقبل، حيث تكون هذه الاتجاهات محفوفة بآمال وطموحات لإنشاء واقع مثالي. لكنها في نفس الوقت تحمل معها احتمالية "الدستوبيا" أو المستقبل السلبي، إذا ما أسيء استخدامها أو إذا واجهت عقبات أخلاقية واجتماعية خطيرة. من هذا المنظور، يمكن النظر إلى الاتجاهات الجنينية كتجربة استكشاف مستمر بين التفاؤل بالمستقبل والخوف من عواقبه المحتملة.
4. الحرية والمسؤولية الأخلاقية: من منظور الفلسفة الأخلاقية، تطرح الاتجاهات الجنينية أسئلة حول مسؤوليتنا تجاه المستقبل، ومتى نعتبر مشروعاً معيناً جديراً بالمتابعة أم لا. يرى الفلاسفة مثل إيمانويل كانط أن هناك التزاماً أخلاقياً لتقييم تداعيات أي فكرة أو تقنية ناشئة على البشر والمجتمع. الاتجاهات الجنينية قد تُبرز التحديات الأخلاقية التي تتطلب الحذر في تقييمها، بما في ذلك المسؤولية تجاه البيئة، والأجيال القادمة، ومراعاة حقوق الأفراد والجماعات.
5. فلسفة الأمل والقلق: الاتجاهات الجنينية تعكس الفلسفة المزدوجة للأمل والقلق. يطرح بول ريكور، مثلاً، فلسفة الأمل كمحرك للتقدم والتطلع نحو المستقبل، ولكن مع ذلك هناك عنصر القلق حول ما إذا كانت هذه الاتجاهات ستسير في الاتجاه الصحيح أم لا. الاتجاهات الجنينية تجسد هذه المفارقة بين الأمل في التقدم والخوف من الفشل أو العواقب غير المتوقعة، ما يجعل من التوازن بين التفاؤل والحذر مطلباً فلسفياً لفهمها.
6. فلسفة التنبؤ والإدراك المسبق: أحد الجوانب الفلسفية للاتجاهات الجنينية هو التحدي المرتبط بالتنبؤ والتخطيط المستقبلي. الاتجاهات الجنينية تفتح الباب للتساؤل حول قدرتنا كبشر على التنبؤ بالمستقبل أو التحكم فيه، كما تطرح فكرة أن المستقبل قد يكون مليئاً بالأحداث غير المتوقعة التي يمكن أن تغير مسار أي اتجاه. من هذا المنظور، قد يكون التفكير في الاتجاهات الجنينية توجيهاً نحو التواضع تجاه فهمنا للعالم والمستقبل، وعدم التسرع في افتراض نتائج محددة.
7. الارتباط بين الفرد والجماعة: الاتجاهات الجنينية تطرح أيضاً قضية فلسفية تتعلق بالفردية مقابل الجماعية. ففي كثير من الأحيان، تكون الأفكار الجديدة أو الاتجاهات الناشئة نتاجاً لأفراد مبتكرين أو مجموعات صغيرة، لكنها تحتاج إلى تبني جماعي لكي تنضج وتزدهر. وهنا يظهر السؤال الفلسفي حول كيف يمكن للفرد أن يُحدث تأثيراً، وما هو دور المجتمع في تبني الأفكار الجديدة ودعمها حتى تصبح واقعاً.
من خلال هذه الزوايا الفلسفية، يمكننا أن نرى أن الاتجاهات الجنينية ليست مجرد أفكار جديدة في بدايتها، بل هي تجسد أيضاً آمالاً وتحديات فلسفية تتعلق بالطبيعة البشرية وعلاقتها بالمستقبل والإمكانات.
الاتجاهات الجنينية في الأوساط الفكرية الغربية
في الأوساط الفكرية الغربية، يُربط مفهوم الاتجاهات الجنينية بقضايا الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، خاصة في ظل التحديات البيئية والأخلاقية المعاصرة. على سبيل المثال، الاتجاهات الجنينية في مجالات الطاقة المتجددة وتقنيات إزالة الكربون تُعتبر ضرورية للتصدي لتغير المناخ.
هذا المفهوم يشمل أيضاً بُعداً أخلاقياً، إذ يُطرح السؤال حول مدى مسؤولية الشركات والدول في التعامل مع الاتجاهات الناشئة. تتم مناقشة هذا في ضوء مفهوم "التكنولوجيا الأخلاقية"، الذي يُعنى بتطوير التقنيات بطريقة توازن بين الابتكار والمصلحة العامة، ما يحافظ على القيم الإنسانية ويحمي المجتمع من الآثار السلبية المحتملة.
3. التغير الاجتماعي والأنثروبولوجيا: في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، تُفهم الاتجاهات الجنينية كظواهر اجتماعية ناشئة تعكس تطلعات وأزمات المجتمع. يتم تحليل هذه الاتجاهات بوصفها مظاهر مبكرة للتغيرات الاجتماعية والثقافية، وقد تُشير إلى تحولات قادمة في مفاهيم الهوية، والعمل، والتفاعل الاجتماعي. على سبيل المثال، الاتجاهات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات تُطرح كنقاش حول "مستقبل العمل"، حيث تُستكشف كيفية تأثير هذه التقنيات على طبيعة الوظائف والتوظيف في المجتمع، وتُطرح أسئلة حول إعادة توزيع الثروات ومستقبل القوى العاملة.
4. التغير التكنولوجي والتقدم العلمي:
يُعتبر تتبع الاتجاهات الجنينية أمراً حيوياً في التقدم العلمي، حيث يتم تشجيع الابتكار والبحث في هذه المجالات. في الأوساط الأكاديمية، تُجرى أبحاث مكثفة على الاتجاهات الجنينية في الطب، والهندسة الوراثية، والتكنولوجيا الرقمية، مثل الطب الشخصي والهندسة الوراثية والتقنيات الناشئة في الذكاء الاصطناعي. تتبنى المؤسسات البحثية والشركات التقنية نهجاً استراتيجياً للاستثمار في هذه الاتجاهات، إذ يُنظر إليها كوسيلة لبناء اقتصاد المعرفة وتحقيق تقدم نوعي في مختلف المجالات، مع التركيز على الأبحاث التي تتناول التطبيقات العملية والتأثيرات المستقبلية.
5. الاقتصاد والمال: تُعد الاتجاهات الجنينية عاملاً محورياً في الاقتصاد الغربي، حيث يعتمد مفهوم "الاستثمار الجريء" (Venture Capital) على تمويل الأفكار الناشئة التي قد تحمل إمكانات نمو عالية. يتم توجيه استثمارات ضخمة نحو الشركات الناشئة التي تُعنى بالاتجاهات الجنينية، مثل التكنولوجيا النظيفة، وتقنيات الطب الشخصي، والذكاء الاصطناعي.
من منظور اقتصادي، تُعد الاتجاهات الجنينية محفزاً للتحولات الاقتصادية، إذ تعكس هذه الاتجاهات رؤية للتوسع الاقتصادي والتحول الصناعي. فالاتجاهات الناشئة في مجالات مثل العملات الرقمية وتقنيات سلسلة الكتل (Blockchain) تُعد بوادر لتغييرات جوهرية في النظام المالي العالمي.
6. الثقافة والفن: في الأوساط الثقافية والفنية، يُنظر إلى الاتجاهات الجنينية كتعبير عن الأفكار الجديدة والتجارب الجريئة التي تسعى لكسر الحدود التقليدية. يتم تبني هذه الاتجاهات في الفنون المعاصرة، حيث تُستكشف الوسائط الجديدة مثل الواقع الافتراضي، والفن الرقمي، والذكاء الاصطناعي في التعبير الفني، ما يؤدي إلى نشوء أساليب جديدة تُعيد تعريف علاقة الفن بالتكنولوجيا والمجتمع.
الاتجاهات الجنينية الثقافية تُعتبر أيضاً تعبيراً عن تطلعات المجتمعات الغربية نحو الانفتاح والتنوع، وتُعتبر مساحة للتجريب واستكشاف القضايا الاجتماعية المعاصرة، مثل الهوية، والعولمة، والمستقبل الرقمي.
7. التحليل الفلسفي والعقلانية: في الفلسفة الغربية، تُثير الاتجاهات الجنينية تساؤلات حول علاقة الإنسان بالتكنولوجيا والمستقبل، ومدى تأثير الأفكار الناشئة على طبيعة الوجود الإنساني. ويُعد الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو من بين المفكرين الذين تناولوا فكرة "التحولات" و"المعرفة الناشئة"، والتي تشبه الاتجاهات الجنينية في كونها تحمل إمكانية للتغيير العميق في فهمنا للعالم.
الاتجاهات الجنينية تثير النقاش حول حرية الإرادة والمسؤولية الأخلاقية، وتطرح فكرة "التطور التكنولوجي المسؤول" كضرورة لتحقيق تقدم يعزز من جودة الحياة دون التسبب في عواقب سلبية.
وبشكل عام، ينظر الفكر الغربي إلى الاتجاهات الجنينية كجزء لا يتجزأ من حركة التطور والتجديد، ويراها عنصراً أساسياً في التعامل مع المستقبل وإعادة تشكيل المجتمع. يتم التركيز على فهم هذه الاتجاهات عبر منهجيات شمولية تجمع بين العلم، والفكر، والأخلاق، بحيث تتكامل الرؤى لتحقيق تقدم يستند إلى مبادئ الاستدامة والمسؤولية الأخلاقية والابتكار.
الاتجاهات الجنينية في الأوساط الفكرية العربية
في الأوساط الفكرية العربية، يُنظر إلى مفهوم "الاتجاهات الجنينية" بوصفه تعبيراً عن الأفكار أو التيارات التي لم تتبلور بعد بشكل كامل، لكنها تحمل بوادر التحول والتأثير. ومع أن المصطلح ليس منتشراً بشكل كبير في الفكر العربي التقليدي، إلا أن هناك اهتماماً متزايداً بهذا المفهوم في سياقات مختلفة، منها التقنية، والثقافية، والاجتماعية، والسياسية. إليك بعض الزوايا التي يتم من خلالها تناول هذا المفهوم في الأوساط الفكرية العربية:
1. المجال الفكري والسياسي: في الأوساط السياسية، يُنظر إلى الاتجاهات الجنينية كتجليات مبكرة لتغيرات أو حركات شعبية قد تتطور لاحقاً لتشكل تيارات إصلاحية أو ثورية. مثلاً، تُعتبر الحركات الشبابية الداعية للإصلاح أو المساواة في العالم العربي بمثابة اتجاهات جنينية، تُعبّر عن طموحات غير مكتملة لشرائح مجتمعية قد تؤثر على المسار السياسي مستقبلاً.
على مستوى الفكر السياسي، هناك اهتمام بمعرفة مدى قدرة الاتجاهات الجنينية على مواجهة تحديات التقاليد والعوائق المؤسسية الصارمة في العالم العربي. ويتم النظر إلى هذه الاتجاهات بوصفها مرآة للتغيرات الفكرية المتزايدة نحو قضايا مثل الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، لكنها تحتاج إلى مساحة وآليات دعم واضحة لتتحول إلى حركات فاعلة.
2. المجال الثقافي: في السياق الثقافي، تُعد الاتجاهات الجنينية ظواهر فكرية وفنية جديدة تعبر عن التطور البطيء في الوعي المجتمعي تجاه قيم العولمة، والحداثة، والابتكار. على سبيل المثال، يمكن اعتبار الحركات الأدبية أو الفنية التي تعتمد على التكنولوجيا والرقمنة، أو تلك التي تطرح قضايا الهوية والانتماء من زوايا حديثة، كاتجاهات جنينية تحاول التكيف مع متغيرات العصر. أيضاً، بدأ المفكرون العرب بإدراك أن هذه الاتجاهات الجديدة، رغم كونها ما تزال في مراحلها الأولى، تُشكل قاعدة للنقاش حول الهوية الثقافية العربية وإمكانية تطورها ضمن سياق عالمي متغير.
3. مجال العلوم والتكنولوجيا: في مجال العلوم والتكنولوجيا، تعتبر الاتجاهات الجنينية -مثل الذكاء الاصطناعي، والتقنيات الطبية المتقدمة، والطاقة المتجددة- بوادر لتحولات صناعية قد تكون كبيرة في العالم العربي. هناك إدراك أن هذه المجالات الجديدة قد تكون مفتاحاً لمواجهة تحديات التنمية والاستدامة، رغم أن هذه الاتجاهات ما زالت تواجه صعوبات في التمويل، والتبني، والتعليم. يُنظر إلى هذه الاتجاهات في الأوساط الأكاديمية والتقنية العربية بوصفها ضرورة ملحة للحاق بركب التطور العالمي، ما يفتح نقاشاً حول الحاجة إلى سياسات واستراتيجيات دعم تحوّلها من أفكار ناشئة إلى ابتكارات فاعلة.
4. التحديات الاجتماعية والفكرية: تتعامل الأوساط الفكرية العربية بحذر مع الاتجاهات الجنينية الجديدة التي قد تطرح أفكاراً تناقض بعض التقاليد والقيم السائدة، مثل تعزيز الحريات الشخصية، وتوسيع حقوق المرأة، ونقد التقاليد الاجتماعية الصارمة. هذه الاتجاهات تُعد تحدياً للأطر التقليدية، ويتم استكشافها بشكل حذر لضمان أن تكون متوافقة مع القيم المحلية. إضافةً إلى ذلك، هناك نقاش حول ضرورة تطوير وعي مجتمعي بنّاء حول هذه الاتجاهات دون إغفال الهوية والثقافة المحلية، حيث يرى البعض أن تبني الاتجاهات الجنينية دون مراعاة خصوصية الثقافة العربية قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية، في حين يعتبر آخرون أنها فرصة لإعادة النظر في هذه القيم بأسلوب أكثر مرونة.
5. التأثير الاقتصادي: تُعتبر الاتجاهات الجنينية أيضاً فرصة للاقتصادات العربية للاستثمار في المجالات الناشئة وتحقيق التنوع الاقتصادي، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الناتجة عن الاعتماد الكبير على النفط في بعض الدول. فعلى سبيل المثال، يُنظر إلى الاتجاهات الجنينية في التكنولوجيا الخضراء والطاقة المتجددة كبديل محتمل مستقبلاً لمصادر الطاقة التقليدية. ومع ذلك، يتطلب تحويل هذه الاتجاهات الجنينية إلى واقع اقتصادي ملموس وجود استثمارات ودعم حكومي وتطوير للبنية التحتية، وهي تحديات قد تعيق تطور هذه الاتجاهات.
6. الأبحاث والدراسات الأكاديمية: بدأ الباحثون في العالم العربي بتسليط الضوء على مفهوم الاتجاهات الجنينية كمجال بحثي جديد، يستدعي الدراسة والتحليل لفهم كيفية تطور الأفكار الحديثة وتكيفها مع المجتمعات العربية. وتظهر الأبحاث التي تستكشف الاتجاهات الجنينية في مجالات مثل التعليم، والصحة، والذكاء الاصطناعي، بوصفها محاولات لفهم اتجاهات المستقبل.
كما يتم التركيز في الأبحاث على فهم العوامل المؤثرة في تحول الاتجاهات الجنينية إلى تيارات سائدة، وتحليل العوائق التي قد تحول دون تطورها.
بشكل عام، يُنظر إلى الاتجاهات الجنينية في الأوساط الفكرية العربية على أنها تعبير عن التغيرات الثقافية والاجتماعية والتقنية التي تلوح في الأفق، وتستلزم مقاربات نقدية وإبداعية للتكيف معها والاستفادة منها، مع مراعاة التحديات الثقافية والاجتماعية القائمة.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرب المصالح : بحر الصين الجنوبي بين الطموحات الصينية والتحال ...
- اتفاقية عنتيبي وجدلية الصراع بين دول المنبع والمصب ... المسا ...
- الصوابية السياسية من منظور فلسفي – جدلية الحرية والأخلاق في ...
- تحديات إدارة الأزمات في المؤسسات الحكومية: نحو استجابة فعّال ...
- القوة والإرادة: جدلية العقل والإيمان بين الفلسفة الأوروبية و ...
- صراع القيم وتحرير الإنسان: قراءة في العلاقة الفلسفية بين مار ...
- من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد الأخلاقي: مسار التغيير في ...
- صحافة المواطن في العصر الرقمي: التحديات والفرص نحو مستقبل جد ...
- الإلحاد الإبستمولوجي بين النقد الفلسفي وآفاق الفكر الحديث
- من النظرية إلى التطبيق: كيف يمكن تحقيق الاشتراكية العلمية؟
- عوامل نجاح الدور الصيني في إفريقيا
- تداعيات عملية «طوفان الأقصى» المسارات والمآلات
- تداعيات التغلغل الإيراني في القرن الإفريقي على الأمن القومي ...
- تداعيات إنشاء ممر -زانجيزور- في منطقة جنوب القوقاز، وانعكاسا ...
- عن الاقتصاد الأخلاقي أتحدث
- دور الاتصال التنظيمي في صناعة الصورة الذهنية للمنظمة
- تأثيرات العولمة على التدفق الإعلامي الدولي
- علاقة إيران بطالبان ومستقبل الشيعة الهزارة بأفغانستان
- الأساس الفلسفي والفكري للعولمة
- البعد الإعلامي للعولمة ... السمات والتأثير والمخاطر


المزيد.....




- أمريكا تنتقد -عنف- المستوطنين في الضفة الغربية: -العقوبات مم ...
- -انتحر أحدهم اليوم لدى استدعائه إلى الخدمة-.. من هم -الجنود ...
- شولتس يدعو دول الناتو لتوريد الأسلحة التي وعدت بها لأوكرانيا ...
- مصادر عبرية أكدت موعد الهجوم في 1 أكتوبر تحذر من هجوم إيراني ...
- مسيرة للمثليين في بوينوس آيرس تظاهر المشاركون فيها ضد سياسات ...
- إسرائيل تؤكد قصف مقر استخبارات حزب الله في سوريا!
- وزير الدفاع الإسرائيلي يصادق على إصدار 7000 أمر إضافي لتجنيد ...
- تقرير عبري: تم تحذير مكتب نتنياهو بشأن توظيف المستشار اليعاز ...
- رئيس وزراء إثيوبيا يستقبل مسؤولا إماراتيا رفيعا
- المعارضة الجورجية تطالب بإجراء انتخابات جديدة وتتوعد بمظاهرا ...


المزيد.....

- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - الاتجاهات الجنينية في الفلسفة المعاصرة: الأخلاق والوعي والهوية 1/2