|
في الحب
عثمان بوتات
الحوار المتمدن-العدد: 8147 - 2024 / 10 / 31 - 02:23
المحور:
الادب والفن
حيث تشع أنوار فضائل عالم ليس له من وجود بعد، هكذا تكلم زارا
__________
أظن ظنا قويا على ظن أرسطو، ظنا جديد يميزه التجلي في ال" الآن" وفي حدود التجربة المتعمقة ؛ أي كم الولادة المتكررة، وبالتالي كم وزخم التجربة: أن الحب ليس من أهلية الفلسفة، ولا الدين، وقطعا ليس من أهلية العلم.
لقد وُجد الفنان أزليا في التجربة الإنسانية. والفنان دوما كان بحاجة لوسيلة محسوسة تعبر قدر الإمكان عن حالة الحب العميقة التي يعي فيها بالحب ذاته بصفته فنان -أو إنسان- يشعر بالحب قبل أن يدركه.
فهل كان الفنان استثناء جزئي وحده يشعر بهذه الحالة؟ حالة الحب، وبالتالي استبعاد الإنسان ككل في قدرته على الحب! أم علينا أن لا نجزم ونُأَلِّه الفنان؟ وبالتالي كل إنسان قد يكون فنان، ويحِب! هل ما يراد التعبير عنه في الفن دفين بعمق كل إنسان؟ أم هو خاص بنخبة؟
__________
في الفن و الحب . . .
(من قراءتي لهيغل 10 شتنبر 2024) " . . . لدي حدس، وهو حدس عظيم! أن هؤلاء النخبة، أي الفنانون، هم متلقين نخبة كذلك . . . سواء كانوا متدينين أو فلاسفة "
الآن وفي نبش علاقة الحب بالإنسان، أنوي إقصاء فئة العلماء والجزم في أنه لا علاقة لوسط العلوم -الإنسانية منها- بالحب، و لا يُحتمل أبدا أن يتسم العالِم بسمة النخبوي أو أن يفهم الحب. هنا، على المُحِب التنبه جيدا، وأن يحذر من هذه الفئة قدر الإمكان. الأمر لا يتعلق بالنوايا السيئة، بل في أنهم ببساطة غير متمكنين من الفهم. العالِم كائن متطور وذكي جدا، وهذه النزعة الحيوانية بالذات ما تشكل خطرا، وهو خطر قد لا يهم المرأة بوصفها كائن يميل للحيواني. ما دمت لم تستطع شرح فكرتك لطفل عمره 6 أعوام فأنت نفسك لم تفهمها بعد. إنشتاين كان صائبا بهذا القول كعالِم، فالعالِم لا يؤمن إلا بالقابل للفهم. وكل محاولة فهم من العلم للحب مثلا، هي تطفل غير مقبول.
إذا كانت الفلسفة أم كل العلوم، فإنها أم سيئة . . . إذا العلم حديث الولادة، فلا عجب أنه طائش. إنه يشبه المراهق الذي يسخر من العسير على فهمه. وبمناسبة ال"عسير على الفهم" فعلاقة العلم بالله كمفهوم عسير كذلك، هي علاقة معقدة مثيرة للتحليل! . . . الدين كما واضح هو عقدة العلم منذ ولادته، وهو يدفعه لدحضه باستمرار. وفي هذه الحالة، الدين قد يكون أب العلم. وعلاقة الدين بالعلم المتوترة تعود لأسباب نفسية أوديبية -كره الطفل لأبيه-.
أما بعد، ففقر الانفتاح الماورائي لدى العالِم، هو ما يجعل منه جدير بالإقصاء، وبعدم اعتباره كمحب. تماما كفلاسفة رفضوا المرأة في سبيل ممارسة العبقرية . . . يا له من عنوان مثير للكتاب الدراميين: لماذا العباقرة لا يتزوجون؟ . . . فأن يُترك العبقري وشأنه يعبِّر عن حماسه في هذا العالَم، هو أفضل قرار من المرأة.
وفي ما يخص علاقة الفنان بالعلم؟ فهي علاقة سيد بخادم. وهي علاقة لطيفة كانت. فالفنان بحاجة للمحسوس بكل تأكيد في تعبيره، وبه هو بحاجة لخادم يبدع بعبقريته لأجل غاية الفنان المعقدة في سياق آخر "التعبير". وذلك بوسيلة طبيعة، كالعود، والريشة . . . والحال أن نضج العلم بتقنيته أتاح له ليتسلل بخبث إلى مجال الفن، مع إبقاء غايته المادية. وبين الأمس واليوم غاية العالِم الربحية صارت غاية الفنان كذلك! وعلى ما يبدو، هي غاية تعكس رغبة فهم ما هو غير مفهوم، كالحب. إن إرادة كهذه تتحدى الإنسان الغامض في عمقه، فتحاول الكشف عن غموضه. و قد باءت نجاحا في جميع ساحات الفن، وخاصة حديثة الولادة السينما . . . لقد بات الفن الآن استهلاكي شكلا ومفهوم موضوعا! وهذا هو الانحطاط بعينه! فرغم الجمال والتصفيق، إلا أن الفن محاط بسوء فهم خطير! ووضعه متأزم! -بالمعنى المشوه لعبارة فن-. و في وضع هذا التشوه للفن، وبوصف الأخير مؤثر لا شعوري وصانع لفكر وسلوك، قد يغدو هو نفسه خطير! كسلاح في يد العلم يشفط من المتلقي-المستهلك كل إنساني.
الحب يتجسد في الإنسان بالفن، كما الله بالصلاة والتأمل، والطاقة بالكونغ فو، والفكر بالفلسفة . . . الإنسان دوما في المركز، بين الوجودي والموجود، بوصفه حاضر في الوجود داخل الموجود. ذات الإنسان تتحقق بوصفه فنان، أو مؤمن، أو متأمل، أو مقاتل، أو فيلسوف، ذلك أنه يمزج داخل جسده وعقله وطاقته بين الخارجي والداخلي.
" ليس للطريق أهمية إلا بالنسبة للذي هو في بحث" هيدغر يفرض الفكر الهايدغري نفسه حول فعل التفلسف، بأنه فعل تاه الطريق، في ظل التقنية، منشغل بالموجود لا الوجود. لو طبقنا نقد كهذا في الدين، قد يكون الأخير تاه كذلك الطريق منشغلا بالأرضي بدل السمائي، ولطالما كان تائها. ونفس الأمر بالنسبة للفن بانشغاله بالمتلقي بدل ذاته.
الخطر ولو يبدو نتيجة لتوحش علمي واقتصادي كلما أحاط بالمسائل الكونية، إلا أن الخطر في الحقيقة قابع في الإنسان ككل، بنزعة إنسانية أزلية. وما التوجهات المشوهة سوى دلالات لغوية تعبر عن التماهي مع هذه النزعة الإنسانية، الأبولونية في العمق. وهي نزعة يتنفسها الإنسان في كل مجال بصورة مختلفة، كما يتنفس النزعة الديونيسوسية كذلك.
الآن، فليتعلم الإنسان فن الإنصات، أن لا يتماهى . . . الإنسان راع الوجود، واليتيم هذا مجبر على المشي والإنصات للطريق الذي يبدو بمظهر الأخرس، بلغة هايدغر. فكما سبقت الفلسفة وتنبهت للانزياح، كذلك لزم على كل مجال آخر: الدين، والفن. فإذا ما أراد أي مجال إزالة الشوائب الدخيلة، فهو مطالب بتحديد طريق دقيق. لا يجب أن تكون طريق الدين إلا طريق واضحة إلى الله، وأن لا تعيق هذه الطريق أي شوائب دنيوية كانت. ولا يجب أن تكون طريق الفلسفة إلا طريقا مقلقة بسؤال وجودي محض. ولا يجب أن تكون طريق الفن إلا طريقا لحب لا مشروط. كما لا حرج أن يتسم طريق ما بلمسة طريق آخر، كما الحال في التصوف، كما مع اسبينوزا ونيتشه، وكما في "رباعيات الخيام". طريق الحقيقة لا بد وأن يلامس الازدواجية والنقيضين. والحب، بوصفه طريق الفن الخالص، لابد وأن لا يساء فهمه وأن لا يسمح له بالفهم في أي مجال كان. وعلى هذا الأساس، فالحب خاص بالفن، وهو طريق الإنسان المستعد بأن يكون فنان حصرا، ولا لأحد غيره، سواء كان هذا الإنسان صانع لفن أو متلقي لفن.
__________
في الموسيقى والفن والحب . . .
آ ليام، من حيث العمق المأساوي للكلمة، يُكشَف أنها تحظى بحضور قوي ب "أمري لله" لنعيمة سميح . . . في سياق الحب. وفي الوقت ذاته، الكلمة نفسها تتكرر في ألوان مغربية أخرى، ك "فين غادي بيا" لناس الغيوان في سياق ثوري منحط! . . . إنه لا ملامة على العوام إذا ما رأوا في "آ ليام" عبارة صالحة للإفراط في استخدامها. لكن إذا ما تجاوزنا انحطاط الجمهور الذي يصفق ويردد بصخب للانحطاط، وتساءلنا بعدها عن هول الاختلاف بين سياق الحب وأي سياق آخر؟ . . . سنعود ونؤكد: الموسيقى ك فن ليست موسيقى أصيلة إلا في سياق الحب. الحزن، البهجة، الفكر، الدين، السياسة، الخ . . . لا مكان لها كمواضيع بالموسيقى، إلا كتلميح متواضع ربما.
وبالالتفات سريعا لشخص الفنان، فيبدو وضعه مثير للدهشة من ناحية لم يُتَنَبّه لها إلا بطريقة مساء تشخيصها؛ وهي علاقة الفنان بالغير؟ أي، كيف يحِب الغير؟ الافتراض الأول يَعتبر الفنان غبي بما يكفي ليعتقد أن حبه مفهوم من لدى الغير، والافتراض الثاني يعتبر أن له أمل فيه، بوصفه إنسان له ال"القدرة" !
هل لدي الحق في التأويل الموسيقي؟ . . . أتذكر منذ زمن الCassette أن صوت أم كلثوم يتردد على مسامعي شيئا فشيئا، وإلى الآن الموسيقى رفيقتي في كل ساعة وبدون مبالغة! هذا تبريري لجدارة التأويل، أو على الأقل في موسيقى أم كلثوم كمتلقي فريد ومهووس.
__________
في أم كلثوم و الموسيقى والفن والحب . . .
ممارسة الحب -بالمعنى العميق لا القذر كما في ثقافة قذرة كالأمريكية، حيث الدلالة جنسية Make Love- ؛ ليس سر رُقِي موسيقى أم كلثوم وحسب، بل سر رقي الموسيقى ككل. " سري هو حبي لو " كجواب على: ما سر فنك الخاص؟ ( فرنسا 1968 ، لقاء صحفي مع أم كلثوم )
يصف ر. السنباطي أغنية الأطلال بتعبير عن الحب المنزه من كل الغايات . . . ما يثقل كاهله كملحن وكاهل كل مطرب، لملامسة ركيزة الأغنية: الكلمة الشعرية. احذر تلحين الكلمة دون معرفة معناها! -على لسان الشاعر أ. شوقي-. الموسيقى الراقية في هذا السياق، وجب أن لا تطوقها مشاعر طبيعية نهائياً، من شأنها أن تُحزن أو تُبهج أو حتى تُرقص، كغاية العمل الموسيقي الأساسية . . . هذا نوع أخر من سوء فهم الحب في سياقنا السابق، لكن من داخل الفن هذه المرة. ولعل مثال هذا ال"سوء فهم" واضح في ألحان كألحان بليغ حمدى، بوصفه أحد أسوء اختيارات أم كلثوم لصوتها. مع احترام ألحان بليغ مع آخرون، خاصة عبد الحليم، لكن مع أم كلثوم! أعني يا للذوق المنحط الذي مالت له في أواخرها من حيث اللحن والكلمات أيضا! من المستحيل أن يرى في كلمات تشبه "ألف ليلة وليلة" ككلمات معبرة عن الحب إلا ساذج! . . . أقول، ألحان بليغ لأم كثوم -عدا لحن ظلمنا الحب بأعجوبة- أنها ألحان لا تصلح سوى للرقص، والبكاء المزيف . . . وأما سياق حبها فهو طوباوي وسطحي، ولا عجب في أن ألحان رديئة في أعمال أم كلثوم الأخيرة، هي أكثرهم شهرة وإقبال من لدى الجمهور. والملاحَظ على هذا الأساس، أن الملحن-أو الفنان عامة، يبتعد عن الفن -متعمدا أم خاضعا- كلما نزل لمستوى الجمهور واستجاب له ولفهمه.
الفن يتطلب رأس فنان مرفوع بأقصى غرور، يُخضِع المتلقي لمحاولة فهم شاقة، بوصفه إنسان، وليس العكس! الفنان لا يَخضَح لفهم المتلقي العامي! وقمة الفضيلة، أن يحتقر الفنان جمهوره، ويظن فيه القدرة على الفهم بنفس القدر . . . وهنا تصير فضيلة الفنان: الأمل. أي افتراضي الثاني . . .
إذن، فالموسيقى أبدا لم تكن لغة عالمية! إن القول بالعكس هو جهل بالحب مباشر. الموسيقى لغة للنخبة من المحبين فقط. وغاية الموسيقى خاصةً، كفن، هي ليست للنشوة أو للرقص، أو للترفيه، ولا هي جميلة . . . هذه توقعات البسطاء، وهي توقعات يسهل بلوغها في حالات عادية، كالثمول، و ممارسة الجنس، الخ.
__________
في أقبل الليل وأم كلثوم والموسيقى والفن والحب . . .
العمق! . . . فليلاحظ المستمِع النزيه، وهو يستمع لآخر لقاء بين أضخم ثلاثي ( رامي، السنباطي، أم كلثوم) "أقبل الليل"، في المقطع الأخير:
من إلى < والليل يروي الحديث عني > فليرقص المستمع بإسراف، قبل أن يُقمع فجأة في دهشة < يا هدى حيران في ليل الضنى، قد غدوت الآن أدري من أنا > صمت! . . . المستمع في ورطة! هل هذا جواب على <لست أدري من أنا أين أنا؟> في المقطع السابق؟ . . . بلا جواب! ودهشة فلسفية تعادل دهشة "رباعيات الخيام" . . . ثم قمع، وحالة رقص تانيةً < أنا طير رنام في دنيا الأحلام > فقمع عكسي، ومنع للرقص، بل حتى التساؤل، ثم إزالة كل مشاعر مزورة سابقة، واعتراف بمشاعر الحب < كنت وحدي بين أوهامي، وأطياف المنى > وقبل أن يسأل المستمع عن علاقة الوهم بالمنى؟ قمع مرة ثالثة < والتقينا، والتقينا فبدا لي يا حبيبي، يا حبيبي من أنا، أين أنا >.
يا لهذا المستوى الفني! هل بمقدور أي لحن عالميا وتاريخيا كان بلوغه؟ ناهيك عن ذلك الصوت، وهو يعيد ويرتجل! . . . وما أدراك ما أم كلثوم في حضرة ألحان السنباطي! ليعذّب المستمع مشاعريا، بآهاتها، ونطقها السليم، وقوة صوتها . . . فيبكي مجبراً، بكاءً روحياً، لا يعلم به إلا الله. وأما حال المستمع الجسدي فلا وجود له ولا لدموعه، إنه جثة واضعة يديها على وجنتيها، و حاجبيها ممتعضة، فوق عيون تائهة، تابتة جفونها . . .
يا لحظ أرض مصر، أن يقدّر لها نظم رامي، وشدو أم كلثوم، ولحن السنباطي، وعازفين أهل لمطاردة عصارة ثلاثي كمثلهم ! . . . ثم، يا أسفاه! ليصل بهم الحال إلى حال متدني معبر عنه في حلقة ل"الدحيح" تتفصل في شخصية أم كلثوم كمواطنة. ولا ملامة بالطبع على الجمهور، بوصفه متلقي. ولطالما طرحي يفيد أن الفنان سيد فنه، فالمُلام الوحيد هو الفنان، وأم كلثوم نموذجا حين استسلمت لرغبة العامة بأواخرها. والاستسلام غريزة طبيعية، تختلف أشكالها، أحيانا ربحية، وأخرى سياسية . . . وكلها أشكال تخدم المتطفلين من المجالات الأخرى. فكما استسلمت أم كلثوم ربما لشكل اجتماعي، كما الحال مع عبد الهادي بلخياط لشكل ديني، وكما نعيمة سميح لشكل غامض . . .
الواقع مستفز، ويجعل منا أضحوكة! وأنا هنا لا أنتقد الأشخاص، أو فنهم الخاص. لقد كان بمقدوري اتخاد فن الرسم، بصفته فني الخاص، كنموذج يجيب عن علاقتي كفنان بالحب، في لوحة رسمتها قبل سنتين، كدليل لامسته بعمق . . . وأنا أعلم يقينا أنني لن أنتهي في محاولة فهم فني الخاص . . . لكني لم أفعل! لا مع الرسم ولا مع السينما كذلك. لكن فضلت الموسيقى، رغم جهلي التقني بها، لأتبت أمر مهم، كجواب على سؤال طرحته، وأنا أدرى بجوابه: هل ما يراد التعبير عنه في الفن دفين بعمق كل إنسان؟ أم هو خاص بنخبة؟
إنه في الأخير، بالفعل الحب دفين بعمق الإنسان. وأما الفن فإنه مجرد مصطلح لغوي، من الممكن أن يصير خطير. الحب غير زمني، وغير مشروط، أما الفن فهو مقيد بصيرورة ومزاج الإنسان، والآن هو قذِر بالمشروط وبرائحة حيوانية. الحب قي معناه العميق يشبه ذوبان في الغير، المرتبط بنا. وإن جاز التعبير شعريا، فأكاد أشك في نفسي لأني أكاد أشك فيك وأنت مني، بلغة كلثومية، ويا أنا بلغة فايروزية .
__________
من مذكراتي الخاصة، بتصرف . . .
الصواب أن لا يؤخد التغيير على محمل الجد، وما كان ليقلق لولا حالته المأساوية الموت . . . لا للعزف بلحن المؤاخدة! مهما بدى كأس النبيذ جذاب لفعل منحط كهذا. وفضيلة هذا الإمتناع، لا تجعلنا ضحايا في طبعها . . . هكذا تُستفَز المأساة.
شذرات تجربتي لا يفترض أن تثير إهتمام العلماء بالذات. إني أمقت من يترصد لكلماتي بعيون عالم. إن أنوفاً متطفلة لعالم نفس، أو فلك، أو بيولوجيا، أو دين . . . هؤلاء ال"قدريون" ؛ تجذبها رائحة الحب أينما وجد. إنه سيناريو متداول يتقيئون فيه هراء الفطرة، والأبراج، والجينات، والتطور، الخ. لكن محال أن يحسنو الهضم يوما! والحذر من تجربتي أيها السطحيون، فهي تحفر بعمق أبعد من حدود إدراككم . . . لَتتوهوا بعلمكم وتتحطم معرفتكم. احذروا من فهم لغتي! فلتحافظوا على ما لقن لكم آمنا فوق رؤوسكم.
على المحب أن يعتاد فقدان ذاكرته. إن قوة كهذه لا يمتلكها أحد كان إلا محبا حقيقيا في ليالٍ خانقة. وتطهير الذاكرة هذا له ثمن باهض؛ إنه يفضي للتنفس بمشقة وإلى السير في الأغوار.
النقاء بالقذارة؟ يٌحتمل! . . . أنا طاوي على هذا الأساس، لكني تعثرت يوماً ولم أعانق قدري. ولسبب أناني كهذا، رفضت النقاء والقذارة سواء . . .
فلتعلمكم تجربتكم المعاشة مراوغة القدر. أو ابتعدوا! وهنيئا فأنتم بوذيون لا تربَك مشاعركم رغم الموت أو حتى الحياة -كجديرة بالمواساة بالقدر نفسه-. وأما لو اقتربتم سهواً، فلتتحملوا حينها مسؤوليتكم! . . . فليسمع أي كاهن: أنني أخطأت! لكن، ليلامس هذه القوة النادرة مني: إنه لا طمع لي في المغفرة! أنا رافضٌ للشفقة! . . . ولو كانت حالة الضيق والاختناق مثابة عقاب، فهذا قدر مألوف.
عندما تتباطأ أنفاسكم، فملاذكم الوحدة لا الناس . . . إلى غاية التشافي. إن مرض كهذا بالأخص لهو أكثرهم عدوى لو تخلصنا أنانيةً. ( إلى عز الدين، 22 أكتوبر 2024، بني ملال )
إذا تجاهلنا المدنس فما يبدو نقي -كاسم في حالتي- قد يكون في الحقيقة خطير كالسم . . . فيا لها من خطيئة تبدو! وقد غدوت الآن أدرى بخطورة سم ذو رائحة نتنة بكره الحياة تسللت لي. هؤلاء العدمين . . . آاه! كم أسأت الظن بملاطفتهم من باب الصداقة، فما أدراك من باب الحب! . . . الحذر من رفقة العدمي مهما كان جنسه. على المرء الاحتراس من عدوى العدمية هذه.
فليقتدي بي المرء لو أراد حينما أحكم على الإنسان من مظهره. لعلها هبة إلهية تميزني الآن أكثر من أي وقت. وما إذا كان لحكمي منفعة في هذا السياق، فإن مظهر العدمي في الغالب متدين أو لاديني، الخ . . . فقِس على السابق في كل مظهر بمعناه المتطرف. إن التطرف أخطر مظاهر الإنسان! إن المتطرف بالضرورة كاره للحياة.
أليس سردي غامضا؟ . . . ذلك مرادي. ولست طامحاً في أن يُفهم، لا سيما بلغة روائية نثرية، لكن بلغة فلسفية شعرية -أو إذا أردنا بمحبة للحكمة- لو حدث وفُهم. وكما أصرّ " أن ترى ذاتك من خلالي". فعدى شجرة التجربة المعاشة -الذاتية أو الغيرية- كل الثمار لن تزيدنا إلا تجاعيد وشيب. إن التجربة حتما موجودة، ومعاشة، وقاسية كذلك! "ما دمت لم تحترق فأنت لم تولد بعد ! " ( من عبد الكبير 5 أكتوبر 2024، بني ملال )
لكن أن تولد أو لا تولد؟ . . . تلك هي المشكلة! إذا سامحني شكسبير، وهي مشكلة خاصة كذلك، إنما في سياق مختلف، سياق أنطولوجي. أما بعد، فأنا لست خادما لرغبة القارئ العادي بتوقعاته الدرامية. الآن، سأنعرج، وأقمع، وأحذف كل نهاية قد تترقب . . .
#عثمان_بوتات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مرآة الأوهام ( تأويل لفيلم الماتريكس)
-
محاولة تطفل على علم الجمال
-
نعم للحياة
-
محاكمة الفلسفة وأشباه الحكماء
-
المرأة والحب وأشياء أخرى
-
تساؤل حول مشروع سلام بالعصر الحديث
-
العلاقات الآلية
-
رسالة إلى نيتشه والإنسان
-
الفن - اللغة التي يفهمها الكل والبعض ولا أحد -
-
نقد السلوك الأخلاقي وإزالة المفاهيم الدخيلة للفضيلة
-
تساؤلات حول الوجود الإنساني
-
تعدد مفاهيم الحب بين اللاشعوري والإختياري
-
العنصرية الإنسانية
-
الواقع بأذهاننا
-
سيكولوجية المجتمع بين للتناقض والتناغم
المزيد.....
-
شاهدة على تحولات تاريخية ـ عواصم الثقافة الأوروبية عام 2025
...
-
-عباسيون وبيزنطيون رجال ونساء-.. تحولات الحكم في قصور الخلفا
...
-
50 عامًا من الإبداع.. رحيل الفنان الكويتي عبد العزيز الحداد
...
-
حقوق المؤلف سقطت في أميركا عن تان تان وباباي وأعمال همنغواي
...
-
وفاة الفنان الكويتي عبد العزيز الحداد
-
المخرجون السينمائيون الروس الأكثر ربحا في عام 2024
-
تردد قناة روتانا سينما 2025 نايل سات وعرب سات لمتابعة أحدث ا
...
-
أبرز اتجاهات الأدب الروسي للعام الجديد
-
مقاومة الفن والكاريكاتير.. كيف يكون الإبداع سلاحا ضد الاحتلا
...
-
فيلم -الهنا اللي أنا فيه-.. محاولة ضعيفة لاقتناص ضحكات الجمه
...
المزيد.....
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
المزيد.....
|