أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - بقايا كلام في جمهوريّات العسكر














المزيد.....


بقايا كلام في جمهوريّات العسكر


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 8147 - 2024 / 10 / 31 - 22:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في مشهدٍ قصير، ولكنّه مُعبّر، من فيلم "الإرهاب والكباب"، والذي عُرِض لأوّل مرّة في عام 1992، يقدّم الفنان المصري القدير عبد العظيم عبد الحق خُلاصة تجربة حياةٍ قلقةٍ يعيشها المواطن في دول العسكر. ففي الحافلة المُتخمة بالركاب والذاهبة إلى مُجمّع التحرير في وسط القاهرة، يسأل عادل إمام الواقف في الحافلة عبد العظيم عبد الحق الجالس، والذي يمثّل دورَ عجوزٍ مصري يقرأ الجريدة الصباحية في هذا الزحام:
- من كم سنة وأنت تقرأ هذا الكلام في الجريدة يا عم؟
- من سنين طويلة يا ابني، قرأتُ الجريدة وأنا تلميذ، وقرأتها وأنا في الجامعة، وقرأتها وأنا موظّف، وقرأتها وأنا عازب، وقرأتها وأنا متزوج وعندي عيال، وقرأتها وأنا في كامل صحتي، وقرأتها - بعيد عنك وعن السامعين - وأنا عندي المرارة، وكلّه كلام، كلام يا ابني كلام.
يسأل عادل إمام مستغرباً:
- لماذا تشتري الجريدة إذن؟
- مرض، والعياذ بالله.
- ما في حاجة ح ترخص؟
ينهضُ العجوز ويهم بمغادرةِ الحافلة، وهو يصيحُ في الركاب:
- حاجات كثيرة ح ترخص وتبقى بسعر التراب أنا وأنت والأستاذ والمدام وحضراتهم أجمعين. وسّع يا سيدي وسّع، وسّع يا أخي، وسّعي يا مدام، ما توقفيش بالعرض في الأوتوبيس، الوقوف لازم يبقى ورب.
يضحك ركاب الحافلة بصوتٍ مُجلجلٍ، فيقول لهم:
- يا سلام، عجبتكم الهيافة، ولو في حاجة جد يبقى بوزكم شبرين، جتكم بلاوي فيكم وفي أيّامكم السود، وسّع يا سيدي، يا بتوع مصيرها ح تفرج، وسّع، قزازة الكازوزة مرتاحة في صندوقها أكثر منكم، وسّع، ولو حدا ضغط عليها تفرقع.
يردّ أحد الركاب ضاحكاً:
- أصلها مضغوطة غاز.
- وحضراتكم مضغوطين إيه؟ لبن رائب. سلطات، جبنة قريش. يا جبنا، صوتكم ما يعلاش إلا في الفارغة، خليكم في اللي أنتو فيه، ربّوا العيال، وروّقوا نفسكم ليلة الخميس، ويوم الجمعة توضوا وروحوا صلوا، وكفاية عليكم الدعاء وراء الإمام.

ينتهي المشهد بنزولِ العجوز عبد العظيم عبد الحق من باب الحافلة وهو يقول للركاب: جتكم ستين نيلة. ويسير في الشارع ملوحاً بيديه، متمتماً، شاتماً هذا الزمن الأغبر. وأعتقد من وجهةِ نظرٍ شخصيّة أنّ الفيلم من أفضل ما قَدّم عادل إمام، وهو من تأليف وحيد حامد وإخراج شريف عرفة.

يعرضُ الفيلم صورةً بليغةً ومؤثّرة عن حال الشعوب في جمهوريّات العسكر، والتي فشلت فشلاً ذريعاً في تأمين الحدِّ الأدنى من الأمن والأمان والصحة والتعليم والغذاء للمواطن، فصار يحلم بأكلة كباب من العيد للعيد. وهذه مفارقة عجيبة غريبة في دلالتها؛ أن يفشل العسكر في تأمينِ الاستقرار المعيشي لهذه الشعوب "المُبتلاة" بحكمهم. والمُضحك المبكي أنّ شغل العسكر في الأساس حماية المواطن وتأمين العيش الكريم له، والذي عاش مرغماً في جمهوريات العسكر، وصبر ولم يُهاجر.

تعال معي الآن وتأمّل وجه المواطن العربي الذي يعيشُ في جمهوريّات العسكر اليوم: سورية، العراق، لبنان، فلسطين، مصر، السودان، الصومال، تونس، ليبيا، الجزائر، اليمن الذي كان سعيداً، ستجد في عينيه حزناً لا يكفي قرن من البكاء لمحو آثاره، وهذا الحزنُ يظهرُ جليّاً في تفاصيل حياته اليوميّة. ويحضرني في هذا السياق الشاعر السوري البديع بركات لطيف (رحمه الله)، والذي توقف عن كتابةِ الشعر المُباح بسبب جمهوريّة العسكر، وقد كان سائقاً لقطار درعا - دمشق أعواماً وأعواماً. قال في مقدّمة ديوانه الثاني والأخير (أوراق الليمون) الصادر عام 1980 عن وزارة الثقافة والإرشاد القومي في سورية:

الشعر ثقيل الظلّ
عندما نكتبه بين الآلات
وفي البيت تُحطّم أوزانه
طلبات الأطفال
والكلمات ترفض احتواء الأحزان
فهل يكفي يوم من عام
لنفرغ فيه قرناً من البكاء؟!

والسؤال الذي يلحُّ في الخاطر الآن: ما الذي منع ويمنع تحوّل دول العسكر إلى دولٍ يحكمها القانون؟ وعلى العكس من ذلك، تحوَّلت في معظمها إلى دولٍ تحكمها الأجهزة الأمنية بفظاظةٍ مفرطة. هل يا ترى لأنّ "المؤسّسة العسكرية" هي الوحيدة المنظّمة في شكلها العام أمام مؤسّسات الدولة الأخرى، وبالتالي من حقّها (الجيش والأجهزة الأمنية والمخابرات) أن تقود الدولة والمجتمع؟

والسؤال من جديد: لماذا لم تستطع جمهوريات العسكر التي وُلِدت بعد حقبة الانتداب الغربي في الوطن العربي أن تفرز سلطةً سياسيّةً دستوريّةً قانونيّةً تقود الدولة والمجتمع إلى برِّ الأمان، بل أفرزت سلطةً عسكريّة يقودها مجلس قيادة الثورة، ومن ثمَّ الزعيم الخالد مع حزبه القائد، الذي يسعى لتوريث الحكم إلى أولاده من بعده في جمهوريات العسكر، وهذه الظاهرة غريبة، ولكنّها واقع معاش، وتستحق منا التأمّل والبحث والدراسة.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تحتاج إلى الدّين كي تكون إنساناً أخلاقيّاً؟
- في التفكير المستقيم والتفكير الأعوج
- اليسار العربي حاطب ليل
- عطس الأسد فخرج السنور من أنفه
- حسيب كيالي يشكو أمره إلى رئيس الجمهورية
- احتفظ بأصدقائك قريبين وبأعدائك أقرب
- الميسور يأكل ثلجاً في جهنم
- لينين وابن عمي نضال
- كيف أحبَّ جدّي سميرة توفيق؟
- على هامش يوم ميلاد لينين
- كيف ظهر البشر على كوكب الأرض؟
- إرث كونفوشيوس فاق في تأثيره ميراث لينين
- نساء في السجون الأمريكية
- لينين والثورات
- في غياب الوعي المعرفي
- غزّة هاشم ووَعْيُ القضيّة الفلسطينيّة
- رد على كلمة الرفيق سعود قبيلات في تونس
- إن المهمة في غزة هائلة وشاقة
- سوري يأكل رسالة مصطفى أمين
- في السجون الأمريكية


المزيد.....




- بوتين: نسعى إلى إنهاء النزاع في أوكرانيا
- -رسائل عربية للشرع-.. فيصل الفايز يجيب لـRT عن أسئلة كبرى تش ...
- برلماني مصري يحذر من نوايا إسرائيل تجاه بلاده بعد سوريا
- إطلاق نار وعملية طعن في مطار فينيكس بالولايات المتحدة يوم عي ...
- وسائل إعلام عبرية: فرص التوصل إلى اتفاق في غزة قبل تنصيب ترا ...
- الطوارئ الروسية تجلي حوالي 400 شخص من قطاع غزة ولبنان
- سوريا.. غرفة عمليات ردع العدوان تعلن القضاء على المسؤول عن م ...
- أزمة سياسية جديدة بكوريا الجنوبية بعد صدام البرلمان والرئيس ...
- هل أضافت عملية الاحتلال بجباليا شيئا لأهداف الحرب الإستراتيج ...
- رفع حالة التأهب بإسرائيل بعد -هجوم المطار والميناء- في اليمن ...


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - بقايا كلام في جمهوريّات العسكر