ماري تيريز كرياكي
الحوار المتمدن-العدد: 1780 - 2006 / 12 / 30 - 12:29
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
تهادى طائرا فوق السحاب، والعالم ممتد تحته إلى ما لا نهاية، مَلَكَ الفضاءَ بجناحيه الكبيرين، فاتحا صدره لمداعبة الهواء، وعيناه الثاقبتان تمكنانه من رؤية أدق التفاصيل ومراقبة الكائنات الحية التي تتحرك على الأرض. رصد قطة تركض في الحقل فلحق بها وأمسكها، قاومته بكل ما أوتيت من قوة وبدأت تغرز مخالبها بجسمه منتزعة بعض ريشه مسيلة دماءه. وصادف أن مرَّ به طائر آخر وشاهد ما حلَّ به، فقال له: "أتركها، يكفي ما سال من دمك!". فردَّ النسر: "أنا أريد تركها لكنها هي لا يريد تركي".
قصة بسيطة سمعتها من صديق، توصَّف بالضبط واقع حال القوات الأمريكية في العراق. فقد دمر هذا البلد بعد أن تآمر الجميع عليه، ومزِّق وأُدخل في نفق مظلم لا نهاية له، والضحية الأولى هو الإنسان العراقي البسيط الذي لا يريد أكثر من العيش بسلام وكرامة.
ولم ينتهي الأمر عند هذا الحد، فالموآمرة الكبرى هي في محاولة محو ذاكرة هذا الإنسان، والعودة به إلى عصور ما قبل التاريخ، بدءاً من تدمير المكتبة الوطنية في بغداد، إلى نهب المتحف الوطني، ألى قتل الكوادر العلمية، إلى استخدام المدن الأثرية قواعد عسكرية لجنود الاحتلال، هذا عدا التدمير الكامل للبنى التحتية، والخسارة المروعة في الأرواح البشرية وهي الأهم في هذا البلد المنكوب.
غاب صوت العقل، وعلا صوت العنف والطائفية، ووصل الجميع إلى النقطة التي يريدها أعداء العراق ألا وهي الاقتتال الأهلي، هنا فقط يمكننا أن نقول إن أهداف من يريد لهذا البلد الزوال من الخريطة قد تحققت، وحرم العراق فرصة لا يملكها أي بلد عربي آخر، في الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة، وكلنا يعلم ما كان لدى هذا البلد من المؤهلات والقدرات والثروات.
عند بداية الحرب على العراق، قال لي زوجي "قد تستغربين، ولكن هذا هو الانتقام لسبي بابل"، يومها ضحكت لهذه الفكرة المجنونة، ولم يمض أسبوع إلا وكتب صحافي اسرائيلي الكلام ذاته في يديعوت أحرونوت.
الحقيقة، أننا لا نستطيع التيقن من إذا كان ما جرى هوكل ما أعدّ لهذا البلد أم أن في الجعبة مزيداً. ولكننا نأمل في أن يتوقف حمام الدم الحاصل، وأن يعمل العقلاء على إيجاد مخرج من هذا الواقع الأليم. والأمر ليس بصعب إن توفرت النوايا، إذ لا يمكنني أن أصدق أن هذا البلد الذي قدّم أول شريعة في التاريخ غير قادر على إيجاد الحلول، أو إيجاد إستراتيجية تخرج العراق من الكارثة التي حلت به.
#ماري_تيريز_كرياكي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟