|
السيرة النبوية لابن كثير( دراسة نقدية) القسم الثاني
رحيم فرحان صدام
الحوار المتمدن-العدد: 8144 - 2024 / 10 / 28 - 20:03
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
المعجزات النبوية طبقا لابن كثير عند استقراء النصوص القرآنية نجد عشرات الآيات التي تعلل امتناع الله عن اتيان المعجزات التي يطالبه بها الرسول او المؤمنون او المشركون او اهل الكتاب ، ووفق هذا المنطلق الاستقرائي نستطيع ان نحدد خمسة مستويات للتعليل: 1-التعليل بالتكذيب : ذكر القرآن ان اكثر الانبياء والمرسلين السابقين الذين كذبهم قومهم رغم ما قدموا من معجزات ، وفي مقدمتهم قوم النبي موسى مع انه كان من اكثر الأنبياء معجزة قال تعالى : {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}(1). وقائمة الانبياء والمرسلين الذين كذبهم قومهم ، سواء أتوهم بالمعجزات ام لم يأتوهم طويلة جدا. ونستنتج من سورة آل عمران ، والخطاب موجه الى الرسول : {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ} (2) وبناء على التجارب الماضية مع الانبياء والرسل السابقين ، يأتي قوله تعالى: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} (3) ثم تأتي سورة الاسراء لتحسم موضوع المعجزات المضنون بها على الرسول دون غيره من الانبياء والرسل ، حسما لا يقبل جدلا : {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ } (4).
2- التعليل بالتأويل السحري : هناك عدة آيات ترد الرفض الالهي عن اتيان المعجزات او الاذن للنبي بإتيانها الى كون المعجزات التي اتاها الانبياء والمرسلون السابقون قد فسرها قومهم على انها فعل من افعال السحر . فالسحر كالمعجزة يشل العقل ، ولكنه يوظف هذا الشلل لصالح قدرة شيطانية لا لصالح القدرة الالهية، ومن هنا خطورة التأويل السحري للمعجزات التي قد يأذن بها الله بإتيانها . ففي هذه الحالة خير له ولدين التوحيد الذي بعث للدعوة اليه ان لا يؤذن بأتياها. ومثال الانبياء الذين تقدموه ناطق بالدلالة من هذا المنظور . فالسيد المسيح الذي أذن الله له ان يبرأ الاكمه والابرص وان يحيي الموتى ، قوبل ما قوبلت معجزاته من قبل الذين كفروا من قومه الا بالقول : {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} (5) ومن قبله كان موسى قد لقي الجواب نفسه لما بعثه الله الى قوم فرعون بآياته {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى} (6) ولئن يكن موسى ، وهو الذي أتى ما أتاه من المعجزات والبينات، قد أتهم بأنه :{ سَاحِرٌ كَذَّابٌ } (7) فما الداعي ان يركب الرسول المركب نفسه ؟ ألم يرمه قومه ، بدون يأتي بمعجزات ، لمجرد انه بلغهم رسالات ربه بلسان مبين، بأنه هو الاخر : {سَاحِرٌ كَذَّابٌ } (8) وما الحاجة الى مزيد من المعجزات ، وهي محض معجزة بيانية ، ولا سيما المادية منها ، قد وصفت من قبل قوم محمد بانه : {سِحْرٌ مُبِينٌ }(9) وبكلمة أخرى : ما دام قوم النبي محمد هؤلاء {وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) } (10)، وما داموا {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ } (11) أفليس منع المعجزات عنهم هو خير سبيل الى احباط استراتيجيتهم او بتعبير الفقهاء سد باب الذرائع عليهم.
3- التعليل بالتعذيب : مع ذلك كله فان الله لا يضن على نبيه بان يلبي طلبا اخيرا له بشرط رهيب : التعذيب ومضاعفة العذاب ان اصروا على الكفر وعدم الايمان ، هكذا كان امر من سبقهم من الاقوام الذين كفروا بآيات أنبيائهم ورسلهم ، وهكذا سيكون امرهم ان كفروا بدورهم بآيات رسولهم : كقوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (12) وقوله تعالى: {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} (13) وهكذا تفيدنا كتب السيرة انه عندما قال اهل مكة للرسول : " والله لن نؤمن بك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما، ثم ترقى فيه وأنا أنظر إليك حتى تأتيها ثم تأتي معك بصك: أي كتاب معه أربعة من الملائكة يشهدون أنك كما تقول"، وهذا ما اشارت اليه الآيات (90-93) من سورة الاسراء " خيره بين أن يعطيه جميع ما سألوا، وأنهم إن كفروا بعد ذلك أبادهم بالعذاب كالأقوام السابقة، وبين أن يفتح لهم باب الرحمة والتوبة لعلهم يتوبون وإليه راجعون، فاختار الثاني، لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم من كثير منهم العناد، وأنهم لا يؤمنون، وإن حصل ما سألوا فيستأصلوا بالعذاب"(14). 4-التعليل بعدم الفائدة وعدم العلية : اذ ما الغاية من انزال المعجزات في خاتمة المطاف؟ أن يصدق المشركون وأن يؤمن به اهل الكتاب . ولكن من قال ان الايمان وعدمه في أيديهم ؟ ومن قال ان لهم حرية الاختيار حتى يقتنعوا او لا يقتنعوا ببرهان المعجزة ؟ ثم من قال ان الرسول نفسه مكلف بإقناعهم؟ فهو ليس له من مهمة أخرى سوى التبليغ . وباستثناء التبليغ فانه مكفوف اليد {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ } (15) بل ان ما يبديه من حرص على أن يؤمن المؤمنون قد يضعه في موضع التعارض مع المشيئة الالهية {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ } (16) وقد يعرضه للمسائلة والملامة {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}(17) ذلك انه {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا } (18) أذن ليس بين الايمان وعدمه وبين المعجزة وعدمها من رابطة علية . فلا المعجزة تستبع الايمان ، ولا عدمها يستتبع عدم الايمان : {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97) } .(19)
5- التعليل بالآيات الكونية : اذ ما الحاجة في خاتمة المطاف الى معجزات جديدة ؟ فمن يطلب دليل المعجزة فما عليه الا ان يجيل نظره في الكون ليجده عبارة عن معجزات لا تعد ولا تحصى ، منذ خلق الكون من العدم الى اليوم، فكل ما في الكون معجزة ، من النطفة التي تتخلق في الرحم علقة ثم مضغة ثم جنينا ثم انسانا سويا الى الجبال التي نصبت والارض التي سطحت والسماء التي رفعت بغير عمد، والآيات الكونية في متلف سور القرآن الكريم ، وتكاد تؤلف نصف السور المكية ، فعلى سبيل المثال الآيات (20-25 ) من سورة الروم : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) } . بل ان سورة الرحمن المكية بآياتها الثماني والسبعين ، والموجه فيها الخطاب بالمثنى الى الجن والانس ، تستعرض الآيات الكونية الواحدة بعد الاخرى بإيقاع جمالي يندر مثيله في سائر السور ، مكرر السؤال بعد الاشارة الى كل معجزة : { فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.(20) والحقيقة أنه لا يمكن للمرء أن يشك في بأعجاز القرآن البلاغي لا سيما انه يجد مبرره الجمالي في السور المكية التي تتغنى بسمفونية الكون ولألاء معجزاته . ومع ذلك فثم سؤال يفرض نفسه : فالمعجزات الكونية ان أريد لها ان تكون شاهدا فهي لا تشهد في هذه الحال الا على الوهية الخالق و قدرته. بينما طالبي دليل المعجزة من المشركين واهل الكتاب ما كانوا يمارون في الالوهية ولا في قدرة الله ، وانما كان مطلبهم معجزة أو معجزات تشهد على نبوة الرسول . في القرن الثامن الهجري بقي عدد المعجزات ثابتا لدى ابن كثير لم يتغير عما كان عليه لدى القاضي عياض (ت544 ه/ 1149م) في القرن السادس . ولكن ابن كثير- الذي جمع أوسع سيرة نبوية - احدث بالمقابل تغييرا منهجيا جذريا في كيفية عرض المعجزات. فبدلا من الاختصار بالعرض والاكتفاء بذكر معجزة واحدة مهما تعددت الروايات والاسانيد ، عمد الى العكس ، فذكر للمعجزة الواحدة عدة روايات حتى لو بلغت عشرا . وليس يخفى ما الغائية وراء هذا الانقلاب في المنهج ؛ فمعلوم ان قصص المعجزات قد جاءت كلها – كما يؤكد ذلك الماوردي في اعلام النبوة (21)- عن طريق الاخبار الآحاد. والاخبار الآحاد كانت موضع جدال وأخذ ورد بصدد نصابها ودرجتها من المصداقية. ولكن عندما تعدد الاسانيد عن القصة – وهي هنا المعجزة – فإن تعددها يوحي بأنها متواترة ، مما يقلل الشك الذي يحيط بالخبر الواحد الى درجة اليقين . وهذه هي الغاية التي سعى ابن كثير من وراء جمعه القصص والاسانيد المتعددة عن المعجزة الواحدة ، وهذا الذي صرح به في اكثر من موضع من الفصل الطويل الذي عقده من كتابه البداية والنهاية وأفرده في مجلد مستقل بعنوان كتاب دلائل النبوة . ومن ذلك على سبيل المثال ما فعله عند حديثه عن معجزة حنين الجذع عندما تحول عنه الرسول الى المنبر . ففي مطلع الباب الذي يفرده [بَابُ حَنِينِ الْجِزْعِ شَوْقًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] وَشَفَقًا مِنْ فِرَاقِهِ يقول :" وَقَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ تُفِيدُ الْقَطْعَ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ وَفُرْسَانِ هَذَا الْمَيْدَانِ" (22)، ثم ، بعد ان يورد تسع احاديث في هذا الشأن ، ومن عشرين طريقا -اي اسنادا- مختلفا ، ينتهي الى الاستنتاج بحزم :" فَهَذِهِ الطُّرُقُ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ تُفِيدُ الْقَطْعَ بِوُقُوعِ ذَلِكَ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الْفَنِّ، وَكَذَا مَنْ تَأَمَّلَهَا، وَأَمْعَنَ فِيهَا النَّظَرَ وَالتَّأَمُّلَ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِأَحْوَالِ الرِّجَالِ "(23) . يمكن ملاحظة أن المنهج القطعي، الذي يتخذ الكثرة معيارا للدليل ، لا يمنع ابن كثير من توظيف كل طاقته النقدية للطعن في صحة حديث من احاديث المعجزات ينسب الى الرسول معجزة رد الشمس بعد مغيبها . وهذا الحديث في اغلب المصادر الى اسماء بنت عميس الخثعمية (24)، وفي بعضها الى ابي هريرة وابي سعيد الخدري ، يقول في احد صيغها :" «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوحَى إِلَيْهِ وَرَأَسُهُ فِي حِجْرِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: " صَلَّيْتَ؟ " قَالَ: لَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْسَ ". قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَرَأَيْتُهَا غَرَبَتْ، ثُمَّ رَأَيْتُهَا طَلَعَتْ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ.» قِيلَ لَهُ: كَيْفَ لَنَا بِصِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ لِنَحْتَجَّ عَلَى مُخَالِفِينَا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؟ ! وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ جِدًّا، لَا أَصْلَ لَهُ، وَهَذَا مِمَّا كَسَبَتْ أَيْدِي الرَّوَافِضِ، وَلَوْ رُدَّتِ الشَّمْسُ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ لَرَآهَا الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَنَقَلُوا إِلَيْنَا أَنَّ فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا فِي سَنَةِ كَذَا رُدَّتِ الشَّمْسُ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ.» (25) ، ومع ان هذا الحديث تعددت رواته واسانيده وقبله احمد بن صالح(26) والطحاوي(27) والطبراني (28) والقاضي عياض(29) ، فقد رده ابن كثير غير متقيد بما قاله من أن " الطرق المتعددة تفيد القطع " . وواضح السبب الحقيقي لرده هذا الحديث ؛ لان معجزة رد الشمس بعد مغيبها تشهد للإمام علي بما لم يشهد به غيره لابي بكر أو لعمر بن الخطاب ؛ ولهذا السبب عد ابن الجوزي (30) وعلماء ناطقون اخرون باسم الاسلام السني هذا الحديث من الموضوعات (31)، وبالفعل يشير ابن كثير نفسه الى أن الحديث قد استغل من " الروافض قبحهم الله " وقد طعن في سلسلة اسناده قائلا :" هذا الحديث ضعيف ومنكر من جميع طرقه ، فلا تخلو واحدة منها عن شيعي مجهول ، وشيعي متروك ... وكل هذا يدل على أنه مصنوع مفتعل يسرقه هؤلاء الرافضة بعضهم من بعض "(32). وهذه المنهجية القطعية هي التي يعتمدها ايضا عندما يتحدث عن معجزات تكثير الطعام أو انباع الماء وتكثيره . وهي معجزات تكتسب اهمية خاصة في مجتمع القلة وشح الماء والطعام الذي كأنه مجتمع المدينة – مجتمع شبه جزيرة العرب عموما- قبل ان يتدفق عليه ناتج غنائم الفتوحات . ففي باب ( تكثيره عليه السلام الاطعمة ) يورد نحوا من اربعين معجزة ، ويورد احيانا للمعجزة الواحدة وجوها وروايات متعددة هذه الصيغة التي يكررها الى ما لا نهاية (حديث آخر في هذه القصة) .(33) وبعد معجزات تكثير الطعام يورد ابن كثير نحوا من عشرين معجزة في تكثير الماء . وبديهي أن المعجزات المائية في بيئة يمثل فيها الماء كدليل على النبوة . ولا غرو ان يكون ابن كثير قد أرتأى أن يعطيها ، ومن المعجزات التي يوردها في هذا الباب : وبعد ان يقارن معجزة نوح في سفينته ب( المعجزة المحمدية ) في السير على الماء ، يلاحظ ان الاخيرة (أعجب) ؛ لان "حَمْلَ الْمَاءِ للنَّاس مِنْ غَيْرِ سَفِينَةٍ أَعْظَمُ مِنَ السُّلوك عَلَيْهِ فِي السَّفينة" (34) وبعد ان يقارن بين معجزة موسى في فلق البحر و( المعجزة المحمدية ) في السير على الماء يلاحظ ان هذه الاخيرة " أعجب ... وأعظم وأغرب " من جهة ان الماء جار " والسير عليه أعجب من السير على الماء القار " (35). الواقع أن الغريب في هذه المحاكمة –فضلا عن افتعالها المنطقي –هو انها تدرج في عداد ( المعجزات المحمدية) معجزات تمت ، لا على يد الرسول بل على أيدي (أوليائه) فمن مشى على الماء في المعجزة الاولى ليس الرسول بل العلاء بن الحضرمي(36) الذي تنسب اليه بالمناسبة كرامات عديدة . كذلك فان من اقتحم نهر دجلة وهو في حالة طوفان ليس الرسول بل ابو مسلم الخولاني (37) الذي تعزى اليه كرامات اكثر اسطورية بعد تلك التي تعزى الى العلاء بن الحضرمي. ولا يتردد ابن كثير ، بعد أن يورد اشباه هذه الاساطير، في ان يجزم :" هذه الكرامات لهؤلاء الاولياء هي معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لانهم انما نالوها ببركة متابعته ويمن سفارته " (38) ولذلك علق الشيخ الاميني على هذه الرواية وأمثالها التي نسجتها اليد الغلو فقال ما نصه : " نسجت يد الاختلاق هذه المفتعلات كوسام لأبي مسلم شكرا على تقدمه في ولاء أبناء بيت أمية ، وعداءه المحتدم لأهل بيت الوحي ، كان الرجل عثمانيا أموي النزعة ، خارجا على إمام زمانه تحت راية القاسطين ، وهو القائل(39) : يا أهل المدينة ! كنتم بين قاتل وخاذل ، فكلا جزى الله شرا ، يا أهل المدينة ! لأنتم شر من ثمود إن ثمود قتلوا ناقة الله ، وأنتم قتلتم خليفة الله ، وخليفة الله أكرم عليه من ناقته ". (40) كما تناول ابن كثير الدلائل الأرضية سواءً ما يتعلق بالجمادات أو الحيوانات.(41) الهوامش (1) [الأعراف: 132]. (2) [ آل عمران: 184]. (3) [يونس: 101]. (4) [الإسراء: 59]. (5) [المائدة: 110] . (6) [القصص: 36]. (7) [غافر: 24]. (8) [ص: 4] . (9) [الأحقاف: 7]. (10) [الصافات: 14 - 15]. (11) [القمر: 2]. (12) [البقرة: 211]. (13) [المائدة: 115]. (14) الحلبي ، علي بن برهان الدين ( ت 1044 هـ / 1634م) ، السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون، دار المعرفة ، (بيروت-1400هـ/ 1980 م). (1/ 436). (15) [آل عمران: 128]. (16) [النحل: 37]. (17) [يونس: 99]. (18) [النساء: 88]. (19) [يونس: 96، 97]. (20) [الرحمن: 13]. (21) الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد البصري ، (ت 450هـ/1056م)، أعلام النبوة ، الناشر: دار ومكتبة الهلال – بيروت، الطبعة: الأول - 1409هـ.(ص: 102). (22) ينظر: ابن كثير: عماد الدين إسماعيل بن عمر الدمشقي (ت774هـ/1373م)، البداية والنهاية ، تحقيق عبد الله التركي بالتعاون مع مؤسسة البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر. القاهرة، ط1، 1420ه. (8/ 679). (23) البداية والنهاية (8/ 693). (24) أسماء بنت عميس بن معد بن تيم بن الحارث الخثعميّ: صحابية، كان لها شأن. أسلمت قبل دخول النبي دار الأرقم بمكة، وهاجرت إلى أرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب، فولدت له عبد الله ومحمدا وعوفا، ثم قتل عنها جعفر شهيدا في وقعة مؤتة سنة (8ه)ـ فتزوجها أبو بكر فولدت له محمدا ابن أبي بكر، وتوفي عنها أبو بكر فتزوجها علي بن أبي طالب فولدت له يحيى وعونا. وماتت بعد الامام عليّ. في حدود سنة (40هـ/ 661م). للمزيد يراجع عنها ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع الزهري مولاهم (ت 230هـ/837 م)، الطبقات الكبرى، تحقيق : إحسان عباس، دار صادر، (بيروت ـ د.ت). 8: 205. (25) البداية والنهاية (8/ 570). (26) البداية والنهاية (8/ 570). (27) أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري (ت 321ه/ 933م): شرح مشكل الآثار ، تحقيق: شعيب الأرنؤوط ،الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، بيروت - 1415هـ/ 1494م. (3/ 92). (28) الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد (ت 360هـ/966م).المعجم الكبير، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، ط2، مكتبة العلوم والحكم، ( الموصل -1983م ).(24/ 151). (29) البداية والنهاية (8/ 570). (30) ينظر: ابن الجوزي: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي القرشي (ت597ه/1200م)، الموضوعات، تحقيق: توفيق حمدان، بيروت، 1415هـ .(2/ 119). (31) ينظر: العقيلي ، أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد ( ت 322هـ / 934م)، الضعفاء الكبير، تحقيق: الدكتور مازن السرساوي ، الناشر: دار ابن عباس – مصر ، الطبعة: الثانية، 2008 م . (4/ 407)؛ ابن حجر: أحمد بن علي العسقلاني(ت852هـ/1459م)، لسان الميزان، اعتنى به: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، اعتنى بإخراجه: سلمان عبد الفتاح، مكتبة المطبوعات الإسلامية، (د.م ـ د.ت). (4/ 276)؛ الشوكاني، محمد بن علي (ت 1250هـ/ 1834م)، الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، المحقق: عبد الرحمن بن يحي المعلمي اليماني، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت. (ص: 350). (32) ينظر: البداية والنهاية (6/ 77-87). (33) ينظر : البداية والنهاية (6/ 77-87). وليس من قبيل الصدفة أن تكون كثرة من روايات تكثير الطعام وردت على لسان ابي هريرة وهو الذي كان يقول :" وَإِنْ كُنْتُ لَأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الْجُوعِ" ينظر : البداية والنهاية (8/ 624). (34) البداية والنهاية (6/ 290). (35) البداية والنهاية (6/ 290). (36) العلاء ابن الحَضْرَمي : العلاء بن عبد الله الحضرميّ: صحابي، من رجال الفتوح في صدر الإسلام. أصله من حضرموت. سكن أبوه مكة، فولد بها العلاء ونشأ. وولاه الرسول البحرين سنة (8هـ ) وجعل له جباية الصدقة وأعطاه كتابا فيه فرائض الصدقة في الإبل والبقر والغنم والثمار والأموال، وأمره أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم ويردّها على فقرائهم. وبعد وفاة النبي أقرّه الخليفة أبو بكر، ثم عمر ووجهه عمر إلى البصرة فمات في الطريق سنة (21 هـ / 642 م)، في قرية من أرض تميم اسمها " لياس " وقيل: مات في البحرين. للمزيد يراجع عنه ابن سعد: الطبقات الكبرى ، ج 4 ص 76. (37) ابو مسلم الخولاني: عبد الله بن ثوب (بضم ففتح) الخولانيّ: تابعيّ، فقيه عابد زاهد، نعته الذهبي بريحانة الشام. أصله من اليمن. أدرك الجاهلية، وأسلم قبل وفاة النبي صلّى الله عليه وسلم ولم يره، فقدم المدينة في خلافة أبي بكر، وهاجر إلى الشام، وفي أكثر المصادر: وفاته بدمشق سنة (62هـ / 682 م) . للمزيد يراجع عنه الذهبي، شمس الدين: محمد بن أحمد بن عثمان التركماني (ت 748هـ/1357م)، تذكرة الحفاظ ، الناشر: دار الكتب العلمية ، الطبعة: الأولى ، (بيروت- 1419هـ/ 1998م). 1: 46؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، دار الفكر، (بيروت -1984). 12: 235. (38) البداية والنهاية (6/ 293). (39) المنقري، أبو الفضل نصر بن مزاحم، (ت 212هـ/ 827 م)، وقعة صفين، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، المؤسسة العربية الحديثة، ط2، (القاهرة ـ 1962) ، ص 95 - 98 ؛ ابن عساكر، علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي، (ت 571هـ/1277م)، تاريخ مدينة دمشق، دراسة وتحقيق: علي شيري، دار الفكر ،(بيروت ـ 1995). (27/ 221)؛ ابن أبي الحديد، عز الدين عبد الحميد بن هبة الله المدائني (ت 656هـ/1263م)، شرح نهج البلاغة، كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، جمعه: الشريف الرضي، تحقيق: محمد أبو الفضل، المكتبة العصرية، (بيروت-1959م).3 : 408 . (40) الشيخ الأميني: عبد الحسين أحمد النجفي (ت1971م)، الغدير في الكتاب والسنة والأدب، دار الكتاب العربي، الطبعة الرابعة، بيروت ، ( 1397هـ/ 1977م) ، ج ١١، ص ١٢٣. (41) البداية والنهاية 8/604.
#رحيم_فرحان_صدام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السيرة النبوية لابن كثير( دراسة نقدية) القسم الاول
-
موقف البخاري من حديث الغدير
-
علوم الشعبي وآثاره
-
رواية الشعبي حادثة المباهلة
-
قضية فدك في رواية الشعبي
-
رواية عامر الشعبي عدم حفظ الامام علي القرآن
-
عامر الشعبي اسمه ونسبه وكنيته ونسبته
-
من خصائص أبي بكر
-
اخلاق الشعبي وصفاته
-
عقيدة عامر الشعبي
-
صبية النار
-
عقيدة معاوية بين كتب المعتزلة واهل الحديث
-
موقف الامام الذهبي من قاتل الامام علي عليه السلام
-
حديث المطالع والمغارب
-
سلسلة الجذور التاريخية لداعش الوهابية 13
-
علاقة ابن ملجم بعمر بن الخطاب
-
سلسلة الجذور التاريخية لداعش الوهابية 9 ابن تيمية المؤسس الح
...
-
سلسلة الجذور التاريخية لداعش الوهابية 5 فِتْنَةِ الْحَنَابِل
...
-
سلسلة الجذور التاريخية لداعش الوهابية 8 تفجير المساجد
-
موقف ابن حبان من الامام علي الرضا عليه السلام
المزيد.....
-
السعودية.. فيديو قطة سوداء -تقتحم- بث الأميرة ريما بنت بندر
...
-
زلة جديدة لبايدن تشعل السجال الانتخابي..هاريس تسعى لاحتواء ت
...
-
-أوقفوا إطلاق النار الآن-.. معارضون لحرب غزة يقاطعون خطاب لك
...
-
الأمن السعودي يقبض على سوداني -تحرش بحدث- وتكشف هويته
-
الكويت.. فيديو داخل حفل مخالف ومداهمة وزير الداخلية يشعل تفا
...
-
لبنان.. إسرائيل تصعد وأميركا ترسل وفدا
-
مطاردة الحلم الجورجي: إلى ماذا ستقود الضغوط الغربية على تبيل
...
-
استهداف العمق الروسي بلا معنى
-
جامعة الدول العربية تعقد اجتماعا طارئا بناء على طلب الأردن
-
واشنطن: إطلاق صاروخ كوري شمالي مؤخرا يؤجج التوتر بالمنطقة
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|