أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نورجان سرغاية - من وحي الملهاة














المزيد.....


من وحي الملهاة


نورجان سرغاية
كاتبة وناشطة مجتمع مدني

(Nourjan Srghaieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8147 - 2024 / 10 / 31 - 00:53
المحور: الادب والفن
    


بينما كنتُ أسير في دروب الحياة، وجدتُ نفسي ذات ليلة غارقةً في عالم لم أتوقعه، عالم مظلم، غامض، يتداخل فيه الخير مع الشر، وكأنني على وشك أن أعيش مغامرة لا مفر منها.
في تلك اللحظة، ظهر أمامي دانتي أليغييري، الكاتب الذي لطالما أبهرتني رؤيته للآخرة في الكوميديا الإلهية. وعلى غير المتوقع، لم نكن وحيدين في هذه الرحلة؛ كان أبو العلاء المعري يرافقنا أيضاً. سرتُ معهما في غابة كثيفة، تغص بالخطايا والذنوب، حيث تتشابك فروع الأشجار كالأيادي الشريرة التي تحاول سحبنا إلى أعماق الظلام.
في تلك الغابة، لم يكن الشر يأتي من الخارج فقط. كانت كل خطوة نخطوها تُظهِر لنا أن الشر ينبع من الإنسان ذاته.
على ضفاف طريقنا، سمعتُ صوت دانتي يهمس قائلاً: "إذا كان العالم الحالي منحرفاً وضالاً، فابحثوا عن السبب في أنفسكم". كلماته تلك كانت كالخنجر تنكأ أفكاري لتذكرني أن الإنسان هو من يصنع الشر، مُلقياً باللوم دوماً على قوى خارجة عن إرادته، في محاولة يائسة لتنزيه نفسه عن أي مسؤولية….. وأنا في ذروة انغماسي في التحليل، باغتني أبو العلاء وتحدث بهدوء، وكأنما كان يسترجع أفكاره وبدأ يتمتمُ قائلاً: “هذا ما جناه أبي عليَّ وما جنيتُ على أحد.” ليؤكد لي أن الشر الذي يعانيه المرء قد يكون نتيجةً لتراكمات الماضي، لكنه في النهاية يأتي من أفعاله.
بعد أن تخطينا الغابة، دخلنا إلى مكان أعمق: "جحيم البشر". لم يكن الجحيم مكاناً ساكناً، بل بعيداً عن نور الإله…. هنا، كشف لي دانتي عن القلوب الملوثة بالحسد والجشع والغرور، وجدتُ فيها أرواحاً كانت يوماً طامحةً للنجاة، لكنها الآن تعاني الهلاك.
وفي خضم الألم والحسرة شعرتُ بأن هناك شيئاً يتحرك في الظلال، قوة خفية قادرة على تحويل هذا الجحيم إلى شيء مختلف. وبالعودة للحياة الأولى تراءى لي حال الفريقين في الجحيم والجنة، وبحسب نصوص ابن تيمية، فإن أغلب أهل النار على شاكلة نيوتن وغاليليو واينشتاين واديسون وغيرهم، رأيتُ العباقرة أولئك الذين استخدموا عقولهم في الدنيا وتحدوا النصوص الجامدة. في الجحيم، لم ينهزموا. بل بالعكس، كانوا يبنون عالماً جديداً، يستخدمون نيران جهنم كمصدر للطاقة، يبتكرون قباباً زجاجية تعزلهم عن الحرارة الحارقة. لقد كانوا عازمين على إعادة تشكيل واقعهم، كما فعلوا في الحياة الدنيا.
في المقابل، كانت الجنة تنتظر من يقطنها. هناك، وجدتُ الغرور والطمع يتسللان إلى أهلها. يتنازعون على الحور العين، وينهبون النعيم كما نهبوا الكنوز في الحروب. تحولتْ الجنة إلى مسرح للصراعات، يُقسمونها إلى إمارات، يسودها القتال على السلطة والنفوذ، تملأها الدماء والدمار. كانوا يعيشون في وهم دائم، معتقدين أن النعيمَ لن ينتهي، لكن مع كل خطوة، كانوا يقتربون أكثر من هدمه بأيديهم.
وفي لحظة الإدراك المتأخر، حين أصبح النعيم خراباً، انتابتهم موجة من الندم، وبدأوا ينتفون لِحاهم أسفا على تَفصيل فتاوى لرمي العقلاء منهم بالزندقة والفسوق كابن خلدون وابن سينا وابن رشد والفارابي والرازي، حينها لم يبقَ أمامهم إلا اللجوء لسكان جهنم والذين ابتدعوا العلم والصناعة والتكنولوجيا كي يمدوهم بغيض من فيض، لتُعاد الكَرة بفرض الشروط وتقرير المصير،
وتتبادل الجحيم مع النعيم الأدوار، يوم لا يُميز المرء سوى عمله لا نَسبه ولا بَأسه “ومن كان في هذه أعمى فهو في الأخرة أعمى وأضل سبيلا"..



#نورجان_سرغاية (هاشتاغ)       Nourjan_Srghaieh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نور الروح
- لا تكن شريكا بالصمت..!.
- الاستبداد منا وفينا
- سوريا على كف عفريت
- كانوا خلفنا، لماذا تقدموا وتأخرنا؟


المزيد.....




- -عباسيون وبيزنطيون رجال ونساء-.. تحولات الحكم في قصور الخلفا ...
- 50 عامًا من الإبداع.. رحيل الفنان الكويتي عبد العزيز الحداد ...
- حقوق المؤلف سقطت في أميركا عن تان تان وباباي وأعمال همنغواي ...
- وفاة الفنان الكويتي عبد العزيز الحداد
- المخرجون السينمائيون الروس الأكثر ربحا في عام 2024
- تردد قناة روتانا سينما 2025 نايل سات وعرب سات لمتابعة أحدث ا ...
- أبرز اتجاهات الأدب الروسي للعام الجديد
- مقاومة الفن والكاريكاتير.. كيف يكون الإبداع سلاحا ضد الاحتلا ...
- فيلم -الهنا اللي أنا فيه-.. محاولة ضعيفة لاقتناص ضحكات الجمه ...
- أفضل الأفلام الروسية لعام 2024


المزيد.....

- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نورجان سرغاية - من وحي الملهاة